تحولت مدينة الناظور القريبة من مليلية المحتلة، والمطلة على الواجهة البحرية للأبيض المتوسط، إلى وجهة مفضلة للمهاجرين الأفارقة المنحدرين من دول جنوب الصحراء، الذين يتخذون من هذه المدينة التي يطلق عليها جزافا «باب أوربا» محطة عبور إلى «الفردوس المفقود»، بعد أن قطعوا الالآف من الكيلومترات، هروبا من المجاعة والنزاعات العرقية والحروب والكوارث، واستقر بهم المقام بجبل «كوركو» الواقع على الساحل المتوسطي لجبال الريف، والمطل على المدينة السليبة، الذي يذكي فيهم حماس الهجرة ويوفر لديهم عزيمة العبور، حيث هم على مرمى حجر من بلوغ الهدف لتنفيذ «غاراتهم البشرية» على السياج «الحدودي» الشائك بالشفرات الحادة والمخيفة، كلما سنحت لهم الفرصة لتحقيق حلم الوصول إلى «الفردوس» المتخيل، الذي يسيطر على عقولهم ويدفعهم إلى المجازفة. نزوح المهاجرين الأفارقة نحو مدينة الناظور، مسلسل يحكي عن تفاصيل مغامرات مؤلمة طوتها المسافات الطويلة التي تعدت الالاف من الكيلومترات، ونسج حكاياته مهاجرين «غير شرعيين»، تركوا بلدانهم الأصلية واتجهوا أتوماتيكيا نحو الجهة الشرقية للمغرب، بعد أن تمكنوا من عبور الحدود البرية المغربية الجزائرية المغلقة بشكل رسمي منذ منتصف سنة 1994، وحطوا رحالهم بجبل «كوركو» الذي يشكل «ملاذ» المهاجرين الافارقة داخل المغرب. وصول مهاجري دول جنوب الصحراء إلى جبل «كوركو»، استغرق منهم قطع مسافة 4000 كيلومتر مشيا على الأقدام، عبروا فيها الصحراء والعديد من البلدان الإفريقية، حينها بدأت حكاية مغامراتهم تنسيهم أحزانهم وتؤمن لهم مساحة من أحلام العبور إلى «القارة العجوز»، من خلال تنفيذهم لعمليات الهجوم على حدود مليلية والتسلل إلى المدينة السليبة. وبفعل محاولات اقتحام المهاجرين «غير الشرعيين» لمدينة مليلية التي تقبع على مساحة تصل إلى 12 كلم مربع، والتي تعد آخر معاقل الإستعمار الأوربي في الوطن العربي وقاعدة عسكرية إسبانية كبيرة، تمت إعادتها إلى واجهة الأحداث، وعاد معها موضوع الهجرة وعلاقته بأمن الحدود من جديد إلى الواجهة ليقفز على سطح العلاقات المغربية - الإسبانية، ويفتح بابا واسعا للجمعيات الحقوقية لتدق ناقوس الخطر، إبان شروع السلطات المغربية في بناء سياج حدودي شائك على مرمى حجر الحدود الوهمية لمليلية المحتلة. ملف المهاجرين الأفارقة، قديم جديد، لما عرفه من تطورات على مدى العقدين الأخيرين والذي أصبحت تداعياته مصدر قلق لدى الجميع، بمن فيهم المغرب وأوربا والمجتمع المدني، حيث الأمر يتطلب حلولا وإجراءات يساهم فيها الجميع للحد من هذه الظاهرة التي تشكل عبئا حقيقيا للكل، بمن فيهم المهاجرون غير الشرعيين أنفسهم. وأمام هذا الوضع، وبالرغم من المبادرة التي أطلقتها المملكة المغربية لتسوية وضعية المهاجرين بالمغرب، إلا أن المهاجرين الأفارقة القابعين بجبل «كوركو» يفضلون الهجرة الى أوربا، على اعتبار أن حلم الهجرة لديهم أقوى من أي شيء، الأمر الذي يجعلنا نقول إن المغرب تحول من «دولة عبور» إلى «دولة إقامة» مفترضة لمهاجرين من دول جنوب الصحراء، لكون مدينتي مليلية وسبتة السليبتين تشكلان المنفذ الرئيسي لمحاولات آلاف المهاجرين السريين لمعانقة الحلم الأوروبي بالضفة الجنوبية من شبه الجزيرة الأوروبية . الطريق إلى «كوركو» نصف ساعة من الوقت على متن سيارة أجرة هي المدة الفاصلة بين مدينة الناظور وغابة «كوركو» المطلة على مليلية المحتلة، التي يتخذ من مرتفعاتها المهاجرون «غير النظاميين» برجا لمراقبة