انتظر الرأي العام من مبادرة السيد رئيس الحكومة بتقديم حصيلة نصف الولاية تفعيلا للفصل 101 من الدستور، غير ما تابع خلال جلسات طويلة منذ تقديم حصيلة نصف الولاية إلى آخر مراحلها التي " أجاب " فيها رئيس الحكومة عن مجموعة من الملاحظات التي قدمتها أساسا فرق المعارضة ؛ والتي أججت حرباً مزمنة بين رئيس الحكومة وأحزاب المعارضة والتي يمكن إدراج مجموعة من الملاحظات بشأنها ؛ ليس من منظور تقييم الحصيلة نفسه ؛ بل على الخصوص حول المنهجية من جهة وطريقة أداء هذا التمرين الدستوري ؛ فلاشك أن منهجية تقديم الحصيلة من طرف السيد رئيس الحكومة وجهت تفاعل المعارضة إلى حيث رسى ؛ فقد اتفق الجميع أن ماقدمه رئيس الحكومة لم يكن حصيلة بالمعنى الدقيق العلمي، بل تعلق الأمر بقراءته السياسية للحصيلة ؛ الشيء الذي عضده طرح فريقه النيابي الذي عنون مجموعة من ملامح التدبير الحكومي في مضامين الصمود والثقة والأمل للخروج من زاوية التقييم الفعلي الذي أفضى، حسب الجميع، بمن فيهم رئيس الحكومة والمعارضة والأغلبية إلى أن الأداء الحكومي أضعف من المطامح والأهداف ؛ لأسباب كثيرة لم تنجح المعارضة المنفعلة في توضيحها ولم يشملها التفاعل المتشنج للسيد رئيس الحكومة ؛ ويتعلق الأمر خصوصا بغياب الموضوعية اللازمة وارتفاع مؤشر التأهب للهجوم والاستنشاق المفرط لغاز الانتخابات ؛ فهل كان السيد رئيس الحكومة موضوعيا وهو يصر على جعل نفسه صمام الاستقرار وضامنه باتراً المرحلة من سياقاتها، وهل كانت المعارضة منصفة في عدم تقدير الدور الذي لعبه حزب رئيس الحكومة في إنجاح مقاربة أسلمة السلطة التنفيذية وركوب المغرب ريح التناوب "الإسلامي " واستقراء حزب رئيس الحكومة للدور الذي يجب أن يلعبه وانخراطه الكامل في طاعة الدولة مقابل السلطة ؛ ولماذا تطلب منه المعارضة مثلا أن يثور ويصعد ويفعل الدستور وهي لا تثور ولا تصعد ولا تعمل أيضاً على تفعيل المضمون الديمقراطي التقدمي للدستور، وفي المقابل يعيب السيد رئيس الحكومة على المعارضة أنها لم تحاول أن تحمد للحكومة إنجازا وأنها جاحدة بشأن المكتسبات، بل يدفعها إلى التصريح بأنها بعد تولي مقاليد السلطة ستتراجع عن قراراته "اللاشعبية " وهنا يسخر التاريخ من ذاكرة السيد رئيس الحكومة ويخرج من داخل الأرشيف السياسي مرافعات تدور كلها حول الجحود والإنكار والتبخيس الذي مارسه حزب رئيس الحكومة ضد كل الإجراءات التي حاولت الحكومات السابقة إقرارها حيث تفنن معارضو ذلك الزمن في إفراغ المنظور الحكومي وتوجيه سيول من القذف واللعن ؛ فكيف نغير واقع ممارسة معارضاتية طبعها تسطيح ذلك الفعل ورسمتها الأجندة الفوقية وطبقها حزب رئيس الحكومة ضمن آخرين، من أين وكيف سيلتمس المعارضون الجدد موضوعية حذفت من قاموس المعارضة منذ حكومة التناوب، ولماذا استاء رئيس الحكومة - كما استئنا - من سؤاله حول علاقته بداعش والموساد ؛ ألم يتهم هو وحزبه اليوسفي والاتحاديين بأنهم رجال مخابرات وطنية ودولية وأنهم منفذو أجندة الصهيونية وأحيانا عرابي مافيا دعارة دولية ؛وكيف يريد السيد رئيس الحكومة أن يتحرى معارضوه النقط المضيئة