من المؤكد أن ما يحدث في بورما، يستحق التحرك العاجل من طرف المنتظم الدولي لاستجلاء الحقيقة حول الاتهامات الموجهة لسلطات هذا البلد، بارتكاب مجازر في حق الأقلية المسلمة، ووضع حد للاضطهاد الذي تتعرض له، مع ترتيب الجزاءات في حالة ثبوت ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. التحرك العاجل للمنتظم الدولي ضروري، لأن هناك سوابق حصلت فيها مجازر وإبادة جماعية، ولم يتحرك الضمير العالمي، إلا بعد فوات الأوان، مثلما حصل في سيريبرينيكا التي حاصرتها القوات الصربية، سنة 1995، وارتكبت مجزرة في حق سكانها البوسنيين، ليصل عدد الضحايا إلى حوالي 8000 قتيل. حدث كل هذا تحت أنظار القبعات الزرق، التي لم تتلق أية تعليمات لتتحرك ضد هذه الجرائم. نفس الوضع عاشته رواندا، سنة قبل ذلك، حيث قامت القوات والميليشيات الحكومية، المنتمية لقبائل الهوتو، بالإبادة الجماعية للمنتمين لقبائل التوتسي، ليصل عدد القتلى، إلى حوالي مليون قتيل. وسواء في البوسنة أو في رواندا، فقد تم اغتصاب آلاف النساء. المثير في عملية الإبادة التي تمت في رواندا، ليس حدوثها تحت أنظار قوات الأممالمتحدة، بل أكثر من ذلك، فقد تم توجيه الاتهام للقوات الفرنسية، بالتواطؤ مع المجرمين. ما يحصل في بورما هذه الأيام، يتم تحت تعتيم إعلامي شديد، لأن سلطات هذا البلد تمنع الصحافة من تغطية ما يحدث، مما اضطر البي بي سي إلى تعليق برامجها الموجهة لتلفزة بورما، احتجاجاً على الرقابة التي تتعرض لها من الحكومة، لذلك فإن المعطيات تظل ناقصة، وقد تناقلت الصحف الفرنسية، أخباراً عن الوضع، اكتفت فيها بالحديث عن 400 قتيل جراء مواجهة بين القوات الحكومية ومتمردين من هذه الأقلية، مما أدى إلى نزوح حوالي 80 ألف منها إلى بانغلادش، في الوقت الذي نقلت فيه وكالة الأبناء الفرنسية إفادات من نازحين من الروهينغا، تفضح قتل عائلاتهم وحرق قراهم من طرف القوات الحكومية وميليشيات بوذية، بينما تحدثت الصحافة البريطانية، بِنَاء على شهود عيان، عن قتل وحرق رجال وأطفال. كل هذه الأخبار تظل ناقصة، وغير كافية، لمعرفة حقيقة ما يجري، لأن الأممالمتحدة مازالت تصف ما يحدث ب»أزمة إنسانية»، بسبب النازحين لبنغلاديش. غير أن الناشطة الباكستانية والحائزة على نوبل للسلام، ملالا يوسفزاي، أدانت ما اعتبرته «معاملة مأساوية ومخزية» ضد الروهينغا. هناك مخاوف حقيقية، من أن تتكرر مآسي سيريبرينيكا ورواندا، في بورما، تحت أنظار العالم، الذي قد يتحرك بعد فوات الأوان.