محمد الشرفاوي: الحديث عن هذا الطرد الجماعي كان يعتبر «حشومة» بدأت أتكلم مع أبنائي حول هذا الموضوع عند وفاة والدتي سنة 2005 قبلها لم يكن أبنائي يعرفون أي شيء عن هذه المأسات هذا الكتاب هو من أجل ذاكرة والذي- محمد الشرفاوي يحكي في هذا الكتاب تراجيديا مغاربة الجزائر الذين تم طردهم من الجزائر مباشرة بعد استرجاع المغرب لصحرائه سنة 1975 انتقاما من المغرب بعد استكماله لوحدته الترابية. هذا الكتاب يحكي جزء من ماسات 45 ألف عائلة مغربية تم طردها بشكل جماعي وتم فصل العائلات المختلطة وحتى عائلات المقاومين وأعضاء جيش التحرير الذين ساهموا في تحرير هذا البلد الجار لم يتم استثناؤهم. هذه العائلات بدأت اليوم تتكلم عن هذه المأسات التي مارسها في حقهم إخوة وجيران تجمعنا بهم أشياء كثيرة. يمكن أن نقول بأن هذا الكتاب تحية لذكرى والديك؟ هذا سبب أول، تحية لذكرى والدي. والسبب الثاني هو التعريف بهذه المأساة لدى المجتمع المدني، فهكذا يمكن أن يسجل التاريخ أن 45 ألف عائلة طردت من الجزائر. أنا أفضل دائماً القول بأنه تم ترحيلهم، لأنه عندما يتم الطرد، هناك قواعد يتعين احترامها. وما جرى في دجنبر 1975 تم كالتالي: اتخذ مرسوم الطرد يوم 9 دجنبر، وفي اليوم الموالي، بدأ طرد المغاربة من الجزائر في عز عيد الأضحى. تم ترحيل الناس بدون متاعهم. لابد من التعريف بهذه المأساة حتى يتم تحقيق العدالة. لابد من أن تتم في لحظة ما مصالحة هؤلاء الضحايا مع الجزائر. ولكن المغاربة المطرودين من الجزائر، لا يتحدثون كثيراً عن هذه المأساة، يقولون دائما: »كنا نعيش في الجزائر، وغادرنا الجزائر«. ولكنهم لا يتحدثون أبداً عما تعرضوا له ولا عن الظروف التي غادروا فيها الجزائر. لهذا اتصلت بمارتينا بارتيس. أنا شخصياً عشت هذا النسيان طيلة 30 سنة. عشنا ذلك، لأن الحديث عنه كان يعتبر »حشومة«. كان من العار القول أنه بين عشية وضحاها أخرجنا من الجزائر عراة، نحن الذين ساهمنا في تحرير هذا البلد وساهمنا في استقلال الجزائر، نحن الذين كان لنا مكان داخل المجتمع الجزائري، نحن الذين كان الجزائريون يحترمونهم,لأن الجالية المغربية كانت مشكلة من الكثير من أبناء الريف. وجزء كبير منهم هاجروا من الريف خلال الحرب الإسبانية سنة 1925، بخبراتهم في حرب العصابات ووضعوا هذا الخبرة تحت تصرف الثورة الجزائرية سنة 1954 ,وهو ما جعل المغربي في كل الغرب الجزائري، أنسانا محترما لأنه أول من انخرط في الثورة. أنا شخصيا، لي عم قتل في الجزائر وهو يحمل البندقية سنة 1958 ووالدي تعرض للاعتقال والتعذيب على يد الفرنسيين, وخلال طردنا من الجزائر سنة 1975 وجدنا أنفسنا داخل مفوضية للشرطة الجزائرية في وهران، وهي نفس المفوضية التي تعرض فيها والدي للتعذيب خلال الاستعمار. كان المبنى مشهورا بكونه مكان لتعذيب المقاومين، حكى لي والدي أنه دخل هذا المكان مرتين سنة 1958 وتعرض للتعذيب على يد الفرنسيين, والمرة الثانية قبل أن يتعرض للطرد. كل هذا لإبراز أن هذه المأساة كانت عميقة والألم كبيرا. وهذا ما تطلب حوالي 30 سنة لطي الصفحة. وأنا من موقعي ومع أشخاص آخرينبدأنا للتو تنظيم أنفسنا في إطار جمعية والحديث عن هذا المأساة، و لكننا طيلة 30 سنة لم نتحدث عن الموضوع. وحتى أبنائي لم يكونوا يعرفون أنني من بين المرحلين من الجزائر، وعلموا بالأمر فقط بعد وفاة والدتي رحمها الله سنة 2005. 