الحركة الدؤوبة بالمدينة السليبة ورسم الإستراتيجيات الهادفة إلى اختراق السياج السلكي الشائك، حيث كلهم أمل وشغف لعبور الحدود وملامسة الحلم «الأوربي» . في «كوركو» يختبئ المئات من المهاجرين الأفارقة، يعيشون ويتعايشون، يعانون ويتناسلون داخل هذه الغابة الكثيفة الاشجار، ويعيشون واقعا مؤلما، إذ يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وينتظرون لحظة الوصول إلى أوربا لتحقيق الغاية التي هجروا من أجلها بلدانهم الأصلية. ويلاحظ أن مهاجري دول جنوب الصحراء، قد اختفوا من شوارع مدينتي بني أنصار وفرخانة الحدوديتين، حيث كانوا في السابق يتواجدون وسط المواطنين بالشوارع والمعابر الحدودية لمليلية بشكل عادٍ ، إلا أنه بعد محاولاتهم الأخيرة لاقتحام الجدار الحدودي لمليلية صار الامر صعبا عليهم، حيث السلطات المغربية اعتمدت خطة أمنية جديدة لمواجهة الهجرة غير الشرعية، اذ تقوم بإيقافهم وترحيلهم على متن حافلات إلى مدينة الرباط. يقول فودي مهاجر كاميروني، في حديثه ل«الاتحاد الاشتراكي»، «حتى اللحظة، مازال الوصول إلى مليلية بعيد المنال، منذ تواجدنا هنا حاولنا اجتياز المعبر لأزيد من مرة، لكن لم نستطع مواصلة الأمر»، فيما يقول «كاشمي» الذي يتشابه مع «فودي» في البشرة والشكل الخارجي، «أصبحنا مضطرين إلى الرفع من عدد محاولاتنا لاقتحام سياج مليلية، ونطمح أن يسمح لنا بالعبور إلى أوربا، حيث اصبحنا غير قادرين على تحمل افتراش أراضي غابة «كوركو» . وسط هذه الغابة، توجد معسكرات المهاجرين الأفارقة، الذين ينقسمون الى عدة مجموعات، بما فيها معسكر الكامرونيين والماليين والنيجيريين، و معسكرات أخرى، هاجسهم المشترك العبور إلى «الفردوس» الأوربي. وقال عادل أكيد، عضو لجنة الهجرة واللجوء بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور، «إن أغلب ساكني «كوركو» من الفقراء والمهمشين في بلادهم»، موضحا «أن «الأغنياء» من راغبي اللجوء عادة يلجؤون إلى طرق أسهل للتسلل إلى أوربا مثل طريق البحر»، في حين أشار إلى أن الأوضاع التي يعيش على وقعها المهاجرون بالغابة تنذر بكارثة خطيرة. وبخصوص عدد المهاجرين الأفارقة المتواجدين بالغابة، قال مسؤول أمني ل«الاتحاد الاشتراكي»، رفض الكشف عن إسمه، «ليست هناك أرقام رسمية بهذا الخصوص»، مشيرا إلى أن آخر محاولة اقتحام لسياج مليلية، شارك فيها ما يزيد عن 500 مهاجر ، في حين أكد أن هناك مهاجرين آخرين لم يشاركوا في عملية الإقتحام، الشيء الذي يجعل السلطات الاسبانية بمليلية المحتلة تقول:« إن عدد المهاجرين الأفارقة المتواجدين بغابة «كوركو» يتجاوز 1500 مهاجر ». محاولات اقتحام الحدود الشائكة ازدادت محاولات اقتحام السياج الحديدي الثلاثي الشائك لمليلية المحتلة، خلال السنوات الأخيرة، من طرف المئات من المهاجرين الأفارقة، الذين لم تمنعهم الشفرات الحادة التي أثبتتها السلطات الاسبانية على طول السياح السلكي الذي يمتد على مساحة 12 كيلو مترا ويبلغ علوه 8 أمتار، من مواصلة عمليات العبور إلى مدينة مليلية المحتلة الواقعة في الشمال الشرقي للمغرب، أمام إصرارهم على ملامسة حلم الهجرة الى «الفردوس المفقود». ويعتمد المهاجرون الأفارقة، خلال محاولتهم اقتحام السياج الحديدي ، على السلالم الخشبية التي يصنعونها بغابة «كوركو»، فيما يقومون بالاستعانة بالعصي والحجارة لمواجهة تدخل السلطات المغربية التي تمنعهم من الهجوم على الحدود، الشيء الذي تنتج عنه إصابات «بليغة» في صفوف المهاجرين والقوات