مخاطر تحدق بالتحقيق الواجب في مشاريع الحسيمة..! بعض المصادفات تكون بمثابة ...قانون! ومن بينها ما يحصل في تزامن مغربي صرف، بين تقارير أعلنها المجلس الأعلى للحسابات بقيادة إدريس جطو، عن وجود حالات فساد وإفلاس مثيرة، وبين ما أعلن عنه المجلس الوزاري في الأسبوع الماضي عن فتح تحقيق في مشاريع عاطلة أو عالقة بالحسيمة، منذ تدشينها وتوقيعها أمام جلالة الملك في أكتوبر 2015.. لا تقف المصادفة عند الزمان، في قضية من قضايا التحقيق في المشاريع وفي الأموال، بل إن المصادفة تصل إلى حد وجود قانون مضمر في الفساد.. سواء كان »مرنا«، كما يكون الاستهتار ! أو كان صلبا .. كما تكون اللصوصية... فقد كشف الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، السيد إدريس جطو، أن المجلس أنجز، خلال سنة 2015، 28 مهمة رقابية في إطار مراقبة التسيير واستخدام الأموال العمومية، كما أصدر 103 قرارات قضائية تتعلق بالبت في حسابات المحاسبين العموميين وبالتأديب المرتبط بالميزانية والشؤون المالية. وأوضح جطو في عرض له حول أعمال المجلس برسم سنة 2015 خلال جلسة عمومية مشتركة لمجلسي البرلمان، أول أمس الثلاثاء، أن المجلس أحال على وزير العدل ثمانية ملفات تتضمن أفعالا قد تستوجب عقوبات جنائية. إنه السير العادي للفساد! وفي المقابل ينتظر الشعب المغربي، تفاصيل التحقيق الذي أمر به جلالة الملك في أعقاب المجلس الوزاري المذكور. وهذا الانتظار، الذي يتزامن بدوره مع درجة توتر عالية في إقليمالحسيمة، اضطرت فيه الدولة المغربية إلى التفاعل مع وضع غير مسبوق في البلاد، أو على الأقل، يعتبر الأول من نوعه في السنوات العشرين الأخيرة.. هناك خطران قد يتهددان التحقيق الذي أمر به جلالة الملك: الأول هو أن «يبرد» بين يدي أصحابه وبالتالي يخلخل أفق انتظار المغاربة، ويزيد بالضرورة من درجة عدم الثقة المسجل إلى حد الساعة في الملفات التي تباشرها الجهات الرسمية، بل قد يقتنع جزء من الرأي العام أنه «لا أمل «في الإصلاح من زاوية العمل الرسمي والمؤسساتي. الخطر الثاني هو أن يقتصر على مستويات دنيا، ويخضع لترتيبات التوازن السياسي والتدبيري، والحديث عن صيغة دنيا من النتائج لا تغني شيئا في ترتيب المسؤوليات والجزاءات.. وفي كلتا الحالتين، فإنه تحقيق سيزيد من الهوة، ولن تكون له النتائج المرجو حصولها في الآني والمتوسط، من حيث إقناع الناس بجدوى المؤسسات القائمة.. من الواضح أن سوء التدبير، في أحسن الحالات، والفساد في أقساها ليس استثناء في بناء نموذج الحكامة المغربية.. بل إن الأدوات التي أسندت إليها مهام مراقبة تحتاج إلى مراقبة، ومديرية التفتيش تحتاج إلى تفتيش، وهلم جرا ونصبا! مما يعقد كل إرادة في الإصلاح، لا تذهب إلى عمق الأشياء في النظام الرقابي، بل المؤسساتي في بلادنا.. إن التحقيق موجه إلي بنية بكاملها، ذات حضور بشري ومادي وهرمي واضح، من كتاب الدولة إلى الوزراء مرورا برجال سلطة ومنتخبين.. وجدتهم أحداث الريف في عمق التهاون المهني وعدم التفعيل لمسؤولياتهم واقتصارهم على الحضور الشكلي، أو تعمدهم الغش، وهم يقدمون