التاريخ السياسي المغربي فيه منعرجات و سياقات و مسارات و مطبات هي الصانعة لكل التراكمات التي تحققت على جميع المستويات ، و كل الفاعلين المساهمين أو المؤسسين للفعل السياسي الوطني .. لابد سيذكرهم التاريخ و سيسجل أدنى نأمة أو أقل سلوك سياسي أتاه فلان أو علان ... الشعبوية قصة رديئة لا تنجح دائما في كسب ود الناس ، و حتى و إن ربحت جولة فالبقاء للمعقول كما يقول المغاربة .. و السيادة للحقيقة ولا شيء غير ذلك ، تزوير التاريخ أو القفز على مراحل مهمة فيه تكون نهاية صاحبه أو مقترف هذه الجريرة.. هو كشف السوءة .. و يا له من موقف مخجل فظيع و فاضح . المغرب السياسي له تاريخه الذي يحفظه رجاله من المغاربة الأقحاح الذين ما بدلوا تبديلا .. القول و بكل إسفاف و صفاقة سياسية، أن فاعلا سياسيا يعود له الفضل في الحفاظ على الاستقرار ، عندما هاجت أمواج ما سمي عسفا ب«الربيع العربي» و بدأ الحراك المغربي .. أخضعناه للتحليل الأكاديمي و الرأي العلمي الرصين ، حاولنا تفكيك هذا السؤال مع أساتذة مرتبطين بتفاصيل العلوم السياسية .. كل من زاوية محددة .. و الهدف كان هو البحث عن خلاصات تستنطق مقولة «أنا الضامن للاستقرار» و نحن الإسلاميون أو الجزء «المرْضي» عنه من أنقذنا المغرب و المغاربة من الفتنة و الانحدار نحو الفوضى .. اخترنا أيضا السفر في تاريخ العلاقات بين الإسلام السياسي و السلطة في بلاد المغرب الأقصى.. لعل الحفر في هذا الاتجاه .. هو مناسبة و تعرية لعديد من الحقائق دون التهجم أو استهداف طرف معين .. الحقيقة التاريخية لا تجامل أحدا... د. محمد الرضواني : ملاحظات حول «إنقاذ» العدالة و التنمية للبلد من «الفتنة» ادعاء طرف واحد بدوره في تحقيق الاستقرار أكبر تزوير لتاريخ المغرب .. يتميز النظام السياسي المغربي بدرجة مهمة من الاستقرار؛ استقرار ساهمت فيه قوى أساسية متمثلة في الملك الذي وظف وسائل عنيفة وسلمية في سبيل تحقيق ذلك، وأحزاب سياسية آمنت بالتعددية، أو أرغمت على الإيمان بها؛ وما يعني ذلك من تعدد البرامج الحزبية والاشتغال وفق احترام أسس النظام السياسي، والإيمان بالتناوب، وبنسبية الأفكار والمشاريع. هذا الاستقرار في المغرب المستقل لم يخل من لحظات تصادم وعنف بين الأطراف المتعارضة، كما لم يخل من تضحيات مادية ومعنوية وجسدية. تبعا لذلك، فإن إدعاء طرف واحد بدوره في تحقيق الاستقرار وتنسيبه إلى نفسه يعد أكبر تزوير لتاريخ المغرب، ونفي لجهود باقي الأطراف الأخرى. إن المقصود ها هنا، التصريحات المتكررة التي يعود إليها رئيس الحكومة مفادها «إنقاذ» حزبه العدالة والتنمية، والحكومة التي يقودها للمغرب من «الفتنة» وعدم الاستقرار. ويمكن تسجيل ، في هذا الإطار ، جملة من الملاحظات: - هذا الخطاب يتجاهل دور العامل الخارجي في التوترات الحاصلة في عدد من البلدان العربية. - إنه بالعودة إلى الأحداث الكبرى التي عرفها المغرب المستقل؛ انتفاضة 1965، وأحداث 1981، وإضرابات 1990 في عدد من المدن المغربية، -على سبيل المثال- يسجل غياب الحركة الإسلامية في النضالات الشعبية ضد النظام السياسي، بينما يتزايد دورها بشكل أكبر في الأحداث الإرهابية التي عرفها المغرب والموجهة ضد استقرار البلد، لاسيما منذ أحداث 2003؛ من تفجيرات إرهابية وأعمال عنف. فالحركة الإسلامية غائبة في اللحظات الكبرى للتاريخ النضالي للشعب المغربي، كان آخرها معارضة حركة 20 فبراير. إن الإسلاميين