يشير مصطلح مجتمع إلى تركيبة من أفراد يشتركون في مجموعة من الخاصيات، التي تتحدد من خلال ما يطلق عليه بالإطار المرجعي الذي يضبط العلاقة، ويحكمهم عقد ضمني في صورة ضمير جمعي يراقب السلوك، ويوجه الأفكار، وهو ما يجعل منهم أفرادا يتفاعلون في إطار دينامي حركي ينتج معارف تبنيها وتوجهها منظومة شمولية، تتكون من عناصر من قبيل: العقل، البيئة، الأخلاق . إذا كانت كل جماعة تحكمها علاقة دينامية، وتضبطها مجموعة قوانين ضمنية أو صريحة، لإنتاج أفكار تعمل في إطار منظومة متكاملة ومنسجمة، فالأسرة ليست نواة مجتمع فحسب، بل هي مجتمع متماسك ومنسجم، لكنه، بحسب التحديد المفاهيمي السالف، فهي مجتمع مصغر من حيث المساحة والعناصر المتفاعلة، والتي تتقيد بقيود علاقة القرابة، وتنحصر في أفراد يضبطهم عقد تربوي محض، بل حتى الهدف الذي وجدت لأجله مقتصر على التنشئة والرعاية، إذ تشكل بناء غير قادر على إنتاج الأفكار، وضمان امتدادها، بحكم قيد الإطار الذي تعمل فيه، وعلاقة أفرادها محصورة بالرابط الأسري الذي يجعل من الصعوبة بمكان ربط علاقات إلا في حدود، وتظل الأسرة منطلق وجود، وبناء أساسي لتحقيق التماسك، وخلق الوعي الاجتماعي في صورته الأولى، بل عنصرا يدخل في تركيب المجتمع في شكله المعهود، وهي المدخل لتأسيس كيان اجتماعي، وبداية وإرهاص لصنع المؤسسة الاجتماعية القادرة على إنتاج المدنية . كثيرا ما يرتبط مفهوم المجتمع بالمدنية، وكثيرا ما تطلق عبارة مجتمع مدني على ذاك الجسد البشري، أو تلك التركيبة المنبثقة عن مؤسسات تتألف من أفراد تربطهم علاقة نظامية يعملون في إطار قانوني بحضور عقد مكتوب، برنامج مسطر، وأهداف أيضا، وتنعت بالجمعيات، وهي مؤسسات اجتماعية تخدم التربية المدنية، وتصنع السلوك المدني الذي يعد منطلق الوعي بالثقافة المواطنة، وإذا حاولنا مقاربة مفهوم المدنية، لابد من التأكيد على أن المفردة تشير إلى ذلك الكيان المنبثق عن علاقات قادرة على إنتاج الثقافة الواعية بأهمية خلق التوازن بين الحقوق والواجبات، ومن أهدافها الرئيسية والحاسمة إنتاج الوعي في قالب تواصلي جمعي، وفي إطار يوحد بين المعرفة والأخلاق، ويجمع بين الذاتي والموضوعي، من خلال تدخل الذات في علاقة مع الواقع، أي واقع المجتمع، فيتوحد السلوك والممارسة خدمة للمدنية التي تتكون من إجراءات وتدابير تتيح المعرفة بالقواعد الأساسية التي تتشكل من المنظومة الشاملة للقيم، وتأتي الأخلاق على رأس هذه القيم، وهو ما يتم الإشارة إليه عادة بتخليق الحياة العامة، حيث لا تخليق بدون مدنية، ولا مدنية بدون انصهار عناصر المعادلة التي تتشكل من الأفراد، الشيء الذي يوصلنا في النهاية إلى أن المدنية هي سلوك قبل أن تكون ممارسة، واختيار يتحدد من خلال القابلية على المساهمة والانخراط في عمل المجتمع المحلي قصد التمكن من رسم معالم خريطة طريق التنمية البشرية أولا، فهي عملية تفاعل بين البنية البشرية والمادية قصد الرفع من الإنتاج . خلاصة الحديث، فإننا سنجد أنفسنا مضطرين إلى الاهتمام أكثر بالحياة المدرسية، باعتبارها نواة حقيقية للفكر الاجتماعي من جهة ، ومن جهة ثانية من خلال الحاجة إلى إعادة النظر في الكثير من جوانبها، وكذا مقارباتها المعتمدة، من برامج ومناهج، لذا، وارتباطا بالمقال، فإن الوضع يفرض اعتماد التربية المدنية مادة تعليمية أساسية، بإدماجها في المنهاج التعليمي، بشكل أوسع، لا كمجرد عملية تحسيسية، لا تأخذ سوى حيز هامشي، فالغاية: تنمية الإحساس بالشأن العام، من خلال تكوين الفرد تكوينا اجتماعيا، ثقافيا، حضاريا، مواطنا، في إطار مشروع مجتمع يضمن تفاعل كل الأطراف والمؤسسات ذات الطابع السوسيوتربوي .