يطرح مفهوم « الأدب المغربي الحديث» الغالب على معظم الكتابات الأدبية والنقدية في المغرب وباقي بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، إشكالية ترتبط بالايديولوجيا السائدة، وبالعقلية الثقافية المهيمنة، وبالخلفيات الفكرية التي ما زالت تتحكم في منظور الكتاب والمثقفين المغاربة إلى أدبهم المغربي، وهي نفس النظرة التي تكرسها المنابر والمؤسسات الثقافية في هذه البلدان المهيمنة على إنتاج وإعادة إنتاج الثقافة العربية. فالايديولوجيا المهيمنة في الساحة الثقافية والأدبية والفكرية بالمغرب ما زالت تتعامل مع مفهوم الأدب المغربي بنفس الايديولوجيا وبنفس النظرة السياسية المهيمنة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وكأن الأدب المغربي الحديث لا يمثله إلا وجه واحد ووحيد هو وجهه العربي أي المكتوب بالعربية، وكأن الأدب الأمازيغي المغربي المكتوب منذ السبعينات من القرن الماضي لا يمثل الأدب المغربي في شيء ولا ينتمي إليه، وكأن هذا التراكم في الكتابات وفي الإبداع الأدبي بالأمازيغية وفي أغلب المجالات الأدبية لا يصنف ضمن الأدب المغربي الحديث حسب المنابر والمؤسسات الثقافية والأدبية بالمغرب، وبقي مفهوم الأدب المغربي محصورا في الأدب المكتوب بالعربية. وكان من المفروض أن يتغير مفهوم الأدب المغربي منذ السبعينات من القرن الماضي ليشمل الأدب المغربي بمفهومه الواسع وليس بمفهومه الايديولوجي الذي يحتفي بنوع من الأدب هو المهيمن وهو المكتوب بالعربية وأحيانا يتم الالتفات إلى الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية ككتابات محمد خير الدين، وعبد الكبير الخطيبي و عبد اللطيف اللعبي و الطاهر بنجلون و غيرهم.. في حين بقي الأدب المغربي المكتوب بالأمازيغية أدبا غير شرعي لم يعترف بعد كأدب مغربي من طرف المؤسسات و المنابر الثقافية و الأدبية المهيمنة. فمنذ الدواوين الشعرية الأولى مثل « أمنار « لمحمد أمزال سنة 1968 (1)، ودواوين « إموزار» 1974 (2)، و» إسكراف «1978(3) و التى وصلت الآن إلى أكثر من 130 ديوان في سوس وحدها، إضافة إلى المجموعة القصصية الأولى « إماراين «1988 (4) ، وما تلتها من إصدارات وصلت الآن إلى أكثر من 50 مجموعة قصصية في المغرب، إلى جانب الإنتاج الروائي والمسرحي وأدب الأطفال ، فرغم كل هذا الكم الذي عرفه الأدب المغربي المكتوب بالأمازيغية ما زالت النظرة الايديولوجية المتحكمة الآن في الساحة الثقافية والأدبية هي نفسها المتحكمة منذ الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، أي النظرة التي لا ترى في الأدب المغربي إلا وجهه المكتوب بالعربية وما عداه غير شرعي من وجهة نظرها الايديولوجية. فإذا تتبعنا مسار هذا المنظور الايديولوجي إلى الأدب المغربي سنتتبع مسار منظور فرض في الساحة الثقافية و الأدبية المغربية فرضا وأجمع عليه غالبية الكتاب و أغلب المنابر والمؤسسات المنتجة و المتحكمة في الثقافة المغربية، مدعومة إن لم نقل مفروضة من المؤسسات والمنابر الثقافية و الأدبية من مصر و لبنان و سوريا و العراق، والآن من الإمارات العربية و لبنان.. أي هيمنة ايديولوجية الفكر القومي بوجهيه السلفي و ليساري على الأدب المغربي في صراعه أولا مع الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية منذ في السبعينات من القرن الماضي، ثم مع اللغة الأمازيغية (بظهور الحركة الثقافية الأمازيغية) باعتبارها في نظر بعض لسانيي هذا الفكر الايديولوجي لغة تلوث نقاء اللغة المغربية الرسمية، يقول محمد شقرون عن هذا الصراع في فترة الستينات وما بعدها : « و لقد كان في هذه المرحلة من الصعب الكلام باللغة العربية عن المغرب- عن الدولة الوطني ككيان و كثقافة- ..