لم تعر وزارة الصحة اهتماما لمضمون الرسالة التي رفعها الدكتور حمزة اكديرة، رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة إلى عدد من الجهات والتي كانت بمثابة صرخة صيدلي جسد من خلالها الواقع المر الذي يعيشه القطاع، آملا منها العمل على انتشال المهنة من واقعها المحرج ورفع الحصار المفروض عليها الذي زج بها في نفق مظلم، وإعادة الإشراق والتوهج لأوصالها المترهلة حتى تكون في مستوى الآمال المعقودة عليها كرافعة للتنمية إن على المستوى الداخلي أو الخارجي، محذرا، أن تأزيم القطاع هو بالدرجة الأولى تأزيم لصحة المواطن وسحب الثقة من القطاع الصحي، الذي بات واضحا من خلال الانتقادات والتظلمات التي تنشر تفاصيلها يوميا على صفحات الجرائد بمآسيها المتعددة، مشددا أنه لا سياسة صحية ناجحة بدون سياسة دوائية حكيمة، والتي لن تستقيم بدون صيدلية مواطنة وسليمة. رسائل مماثلة وبلاغات شديدة اللهجة تندر بالمخاطر أصدرتها الفيدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب من حين إلى آخر تحث الجهات المعنية العمل على وضع استراتيجية جديدة تروم النهوض بالقطاع الصيدلي، كان مصيرها التجاهل والإهمال ….. ونفس المصير، حيث أصبح معها قطار الإصلاح يتيه عن سكته، وجعل المهنة سجينة مدونة تنضح بعبق التاريخ، الشيء أسهم بحظ وافر في تردي وضعية القطاع الصيدلي فهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية أدت بدورها الى تصاعد وتيرة اختلال التوازن الاقتصادي والمالي للصيدلية، إذ يعلق أن النظام الجبائي المطبق على نشاط الصيدلي هو نفسه المطبق على باقي الأنشطة التجارية الأخرى، وهو ما يؤثر سلبا على تعاطي الصيدلي مع قانون الصحة وأخلاقيات المهنة وفي الوقت نفسه يخضع لقانون التجارة في ثنائية معقدة، معللا الصيدلة ليست نشاطا تجاريا محضا، بل هي ممارسة لمهنة طبية، ما يجعلها من المهن الأكثر تأطيرا بالقوانين والأكثر شفافية تجاريا فالأسعار غير حرة ومحددة الهامش بقانون، مما يستعصى معها التحليق بالقطاع بعيدا في ظل معوقات قانونية وانعدام المحفزات ووضعية اقتصادية ومالية متأزمة، حيث أن أكثر من 30 في المائة من الأدوية يبقى خارج المسالك القانونية والشرعية المتمثلة في الصيدليات، وإضافة الى مشكل التهريب الذي أصبح ظاهرة عالمية تزداد حدتها في القارة الإفريقية مما ينعكس سلبا على المهنيين وخزينة الدولة والإضرار بالصحة العامة وصحة المواطن. في نفس السياق، ووسط تجاهل غريب، أثارت عدد من النقابات بدورها انتباه المسؤولين حول واقع المهنة المحاصرة، مما يطرح هذا الأمر عدة تساؤلات عن مدى استيعاب الإدارة المغربية لمضامين وتوجيهات المنصور بالله جلالة الملك محمد السادس حفظه الله في مختلف خطاباته وخاصة خطابه القوي بمناسبة عيد العرش الذي انتقد فيه أمير المؤمنين دام عزه ونصره إلى الإدارة المغربية ودعا إلى الإسراع بالاستجابة إلى انتظارات المواطنين مع ضرورة مواكبة الحكومة للطفرة النوعية التي تعرفها الدولة المغربية من حيث محاربة الفساد وتخليق المجتمع، خاصة عندما يتعلق الأمر بمهنة إنسانية خدماتية كالصيدلة والتي تعتبر لبنة أساسية للرقي بأية منظومة صحية، فلا سياسة صحية ناجحة بدون سياسة دوائية حكيمة، والتي لن تستقيم بدون صيدلية مواطنة وسليمة. مشاكل متعددة وأخرى تطرحها الأدوية المخدرة وأدوية الإمراض النفسية على الصعيد القانوني وانعكاساتها على الشباب المغربي