هذا البورتريه أنجزه لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» الإعلامي أحمد بن أعيوش زميلنا في إذاعة «امفم أطلس» منذ أربع سنوات، قرّب من خلاله هذا المبدع المتميز بعطائه الكبير، ولأنه اليوم محتفى به في المهرجان الغيواني الثاني الذي ستنطلق فعالياته غدا الثلاثاء فقد استأذنا زميلنا لإعادة نشره مع بعض التصرف ليكون ضمن هذا الملف الذي تخصصه جريدتنا لهذا المهرجان.. محمد شهرمان أحد أهم رواد مسرح الهواة في الستينيات، الذي لعب دورا مهما في تطعيم الساحة الفنية بعناصر يشكلون الآن رموز الفن المسرحي بالمغرب، كتب لمجموعة جيل جيلالة ومجموعة الأرصاد ومجموعة النواس الحمراء .. والثنائي بزيز وباز .. تغنى بكلماته الفنانين البشير عبده و محمد علي، ولحن له شكيب العاصمي وعبد الحي التطواني .. وأنتج للإذاعة والتلفزة أعمالا رائعة لازالت خالدة في الذاكرة المغربية، لكن عدسة الكاميرا تجاهلته بقساوة.. ومسؤولي هذه المدينة الحمراء أجحدوا أعماله الشهيرة.. يعيش محمد شهرمان سنته الرابعة بعد الستين من عمره، الشيب قد طال رأسه، وتجاعيد وجهه دلالة على ماض حافل بالعطاء والإبداع، تجاعيد تخبئ بين طياتها آهات الرجل من إهمال وإقصاء وجحود وطنه له، بجسده النحيف جدا يمشي وحيدا، مخترقا شوارع وأزقة المدينة الحمراء طول النهار، وبمقاهيها يقبع منفردا منهمكا على ذاته، ومنطويا على زاوية دواخله، كأنه غريب عن المدينة، لكنها ليست سوى لحظات مخاض وولادة إبداعية جديدة. بدأ اسم محمد شهرمان يتسلل إلى مسامع عشاق المسرح في بداية الستينيات بمراكش، المدينة التي شهدت ولادته سنة 1948، ولم تمض عن ذلك سوى سنوات قليلة، حتى أصبحت له عناوين شهيرة لمسرحياته المتميزة كمسرحية «خدوج» و«التكعكيعة» للمخرج الكبير عبد الكريم بناني، ومسرحية «نكسة أرقام» و«الضفادع الكحلة» و«الرهوط» للمخرج القدير عبد العزيز الزيادي، وهي مسرحيات عرفت النور على خشبة مسارح المدينة الحمراء في أوائل السبعينيات، نال شهرمان عن مسرحيته «الضفادع الكحلة» جائزة أحسن نص سنة 1972 . بإبداعاته المتميزة هذه ساهم شهرمان في ازدهار المسرح المغربي، وأضاف إلى سجله مسرحيات أخرى في أواخر السبعينيات، عرفت كذلك إقبالا جماهيريا كبيرا كمسرحية «الأقزام» و«الخنقطيرة» للمخرج عبد الكريم بناني، ومسرحيتين «الجارالداعي» و«الجهاد الأكبر» من تأليف وإخراج شهرمان، وذلك في الثمانينيات، ثم مسرحية «خمسة وخميس» أخرجها الفنان مصطفى تاه تاه، ومسرحية «سوق الرشوق»، وهي من إخراج مولاي إدريس المعروف، أما في بداية الألفية الثالثة وإلى حدود سنة 2007 ألف ثلاث مسرحيات وقام بإخراجها «حكاية سين ونون»، «خذلك مشوار» و «مذكرات فلتان». محمد شهرمان كماوصفه الفنان المبدع مولاي الغالي الصقلي هو «فنان متكامل خطاط، زجال، كاتب مسرحي متميز، يجمع بين الخفة في الأسلوب واللعب بالألفاظ حتى يعطي صورة مشحونة بأبعاد، إنه يصنع فسيفساء بالكلمات، معروف بالنكتة، خفيف الظل، خفيف الروح، حلو المعشر وحلو الحديث». ويقول عنه محمد المبارك البومسهولي الكاتب الصحفي «كلام شهرمان كلام فيه الكثير من الإبداع، إبداع موزون، إبداع تحس أن الرجل يمتلك الكثير من المواهب، شهرمان هامة إبداعية تطاول شموخ الأطلس المطل على مراكش، سواء في كتابته المسرحية أو الزجلية أو حتى كتابته باللسان العربي الفصيح، هذا الرجل النحيل دو الهامة التي تطاول عنان السماء، لا