إلا انطلاقا من التصور المهيمن على الحقل الثقافي أي انطلاقا من « الأمة العربية» أو « الإسلامية» والوحدة العربية. هذا المرجع الأخير المحدد في أخر المطاف لكل إنتاج ثقافي معرب كان هو المعيار الرئيس للتنديد بمفهوم الثقافة المغربية أو المغاربية، و بهذا الحقل الثقافي التحتي، بمبرر أنه ينتج بلغة المستعمر و يساهم في « تكريس الهيمنة الثقافية للغرب» «(5) ص 136. فمحاربة الهيمنة الثقافية للغرب هو فقط تكريس هيمنة شرقية في المغرب، أي استبدال هيمنة ثقافية غربية بهيمنة ثقافية شرقية، أما بناء الثقافة المغربية بهويتها المغربية المتعددة والمنطلقة من ثقافة وحضارة وتاريخ المغرب فلم ينطلق إلا مع الحركة الثقافية الأمازيغية مع نهاية الستينات من القرن الماضي وهو ما جر عليها حربا ضروسا من طرف ممثلي الثقافة الشرقية بالمغرب و المهيمنين على الساحة الثقافية و الأدبية، و هو ما سينعكس في ردود أفعالهم النتشنجة كان آخرها موقفهم السلبي اتجاه حركة التاريخ التي تتجه نحو تصالح المغرب مع ذاته و مع هويته، هذا الرد السلبي عكسه ما يسمى ب «البيان الديموقراطي «(6) بمفهوم أصحابه، يعارضون فيه ترسيم اللغة الامازيغية في الدستور الجديد الذي سيصوت عليه الشعب المغربي سنة 2011. فما زال المفهوم الاصطلاحي ل « الأدب المغربي الحديث « بعد أن أزاح عنه ذلك المكتوب بالفرنسية وأخرجه من إطاره الشرعي، مازال مفهوما لم يراوح الهيمنة الشرقية إلى اليوم، أي أنه محصور في الأدب المغربي المكتوب بالعربية فقط رغم المتغيرات الكبيرة و الأساسية التي مست الحياة الثقافية و الأدبية المغربية الآن . تعكس أغلب الإصدارات التي تصدر عن المنابر والمؤسسات الثقافية في المغرب وشمال افريقيا أو في الشرق في حديثها عن الأدب المغربي الحديث هذا التصور الأحادي الذي يحصر الأدب المغربي في ذلك الأدب المكتوب بالعربية فقط، و يمكن أن نعطي عينة حسب التسلسل التاريخي لبعض من هذه الإصدارات: 1- يمثل كتاب « الأدب المغربي الحديث» (7) الصادر سنة 1984 للكاتب و الناقد عبد الرحمان طنكول، و هو أول كتاب (في اعتقادي) مخصص لبيبلوغرافيا شاملة لما صدر من كتب أدبية و نقدية بالمغرب ما بين 1960 و 1984. ففي المقدمة التي وضعها الناقد للكتاب تستوقفنا مفاهيم مثل « الأدب المغربي الحديث» و» الثقافة المغربية» و» النقد المغربي المعاصر»، وكان من المنتظر من الناقد أن يشير إلى بعض الكتب الأمازيغية باعتبارها إنتاجا أدبيا مغربيا والتي صدرت في الفترة التي شملها بحثه مثل ديوان « إموزار» سنة 1974 لمجموعة من الشعراء، و ديواني « إسكراف» 1976 و «تاضصا د ئمطاون «1979لمحمد المستاوي، لكن يبقى هذا العمل الذي قام به الناقد ناقصا ما دام مقتصرا على الكتب الصادرة بالعربية، فالكتاب لا يمثل الأدب المغربي كله كما هو مكتوب في عنوانه بقدرما يمثل الأدب المغربي المكتوب بالعربية، ولكن يمكن أن نجد عذرا للكاتب باعتبار أن تلك الفترة التي أصدر فيها كتابه هي فترة هيمنة الفكر القومي العربي بوجهيه السلفي و اليساري على أغلب مفاصل الحياة الثقافية المغربية. 