وعلى الأمن تقضي بضرورة الانكباب على وضع تشريع جديد وقد اقترح الفاعلون المهنيون على وزارة الصحة اعتماد الوصفة الطبية المؤمنة كحل من بين الحلول، بحيث أن هناك فاصل ضوئي بين التشريع الذي لا زال ينظم الأدوية المخدرة والتطور الحاصل على هذا المستوى، بالإضافة إلى منح الصيدلاني الحق في استبدال الأدوية (droit de substitution) وهو قرار سيصب في مصلحة ترشيد نفقات المنظومة الصحية، تقوية التغطية الصحية، وملء الفراغ الحاصل جراء اختفاء الأدوية من السوق من حين لآخر، الذي اغضب المهنيين وزعزع عرش الوزير، وهدد فقدانها حياة مليون (1000000) مواطن الذي يتردد يوميا على الصيدلية. دائما أمام صمت الإدارة وتجاهل مطالب الصيادلة، يعيش قطاع الصيدلة أزمة حقيقية وهو مهدد بالزوال وتفكير بعض المختبرات وشركات الأدوية في مغادرة بالبلاد إلى وجهة يلمس فيها الاستقرار الاقتصادي، إذا ما لم يتم التعامل معه بالحكمة والجدية المطلوبتين، على اعتبار أن أكثر من ثلاثة آلاف (3000) صيدلانية وصيدلانيا هم في وضعية إفلاس، وحوالي خمسة آلاف (5000) يتدبرون أمور العيش بصعوبة بدعم من شركات التوزيع، في وقت انخرط الجميع في كل المبادرات التي رفعت شعار الإصلاح، وتم القبول بالمشروع الذي جاءت به الحكومة السابقة المتمثل في تخفيض أثمنة مجموعة من الأدوية، على أن ترافق العملية مجموعة من المبادرات المواكبة والتدابير المصاحبة، إلا أنه وبكل أسف أعطى الوردي ظهره إلى الصيادلة وتخلف عن الوفاء بالتعهدات التي رددها في مختلف المحافل والمؤتمرات وخلال أجوبته على أسئلة السادة النواب البرلمانيين. إن مشاكل الصيادلة تنعكس سلبا على شركات التوزيع والمختبرات، حيث أصحابها يتألمون بشكل كبير كلما استحضروا كيف أن قطاع بني بمجهود كبير في بداية الستينات، يعيش الآن حالة حصار واحتضار، خلافا للمجهودات التي تبذل من طرف دول مجاورة للنهوض بقطاعها الصيدلاني، فلا يعقل في الوقت الذي توصي به منظمة الصحة العالمية اعتماد صيدلية لكل 5 آلاف مواطن، المغرب يستمر في سياسة الأذن الصماء ويكتفي بصيدلية لكل 2750 مواطنا، وهو رقم مفتوح على العديد من القراءات أمام نسبة استهلاك الأدوية للفرد لا تتجاوز 400 درهم سنويا عكس دولة تونس التي لا يتجاوز عدد سكانها ثلث سكان المغرب والتي تفوق نسبة استهلاك الأدوية للفرد 1200 درهم مغربي سنويا، بينما يصل ذلك في دول أخرى إلى عشرات الأضعاف، بحيث ينفق المغاربة 4,5 مليار درهم (نحو 583303 دولار) سنويا على الأدوية وهو ما ينفق سنويا لشراء الدواء في الأردن الذي لا يزيد عدد سكانه على خمس سكان المغرب، حسب دراسة أنجزت في الموضوع، مما استوجب معه تفعيل الرقم القافل المعتمد دوليا. هكذا، يعيش مهنيو الصيدلة أزمة حقيقية، في ظل غياب الترسانة القانونية التي تنظم القطاع وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين وضعف الولوج للعلاج، عوامل تنعكس بشكل مباشر على قطاع الصيدلة، رغم أن ظهير 1960، جرى تحيينه، وصدر بصيغة مدونة الدواء والصيدلة، لكن هذه المدونة ظلت غير قابلة للتفعيل في ظل عدم إخراج نصوصها التطبيقية، تستجيب لإنتظارات 12 آلاف صيدلي الذين لازالوا ينتظرون إصدار قوانين تطبيقية لمدونة الأدوية والصيدلة 04-17 التي خرجت إلى حيز الوجود سنة 2006، مما يستوجب التدخل لأجل تنظيم أفضل للمهنة وحل مشاكل العاملين في القطاع، صيانة لحقوق المواطنين الصحية وتفاديا للأزمات