موليم لعروسي ,كاتب وروائي وباحث في الجماليات, وأستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء،كما يعتبر من كبار المثقفين بالمغرب الذين يهتمون بالفن التشكيلي . وباعتباره مندوبا مشاركا في تظاهرة «المغرب الحديث», التي سوف ينظمها معهد العالم العربي بباريس في اكتوبر،نوفمبر وديسمبر 2014. خصنا بهذا الحوار للحديث عن أهمية هذه التظاهرة وكذلك عن طريقة اختيار الفنانين المشاركين فيها. في هذا الحوار يتحدث أيضا عن الجانب الكوني في الثقافة المغربية وعلاقتها بالموروث الثقافي الكولونيالي. لقاؤنا هذا يدخل في إطار التظاهرة التي ينظمها معهد العالم العربي بباريس حول المغرب الحديث,» في أكتوبر،نوفمبر, وديسمبر 2014، باعتبارك مندوبا عاما مشاركا في هذه التظاهرة. ما هي الأعمال الفنية التي سوف تختارونها من أجل إبراز ما يعيشه المغرب اليوم؟ نريد أن نختار ما يقع على أرض الواقع، وكما تعرفون نتحدث كثيرا عن المغرب من الجانب الفني, ويتم الحديث على الخصوص حول الفورة الثقافية والفنية التي يعرفها. هل هذا الأمر صحيحا ام هو خاطئ، هذا هو السؤال الذي طرحناه على أنفسنا ونقدم وعدا بالإجابة عنه. وكيف يمكننا معرفة ذلك؟ لا يمكننا تحقيق هذا الأمر بالاعتماد على الكتالوغات والمعارض التي نظمت سابقا. لقد اخترنا السفر عبر التراب المغربي شمالا وجنوبا, شرقا وغربا للإجابة عن هذا السؤال..هذا السفر الطويل مكننا من جمع ملفات ومادة لم يسبق في اعتقادي ان جمعت حتى اليوم، كما أننا استقبلنا العديد من الملفات لفنانين لم نتمكن من اللقاء بهم. الاشتغال على هذا المتن الذي تم جمعه ,هو الذي مكننا من تحديد الخطوط العريضة لهذه التظاهرة. فالتحليل الدقيق لهذه الاعمال ومقارنتها مع بعضها البعض دون الاهتمام بفارق الأجيال والأسلوب وشكل التعبير, هو الذي مكننا من معرفة حقيقة انشغالات الساحة الفنية المغربية اليوم. هل مهمة اختيار الأعمال الإبداعية التي سوف تمثل المغرب بباريس هي عملية سهلة، وماذا عن هذا السفر الصحافي الذي نظمتموه، وقاد إلى العديد من المدن المغربية بالشمال والجنوب... كما سبق لي أن قلت لك، مكننا تحليل المتن التي نتوفر عليه من تحديد الخطوط العريضة لهذه التظاهرة، هناك من الفنانين من لم نتمكن من إدماجهم في أي محور من المحاور التي ستعرفها التظاهرة، هذا أمر مؤسف لنا أولا ولهم أيضا. هناك فنانون جيدون , لكن العمل الذي لا يتلاءم مع وجهة النظر التي حددناها لهذا العمل لاندمجه ,لأن تظاهرتنا تدخل في إطار الفن المعاصر . وباقي الممارسات الثقافية والفنية للمجتمع المغربي،مثل السينما،المسرح والمناظرات الفكرية والمعارض, هل ستكون ممثلة؟ ذلك أمر مؤكد، لأن الأمر يتعلق بتظاهرة فنية وثقافية مغربية. من المؤكد أن الفن البصري يأخذ مكانة مهمة، لكن باقي الأشكال الفنية سوف تكون ممثلة. في البداية وخلال التظاهرة وبعدها, سفرنا عبر المغرب لم يكن هدفه الوحيد هو البحث عن الفنانين البصريين, التقينا ايضا بشعراء، كتاب، مثقفين و موسيقيين ورقاصين وصناع تقليديين... اي المغرب الثقافي. في كتابك الأخير « الهوية والمعاصرة في الفن التشكيلي المغربي» تطرح الأسئلة الكبرى للمجتمع المغربي بعد الحماية. هل عالم الفنانين بالمغرب اليوم وضع قطيعة مع مرحلة الحماية ووجد هويته وحداثته؟ وقد صرحت أن « الفن سيضع رهن السؤال الممارسة والمقاربة الغربية من خلال العودة الى الموروث المحلي من اجل الارتقاء به الى المستوى الكوني، وهو ما سوف يعطينا مرحلة ما بعد المعاصرة.» هذا ما نعيشه اليوم بالمغرب،لهذا نؤكد انا وزملائي جون ايبير مارتان، ومحمد لمطالسي, في الكلمة التقديمية للمعرض الحالي, على ان قضية الهوية لا تشغل بال الشباب اليوم، وهي تنتمي اكثر الى انشغالات قبيلة الفنانين على المستوى الكوني, اكثر منها الى هوية محلية. من هنا يتوجهون الى مكونات الثقافة المغربية بما فيه الموروث الاستعماري من أجل مساءلتهم وتحويلها الى لغة كونية. أسئلة أخرى يتم طرحها اليوم، هل الهزة التي خلفها « الربيع الديموقراطي « الذي مس المنطقة، هل مست الابداع الثقافي المغربي اليوم؟ المغرب عاش طلائع الربيع الديموقراطي في الثقافة والفن, علينا ان نتذكر الحركة الرائعة التي احتلت الشوارع العامة بالدارالبيضاء وكل المغرب, والتي كان للشباب الفكرة الرائعة بتسميتها «نايضة» التي تعني في نفس الوقت النهضة والحركية. هذه الحركة مست كل مجالات الإبداع والتي حملها شباب من مختلف الطبقات الاجتماعية المغربية، ولم تكن لا حركة للضواحي ولا لتيار ايديولوجي محدد، كانت حركة للمواطنين, وعندما نتحدث اليوم على الربيع العربي, لا يمكننا الا الاتفاق على ذلك, وهو أمر سوف يبرز في العروض وفي كل التظاهرات. في هذه التظاهرة التي سوف تعقد بباريس، هناك مسألة « نظرة الآخر» وأحكام القيمة. جزء من الجمهور الفرنسي والغربي عموما ينتظر منكم عرض لوحات «شرقية» ذات طابع فلكلوري وغرائبية, كيف يمكنكم, أثناء هذا المعرض, تغيير الأحكام الجاهزة حول الفن والثقافة المغربية؟ هو سؤال محوري: جون ايبير مارتان الذي هو المندوب العام لهذه التظاهرة له تجربة في هذا المجال، وقام بزعزعة هذه الافكار منذ 25 سنة، عندما نظم تظاهرة جد رمزية,»سحرة الأرض». الجمهور الذي يعيش على مسلمات والمنغلق على الآخر لا يهمنا بالدرجة الاولى، هناك جمهور لا يأتي إلى المعارض, لأننا نستمر في أن نقترح عليه ما تم اقتراحه على أجداده. لا بد من زعزعة بعض المسلمات ووضع القطيعة, علينا ان لا نخاف على الخصوص من التجديد باسم الحفاظ على جمهور ما من خلال محاكاة دوقه. تظاهرتنا سوف تكون تمرينا حقيقيا للغيرية. المعركة من أجل مواجهة الأحكام الجاهزة بالمغرب, هل تعرف تقدما؟ وهل عمل مدرسة الفنون الجميلة نجح « في تنظيف النظرة، عين وروح المغربي»؟ هذا التوجه يمكننا التعرف عليه من خلال السوق الحالية. هناك مجهود كبير قام به أساتذة مدرسة الدارالبيضاء وكذلك مدرسة تطوان، وهناك جيل جديد من أصحاب قاعات العرض و المعارض الذين يخاطرون من خلال الرهان على المستقبل, وهناك ايضا ظاهرة لا بد أن يهتم بها السوسيولوجيون، الاقتصاديون والمؤرخون في يوم ما, وهي الاهتمام بالفن في مجتمع يتحول. ويبدو لي أن المغاربة يتعرفون بشكل متزايد على فنهم, وهو أمر يجعلهم يرتاحون، في اعتقادي،لهويتهم البصرية ويمكنهم من الانفتاح على الآخر. هل معركة التنوع الثقافي هي معركة مربوحة اليوم؟ وهل رئيس معهد العالم العربي جاك لونغ , حليف لكم في هذه المعركة في الاعتراف بالتنوع الثقافي؟ التعدد الثقافي هو أمر تم إقراره في الدستور المغربي الأخير, وهو ثمرة نضال طويل داخل المجتمع المغربي. لكن تظاهرة معهد العالم العربي سوف تعطي لهذا الامر طابعا دوليا. علينا ان لا ننسى ان ذلك سوف يتم بباريس وفي افتتاح الموسم الثقافي. في هذا الاتجاه فإن وجود جاك لونغ في هذه اللحظة على رأس معهد العالم العربي هو حظ كبير بالنسبة لنا كمغاربة. فهو حليف لنا ليس فقط في هذه التظاهرة, بل إنه صديق للمغرب وللمغاربة منذ عدة عقود. هذه هدية جميلة.