يتحدث هكذا اعتباطا، ولكنه حتى وإن غضب عليك، وأراد أن يوجه لك سبة أو شتيمة فتكون مرصعة بالشعر». في الشارع يسير شهرمان بأناقة واتزان، يحرك أطراف جسده بدقة وعناية، ولا يسمح لها بحرية الحركة على الإطلاق، يلقي عليك التحية فتستشعر الاحترام المتدفق من طريقته الدقيقة جدا في الإلقاء.. وإن حدثك أنظم شعرا.. عشق المسرح وارتبط به ارتباطا وثيقا منذ شبابه، أبدع فيه ومنحه من وقته الكثير، إنه سحر الخشبة، والمسرح كما يعرفه شهرمان هو قال بامفرج يا سادة بعبارالكلام المسبوك جوهر المسرح إفادة إبداع نظيف ومحبوك المسرح بشهادة غير محبوك ولا متروك ليس اجترار وإعادة مابين دوك وهذوكالمسرح يا هذا مسئولية أخلاق وسلوك سفير هو فوق العادة ساعي للخير المشروك بالإضافة إلى أنه كاتب مسرحي فهو زجال كبير أغنى الساحة الفنية المغربية بمجموعة رائعة من الأزجال المغناة، إذ نظم لمجموعة جيل جيلالة أغنية «الكلام المرصع» في سنة 1972و«العيون عينيا» مناصفة مع الطاهري سنة 1975والتي تغنى بها الشعب المغربي في العمل الجماهيري الخالد «المسيرة الخضراء»، ثم أغنية «دارت بينا الدورة» سنة 1976 وجميعها قصائد لا زالت تطرب مسامع عاشقي مجموعة جيل جيلالة، كما أنه ملأ خزانة مجموعة الأرصاد للفن الشعبي بعدة أزجال تغنت بها المجموعة ولا زالت عالقة في أذهان محبي هذا الفن، مثل«الرواية»، «سقط العقل»، «قوارب الموت» وكان ذلك في بداية الثمانينيات، وبعد انقسام ذات المجموعة إلى مجموعتين فنيتين نظم الزجال شهرمان في سنة 2006 ثلاث قطع مغناة لمجموعة لرصاد «اعتاق اعتاق»، «خلينا ليه الله» والخالدة «أحلى مكان». وتغنت مجموعة النواس الحمراء ومجموعة الورشان بعدة أغاني لمحمد شهرمان، الذي يصفه عبد المجيد الحراب رئيس فرقة لرصاد الفنية كأنه «الكتبية أو المنارة بمراكش، وأنه عقد في عنق المدينة الحمراء، أغنى الساحة الثقافية والفنية بالمغرب بإنتاجاته المتنوعة والرائعة». أدى من كلماته الفنان البشير عبده أغنيتين «خمس نجوم» و«ياصانع مجد الأجيال»، أما الفنان محمد علي فقد أدى أغنية جميلة تحت عنوان «عشقي فيك يا بلادي»، كما لحن له شكيب العاصمي «بطل الأبطال» و«هكذا الصورة». يقول عنه الممثل عمر العزوزي :«شهرمان معلمة، فهورجل يستطيع أن يستخرج من كل حدث مهما كان، النكتة والكلمة الجميلة الهادفة، ويستحق من المغاربة أكثر من التفاتة وأكثر من تكريم». استضيف محمد شهرمان بعدة وسائل إعلامية سمعية وبصرية، وأنتج منذ سنة 1969 إلى حدود سنة 2007 أعمالا ايداعية رائعة مثل دواوين «احمر واخضر»، «الشموع»، «فرحة الشباب»، «بابا عقربة» ، «سيدي فلتان» و«عمي مشقاف»، ومن انتاجاته التلفزيونية مسرحيات «خدوج»، «الاقزام فالشبكة» ، «سي مشوار» ،«حلقة فروج و فروجة». حضي شهرمان بتكريم في الدورة العاشرة للمهرجان الدولي للمسرحية القصيرة بتمارة في شهر أبريل سنة 2008 نظمته جمعية الستار الذهبي للفنون الدرامية، إذ كان نجم مراكش الساطع بتمارة في مهرجان شاركت فيه فرق من فرنسا، إسبانيا، ليبيا، الجزائر، الكامرون والمغرب، وكان تكريما محترما على حد تعبير محمد شهرمان بخلاف تكريمه اليتيم بمراكش الذي نظمه المجلس البلدي حيث رفض تسلم «صحن» كان مهدى له من الجهة المنظمة بعاصمة النخيل، احتجاجا على قيمة التنظيم التي كانت جد هزيلة ولا ترقى وقيمة الرجل. سألته عن الأسباب الخفية وراء ذاك الاستخفاف فأجابني «لأن مطرب الحي لا يطرب».