نظمت «جمعية شروق الأصيل»، بشراكة مع عمالة المحمدية، يومي الجمعة والسبت، الدورة الثانية من ملتقى: مبدع ومدينة. وشهدت الدورة مجموعة من الفعاليات المتميزة، وعرفت نجاحا ملفتا، إن على مستوى التنظيم، أو على مستوى المواضيع والأنشطة التي اقترحتها، وزاد من نجاحها مشاركة وحضور أسماء لها وزنها ومكانتها في المشهد الثقافي والأدبي والفني في المغرب. جرت وقائع الدورة في مركز «المصباحيات» بمدينة المحمدية، واحتفلت بمدينة مكناس وأدبائها في شخص ثلة من مبدعيها وأدبائها، وبالمجموعة القصصية «الوشم صوتا» للكاتب عبد اللطيف الهدار. كما احتفلت بمدينة دكار، إسهاما من الجمعية المنظمة في الانفتاح الثقافي على القارة الإفريقية، وبالناقد والشاعر الدكتور حسن بنموسى إمزاكن، اعترافا بإسهامه الوازن في تفعيل المشهد الثقافي المغربي. اليوم الأول من الملتقى خُصص صباحُه لندوة هامة تمحورت حول علاقة المثقف بالمدينة، ولتقديم المدينتين المحتفى بهما؛ مدينة مكناس، ومدينة دكار. و كان الموعد مع العاصمة السنغالية دكار، وكانت لحظات شيقة وممتعة أدارتها بإحساس كبير وفنية عالية الأستاذة نجية عبد الدايم. وكان البدء بشريط توثيقي عن مدينة دكار، وعن السينغال عموما، وركز بالخصوص على العلاقات الدينية والتاريخية والثقافية بين المغرب والسينغال، تلته ورقة تعريفية بالشاعر السينغالي الكبير ليوبولود سيدار سنغور، وبشعره الذي تُرجم إلى جل لغات العالم، أعدتها الأستاذة نجية، وختمتها بقراءة شيقة لقصيدة «Femme noire « من شعر سنغور. بعدها كان الموعد مع جلسة شعرية وفنية ممتعة، أبدع فيها شعراء شباب من دولة السنيغال. والجميل، أنهم أبدعوا شعرا جميلا باللسان العربي الفصيح، بعضه عمودي، وبعضه من الشعر المعاصر، وهم: محمد الأمين جوب، وإبراهيم بن عمر توري، وألفا دمْ، والشيخ أحمد تيجاني. كما أبدعت الفرقة الموسيقية HERMANOS من مدينة المحمدية المحتضنة للملتقى، برئاسة الأستاذ: خالد منيري، وعضوية الفنانين الشباب: خالد بوزكري، وحسان باحو، ووليد عباد. بالإضافة إلى الثنائي السينغالي الجميل: ArtistLacr y Male، و D'niee، وعازف الطبل، الفنانBOBO، من الكونغو برازفيل. ختام الفعاليات الرسمية من اليوم الأول، كان تكريم الناقد والشاعر والفنان التشيكيلي، الدكتور حسن بنموسى إمزاكن، وكانت التنشيط للشاعرة سميرة جودي. وساهم في التكريم كل من: د محمد رمصيص، والزجال مصطفى دكي، والزجالة فتيحة المير، بشهادات صادقة نوهت بالدكتور حسن بنموسى ناقدا وشاعرا وإنسانا، ولامست بحميمية عوالمه الأدبية والفنية. كما ساهمت في التكريم، الشاعرة حنان خريخر بقصيدة شعرية قدمتها بإخراج مسرحي مبتكر. اليوم الثاني من الدورة، كان الموعد مع ندوة: «البعد الإفريقي في الأدب المغربي الحديث». أدار الندوة باقتدار وتمكن الدكتور: حسن بنموسى، وعرفت مداخلتين رصينتين، الأولى تقدم بها الدكتور الباحث رشيد بن عمر، وكان موضوعها؛ الأدب المغربي بين الجذور والتحول في علاقته بالبعد الإفريقي، لامس فيها مجموعة من القضايا الهامة، من قبيل التباين في