2- كتاب « المصطلح المشترك» (8) : دراسات في الأدب المغربي المعاصر « للكاتب و الناقد ادريس الناقوري صدر سنة 1977، والكتاب جاء في شكل مقالات و دراسات في « الرواية المغربية» و «القصة المغربية القصيرة « و « الشعر المغربي المعاصر» و» المقالة المغربية» نشرها سابقا في بعض الصحف الوطنية . فمن خلال عنوان الكتاب ومن خلال العناوين الفرعية في الكتاب يتبين لنا مدى هيمنة الثقافة الشرقية في الأدب المغربي، فالأدب المغربي لدى الناقد هو الأدب المكتوب بالعربية فقط، فهل كان يمكن أن يدور في عقل الناقد الناقوري أن هناك أدبا مغربيا أمازيغيا؟ الجواب نعم، لأن الحركة الثقافية الأمازيغية التي انبثقت من الجامعة التي حصل منها الاستاذ على دبلوم الدراسات العليا سنة 1981، الأستاذ مرت على ظهورها آنذاك عشر سنوات وأصدرت بعض المؤلفات الأدبية، ويمكن أن تلتمس العذر للكاتب الناقد نظرا لما تشبع به من فكر قومي يرى في الاختلاف اللغوي إضعافا و منافسة للغته الرسمية. 3-في كتاب « الأدب و المؤسسة ، نحو ممارسة أدبية جديدة» (9) و الذي صدر سنة 1999 للكاتب و الناقد سعيد يقطين وهو من المثقفين الذين وقعوا على بيان « البيان الديموقراطي « يعارضون فيه ترسيم اللغة الأمازيغية سنة 2011، وظف الكاتب مفهوم « الأدب المغربي الذي يكتب بالعربية مقابل الأدب المغربي الذي يكتب بالفرنسية (ص 19)، لكن يغلب على مفهومه للأدب المغربي ذاك المكتوب بالعربية المتأثر بالشرق، يقول « عندما ذهبنا إلى أن الأدب المغربي لا يستند إلى مؤسسة أدبية كان المقصود إلى أنه امتداد لما يتحقق في الشرق العربي» (ص 19)، و حتى عندما أراد الكاتب الرجوع إلى أدب وطنه المغربي ليتبث مغربيته لم يجد إلا في شعر « الملحون» المنظوم بالدارجة المغربية هذا التميز، يقول: « لكن ضربا غير معترف به من الأدب المغربي فرض نفسه، وقدم إنتاجا متميزا له خصوصيته، وله تاريخه الخاص، و من خلاله تتجلى السمة المميزة لهذا الأدب، و التي تضفي عليه بعدا «مغربيا» أصيلا قلما نجده في غيره من الابداعات، هذا الضرب يبدو لنا بصورة أجلى و أبين في شعر الملحون، و في أدابنا الشعبية بصورة عامة.. « ( ص24). لا يمكن أن نلتمس العذر للناقد سعيد يقطين : أولا لمعايشته التطورات التي شهدتها الساحة الثقافية و السياسية المغربية بخصوص الأمازيغية بعد خطاب 1994 والاعتراف الرسمي بالتعدد اللغوي، و ثانيا وقوفه أمام حركة التاريخ بتوقيعه عل بيان المثقفين القوميين بعدم دسترة الأمازيغية. 4-مجلة « آفاق « و هي مجلة اتحاد كتاب المغرب، و ما يوخذ على هذا الاتحاد هو هيمنة الفكر القومي عليه وغلبة الجانب الحزبي، وكان حريا بالاتحاد أن يضم مختلف تلاوين الثقافة المغربية في تعددها وفي تنوعها، و لكن الواقع هو هيمنة الفكر الايديولوجي الذي لا يرى في الثقافة والأدب المغربيين الا جانبها المكتوب بالعربية، نأخذ كمثال عددين مزدوجين، الأول صدر سنة 2010 أي قبل الاعتراف الرسمي بالأمازيغية ، و الثاني صدر سنة 2012 أي بعد الاعتراف الرسمي بها كلغة رسمية في الدستور المغربي. الأول: عدد مزدوج 79 و 80 (10) الصادر سنة 2010و الذي خصصه اتحاد كتاب المغرب للرواية المغربية بعنوان « أسئلة الرواية المغربية: دراسات و شهادات « لم تشر فيه أية دراسة إلى الرواية المغربية المكتوبة بالأمازيغية، و لم يتضمن هذا العدد أي مقال أو دراسة من الكتاب المهتمين بالأدب الأمازيغي، و كأن الساحة الأدبية خالية من الروايات الآمازيغية، مع العلم أنه إلى حدود صدور هذا العدد أي سنة 2010 صدرت أكثر من 15 رواية أمازيغية، و كان حريا باتحاد كتاب المغرب تغيير الاسم إلى اتحاد كتاب المغرب بالعربية، وهنا لا إشكال في الاسم ما دام مختص بالأدب المغربي