بخفة المبدع و قوة المناضل ،وقف الشاعر عبد الرفيع جواهري لحظة تكريمه على خشبة مسرح دار الثقافة بمراكش من قبل مسرح أجيال مساء الخميس 19 ماي 2011 متشحا برصيد كبير من محبة الناس و تقديرهم لعطائه الجميل دفاعا عن الحق في الحلم و الحرية و الحياة . و وسط تصفيقات الجمهور الذي حج إلى المسرح احتراما لقوة اللحظة التي تكثفت فيها كل معاني الاعتراف بنبل المسار الطويل الذي يدل عليه اسم الرجل حيث يتشابك النضال الصادق من أجل حرية الكائن و كرامته بالإصرار على صون الجميل و المدهش في وجودنا من خلال اختراق تخوم الشعر و المغامرة في عمقه الذي يثوي السر الأكبر للتجربة الإنسانية ، وسط كل ذلك تحدث عبد الرفيع في كلمة مؤثرة عن ذلك التقاطع الذي طبع تجربة الكتابة لديه بتجربة مضادة قوامها المنع و القمع و التضييق في السنوات السوداء للمغرب المعاصر . حينها كانت الكلمة معركة حقيقية والكتابة مواجهة فعلية . وذكّر بفصول من هذه المعركة كمنع أغنيته أطفال الحجارة التي غنتها الراحلة رجاء بلمليح من قبل أحد رموز سنوات الرصاص إدريس البصري و جز شعر مغنيتين شعبيتين بمدينة خنيفرة على يد باشا المدينة تأديبا لهما على عدم مشاركتهما في الاحتفال بمناسبة رسمية و استشهاد المناضل الحمزاوي بمخفر للشرطة بنفس المدينة .. وغيرها من الوقائع كثير في زمن منع فيه الشاعر من إلقاء أشعاره و أغلقت في وجهه الفضاءات العمومية و ترصدته عيون المخبرين التي تحسب خطواته و أنفاسه معا . لكنه أيضا تاريخ للتحدي بالعمل المباشر و بالكلمة الساخرة و بالإبداع الحر . فكان عبد الرفيع يكتب الشعر و يتنقل بين ربوع البلاد ليحاضر في حقوق الإنسان مساهمة منه في تعميم ثقافتها و يتعقب تفاصيل هذا الزمن الصعب بسخرية حادة و مبهرة في عموده الشهير نافذة .. عبد الرفيع جواهري وجد في هذا التكريم ما يتجاوز شخصه إلى كل الذين رفعوا قوة الكلمة وسحر الكتابة في مختلف الأجناس .. محمد العربي المساري الذي حالت ظروفه الصحية دون تنقله إلى مراكش لحضور هذا الحفل بعث بشهادة مؤثرة في حق المحتفى به ألقيت نيابة عنه حملت عنوان : عبد الرفيع صفحة من زمان الوصل . مما جاء فيها نقرأ : ألج بيت الشعر ، متفقدا في ركن ما شيئا ما هو لنا . و نون الجمع هنا ، تقديرها « نحن ، »أي نساء و رجال الإعلام ، بكل تفعيلاته ، المكتوب و المسموع و المرئي . و ما أتفقده هو جوهرة رفيعة .. تعود إلى قبيلة الإعلام هي عبد الرفيع جواهري . جئت هنا لأقول لكم إن لنا في رجلكم هذا نصيبا . و بهذا أبدأ الحديث . جاء عبد الرفيع إلى الرباط ، ناويا أن يوجه خطواته الأولى نحو المسرح ، لكنه دخل شارع بيير بارمان ، و لم يخرج منه إلا صحفيا .. كامل الأوصاف .. و في ركن من الذاكرة توجد صورة لفتى أتى إلى العاصمة من فاس ليضيف بصوته نغمة إلى سمفونية اللكنات المتعددة التي أصبح على المستمع المغربي أن يعتادها . التقينا في الإذاعة : أثناء الستينات ، في عمر الشباب . كل واحد منا ساهم بلكنته و إشراقاته . و كتب لنا أن نشترك في عمل كان من بنات أفكار مبدع آخر ، شاب آخر ، الفاسي نشأة و الرباطي ، ودارا هو محمد برادة الرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب ، و كان حينئد رئيسا لقسم الانتاج بالإذاعة . وكانت الفكرة التي أثمرت ذلك العمل المشترك هي تقديم عمل روائي عبر الأثير في شكل مسلسل كل يوم يكتب حلقته واحد منا . وتذكر العربي المساري وجوها و أحداثا من ذلك الزمن تقاطعوا جميعهم مع الشاعر عبد الرفيع