في حصيلته، وهو يبنيها أساسا على استمرارية لا يريد الاعتراف بها ولم يقدم بشأن معارضتها سابقاً نقدا ذاتيا يُجبر معارضيه على الركون إلى العقلانية والموضوعية. عاب السيد رئيس الحكومة تدني الخطاب المستعمل والسلوك العدائي ونظرات الشرر المتطاير من بعض أطياف المعارضة، ولا شك أن المتتبع يعرف وقائع عدة جعلت، مع الأسف، من هذه السلوكات جزءا لا يتجزأ من البيئة السياسية ؛ فلنتذكر تاريخ السباب بين بعض السياسيين؛ ولنستحضر التوصيفات التي بعثت بها بعض الفوهات المتنافسة خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، لنذكر التهديد والوعيد والاتهامات المتبادلة، ولنذكر التعابير التي تخرج من ألسنة أعضاء الحكومة ورئيسها، ومن بعض قادة أحزاب المعارضة، ولنذكر كيف تفاعل معها السيد رئيس الحكومة وكيف أغنى قاموسها وأطال حياتها ونفخ الروح فيها شأنه في ذلك شأن بعض أطياف المعارضة . ولكن خلافا لما طبع التفاعل بين الحكومة والمعارضة بشأن الحصيلة من نكهة الصراع ًوالتنابز ؛ فإن مستوى الانسجام بينهما كان قويا ودالاً ويعكس الكثير من مظاهر التضامن المتواطىء؛ فالطيفان معاً سكتا عن مايقض مضجع البناء الديمقراطي في المغرب ؛ فكلاهما لم يشر إلى أن رهان تفعيل الدستور في الشق المتعلق بإصلاح الدولة ارتطم بالباب المسدود ؛ وأن ما عانته هندسة السلط في المغرب من تداخل لازال قائما بتعنت في وجه الدستور؛ وأن التوازن والتفصيل الذي حكت عنه الهندسة الدستورية الجديدة أضحى ركاما على عتبة نمط الحكم العتيق، وأن رئيس الحكومة ببساطة لا يكترث لهذا، وأنه لم يفهم حسب عبارته «لماذا يريدون أن يفرقوا بيننا وبين الملك» في تلميح إلى وضع الصلاحيات المتنازل عنها؛ وأن السلطة التنفيذية مبتورة الذهن والجناح، وأن المؤسسة التشريعية لا تعدو أن تكون غرفة تسجيل أنيقة فسيحة، ولعبة الديمقراطية التمثيلية فجة غير قابلة للإبداع أو التطوير، كما سكت الطرفان على تطبيعهما الإرادي مع المحركات الفعلية للدولة وأحيانا الإحتماء بها والإختباء وراءها ؛ كما توافقا على عدم التطرق للنظام الاقتصادي الذي يحمي المحتكرين والمستبدين ويقوي سطوتهم، يظللهم بالسلطة والتنفذ والحماية، ويسهل مسالكهم بالتشريع والتقنين وتوجيه الرأي العام؛ ويؤبد سراب العدالة الاجتماعية، الغريمان المفترضان لم يتبادلا الاتهامات بشأن السعي الجماعي من أجل دفن السياسة ؛ ومواراتها آخر المثاوي بعد استحالة إعادة الإعتبار لها وفناء الثقة في ذمة الفاعل السياسي، وأنهما معاً اتفقا على تمجيد الفعل غير السياسي، وأرسلا مراسيل مضمونة الوصول تؤكد محدودية الآفاق والمطالب الاصلاحية. أخفقت الحكومة في الإقناع بحصيلة نصف ولايتها، وأخفقت المعارضة في إقناع الجمهور بانتقاداتها، إلا أنهما نجحا معا في تأبيد مرحلة الانتقال الديمقراطي، والاستزادة من الأشواط الإضافية والأوقات الميتة والجولات والصولات والتصفيات والمقابلات ؛ والتي ستستمر و»تتسرمد « في انتظار نخب جديدة تتفتق من مشاتل الربيع الديمقراطي داخل الهيئات الحزبية و تؤمن بأن استرجاع مفاتيح المشروع ليس حلماً مستحيلاً .