يحسنون الاستفادة من تضحيات ونضالات الآخرين. - إن الحركة الإسلامية بالرغم من تحول عدد من أطرافها إلى الاشتغال وفق القانون، ظلت تؤمن لفترات طويلة بنفي أسس النظام السياسي والاشتغال خارج الشرعية القانونية في سرية، وفي تنسيق مع أطراف خارجية، وبمحاربة التعددية السياسية ومعارضة الاختلاف، ونسبية المشاريع، والتناوب على الحكم، ومعارضة فصل الدين عن السياسة، وتوظيف الدين من أجل تحقيق أهداف شمولية غير ديمقراطية. - إن مثل هذه التصريحات تنفي جهود ومبادرات الملك المساهمة في تحقيق الاستقرار، كما تنفي إيجابيات التعددية الحزبية التي تعتبر متجذرة في المغرب، ودور باقي الفاعلين السياسيين من أحزاب ونقابات، إضافة إلى نفيها للإصلاحات التي انخرط فيها المغرب منذ تسعينيات القرن الماضي، والتي تعتبر من أهم المحددات المؤطرة للمرحلة الحالية. - إن خطاب احتكار الاستقرار وجعله ماركة مسجلة باسم حزب معين في هذا الوقت بالذات، يمكن اعتباره بمثابة خطاب تعويضي عن الفشل في إنجاز سياسات وتطبيق برامج فعلية، فأمام ضعف التدبير الحكومي، وهواية نخبها، يلجأ رئيس الحكومة إلى أشد أساليب التضليل السياسي المتمثلة أساسا في تحريف الحقائق، والدعاية الكاذبة. إن تحقيق الاستقرار يكون عن طريق سياسات عامة عادلة، وتنفيذ البرنامج الحكومي، وابتكار حلول عملية وواقعية ومنتجة، وليس بالبرامج المفلسة، ولا بحماية الطبقات العليا، ولا بالتصريحات الرنانة والخطاب المبهم. إنه دليل على عقدة النقص السياسية التي يعاني منها رئيس الحكومة. - إن مثل هذا الخطاب ليس بغريب عن الإسلاميين، حيث يربطون بين السياسة والتدبير الحكومي والله، ويجعلون دورهم متمثلا في إنقاذ الشعب من «الفتنة» و»الطوفان»، وإدخال الشعب إلى «الجنة»، وإخراجه من الظلمات إلى النور، فمجيئهم إلى الحكم يعد هبة من الله لتطهير الأرض من «خدام الشيطان»، ومن الشر. فحزب العدالة والتنمية، في نظر رئيس الحكومة ونخب الحزب وقاعدته، يعتبرون حزبهم، الحزب الوحيد الذي يخدم المبادئ الربانية، والمشروع الحقيقي الوحيد لمحاربة الفساد وسلبيات الحياة السياسية المغربية، وباقي المشاريع تعد خروجا عن منهج الله، لذلك عندما يلجؤون إلى استعمال العنف في الجامعة أو في المجتمع، وإلى توظيف خطاب التقية، أو إلى المشاركة السياسية السلمية، فإنهم يستحضرون في ذلك، تأديتهم لمهمة إنقاذ المجتمع وتطبيق المشروع الحقيقي الوحيد، الموضوعي والصحيح، الذي لا يعلو عليه أي مشروع، وعند سيطرتهم على أجهزة الدولة فإن الأمر يعد بداية «اختطاف الدولة ». - إن خطاب رئيس الحكومة وادعاء مسؤوليته عن تحقيق الاستقرار يعبر عن لاوعي سياسي مسيطر لدى نخب الأحزاب والحركات الإسلامية، متمثل في سيادة مشروعها الديني -السياسي في المستقبل وبناء الدولة الإسلامية. - إن الحركات الإسلامية في التاريخ المغربي المستقل، لم تكن أبدا عنصر استقرار، بل بمكن اعتبار أنشطتها وطرق اشتغالها وتوجهها معرقلة للاستقرار والإنماء الديمقراطي، فالتحريض على العنف، ونشر ثقافته في الجامعة وباقي خلايا المجتمع، والتحريض على القتل والمسؤولية عن اغتيال بعض السياسيين أمثال عمر بن جلون، وآيت الجيد بنعيسى، والمعطي بوملي، واغتيال بعض الأشخاص الآخرين، والاشتغال السري ضد أسس النظام السياسي لفترات طويلة، وتشكيلها لخلفية ثقافية وسياسية للأحداث الإرهابية التي عرفها المغرب منذ سنة 2003، وعرقلة عدد من