في كتابه الصادر في بحْر السنة الجارية، "الإخْوان المسلمون، تحقيق حوْل آخر إيديولوجيا شمولية"، للباحث والصّحافي الفرنسي ميخائيل برازان. الكتاب هو ثمرة تجوال طويل للمؤلّف في شتى أنحاء العالم العربي مشرقا ومغربا، حيث التقى قادة الإخوان المسلمين في كلّ مكان، وحاورهم بعد أن استقبلوه مطوّلا. وعن هذه الحوارات والاستقبالات، نتج هذا الكتاب الهام. منذ بضعة أشهر فقط، كانوا يقودون أكبر بلد عربي: مصر. ولكنهم الآن أصبحوا مطاردين في كل مكان، أو قابعين في السجون، أو نازلين تحت الأرْض بعد أنْ عادوا إلى حياة السرية التي جرّبوها طويلا في الماضي. فمن الإخوان المسلمون يا تُرى؟ إنهم جماعات منتشرة في شتى أنحاء العالم العربي، بلْ وحتى في الدياسبورا الأوروبية والأمريكية. إنهم مشكَّلون على هيئة روابط أو أحزاب سياسية أو «جمعيات خيرية»، بين قوسين. ولكنهم مشتبه فيهم دائما بأن لهم علاقة وثيقة بالحركات التكفيرية والجهادية. بالطبع، هم ينكرون ذلك ويقسمون بأغلظ الأيمان بأنهم معتدلون لا علاقة لهم بالتطرّف والمتطرفين. ولكن، من يصدقهم؟ على أي حال، فإن الباحثين مختلفون في شأنهم. فالبعض يقول بأنهم إسلاميون معتدلون، والبعض الآخر يقول بأنهم ثيوقراطيون مقنّعون. وعلى أي حال، فإنهم يحيّرون بقدر ما يقلِقون. في الساعة العاشرة والنصف صباحا، شرعت مكبرات الصوت المدوية فوق المنصات الثلاث المرتفعة في وسط الساحة، في إصدار الدعوات الدينية الأولى. رجل بلحية بيضاء دائرية، يرتدي بذلة، هو دون شكّ فرد من الإخوان المسلمين. ومقابله رجل آخر ضخم بجلباب أبيض ولحية طويلة، ورأسه يغطيه منديل أسود. على يمينه، تتدلى صورة لأحدهم، دليل ورمز للعدالة الثورية. الصورة المعلقة لا تشبه أحدا على وجه التدقيق: لا تشبه حسني مبارك، الرئيس المصري السابق الذي تجري أطوار محاكمته، ولا أحمد شفيق، وزيره الأول، ولا أيّ وجه آخر من الطغمة العسكرية، ولا حتى أحد القادة الغربيين. كانت هذه الصورة، بمعنى من المعاني، تركيبا لهم وتمثّلهم جميعا. في الوقت نفسه انطلقت أصوات قرع الطبول في جوانب الساحة. لم أدر في البداية هل الأمر يتعلق بتجمّع نضالي في ساحة رمزية في قلب القاهرة، أم هو احتفال بمناسبة من وطنية أم غير وطنية. غير أنّ الأناشيد الدينية التي انطلقت بعدها بقليل ذكّرتني بأن التجمع ديني بالفعل. وسرعان ما بادر أحدهم بحثّ الحاضرين على الجهاد مذكّرا إياهم بأنّ الرسول كان يشدّد على الصبر والتحمّل والاستعداد للجهاد في سبيل الله استعدادا لدخول الجنّة. كان معظم السلفيين المجتمعين في ساحة التحرير من أنصار "أبو إسماعيل"، أحد رموز الإخوان المسلمين، الذي قدّم ترشّحه للرئاسيات المصرية يوم 30 مارس، قبل أنْ تُقرر اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في مصر استبعاده من السباق رفقة تسعة مرشحين للانتخابات من أبرزهم مرشح جماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر إضافة إلى عمر سليمان النائب السابق للرّئيس المصريّ المخلوع حسني مبارك. لمْ يكن استبعاد حازم صلاح أبو إسماعيل بسبب انتمائه الدّيني، وإنما بعد أنْ تبيّن بأنه يملك جنسية أمريكية? فضْلاً عن كوْنه استفاد في تمْويل حمْلته الانتخابيّة من دعم قطَريّ بلغ سبْعة ملايين دولار، إلى درجة أنّ صوره وإعلاناته ظلّت ملصقة على جميع حيطان المدينة حتى بعد إلغاء ترشيحه. وقْتها طالب أنصاره وأنصار التيارات الأخرى، الذين التحقوا بهم، بحلّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، وكذا بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتطبيق أحكام الشريعة. إنها الديمقراطية والحكم الإسلامي، في مقابل الجيش وأمريكا وإسرائيل واليهود والكفّار. ساحة التحرير يوم الجمعة 27 أبريل من سنة 2012، سنة واحدة بعد اندحار نظام كبير حسني مبارك. كان الكلام السائد يومها لا يتعلق سوى بالدعوة إلى الجهاد من أجل تحرير مصر، يقول أحد الملتحين الملتحقين بالمنصّة اليمنى، عبر مكبّر الصوت: "نحن اليوم أمام جهاد كبير أجل تطبيق الشريعة ضدّ الجيش وأمريكا والصهيونية". لم يعد ْ»الإخوان« مقتنعين اليوم، خصوصا في ظلّ الظروف المواتية عالميّا والتي ساهم في إيجابيتها "الربيع العربي"، بأن استراتيجية بن لادن والظواهري والزرقاوي، ستؤدي إلى نتيجة تذكر. ولذا، فإنّ استراتيجية الإخوان المسلمين تقول بأنه "ينبغي أن ننتشر ونتوغّل في المجتمع بشكل تدريجي قبل القفز على السلطة، وإذا ما وصلنا إليها في بلد ما فسوف تتهاوى كل البلدان الأخرى في أحضاننا الواحد بعد الآخر كأحجار الدومينو". كانوا يعتقدون أنهم سيحكمون العالم العربي كلّه من المحيط إلى الخليج، بلْ وحتى العالم الإسلامي في كليته. هذا على الأقلّ ما ظنوه واعتقدوه عندما وصل أحد مرشّحيهم محمد مرسي إلى السلطة. غير أنه عندما انفجرت ثورة 30 يونيو الشعبية العارمة عليهم وأسقطت حكمهم، لجأوا إلى العنف من دون أيّ تردد. بمعنى آخر، أنّ لسان حالهم: نستخدم الأساليب السلمية إذا كانت هي الأنجع. ولكن، إذا لم تفلح نلجأ إلى العصا الغليظة لإرْهاب الناس وإخضاعهم لنا بالقوة. هذه هي فلسفة الإخوان المسلمين منذ نشأتهم. ولذلك، كان هناك مكتب الإرشاد من جهة، والجهاز السري الخاص من جهة أخرى. الأول ذو وجه دعوي سلمي رسمي محترم، والثاني يشتغل في الظل، مهمته تحريك الشارع واللجوء إلى التهديد والاغتيالات والتفجيرات.