يشكل المتحف الصغير للمغرب الصحراوي بمدينة الداخلة، فضاء متحفيا تتجمع في معروضاته ألوان من التراث، تختزل ذاكرة زاخرة لثقافة المغرب الصحراوي ، في تنوعها وجماليتها التي تغري الزائر بفنونها ورموزها. والمتحف بمحتوياته ، رحلة في عمق التراث بالأقاليم الجنوبية ، بكل جوانب هذا التراث الثري المادية واللامادية، وما تتسم به من جمالية وبعد حضاري تليد في مجال جغرافي وسكاني يتسم بالمحافظة على الهوية المغربية ، والتشبث بالتقاليد الحافظة لمنظومة قيم أصيلة. ويكفي القيام بجولة داخل هذا الفضاء المتحفي لاكتشاف الثراء الحضاري الذي يميز الصحراء المغربية كمجال تجتمع فيه ألوان واشكال ثقافية متعددة من تقاليد وانماط عيش وفنون تعبيرية. ويشكل الوقوف على هذه الأنماط الثقافية المتعددة فيصلا في تغيير الصورة النمطية عن المجال الصحراوي الذي يرتبط في أذهان البعض بصورة فضاء بدوي تستبيحه الرمال ويهيمن عليه الفراغ والسكون. ويرى الباحث ابراهيم الحيسن الكاتب العام لاتحاد كتاب المغرب بالعيون أن إحداث هذا المتحف بالداخلة «يعد مكسبا مهما بالنظر إلى الدور الوظيفي الذي يمكن أن يلعبه لا سيما على مستوى المساهمة في حفظ الذاكرة المادية لبدو الصحراء، من خلال صون وتجميع مختلف اللقى والمتروكات والمشغولات اليدوية التي أبدعها إنسان الصحراء لغايات استعمالية وتزيينية». والمحتويات التي يضمها المتحف الصغير للمغرب الصحراوي ترسم في أنماطها وجماليتها جانبا من مظاهر العيش في الصحراء خلال حقب سابقة، وهي محتويات متعددة الحوامل والسنائد (جلد، خشب، معدن، حجر، نسيج) وذات دلالات ثقافية يتطلب فهمها ربطها بالسياق الاجتماعي والتاريخي لمجتمع البدو في الصحراء. ومما يزيد من أهمية المتحف كونه يرتبط بفضاء للقراءة يتمثل في المكتبة الوسائطية التي تتضمن أجنحتها بالخصوص ستة فضاءات للقراءة وتحتوي على أزيد من 23 ألف كتاب من مختلف أصناف المعرفة وفضاء خاص بالمخطوطات وجناح متعدد الوسائط من أقراص مدمجة وغيرها موضوعة رهن إشارة زوار ورواد المكتبة. وتقدم المعروضات المرئية والصور المتعددة والأدوات ذات الاستعمال النفعي والفني والأزياء والنقوش الصخرية والمسكوكات والمخطوطات دعوة لاكتشاف الزخم الثري للحياة بالاقاليم الجنوبية بكل مظاهرها الثقافية والحضارية. وأكد الباحث الحيسن في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن هذا المتحف عموما هو فضاء ومؤسسة مفتوحة على الدراسة والبحث العلمي. ويرى الحيسن أن دور هذه المؤسسة المتحفية قد يتسع بخلق فعاليات وأنشطة ثقافية لها علاقة بالعمل المتحفي وبعلم المتاحف. وتعطي محتويات المتحف من ملصقات مزدوجة اللغة ومعروضات بواسطة شاشة تفاعلية سمعية بصرية عن تاريخ المنطقة القديم والحديث وحياة الإنسان بالأقاليم الجنوبية وعاداتهم وتقاليدهم، انطباعا واضحا عن كنوز من التراث يتعين اكتشافها والنبش في ثناياها والحفاظ عليها كذاكرة جماعية.