مرة أخرى يشرق وجه عبد الرفيع جواهري بهيا في سماء مراكش ، مضيئا كما الشمس قلوب محبيه . و كالضوء يغسل مزهرية الروح ، حل في ذلك المساء الجميل ، الشاعرُ الذي لا يُنسى قصيدة تفيض بعطر الحياة ، فاتحا شارعا عريضا بحجم البحر اسمه الصداقة. ليلة السبت الماضي، وفي لحظة تكريمه بمهوى قلبه ، مراكش الآسرة بمبادرة رائقة من الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، كان كل من حضر يفتش في غابة اللغة الآهلة بالأشجار والظلال عن كلمات مثل الماء تجري و تطير ، تليق بهالة المحتفى به ، الذي ذكرنا جميعا بابتسامته أن عدوى الصداقة مكسب من صاحب الشعر . بدفق المحبة تزاحمت من حوله الوجوه ممن رافقوه في ملحمته الكبيرة ، ملحمة النبل والصدق و الأمل، أولئك الذين أشعلوا في ليالي مظلمة من تاريخنا فانوسا صغيرا يطل من نوره المستقبل . فأحاطه الأصدقاء الذين أطلوا معه من شرفة اللحظة النزيهة للفعل السياسي و للمغامرة الإعلامية، ولمتعة الإنصات لأسرار الوجود في معاناة القصيد ، وللغناء و الحلم بالأجمل . محمد العربي المساري خاطبه في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه الشاعر ياسين عدنان قائلا "الصديق عبد الرفيع محبوب من لدن اسرة الصحافة وأسرة الشعر وأسرة القانون فضلا عن ان مشاركته في الشان العام كمناضل ديموقراطي تصنفه في مكان الصدارة من بين العاملين في حقل الدفاع عن حقوق الانسان والغيرة على الصالح العام " وفي استذكار جميل لقوة عبد الرفيع جواهري في الكتابة الصحفية وإضافته النوعية فيها قال المساري " اود الاشارة الى المكانة التي يحتلها عبد الرفيع في الصحافة الوطنية التي سخر لها قلمه المعطاء الذي حذق فنون التعبير شعرا و نثرا ولا بد من التذكير بان النافذة التي فتحها في الصفحة الاخيرة من جريدة الاتحاد الاشتراكي كانت موعدا أثيرا عند القراء حيث كانوا يلتقون مع عبد الرفيع بانتظام مع ركن تمتزج فيه الدعابة بالحكمة والموعظة لتكون في نهاية الامر نصا بديعا يحلو للقارئين. وقد كتبت وأريد ان اكرر هنا ان نافذة اجوا هري وبخط اليد لعبد الجبار السحيمي في العلم قد كانا فتحا في ميدان الصحافة إذ ان العمودين كانا يعتبران فاعلين في دفع حرية التعبير في بلادنا في نهاية الثمانينيات نحو آلامام إذ انه في كل اسبوع كانت حرية التعبير تربح مساحة وعلى مر الأسابيع كانت المساحة المكتسبة ظلا وريفا امكن تطويره فيما بعد الى ان انتقلنا الى مراحل متقدمة في بناء الديموقراطية. مع بعض التعثرات بطبيعة الحال ولكن مع تحقيق مكاسب معنوية مهمة نتزود بها من اجل طي المراحل الكفيلة بتحقيق ديموقراطيا حقيقية بمؤسسات قوية وبثقة في النفس." محمد البريني المدير السابق لجريدتي الاتحاد الاشتراكي و الأحداث المغربية وصف عبد الرفيع جواهري في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه الزميل اسماعيل حرميلة رئيس الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بمراكش ، بالمبدع في كل ما ينجز ، مبدع في الصحافة السمعية البصرية، في الشعر ، في كتابة كلمات الغناء الراقي ، مبدع في الكتابة الصحفية ، مبدع في المحاماة والنكتة والمجادلة .. أما محمد سراج الضو عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، فوصف عطاء عبد الرفيع في مختلف المجالات التي طرق بابها بالباذخ . وبوفاء الصديق لصديقه ، توغل عبد الإله التهاني ، الأديب و المسؤول في وزارة الاتصال، في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه الإعلامي عزيز بطراح ، في عوالم الشاعر عبد الرفيع ، مُفصحا عن إبداعيته النفاذة في الحياة و الكتابة ، جعلته أنيقا في الفعل و القول ، شاعرا في كل شيء، لا تلمس يداه إلا الأجمل و الأنبل ، إنه فارس العبارة و البيان ..