العمومية المكلفة بحراسة حدود مدينة مليلية المغربية المحتلة. وبخصوص مكان وتوقيت تنفيذ عمليات الهجوم، قال العديد من المهاجرين الأفارقة الذين التقت بهم «الاتحاد الاشتراكي» إنه لا يعلم بها سوى «شيرمان» وهي التسمية التي تطلق على رؤساء المجموعات الافريقية حسب إنتماء كل دولة. ويسجل على السلطات المغربية والإسبانية، حسب مصدر حقوقي من المنطقة ، «استعمال العنف أثناء إحباط الهجمات الجماعية للمهاجرين الأفارقة على سياج مليلية» . وليست الحدود البرية هي الطريق الوحيدة التي يلجأ إليها المهاجرون غير الشرعيين، إذ هناك من يختار العبور إلى مليلية عبر قوارب صغيرة، حيث بمجرد تنفيذهم لعمليات الإبحار يقومون بالإتصال بالسلطات الإسبانية التي يخبرونها بوجود زوارق على متنها مهاجرون أفارقة، فيما يقومون بالقفز في المياه تجنبا لأي عملية اعتقال، في حين تقوم القوات الإسبانية بنقل المهاجرين إلى مستشفى «كوماركال»، بمليلية ليتم بعدها نقلهم إلى مركز إيواء المهاجرين. كما تقوم السلطات الإسبانية بطرد المهاجرين الأفارقة من مليلية المحتلة إلى التراب المغربي، بتنسيق مع السلطات المغربية، وذلك في أماكن لا تتوفر على كاميرات للمراقبة، الشيء الذي تعتبره الجمعيات الحقوقية «خرقا لقانون الأجانب». وبالرغم من العقبة التي تشكلها الإجراءات الأمنية الإسبانية، وتوفر السياج الحدودي على كاميرات مراقبة وتكنولوجيا متطورة تجعل عبوره مهمة شديدة الصعوبة، تقول الشرطة الاسبانية «رغم هذا فإن بعض المهاجرين يعبرون الجدار في أقل من دقيقة». مسؤولون بمليلية أمام القضاء مثل عبد المالك البركاني مندوب حكومة مليلية المحتلة، ورئيس الحرس المدني الإسباني «أمبروسيو مارتين فيلا سنيور»، أخيرا، أمام السلطات القضائية الإسبانية، في الوقت الذي أمر القاضي المدعو «ميكيل أنخيل كارسيا» الماثلين أمامه بمده بأسماء أفراد عناصر الحرس المدني الذين شاركوا في عملية ترحيل المهاجرين الأفارقة من مليلية السليبة إلى الأراضي المغربية. وجاء مثول هؤلاء المسؤولين أمام القضاء الإسباني، في الوقت الذي تقدم كل من مصطفى أبرشان رئيس حزب «ائتلاف من أجل مليلية» (حزب معارض) و «»خوسي بلاثيون»، رئيس جمعية «الدفاع عن حقوق الطفل» بمليلية، بشكاية أمام السلطات القضائية الإسبانية، على خلفية ترحيل الأمن الاسباني للمهاجرين الأفارقة عبر الحدود. وكان شريط فيديو تم نشره على الموقع العالمي «يوتيوب»، يظهر عناصر من الحرس المدني الإسباني وهم يسلمون المهاجرين الأفارقة المنحدرين من دول جنوب الصحراء للقوات العمومية المغربية، بعد أن كانوا قد تمكنوا من اقتحام المعبر الحدودي ل»باب مليلية» بواسطة سيارتين. وقال عبد المالك البركاني لقاضي التحقيق، إن عملية الترحيل تمت في إطار القانون، في حين اعتبر فاعلون حقوقيون بمليلية، عملية الترحيل ب «غير القانونية»، على اعتبار أن القانون الإسباني لا يسمح بترحيل المهاجرين مباشرة من الحدود، بل يتعين استصدار قرار قضائي يقضي بالترحيل مع تمكين هؤلاء المهاجرين من المساعدة القضائية. دق ناقوس الخطر في الوقت الذي شرعت السلطات المغربية في بناء سياج حدودي على مرمى حجر حدود مليلية المحتلة، بغرض التصدي ل»الغارات البشرية» التي ينفذها المئات من المهاجرين الأفارقة على الحاجز السلكي الشائك بالشفرات الحادة والمخيفة لمدينة مليلية ذات الحكم الذاتي والخاضعة للسلطات الاستعمارية الإسبانية، دقت جمعية الريف لحقوق الإنسان، ناقوس الخطر، واعتبرت هذه الخطوة