تمت مناقشة أطروحة الطالبة الباحثة عافي إكرام تحت عنوان : اشتغال المتخيل السجني في ثلاثية عبد القادر الشاوي يومه الخميس 24 أبريل 2014 بكلية الآداب ظهر المهراز بفاس وذلك تحت تحت إشراف لجنة المناقشة المكونة من السادة الأساتذة : الدكتور عبد الإله قيدي مشرفا والدكتور يونس الوليدي رئيسا والدكتور أمنصور محمد عضوا والدكتور جمال بوطيب عضوا وقد نالت الطالبة الباحثة شهادة الدكتوراه في وحدة الأجناس الأدبية والفنية الحديثة بميزة مشرف جدا ، وفيما يلي ملخص مناقشة الأطروحة كما قدمته الطالبة الباحثة أمام لجنة المناقشة : قبل عرض الإشكالية التي تناقشها الأطروحة والمتمثلة في تجليات اشتغال تيمة السجن في المتن المختار وضحت الباحثة أسباب اختيار نموذج عبد القادر الشاوي، ولعل أهم الأسباب كما أوضحت هو تنبؤ هذا الكاتب وسبقه للكتابة عن هذه التجربة، حيث كتب أول نص أدبي باللغة العربية عن موضوع الاعتقال السياسي بالمغرب سنوات ، بعد نص عبد اللطيف اللعبي الذي كتب «مجنون الامل» بالفرنسية، وبعدما كتب عبد الكريم غلاب عن موضوعة السجن السياسي أيام الاستعمار، مع وجود اختلافات جوهرية بين التجربتين الإبداعيتين للكاتبين، حيث كتب غلاب من منطلق التمجيد والنوستالجيا، في حين جاء نص الشاوي الأول كصرخة مدوية من وراء القضبان، بل إن التجربتين تختلفان جذريا ولا تلتقيان سوى في التيمة، تيمة السجن، يكفي أن تجربة الشاوي تنتمي لحقبة وصفت بالرصاص ولامجال لمقارنة السجنين ولا نوعية التعذيب، هذا ويتميز الشاوي بخصيصة أخرى جعلت الانكباب على دراسة منجزه أكثر جاذبية، وتتمثل في استمرار الكاتب في الكتابة عن التجربة بتنويع، بحيث نجدنا أمام نصوص تشبه فصولا من سيرة تخييلية واحدة. ما أعطى الشاوي إمكانية تطوير تجربته الإبداعية باستمرار وإنضاج نصوصه المتتالية، إذ تحرر تدريجيا من الميسم التوثيقي واتجه نحو التخييل المبدع والممتع، رغم قساوة المضمون، وبدأت نصوصه التالية تتسم بنوع من الأناقة اللغوية والأدبية، كما أنه ورغم صدوره عن نفس التجربة لم يقع في التكرارية الفجة، لأنه استطاع أن يضمن نصوصه وجهات نظر متعددة، ونجح في تأطير تجربة السجن ضمن اللحظات الثلاثة الكبرى للسجن، ونقصد: لحظة الدخول للسجن، ولحظة الخروج منه، ثم لحظة التداعيات بعد الخروج ، ولم يفت الشاوي أن يحكي عن تجربة معتقلي العسكر ورحلة الجحيم التي عاشها أهالي المعتقلين. وسيبقى أفق الكتابة عن هذه التجربة مفتوحا باستمرار الكاتب قيد الحياة أطال الله عمره. ولأن منجز الشاوي أكبر من أن يحاط به في بحث واحد، ارتأت الباحثة أن تحدد لنفسها متنا محددا أطلقنت عليه اسم «الثلاثية»، اختارت ضمنه ثلاثة نصوص إبداعية تمثل في تصورها اللحظات الكبرى لتجربة السجن التي كتب عنها الشاوي، وهي على التوالي : نص «كان وأخواتها» و»الساحة الشرفية» و»باب تازة»، وتقصد باللحظات الكبرى لحظة الدخول للسجن من خلال نص «كان وأخواتها»، ولحظة الخروج من خلال نص «الساحة الشرفية»، ثم لحظة التداعيات من خلال نص «باب تازة» وهي اللحظات التي يعيشها كل معتقل مفترض في تصورها. أما من الناحية الشكلية فقد طرحت الباحثة مسألة التجنيس في نصوص الثلاثية، لأن ما يهم أيضا ليس فقط ما قاله الكاتب، ولكن في أي قالب صاغه؟ صحيح أنها انطلقت من كون منجز الشاوي يتكئ على التجربة الذاتية لكن دون التسليم بكونها نصوص محض سير ذاتية، وإلا لاكتفى الشاوي بنصه الأول الذي أدى به واجب الشهادة والإدانة الرمزية ، وهو الطرح الذي سعت للتدليل عليه من خلال هذا البحث، بمعنى أنها حاولت أن ترصد من خلال الثلاثية التطور الأدبي الذي خضعت له نصوص الشاوي الإبداعية ، حيث تحررت من الميسم التوثيقي تدريجيا، لتنفتح على الأفق الرحب للتخييل والتجريب الأدبي، كما سعت للتدليل أيضا على انتماء المتن الذي اشتغلت عليه لجنس التخييل الذاتي عبر عدة مؤشرات تم استخلاصها من النصوص (العتبات، المحكي، الصيغة، الرؤية، الشخصيات) خاصة وأن التخييل الذاتي يمنح الكاتب القدرة على التحرك في حقليين، الحقل السيري والحقل التخييلي بسلالة ودون أن يكون الكاتب مطالبا بأي حقيقة غير الحقيقة الأدبية التي تمنح للتجربة الإبداعية إمكانية الخلود الإنساني، حين ترتفع بها من المرجع الواقعي إلى المرجع الرمزي وتصبح نموذجا إنسانيا عاما تملكه كل الإنسانية . وقد اعتمدت الباحثة في تحقيق مشروع الأطروحة على الاشتغال بمفاهيم السرد النقدية لتأطير التجربة وتجنيس النصوص، كما اعتمدت وبالخصوص على ما أتاحته لها القراءة الفاعلة للنصوص من إمكانات للخوض في تخومها. وانتهي البحث إلى ما يلي : كون الشاوي خاض تجربة خلخلة الشكل الفني في جل أعماله، حيث استثمر مكونات الأجناس الأدبية الكبرى من سيرة ورواية وتخييل ذاتي، ، والأجناس الأدبية الصغرى كالرسائل والمذكرات، وهو ما جعل الكاتب ينجح في تحويل تجربته الشخصية إلى تجربة إبداعية تخييلية تخلصت تدريجيا من الميسم التوثيقي وتحولت إلى نصوص إبداعية رائقة وعميقة، جاءت إثر مخاض عسير تكلل بولادة نصوص ناضجة وأنيقة، صيغت لإسماع حكاية السجن عبر عدة رؤى وصيغ. هذا واستثمر الكاتب تقنية الميتاسرد ليكمل حلقات سرده وليلعب دور المتلقي الأول لنصوصه الإبداعية، من خلال إسماع صوت الناقد الذي يشتغل بالكتابة ويتذوقها، بمعنى أن الكاتب استثمر مهارته الإبداعية وخبرته النقدية في الآن نفسه ، ما أضفى على النصوص زخما إضافيا. هذا وانتهى البحث لاعتبار المتن المختار تخييلا ذاتيا، اعتمادا على ما أتاحته النصوص عند الدراسة بمعنى منطق القراءة المنتجة للنصوص، وهو ما جعل الباحثة تخلص إلى تعالق السيري بالتخيييلي في المتن الذي نتج عنه انبجاس المابين كما يسميه سيرج دوبروفسكي. كما وقفت الباحثة على تلك النغمة الخاصة بالشاوي التي تميز نصوصه، تلك النغمة الرومانسية الطافحة التي يملكها الكاتب وتميزه حتى وهو يداريها بالسخرية المفارقة، السخرية نفسها التي قاوم بها تجربة السجن الأليمة، وقاوم بها اليأس في صمود إنساني باذخ. وقد اعتبرت الباحثة منجز الشاوي نموذجا يؤكد على راهنية مواكبة كتابة الاعتقال السياسي بالمغرب، بالنظر إلى السياق العام والسياق الإقليمي بالخصوص، ليس فقط من المنظور الحقوقي والسياسي لكن من المنظور الأدبي الإنساني، الذي يملك وحده خاصية استثمار كل الحقول لصالحه ليكتب عن الممنوع والمسكوت عنه، وعن المنسي والمحرم في عرف الأنظمة والمجتمع ، ولأن الأدب وحده يملك خاصية تجاوز الخطوط الحمراء التي تركبها الأنظمة في وعي المجتمع، مادام يملك تلك القدرة على تفتيتها وإعادة بنائها تخييليا، بل ورفعها إلى مصاف التجارب الإنسانية الكونية، وأيضا لاستكمال كتابة حلقات من تاريخ المغرب الحديث بأنفاس أدبية. وأكدت الباحثة في الأخير أنها لم نلامس كل الزوايا الممكنة لدراسة نصوص الشاوي، خاصة أنها لم نشتغل على المنجز ككل، وإن استحضرته أثناء دراسة النصوص التي أطلقت عليها اسم «الثلاثية». كما أن نصوصا أخرى تنتمي لكتابة الاعتقال السياسي تبقى جديرة بالدراسة، للمقارنة واستخلاص ما أصبح يميز كتابة الاعتقال السياسي ككتابة خاصة، لها بصمتها المتفردة التي تركتها في الساحة الثقافية المغربية، وهو ما يعني استمرار خصوبة هذه الكتابة التي تعد بولادة نصوص إبداعية أخرى أكثر اقترابا من التخييلي وأكثر تخلصا من البعد التوثيقي، وسيكون على النقاد إيلاء كامل الأهمية لتتبع المنجز الموسوم بأدب الاعتقال أو ما يعرف بأدب السجون، انسجاما مع السياق الاجتماعي والسياسي الحالي الذي يجعل من هذه الكتابة مرآة لانعكاس درجة وعي المجتمع بكل مفارقاته .