القانونية والاقتصادية التي يعانيها القطاع الذي يوفر أكثر من 40 ألف منصب شغل مباشر ومناصب عديدة غير مباشرة، إذ يعيش المهنة نوعا من الفراغ القانوني، لأنها لا تخضع اليوم إلى قانون مضبوط ومحدد، يستطيع بمقتضاه المهنيون حصر وتقنين الفعل الصيدلاني، ما يطرح عدة إشكاليات على مستوى ممارسة المهنة. حصار شديد على المهنة، جعل الأزمة تنعكس ليس فقط على القطاع، بل أيضا على صحة المواطنين، وذلك عن طريق الممارسة غير القانونية للمهنة، فالدواء يروج عبر مسالك غير مشروعة أحيانا، وخارج الإطار القانوني والمتمثل في الصيدلية، «إذ يباع في الأسواق وداخل عدد من الجمعيات، التي تتستر وراء العمل الاجتماعي، وتتاجر في الأدوية، كما يتم بيعه أيضا أمام المستشفيات وفي السوق السوداء» ربما هذا ما يشكل في حد ذاته خطرا على صحة المواطنين، فضلا عن أنه يجعل مهنة الصيدلة في مواجهة المنافسة غير الشريفة. الصيدلية والمصحات… منافسة غير المشروعة يشكل بيع الدواء بالمصحات إحدى أهم المعيقات التي تزيد مشاكل القطاع، فوظيفة هذه المصحات تتلخص في معالجة المرضى باعتبار أن مهمتها هي التطبيب» فالدواء الذي يجب أن تتوفر عليه، يوظف للعلاج فقط، بحيث أنه يسمح بتفصيل لائحة الأدوية التي تصرف في المصحات وتلك التي تصرف في الصيدليات « وهناك العديد من هذه المصحات تعيش ببيع الدواء، إذ أصبح من الضروري وضع لائحة محصورة للأدوية التي يجب أن تصرف في المصحات، مع تعليب خاص لها وتقتنى فقط من الصيدليات دون أرباح، مما قد يساعد على فرز الأدوية التي تستعمل في المصحات عن تلك المعروضة للبيع في الصيدليات لتفادي أي تلاعب، ومراعاة للقدرة الشرائية للمواطنين. رفض الصيادلة لعب دور الحلقة الأضعف… هذا وأعلن الجميع رفضه أن يكون الصيدلي الحلقة الضعيفة في مسلسل السياسة الدوائية بالمغرب، وعن تطبيق سياسة دوائية مملاة من الفوق، مطالبين وزير الصحة العدول على النقاش المحصور مع هيئة بعينها دون أخرى، مهددين بإضراب يكون شاهدا على العصر في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة لإخراج المهنة من الحصار الجبري والنهوض بأوضاع المهنيين، والتي حددها المهنيون بالإضافة إلى المطالب التي سلف ذكرها، ينتظر الصيادلة على وجه السرعة تفعيل مشروع الرقم القافل إلى جانب الإسراع بإخراج دستور الأدوية كمدخل أساسي لضمان جودة وسلامة الأدوية وركيزة ضرورية للسياسة الدوائية، على اعتبار أن إصدار مرسوم الدساتير المرجعية للأدوية مسألة مبدئية أساسية لا يمكن التساهل معها، مع مراجعة وتحيين القوانين المنظمة للمهنة، والمطالبة باستقلاليتها من حيث المزاولة، مع إعادة النظر في المادة 56 من القانون، وذلك بأن يوضع تعريف أدق لمعنى الصيدلية، بتحديد واضح للعلامة المميزة للصيدلية والمصطلحات الخاصة بها المتعارف عليها عالميا، إضافة إلى تجريم كل من انتحل عمل من أعمال الصيدلة المشار إليه في المادة 30 من القانون، وكذا مراجعة النظام الجبائي المطبق على أنشطة الصيدلي بحيث هو نفسه المطبق على باقي الأنشطة التجارية الأخرى، وهو ما يضع الصيدلي في ثنائية معقدة، بين قانون الصحة وأخلاقيات المهن الطبية الذي يخضع له مباشرة في الوقت نفسه الذي يخضع لقانون التجارة، دون التنازل على مطلب تنزيل جهوية المجالس، على أساس أنه يستحيل الاشتغال بمجلسي الشمال والجنوب لوحدهما، خاصة وأن عدد الصيادلة في القطاع الخاص يصل إلى 12 ألف صيدلي.