تميز حسن المودن بكتابات نقدية رصينة، حيث أسس لاسمه بنصوص مائزة، لا تشبه الآخرين، وإن ارتبطت بهم، وتشابكت مع عوالمهم، وتقاطعت مع انشغالاتهم.. وقد كان لعمله أفق رؤية موسعة، قابلة لامتصاص رؤى نقدية في اختلافاتها وفي تكاملها. وهو متابع للمسار النقدي في اجتهاداته وإضافاته، بل يلاحق ما ينتج هنا وهناك من نظريات وكتابات ونصوص في النقد، بالإضافة إلى معرفته الطويلة والعميقة بالنصوص الإبداعية، والإنصات إلى نبضاتها، مثل عاشق تقض مضجعه، ويتابع تفاصيلها وتحولاتها، ويلازم تلك التي تسائل جوهر الإنسان، وتحفر في كينونته. الحفر في النصوص من خلال « لاوعي النص « باعتباره أساس الكتابة عند الناقد والباحث الأكاديمي حسن المودن. مشروع حسن المودن لم يكتمل ، ولن يكتمل لأنه ينطلق من مبدأ التعلم والاجتهاد؛ هذا التعلم الذي يورطنا في كتابة في صيرورة؛ كتابة تجدد ذاتها، تنسج خيوط بنائها بتؤدة، وبخطوات ثابتة في غابة الكتابة التي تحتاج إلى كثير من المغامرة، لعل الكائن يستحق الانتساب إليها.. ولذلك فالكتابة عند حسن المودن تعني الإبداع أيضا، حيث تفتح مسارات تتشابك فيها الأجناس، وتصبح لغة الناقد وخياله مساحة لقراءة أخرى.. وبتأملنا في المسار النقدي عند حسن المودن منذ أواخر الثمانينات، نرى أن كتابته ترتكز على مجموعة من الخصائص: 1- اشتغاله على التحليل النفسي في علاقته بالأدب، ومثابرته لتوسيع هذه العلاقة الملتبسة وتجديدها، معتمدًا على أهم المنجزات في هذا الاتجاه، مدمجا التحليل النفسي داخل القراءة النقدية، بحيث تصبح مفاهيم التحليل النفسي أدوات للتحليل النقدي، ضمن ما يسمى بالتحليل النصي. 2- إنصاته للنصوص الإبداعية، وتربصه للقبض على ألم الكتابة فيها، من أجل استنطاق كينونتها، بكتابة نقدية ذات شعرية خاصة، تتشابك مع النص المقروء، دون أن تتقيد بمقاصده، بل في كثير من الأحيان تضيء له مسارات أخرى، أعتبرها سراديب النص التي لا يصل إليها سوى العارف بالخرائط السرية للكتابة. 3- اعتماده على مرجعية نقدية واسعة، معتبرًا منجزات النقد الأدبي بخلفياته الفلسفية والنفسية والتأويلية، حدائق يتجول فيها دون أي قيود أو إرغامات دوغمائية تمنعه من الاستفادة والاستمتاع، مما يجعل كتابته النقدية تترك للنص الإبداعي المجال ليتكلم، ويبقى للناقد دور الإنصات.. تلك كانت أهم مميزات المشروع النقدي عند حسن المودن، اشتغل عليه لأكثر من ثلاثة عقود، وبذلك نكتشف أن الوعي النقدي عنده يتشكل مع كل قراءة، ليفسح المجال لتوسيعه، وتعميق أطروحته في النقد، من داخل علاقة الأدب بالتحليل النفسي.