و كذلك كان الأمر بالنسبة لأحمد الريفي المدير السابق للمحطة الجهوية للإذاعة الوطنية بمراكش ، و الذي أعادنا الى الزمن الجميل بصوته الذي كان بحق معزوفة جميلة غنت لشاعر ابدع وأجاد.. مستعيدا لحظات فائقة الصفاء من مسار المحتفى به . وعرج عمر الأشهب المدير السابق لإذاعة مراكش، على ذكريات و محطات من عطاء عبد الرفيع اجواهري تحفظ اسمه و تصونه في سمو من كان الجمال معركته الكبرى . وتحدث أحمد تويزي رئيس جهة مراكش تانسفت الحوز ، عن عبد الرفيع اجواهري، كمجرى تتقاطع فيه ملحمة الاتحاديين و نضالهم من أجل فضاء أفسح للحرية و الحياة . وفي شهادة باذخة بالعرفان للشاعر صلاح الوديع ألقاها نيابة عنه بأناقة الزميل الإعلامي محمد المبارك البومسهولي قال الشاعر صلاح الوديع " لست ناقدا لأقترب من عبد الرفيع بمبضع، أنا مدين لعبد الرفيع باستيقاظ ذوقي الجمالي وأنا بعد طفل أبدأ مشوار التعليم الثانوي وأترنم برائعة القمر الأحمر. لقد كنت أحفظها عن ظهر قلب، بل كانت في لحظة من لحظات حياتي مؤشر الحكم على ذوق أصدقائي. فمن منهم لم يكن يعرف سمفونية القمر الأحمر لا يستحق صداقتي، بكل بساطة. " وخاطب المحتفى به قائلا "من أولى إيماءات اكتشاف العالم أمام أعيننا اليافعة ونحن نخرج، في بدايات الستينات - من غبش الاستعمار ونتوجه إلى أفق مستقبلنا المبهم المليء بالطموحات والإخفاقات والمثقل بالفقد المتكرر والمكابرة، كان الصوت يأتينا مترنما بالحلم العاشق المستميت. الشعر والأداء واللحن. ثلاثي نوراني أخذ بأيدينا الغضة إلى مساحات الحلم الشاسعة. ثلاث قامات فارهة من مغرب يصبو إلى أن يحقق ويحيا نصيبه من الحداثة, تلك مغربيتي المتأصلة يبرزها إبداع فذ يعود بي، بعد أن يفتح لي أبواب الاكتشاف الممتع، يعود بي ممتلئا إلى النحن المغربية المتفردة. فأعثر على نفسي وقد اغتنت بروافدها وتعددت بعناصرها وانتشت بتوحدها مع الوجود. الوجود الذي لا ينصاع إلى للإبداع في شتى صوره: شعرا أو نثرا أو تشكيلا أو صورة أو تخييلا أو نحتا... لكي يعيد لنا ذواتنا في دوراتها اللامنتهية في البحث .." وهو يشاطر بحنينه للزمن الجميل الذي يمثل عبد الرفيع اجواهري وجهه الأصفى ، قال الشاعر صلاح الوديع : "كفاحنا لم يبدأ البارحة فقط من أجل ملاقاة مصيرنا الحداثي المرتكن إلى أجمل ما في تراثنا من جمال. كم من قصيدة أو لحن أو لوحة تشط عن حقلها الأول لتؤشر إلى مسافات لا تحدها حدود. كانت القمر الأحمر من أولى هذه البشائر في تاريخنا وما تزال. عودوا إلى القصيدة كلها، عودوا إلى الأغنية كلها، عودوا إلى السمفونية كلها وسترون. " وعن تجربته الفريدة المسماة "نافذة" قال الوديع:" الجريدة التي ترغمك على قراءتها انطلاقا من الصفحة الأخيرة، هي من صناعة عبد الرفيع. كانت السخرية هي طريقة الالتفاف الذكي على تكميم الأفواه. لكي نستطيع قول ما لا يقال والتعبير عما يخالج كل صدر، كان قلم عبد الرفيع هو قلم الجميع: الشاب والكهل واليافع والرجال والنساء والمتعلمون والمثقفون وحتى من لم يؤتوا علما ولا سبيلا لفك حرف. لأنهم عثروا على سلسبيل الكلام. " وعند إهدائه لوحة فوتوغرافية من إبداعه قال الزميل محمد المبارك البومسهولي عن عبد الرفيع " جواهري تعلمت منه معنى الجمال من خلال أناقة الكلمة ببساطتها الممتنعة، وتعلمت منه ايضا ان اللغة في تألقها مهذبة أكثر، وتعلمت منه أن الصدح بالحق ليس مجرد صراخ .." ولم تكف الكلمات وفاء وعرفانا للشاعر عبد الرفيع فتدفقت الألحان من أنامل الفنانين مصطفى الريحاني وعزيز أباعلي . في حفل تكريمه الذي سيره الشاعر حسن بن منصور بأناقته المعهودة ، أعلن عبد الرفيع اجواهري مرة أخرى أن الشعر هويته، والحب جواز سفره، والصداقة عملته الصعبة. منحازا للموسيقى والأغنيات و لما في الفرح من سر، أتى إلى الحياة ملونا شوارعها بالإيقاع وأزهى الأحلام.. دُمت أيها الشاعر حمامة مطلقة الجناحين و زهرة ندية في صباح ربيعي لا ينتهي.