المكتوب بالعربية. الثاني: العدد المزدوج 81 و 82 ( 11) الذي أصدره الاتحاد سنة 2012 أي بعد الاعتراف الرسمي بالأمازيغية كلغة رسمية لجميع المغاربة، العدد خصص للقصة القصيرة في المغرب، أغلب الدراسات تناولت القصة المغربية القصيرة المكتوبة بالعربية إلى جانب نصوص قصصية ابداعية، إشارة واحدة و في سطر يتيم وردت في بحث محمد يحيى القاسمي حول القصة النسائية المكتوبة بالأمازيغية. و يأتي صدور هذا العدد من مجلة اتحاد كتاب المغرب مع دخول المغرب في عهد جديد متمثل في دستور2011 ، وكان حريا بالمثقفين و الكتاب في اتحاد كتاب المغرب التقاط هذه اللحظة التاريخية المهمة للانتهاء من مخلفات الفكر الأحادي الذي هيمن سابقا على الاتحاد. و الملاحظ أن السياسة الرسمية للبلد تقدمت خطوة أو خطوات نحو الأمام، والاتحاد الذي كان من المفروض أن يتقدم القاطرة تأخر عنها، وهذه هي المفارقة العجيبة حين كان المثقفون الذين يدعون سابقا أنهم هم الطليعة أصبحوا اليوم من مفرملي قطار التغيير حين يتعلق الأمر بالحقوق اللغوية و الثقافية الأمازيغية. و هو ما شاهدناه مع من يوصفون ب « الطليعة المثقفة» في بيانهم «الديموقراطي» سنة 2011 الذي عارضوا فيه حق لغة مغربية في الحياة داخل وطنها. في المقابل بدأت الدراسات المغربية المهتمة بالأدب المغربي بالحديث عن أدب مغربي بوجهيه: المكتوب بالأمازيغية، و سيرد هذا المفهوم الجديد للأدب المغربي بمفهومه الشامل (العربي والأمازيغي) في أعمال الملتقى الأول للأدب الأمازيغي الذي نظمته جمعية البحث و التبادل الثقافي بالدار البيضاء سنة 17 و 18 ماي 1991والذي جمعت فيها عروض المشاركين في كتاب صدرته الجمعية سنة 1992بعنوان « تاسكلا تامازيغت « (12) أي الأدب الأمازيغي، ورد في تقديم الاستاذ « محمد أديوان» للكتاب ما يلي : « إن الغاية من تنظيم هذا الملتقى الأول للأدب الأمازيغي هو الوقوف عند ملامح شجرة الأدب المغربي العتيدة، ومسح الغبار الكثيف عن غصونها اليانعة و هي الأدب الأمازيغي في صورتيه الشفاهية و المكتوبة» الهوامش: 1- ديوان مختارات جمع فيها محمد أمزال قصائد شعرية لبعض الشعراء الروايس. 2- مختارات شعرية لشعراء محدثين، أصدرته جمعية البحث و التبادل الثقافي. 3- للشاعر محمد المستاوي, 4- للمناضل حسن اد بلقاسم. 5- كتاب « الكتابة و السلطة و الحداثة» منشورات الزمن، مايو 2000. 6- «البيان الديموقراطي «أصدرته مجموعة من المثقفين ذوي التوجه القومي، ونشر في جريدة الاتحاد الاشتراكي يوم 6/6/2011، و في بعض المنابر الاعلامية في الأنترنيت.ومن بين ما يدعو اليه هذا البيان: « أن المغرب بلد ينتمي إلى الوطن العربي الكبير»، وبذلك اجتثوا المغرب من بعده الافريقي، و»تكريس اللغة العربية لغة رسمية، والأمازيغية لغة وطنية» ويعني هذا بالمفهوم السياسي معارضة الموقعين عليه ترسيم اللغة الامازيغية ، و الموقعون :39 كاتبا و مفكرا. 7- «الأدب المغربي الحديث» عبد الرحمان طنكول، صدر سنة 1984 عن منشورات الجامعة سنة 1984. 8- «المصطلح المشترك» : دراسات في الأدب المغربي المعاصر « ادريس الناقوري ، الطبعة الثانية 1977، مطبعة دار النشر المغربية. 9- «الأدب و المؤسسة ، نحو ممارسة أدبية جديدة» سعيد يقطين، من منشورات الزمن صدر سنة 1999. 10- مجلة « آفاق» عدد مزدوج 79 و 80 ، سنة 2010، اصدار اتحاد كتاب المغرب. 11- مجلة « آفاق» عدد مزدوج 81 و 82 ، سنة 2012. 12- « تاسكلا تامازيغت « كتاب أدبي نقدي من إصدار جمعية البحث و التبادل الثقافي سنة 1992.