مشاريع تحديث المجتمع، ومناهضة المساواة، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، ودفاعها عن ثقافة سياسية تقليدية قوامها اللاعقلانية والتبعية، والتقية وعدم الوضوح، والخضوع لمن هم أعلى، والتنسيق مع الأجهزة الاستخباراتية لإضعاف الحركة اليسارية عموما، تعتبر كلها سلوكات وتعبيرات مهددة للاستقرار ومنافية للديمقراطية. إن أهم خدمة يمكن أن يقدمها رئيس الحكومة لتعزيز الاستقرار في المغرب هي تقديم استقالته، لأن سياسة حكومته وقراراتها ستؤدي في المستقبل إلى تهديد هذا الاستقرار الذي يشهده المغرب، ولأن من شروط الاستقرار تقديم الاستقالة وعدم الاستمرار في السلطة في حالة الفشل في تحقيق مشروعية الإنجاز. الأكاديمي محمد الغالي .. القول بدور فاعل سياسي وحيد في ضمان الاستقرار .. تفكير عدمي .. نبه محمد الغالي, أستاذ العلوم السياسية, أن الكلام الذي يطرحه حزب العدالة والتنمية عبر أمينه العام وقيادييه، حول الدور الذي لعبه الحزب في توفير الاستقرار للمغرب .. مجرد تسويق سياسي مفرط و محاولة حثيثة لتخفيف الضغط عن الحكومة بعدما تبين صعوبة و تعقيدات تنزيل البرنامج الانتخابي الذي طرح في استحقاقات 2011 . محمد الغالي في تحليله لمثل هذا الموقف الصادر عن قيادات البيجيدي ، قال إن المعادلة في المغرب جد معقدة و ليست سهلة كما كان يعتقد الأمين العام رئيس الحكومة .. و لدى حديثه عن الإسلام السياسي و دوره في تحقيق الاستقرار داخل الحياة المغربية والنظام بصفة عامة .. ميز بين إسلام تقليدي أدخلته السلطة السياسية في مرحلة سكونية و ظل وفيا و مدخلا مهما لأسس الشرعية في النظام القائم .. وإسلام معاصر أو كما سماه الغالي .. إسلاما حركيا، قوته في حركيته و ديناميته، يحاول الاندماج .. يطرح تصورا مخالفا أو يحاول وضع مشروع أو بديل بالنسبة للمشروع المجتمعي الذي يدعيه النظام. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض ، قال أيضا إن منهجية التعامل لدى النظام السياسي المغربي تشتغل على مفهوم الاحتواء والاندماج بالنظر للصيغ المطروحة ، بمعنى أن السلطة تفضل الاحتواء بصيغة الاندماج .. و هذا يجعل أيضا الطرف الآخر ينحو نحو التفكير البراغماتي و ليس فقط الركون إلى الخطابات المعارضة و النقد السياسي .. فالمسؤولية و التسيير صعب و صعبة. النظام يعتمد التفاعلية ... أما عندما يقال أن الإسلام الحركي ضامن للاستقرار ، هكذا بدون تمحيص ، فالأمر ليس صحيحا بالمطلق و إلا سنكون أمام تفكير بمنطق عدمي . ماذا سنقول عن أقطاب الحركة الوطنية والمسارات السياسية الخاصة بها منذ فجر الاستقلال إلى اليوم.. إن وعاء المشروعية لابد و أن يكون متنوعا .. د. ابراهيم أولتيت : قالتها التجارب التاريخية الاستقرار لا يصنعه و لا يضمنه فاعل سياسي واحد نتج عن التحولات السياسية في المغرب ُبزوغ مجموعة من الإشكاليات، وهي «ُجملة القضايا» (حسب تعريف المرحوم محمد عابد الجابري) التي يناقشها الفاعلون السياسيون والاجتماعيون والاقتصاديون والإعلاميون والأكاديميون، والتي تخص وضع المغرب الراهن، حيث يتنافس رأيان: رأي يدافع عن الإصلاحات السياسية الجارية ؛ و رأي يعتبر بأن النظام السياسي لم يخرج بعد من ُُعنقِ الزجاجة، و نجد هذا الرأي حتى عند رئيس الحكومة في مجموعة من خطبه أمام مجلسي البرلمان (ففي سياق رده على أسئلة البرلمانيين كثيرا ما لجأ رئيس الحكومة إلى تذكيرهم بأن الربيع العربي لم يغادر بعد المغرب)؛ و في نفس الوقت نجده يردد فضل حزبه على الاستقرار السياسي الذي ينعم به المغرب. مما يجعلنا أمام توظيف سياسي للاستقرار السياسي من قبل الفاعل السياسي يدفعنا إلى إبداء بعض الملاحظات : 1 - هل «الاستقرار السياسي» غاية للفاعل السياسي أم أداة يوظفها لإعلان مكامن نجاحه و دحض حجج معارضيه؟ أليس هذا التوظيف بديلا عن فشل في الدور الوظيفي للحكومة لتلبية حاجيات المواطنين؛ مما يجعل الاستقرار ( مرادف للأمن) نعمة أفضل من الرفاه المادي في ظل الفتنة ؛ حيث يمكن للمواطن أن يضحي به مقابل أن ينعم بالاستقرار؟ و لترسيخ هذا الرأي تتم الإحالة إلى الربيع العربي الذي قد يتحول من محفز على التغيير السياسي إلى أداة لترسيخ الجمود السياسي. 2 - هل «الاستقرار السياسي» يمكن أن ينسب إلى فاعل سياسي واحد، أم هو تراكم لمساهمات جميع الفاعلين السياسيين و المدنيين مهما كانت مكانتهم في الحقل السياسي، مادام الأمر يتعلق بالوظيفة التي يؤديها على غرار أعضاء الجسم ( نشير هنا إلى أن هذا الرأي يلتقي مع الاتجاه الوظيفي- الخمسينيات من القرن الماضي- الذي يركز بالدرجة الأولى على عمل المؤسسات القائمة باعتبارها عنصرا واحدا في نظام اجتماعي يجنح نحو حالة من التوازن ، و نموذجه هو « الديمقراطيات المستقرة»، وذلك على عكس الاتجاه الماركسي- الستينيات من القرن الماضي- الذي يعتبر أن الحفاظ على النظام و الاستقرار مجرد حل جزئي ومرحلي للصراعات المختلفة ) (توم بوتومور). 3 - هل يتعلق الأمر في المغرب ب «استقرار سياسي «أم ب «جمود سياسي»؟ محاولة الإجابة تقودنا إلى وجود مقاربتين للتفسير: مقاربة يدافع عنها من يسميهم عبد الله حمودي ب» المنظرين الرسميين» أو «إيديولوجي النظام»؛ ومقاربة يقترحها عبد الله حمودي والتي تلتقي، في جزء منها، مع جون واتربوري. بالنسبة للاتجاه الأول فإن استقرار النظام يعود خاصة إلى وجود علاقة مباشرة قائمة على رباط مقدس بين العاهل و رعيته، تتجلى في احتفال البيعة الذي تقيمه الأمة/ الجماعة؛ و عليه فإن « المؤسسة الملكية هي المؤسسة الدستورية القادرة على ضمان حماية واستمرارية المجتمع المغربي برمته « (محمد زين الدين). أما بالنسبة للاتجاه الثاني فيفسر ذلك بما يسميه دانييل برومبرغ (Daniel BRUMBERG) «استراتجيات البقاء» التي تمكن من احتواء الإصلاحات السياسية والاقتصادية ، والتكيف مع الضغوط الداخلية والخارجية من أجل التغيير، من دون أن يؤدي بها ذلك إلى تقاسم السلطة». 4 - توجد الدول، حسب روبرت ي.روتبرغ، لتقديم السلع السياسية لمواطنيها، و هي: الأمن، (...) الإطار القانوني لتحقيق النظام، النظام القضائي اللازم لإدارة الإطار القانوني (...) لكن الدولة الفاشلة تنتهك كل تلك الالتزامات، كما يزداد فقدان تلك الدول لوظيفتها كمقدم للسلع السياسية. مما يعني أن دور الدول في ضمان الاستقرار أصبح مؤشرا تقاس به مكانة الدول حسب «مؤشر الدول الفاشلة»، الذي وضعته منظمة صندوق السلام بالتعاون مع مجلة «السياسة الخارجية » : فأي وضعية تحتلها المملكة المغربية؟ حسب تقرير 2013 ( يقيس عدد 178 دولة) : جاءت المملكة المغربية في المرتبة 93 و يسميها التقرير بالتحذير من الخطر التي تليها في المرتبة الأخيرة و ضعية الإنذار . مما قد يفسر في نظرنا أن الاستقرار بناء يساهم فيه جميع الفاعلين من أجل بناء دولة قادرة وليس استعماله كمورد يخدم طرفا على حساب باقي الفاعلين.