كان شهرمان شمسا مشرقة في ذكراه الأربعينية التي نظمتها بمراكش مؤخرا النقابة الوطنية للصحافة المغربية و النقابة المغربية لمحترفي المسرح و النقابة المغربية للمهن الموسيقية . و انطلق شعاعا مضيئا في قلوب محبيه الذين حجوا بكثافة ليملأوا جنبات مسرح دار الثقافة بالداوديات، محتفلين بعودته الأبدية في حاضر الإبداع الذي لا يستطيع الموت أن يهزمه و لا أن يحوله إلى ماض منقضٍ . وصل شهرمان محمولا بخفة الحياة التي تفيض من قصائده و أحلامه، يرفرف فوق الرؤوس كسرب من الفراش، و هبَّ كعطر مسكر وانطلق كالهواء لا تقيده السلاسل . صفق له الحاضرون في الحفل و غنوا لذكراه. كلمة اللجنة المنظمة التي ألقاها الزميل محمد المبارك البومسهولي، نائب رئيس فرع النقابة الوطنية للصحافة المغربية بمراكش، كرّمت المحتفى بذكراه قائلة: «في لحظة قاسية و مباغتة، اعتقدنا أن صاحبنا قد رحل مخلفا أثر غيابه الفادح، ذاهبا بغير رجعة تاركا إيانا تحت صدمة الفَقد االذي لا يحتمل، لكن هاهو محمد شهرمان يكذب حزننا، و يصُّدُّ كآبتنا، و يفجر فرحنا، متحركا بيننا بفيض المحبة التي غمرنا بها بكرم كبير طيلة حياته .» وأضافت كلمة اللجنة المنظمة بنفس النبرة المحتفية: «هاهو يطل علينا أفقا نبيلا للحلم والأمل، يرفرف خفيفا كنسمة هواء في صباح ربيعي مجددا طاقة الحياة فينا، تستقبلنا ذكراه بالعطر والياسمين. ليذكرنا أن الحياة لا تليق إلا لمحاورة الماء بالماء ومغازلة زهرة جميلة .» شهرمان كما وصفته كلمة محمد المبارك البومسهولي: «فارس الأمل، نصيرُ الحلم، أغنيةٌ تهمس في قلوبنا كما الضوء يكتب قصيدة الكون. كما الريح تغني للسفر في الأماكن القصية التي لن ندركها إلا في الحلم. «ليس للصحراء صورة ولا للسماء وطن، وحده الحب خبزنا وماؤنا، لذلك لن يموت شهرمان لأن الذين يستثمرون في الحلم لا يموتون». و كما كانت له طاقة مستحيلة لضَمِنا إلى بعضنا حول السؤال و رنين الجنون، تقول كلمة اللجنة المنظمة، هاهو شهرمان يجمعنا اليوم حوله محررا فينا دفء محبته، حكيما كما كان دائما وأبدا، منتصرا للحياة وكمال الفرح وغبطة الوجود، متحمسا للأجمل والأروع والأمتع. وتضيف اللجنة المنظمة في كلمتها التي ألقاها الزميل محمد المبارك البومسهولي «ليس غريبا أن تلتئم إرادة ثلاث نقابات انشغالُها الأول حماية حق المجتمع في الحلم والغناء الحر، لأن الحرية أعذب قصيدة في الوجود وشرط صحته، قلت، ليس غريبا أن تلتئم إرادتها للاحتفال بالذكرى الخالدة لمحمد شرمان، لأن هذا الرجل لحظةٌ صافية من الإخلاص تستفيق في دواخلنا جميعا، علمنا كيف نخلص للحياة، وأن نستميت في الغناء من أجلها وأن نناهض كل ما يعكر صفوها من ظلم وفساد وحقد. شهرمان، أيضا، هو هذا الحنين الذين يجرنا جميعا إلى الزمن الجميل حتى في معاناته التي تصنع ألقها من نبل أحلامها .» الحفل كان لحظة متألقة وقوية من الوفاء والإخلاص والمحبة، وفاء لعطاء سخي عانى الرجل كثيرا من أجله، وإخلاص للحياة التي نذر شهرمان نفسه للنضال من أجل بهائها ونضارتها، ومحبة لكل ماهو جميل. استمع الجمهور الذي ألّفت بين قلوبه فضيلة الصداقة، إلى توزيع رائق لأغنيتي «الكلام المرصع» و «دارت بنا الأيام» أبدعته الفرقة اللبنانية «كركاله»، وأنصت عميقا لقصائد للراحل ألقاها نيابة عنه أصدقاؤه من الشعراء على إيقاع غناء الناي للفنان مصطفى الريحاني، متيحين للحضور إعادة اكتشاف سحرها. وشاهد الحضور «شريط الوداع» الذي أنجزه زميلنا المبارك البومسهولي باتقان، و شريطا آخر لشهادات رفاق شهرمان في درب الإبداع : مولاي ادريس معروف و عبد الرحمن الملحوني، و الورزازي المعروف بأخبيش مؤسس شبيبة الحمراء، وعبد الواحد بن ياسر. وأطل شهرمان، مرة أخرى، على محبيه ، في ذات الحفل، وهذه المرة في شريط يتحدث إليهم فيه قائلا «أنتم كالقلب تحت الأضلع، وأنتم اللسان في الفم «الحفل الذي نسق فقراته بأناقته المعهودة، الزميل أنس الملحوني، عرف أيضا كلمة للمدير الجهوي للثقافة الذي قدم تعزية لأسرة الراحل، وطبقا روحيا من فن السماع، إضافة إلى معرض مواز ضم ما كُتب عن محمد شهرمان في الصحافة الوطنية . وانتهى الحفل، وعبارة واحدة تتردد في نفوس الحاضرين «شهرمان صديقنا الأوفى، ليس لنا، ما هو أثمن، لكي نهديه لك في هذه اللحظة، أكثر من محبتنا ووفائنا، أنت أيها الخالد إلى الأبد، النابض في قلوبنا، المحلق في سمائنا شاسعا كما البحر وفيا لزرقته .. »