العلاقات بين المغرب وإفريقيا بين ما هو سياسي وما هو ثقافي، والمرجعية الروحية التي تحكم الذهنية المشتركة من المغرب إلى نهر السينغال، وتأثيرات المستعمر الفرنسي في هذه الذهنية، ودور المغرب في انتشار المذهب السني المالكي الأشعري والطرق الصوفية، وبالأخص الطريقة التيجانية والدرقاوية والناصرية، وكيف نشأ مفهوم الدولة الحديثة في شمال غرب إفريقيا، وكيف صارت الزوايا والطرقية هي المادة المصدرية للفكر السائد بهذه المنطقة، وتمظهرات ذلك في المنجز الشعري، وبخاصة في المديح النبوي، ومدح شيوخ الطرق والزوايا. ليخلص الدكتور رشيد بن عمر في نهاية مداخلته إلى أن الجذور الفكرية والأدبية كانت دائما تمتد من المغرب إلى إفريقيا، وأن العكس يكاد ينتفي. وأن نوعا من فك الارتباط لم يشرع في الظهور إلا في القرن التاسع عشر، وأن المغرب في فترة الحماية الفرنسية التفت ثقافيا أكثر إلى المشرق العربي، وأيضا إلى ما أنتجه الفكر الغربي، وأن البحث عن تطهير الأدب المغربي من التيارات الوافدة ما زال قائما. المداخلة الثانية من ندوة البعد الإفريقي في الأدب المغربي الحديث، كانت للدكتور الناقد محمد رمصيص، وفيها ساءل تمظهرات هذا البعد، وتجلياته، معتبرا أن لإفريقيا عمقا ثقافيا بيِّنا في الأدب المغربي، ضاربا مثلا لذلك بالجرح الزنجي في الظاهرة الكناوية، وعاقدا مقارنة موضوعية بين تغني موسيقى الجاز بهذا الجرح الذي سوقت له بشكل راق، وتفاعل الفن الكناوي الذي توقف عند بكاء الجرح. مؤكدا على أن الاستعمار الفرنسي جعل المغاربة يتصورون الأفارقة كالآخر، وأن المغرب كان مشدودا إلى المشرق العربي حدَّ التقديس، ومذكرا بأن الثقافة الأمازيغية في المغرب كانت أول من طرح البعد الإفريقي في الثقافة المغربية، وذلك منصوص عليه في ميثاق أكادير. في مساء اليوم الثاني من الملتقى، جرى بدءا توقيع المجموعة القصصية: «ليالي الأعشى» للكاتب عبد اللطيف الهدار، بإدارة الأستاذ التهامي شويكة، ومشاركة الأستاذ الشاعر عبد العزيز أمزيان الذي قرأ رسالة إخوانية غاية في المتعة وصدق المشاعر ونبلها، خص بها صديقه الكاتب المحتفى بإصداره. والشاعرة عزيزة العميري التي قالت في حق الأستاذ عبد اللطيف الهدار شهادة عميقة باعتبارها تتلمذت عليه في المرحلة التعليمية الثانوية، أردفتها بقصيدة عمودية ماتعة، أشادت فيها بخصاله التربوية والإنسانية والأدبية. بعدها، كانت استضافة مدينة مكناس الأدبية، بإدارة الدكتور حسن بنموسى، فكان البدء بشريط وثائقي يوثق للتمظهرات الحضارية والعمرانية والثقافية لمدينة مكناس، بتعليق مباشر، حي، من الأستاذ حسن إمامي. تلته شهادة عاشقة في حق مدينة مكناس الأدبية، تقدم بها القاص والناقد المكناسي محمد إدراغة، وقراءات شعرية راقية لمجموعة من شعراء وشواعر مكناس، هم: عبد الناصر لقاح، وسميرة جودي، هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الدورة الثانية من ملتقى «مبدع ومدينة» شهدت سهرتين شعريتين وفنيتين ماتعتين، في أجواء حميمية ودافئة، خارج البرنامج الرسمي، كما جرى فيها تتويج المحتفى بهم.