لملك البلاد مشاريع .. بلا رصيد! وفي كل ذلك، هناك وقاحة إما سببها الجبن أو وقاحة سببها الاستخفاف بالمسؤولية.. لا شيء يمكن أن يفسر هذا العبث، إلا وقاحة بجبن أو وقاحة بغش! إن التحقيق، هو إثبات أن الدولة لم تعد عاجزة أمام .. الفساد والمفسدين وأنها لا تفضل توازنات الخريطة السياسية على توازن شعبها ومصير أجيالها وتوازنات مجالها.. سيحكم المغاربة، بناء على ما سيسود من خلال التحقيق: هل تم وضع الأسئلة الحقيقية على المسؤولين الحقيقيين؟ هل أخطأت الأسئلة عناوينها، وبالتالي أخطأت أجوبتها..! لقد أمر الملك بتحقيقين، بمعنيين مختلفين وبحمولتين ليستا سهلتين: الأمر الأول يتعلق بالحكامة الاقتصادية والثاني بالحكامة الأمنية.. وليس صدفة بأن الدولة تريد أن تنظر إلى وجهها في المرآة، كما يليق بدولة تحترم قرونا من وجودها.. وكل المعنى ، أيا كان ،لا يخيفها، لأنها قادرة على مساءلة نفسها بما تقدر على الجواب عنه! والحقيقة، أن الحديث عن التحقيق في الحكامة الأمنية يعطي قوة لتحقيق الأول، ويكشف الدرجة التي تريد الدولة المغربية أن تكتسيها جرأتها في النظر إلى وضع المغرب الحالي.. نحن في منعرج قد يكون تأشيرا على نقلة نوعية اليوم: نقلة ليست بالضرورة دستورية، لكنها تكشف الحاجة إلى تقزيم الفساد وتقديم أجوبة مباشرة فيه وحوله، بوسائل الدولة نفسها وليس بالضرورة بتعبيرات المجتمع التي تكون عادة غاضبة ورافضة عندما تصل الأمور إلى ما لا يطاق.. ماذا عن رئاسة الحكومة؟.. هنا خطر ثالث قد يتمثل في عدم قدرة مؤسسة الحكومة في إعطاء السقف الحقيقي لمبادرة من هذا النوع! في السياق الذي ذكرناه، يبدو أنها كانت خارج الأفق الذي رسمه تكليف الجهات المعنية بالتحقيق ونذكر هنا وضع المعالجة ضمن منطق سياسي أساسي يربط المحاسبة بالمسؤولية، وهو ما كان يستوجب، أن يقدم السيد الرئيس العثماني صيغة ملموسة لهكذا أمر.. في قضية الحسيمة والحراك الذي يهز الريف والبلاد بمؤسساتها كلها، قال السيد الرئيس، إن الحكومة اعتمدت مدخلين لمعالجة ملف الحراك الاجتماعي بالحسيمة، أولهما سياسي يرتكز على الحوار، مبديا بهذا الخصوص استعداد الحكومة لدعم أي مبادرة مدنية للحوار. أما المدخل الثاني، يضيف رئيس الحكومة، فيهم المستوى التنموي «الذي اهتمت به الحكومة على جميع الأصعدة من خلال تتبع لقاءات الوزراء المعنيين الذين يشرفون على برامج بالمنطقة«. وأبرز في هذا السياق أنه «تنفيذا للتوجيهات الملكية الصارمة تقرر عقد لقاء أسبوعي للوزراء المعنيين لمتابعة البرامج على الأرض»، وحث الوزراء على الانتقال إلى المنطقة للوقوف على سير تنفيذها.كما أشار إلى أن جلالة الملك أمر بتشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤوليات عن التأخر الحاصل في إنجاز المشاريع بالمنطقة... إنه يتحدث عن التحقيق هنا، عرضا! وليس كبؤرة قاصمة في كل ما قيل! لأن الأمر يتعلق بمشاريع معلقة منذ سنتين، وكان المفروض أن تنتهي في .. سنتين إلى نتيجة، وليس بلقاءات مرتجلة كل أسبوع، مع ما في ذلك من فلكرة، يمكن أن تحل بمنطق «السوق الأسبوعي» قضية تحقيق رهيبة.