30o سنة بعد هذه المأساة. هل استطعت أن تفهم أسباب هذه الكراهية من طرف الجزائر الرسمية تجاه هؤلاء المغاربة, الذين كانوا يشتغلون و ساهموا في حرب تحرير هذا البلد الجار؟ حاولت أن أفهم سبب طردنا من الجزائر، إنها مسألة تؤرقني منذ 30 سنة. حاولت أن أفهم ما لا يمكن فهمه. بين عشية وضحايا طردت. بحثت، وقرأت كل ما كتب عن هذه القضية. واستنتجت أن السبب الأول كان هو رد فعل من طرف الجزائر على المسيرة الخضراء. ولهذا السبب اخترنا عنوان» «المسيرة السوداء» لهذا الكتاب، آنذاك الحكومة الجزائرية قالت: »المغرب نظم المسيرة الخضراء»، إذا سننظم مسيرة سوداء«. والسبب الثاني هو أن هناك عسكريين جزائريين حاقدين بسبب حرب الرمال سنة 1963. ويقال أيضا أن الحكومة الجزائرية كانت منقسمة بين عبد العزيز بوتفليقة الذي يمثل الاتجاه الذي يمكن أن نسميه بالاتجاه السياسي المؤيد لحل سياسي، والاتجاه العسكري الذي أراد المواجهة والحسم مع المغرب. وعملية طرد المغاربة بإمكانها أن تخلق نزاعا من شأنه أن يؤدي إلى حرب بين البلدين. الحكومة الجزائرية آنذاك (1975) وضعت امام الأمر الواقع بعد الاتفاق الثلاثي بين المغرب وموريتانيا من جهة واسبانيا من جهة ثانية. لكن ذلك ليس سببا لأخذ ابرياء كبش فداء وترحيلهم الى المغرب وسلب ممتلكاتهم. وكان هناك سبب آخر اقليمي آنذاك. كانت بداية الحرب الاهلية في لبنان، وهو ما سمح للجزائر بالاقدام على ما اقدمت عليه دون ان يثير ذلك أي تحرك. وفي رأيي. لو كانت الظروف عادية، كانت الدول العربية ستتحرك امام عمليات الطرد الجماعية هاته. وهناك ايضا أسباب سياسية، كانت الجزائر تعتقد ان طرد 45 ألف عائلة مغربية متأثرة بالثورة الجزائرية قد يشكل طريقه لاستفزاز المغرب ومحاولة تحقيق ثورة مماثلة في هذا البلد. اعتقد انه كانت هناك خلفيات وراء ذلك. وأخيرا، وقبيل الانتفاضات الشعبية لسنوات 80 بدأت بعض الصعوبات تظهر في الجزائر سنة 1975 ,وتحرير 45 ألف مسكن من قاطنيه يوفر حلولا ومن شأنه ان يحل ظرفيا بعض مشاكلها, اعتقد ان جميع هذه العناصر تشكل فرضيات أولية . ماذا تنتظرون من هذا العمل؟ انتظر أشياء كثيرة من هذا العمل. تحسيس المجتمع المدني المغربي والجزائري والفرنسي وفي بلجيكا وفي اسبانيا وتحسيس عائلات المطرودين وأصدقائهم. والهدف الثاني نريد ايجاد حل, في هذا الكتاب اطرح بعض الافكار لحلول ممكنة من خلال وساطة بين الحكومة المغربية والحكومة الجزائرية, وهذا هو السبيل المنشود من طرف جميع المطرودين ويبقى الطريق القانوني، أي الذهاب نحو هيئات مثل الأممالمتحدة ومجلس حقوق الانسان بجنيف والمحكمة الدولية وهناك هدف ثالث,مساعدة عائلات المغاربة المطرودين من الجزائر على تجاوز المحنة والحديث عنها. وانا نجحت في الحديث عن ذلك.