من شأنها أن تمس بإنسانية المهاجرين. تدخل الجمعية الحقوقية التي يرأسها شكيب الخياري، جاء في الوقت الذي قالت إنها علمت بأن عمالة إقليمالناظور، «لمدة تناهز 20 يوما وهي تعمل على بناء سياج حدودي شائك مدعم بالاسمنت المسلح، لصد هجمات المهاجرين غير الشرعيين على الحاجز السلكي لمليلية المحتلة» . ودعا رئيس الجمعية، السلطات المغربية، إلى وقف تشييد السياج الحدودي الشائك... مشيرا في الرسالة التي وجهها إلى عامل إقليمالناظور، «أن الحاجز المغربي الجديد يتميز باستخدام وسائل خطيرة للغاية على حياة الأفراد، بينها شفرات قاطعة...»، مضيفا أنه سبق للسلطات المغربية سنة 2006 أن قامت بحفر خندق على طول السياج المحيط بمليلية المحتلة، بلغ عمقه 3 أمتار وعرضه مترا ونصف، بالاضافة الى قطع عدد كبير من أشجار الغابة، من أجل حماية المدينة من هجمات المهاجرين الأفارقة، لكن بعد ارتفاع وتيرة الإحتجاج من طرف المجتمع المدني تم إلغاء الأشغال. واتهم الحقوقي الاتحاد الأوروبي «بارتكاب جرائم في حق المهاجرين غير النظاميين بأياد مغربية»، مشيرا إلى أنه «في الوقت الذي ضغط المجتمع المدني الإسباني والأحزاب السياسية بقوة على إسبانيا لإزالة الشفرات الحادة من السياج المحيط بمليلية المحتلة، تم تفويت تنفيذ هذه المهمة إلى المغرب». إسبانيا تشكر المغرب كشفت جريدة «فارو مليلية»، أن الدولة المغربية حظيت بشكر رسمي من طرف السلطات الإسبانية أثناء شروعها في بناء سياج حدودي فاصل بين مليلية السليبة والتراب المغربي. وقالت الصحيفة، إن شكر إسبانيا للمغرب، يأتي في الوقت الذي قامت السلطات المغربية لأول مرة في التاريخ ببناء سياج حدودي يحيط بمليلية المحتلة. وتعد هذه الخطوة التي أقبل عليها المغرب، سابقة من نوعها، والتي من شأنها أن تثير مزيدا من الحساسية حول قضية الاراضي المغربية المحتلة من قبل إدارة الاستعمار الاسباني. وقال عبد المالك البركاني، مندوب حكومة مليلية المحتلة، في تصريحه لوسائل إعلام إسبانية، «ان السياج الذي يشيده المغرب قد يكون تأثيره مؤقتا ولكن ليس دائما للحد من هجرة الأفارقة وتسللهم الى مليلية». في حين تعتبر تصريحات البركاني قوية ، خاصة وأن المغرب يشيد السياج رغم مطالبته باستعادة السيادة على مدينة مليلية المحتلة. وأشار عبد الملك البركاني، وهو أول مندوب للحكومة الإسبانية في مليلية من أصل أمازيغي، «إن ما يقوم به المغرب من تشييد للسياج قد يكون عملا هاما لاحتواء الهجرة السرية وعمليات تسلل المهاجرين حاليا، لكن في الوقت ذاته هذا لا يشكل حلا نهائيا أمام ضغط المهاجرين المستمر». وتابع موضحا في الحملة الانتخابية الخاصة بالبرلمان الأوروبي، وهي الانتخابات التي ستجري يوم 25 من الشهر الجاري «السياج الذي تقيمه المملكة المغربية هام ولكن ليس كافيا، يجب الحوار مع الدول التي يخرج منها المهاجرون». وتجدر الإشارة، إلى أن القوات الأمنية المغربية، ستتولى التدخل في حالة تجاوز المهاجرين السياج الأول (أي السياج المغربي) وسيكونون في الأراضي المغربية، ووقتها لن تتحمل اسبانيا مسؤولية التدخل لوقف المهاجرين. وأمام هذا الوضع، تبقى المفارقة في هذا الملف، هو طلب مدريد من المغرب بناء سياج حدودي على مرمى حجر الحدود الوهمية لمليلية المحتلة الذي شرع في تطبيقه، إلا أن تصريحات مندوب حكومة مدريد في مليلية بعدم جدوى هذا السياج لمواجهة المهاجرين، تجعل الدولة المغربية أمام موقف محرج خلال مطالبتها باسترجاع سبتة ومليلية والجزر المحتلة!