جواهري خلال عبوره من الإذاعة و التلفزة إلى أن تركها إلى المحاماة ، واستحضر معاركه السياسية و نضالاته . فقد « تغيرت المسارات يقول المساري و لم تتغير الكينونة ، و ظللنا أصدقاء بالريموت كونترول . صداقة هي القيمة المضافة للحياة ، قبل أن تحدث بشأنها ضريبة . قلت لم تتغير كينونته لأنه ظل ساكنا في بيت الشعر قبل أن ينشئ الشعراء المغاربة بيتا خاصا لهم . و أحدث في الكون بدعة .. قال إن القمر أحمر . وارتكب نزوات جميلة أخرى تغنى بها أفراد جيلناو ما زالت تهز الرؤوس . . » وتوقف العربي المساري في شهادته عند ركن »نافذة » قائلا : « في الثمانينات ،أطل عبد الرفيع على القراء عبر ركن من النافذة . وبذلك كتب ، كما نوهت مرارا ، صفحة مشهودة من الإعلام المغربي . و قد كتبت مرارا إن الفترة الانتقالية التي دخلها المشهد السياسي في المغرب في آخر الثمانينات قد فتحت الطريق إليها ، غزوتان هما « من النافذة » و « بخط اليد. » . فمن خلال الركنين ،ربحت الصحافة المغربية أسبوعا بعد اسبوع هامشا يزيد اصبعا عما كان عليه الأمر من قبل . قل إنهما وسعا الهامش حتى أصبحت الباب مشرعة على الحلم .. وعلى هذه النغمات ،استوى عبد الرفيع كفاعل سياسي .. لم يبرح مكانه قط من خيمة الشعر » أما الشاعر و الإعلامي سعيد عاهد فعرج في شهادته المؤثرة على لحظات إنسانية عميقة جمعته بالمبدع و المناضل عبد الرفيع جواهري الذي لقبه المتحدث بالميتر ، ليس لأنه من حملة البذلة السوداء لكنه ميتر حقيقة بمعناها الفلسفي و الإنساني الأقوى . فالرجل كما قال سعيد عاهد لم يُخضع أبدا علاقاته الإنسانية للحسابات الضيقة و لم يكن ينتبه لزلات الآخرين ، بل كان دائما منفتحا على الناس بقلب شاعر لا يعرف الضغينة و لا الحقد . عاد سعيد عاهد بذاكرته إلى الثمانينات بمراكش عندما كان في زمرة شباب يساري متحمس. و كان عبد الرفيع محتضنهم الوحيد بمكتبه و بيته دون أن يفرض عليهم وصاية بعدما أغلقت في وجههم جميع الأبواب . و كان الرجل ينتصت للجميع دون تعصب و لا حكم مسبق . واستحضر عاهد فصولا أخرى باتحاد كتاب المغرب بما حملته بعض لحظاتها من اختلاف لكن عبد الرفيع لم يكن يحتفظ في قلبه إلا بالأجمل والأعمق من علاقاته بالناس ولم ينتبه كثيرا إلى أخطائهم و زلاتهم المرتكبة في حقه. إنه ميتر حقيقي بقامة كبيرة في النبل . ومن جهته ،اعتبر الإعلامي محمد العوني رئيس منظمة حريات الإعلام و التعبير في شهادته التي ألقيت نيابة عنه لطارئ صحي منعه من الحضور ، تكريم عبدر الرفيع جواهري تكريما للشعر و لليراع في عناق المذياع و للكلمة الموزونة و الوقفة الوازنة . و قال : « نحتفي اليوم بقامة المبدع ، و هامة المناضل . ويكرمنا عطاءه و إسهامه و يدثرنا تسامقه و شموخه .. تكريم عبد الرفيع جواهري هو تكريم للقلم الساخر و التعبير النافر عبر نافذة مغربية بأبعاد مراكشيةفاسية و رباطية .. تجمع درر الرفيع و البديع . نافذة جواهرية أطللنا عبرها على راهن الحال و مرهون الأحوال . نافذة كانت تسأل و تتساءل و تُسائل .. و هاهو الزمن العربي و الشارع المغربي يجيب عن البعض منها .. تكريم الشاعر والمناضل عبد الرفيع جواهري حضرته شخصيات ووجوه وازنة من عوالم النضال الثقافي والحقوقي والسياسي ، وتوج بعرض مسرحية « هو » التي أخرجها الفنان أحمد جواد . في تلك الليلة كان كل شيء يكرم في شخص عبد الرفيع جواهري تحت سماء مراكش : فتنة الشعر وأناقة الحلم و جسارته و كل ما يفيد ليحيا الإنسان حمامة مطلقة الجناحين ...