«أخواتي العزيزات ،إخواني الأعزاء، نجتمع اليوم، في هذه الدورة الاستثنائية، عشرة أيام، بعد أن عقدنا دورة عادية، اتخذنا فيها قرارات هامة تخص مستقبل عملنا في مجلس لنواب، عبر مقرر اللجنة الإدارية الذي اعتبر كل لائحة وضعت أو توضع خارج المسطرة المقررة من طرفكم، لا علاقة لها بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. كما اعتبر أن كل نائب أو نائبة توقع خارج اللائحة الموضوعة من طرفنا قد وضع نفسه خارج الحزب. كما اعتبرنا أن الفريق النيابي مكون أساسي في هياكل الحزب، يصرف مقررات وقرارات المؤتمر ومواقف الحزب في البرلمان، واستندنا في ذلك على الدستور، الذي أعطى أهمية كبيرة للأحزاب السياسية، وعليه أكدنا أن المرشح يتوجه إلى الناخبين، بالصفة الحزبية وليس بصفة شخصية، لأنها غير موجودة في الدستور، وانسجاما مع الدستور، وحتى يكون للحياة النيابية معنى، اعتبرنا أن الفريق عليه أن يصرف مواقف الحزب، لأنه هو الذي يحمل مشروعا مجتمعيا، وحتى يقوم بهذه المهمة، فعليه أن يمثل الحزب، وهو ما يمكن تسميته استرجاع الفريق وجعله مؤسسة من مؤسسات الحزب كما صادقتم على مقترحنا بخصوص تولي أختنا أبو زيد لرئاسة الفريق النيابي، فتحية لكم، وشكرا على تحملكم لعبء التنقل من مختلف أقاليم البلاد حتى البعيدة منها، بتحمل المسؤولية في ظروف صعبة وحاسمة. ومنذ ذلك الحين شرعنا في تنفيذ هذا القرار، بهدف جمع شمل الفريق وانطلاق العمل بروح جديدة، في إطار التوجه الذي صادقت عليه اللجنة الإدارية، خلال اجتماعها العادي الأخير. أخواتي العزيزات، إخواني الأعزاء، اسمحوا لي أن أقول لكم إن قراركم هذا لم يكن فقط مخرجا معقولا للأزمة المفتعلة داخل فريقنا النيابي، ولم يكن فقط مجرد تحصيل حاصل لثقافة حزب اشتراكي ديمقراطي تقدمي، ولم يكن فقط خطوة أخرى متقدمة في مسار تفعيل مقاربة النوع على مستوى تقلد المسؤوليات بيننا . لقد كان قرارا تاريخيا متميزا بكل المقاييس ، لأنه قرار توفق في إسناد المسؤولية لأخت لنا، تجمعت في شخصها الكريم كل صفات الالتزام والمسؤولية، وكل فضائل الجد والمثابرة، وكل مزايا التواضع والصلابة. أختنا حسناء التي كنتم ستجعلون منها بفضل قراركم رئيسة مثلى لفريقنا النيابي الاتحادي، أختنا حسناء التي كانت ستبلو البلاء الحسن في استعادة الفريق إلى حزبه، أختنا حسناء التي توخينا فيها رئيسة مقتدرة بنضاليتها المشهودة وبكفاءتها المعروفة، وبكل ما تربت عليه من خصال أصيلة في القطاع النسائي وفي مختلف التنظيمات الحزبية والأجهزة القيادية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. لكن أخواتي إخواني، رياح غريبة جرت بما لم تشته السفن الاتحادية، رياح هبت ضد إرادة الحزب في استعادة فريقه، وضد القرار الحزبي في تكليف مناضلة اتحادية لرئاسة هذا الفريق ، وهكذا وجدنا أنفسنا أمام مسلكيات تعاكس قرارنا الجماعي الديمقراطي خارج أي منطق مؤسساتي، ووجدنا أنفسنا أمام ادعاءات تسمو بالمسطرة البرلمانية على سلطة المؤسسة الحزبية وكأن الحزب مجرد جسم متطفل على البرلمان، وليس هو علة وجوده ومصدر شرعيته . إنه لمن المخزي أن ننكر على أخت لنا حقها المشروع في رئاسة الفريق النيابي، وأن نجعل من هذا النكران معركة عمومية تتجند لها طوابير الشامتين من أعداء النساء، ومن الصحف الصفراء ومن الذين أعمى الحقد على الاتحاد الاشتراكي قلوبهم وأتلف عقولهم. أخواتي العزيزات ،إخواني الأعزاء، لقد وضعنا مقرركم في عنقنا، ونهجنا سبيل الحوار والتفاهم والإقناع، لعل المزايدين علينا يتقون الله في هذا الحزب، وتحكمنا في برودة أعصابنا ونحن نتابع تلك البهلوانيات الدستورانية التي تجعل البرلمانات سابقة على الأحزاب ، وترفعنا على كل السخافات وعلى كل الاستفزازات، إلى أن أدركنا في اللحظة المناسبة أن هذا الوضع الذي فرض علينا من خارج الشرعية الحزبية ، يتجاوز حدود التأويل بخصوص آليات تدبير فريق نيابي، لافتعال أزمة مستدامة تتوخى فرض الأمر الواقع على عشرات الآلاف من الاتحاديات والاتحاديين الذين حسموا اختيارهم منذ المؤتمر الوطني، ووطدوا عزمهم على استعادة المبادرة والتوجه نحو المستقبل. لكننا وبعد كثير من الصبر ومن التحمل، وبعد إدراكنا لمعالم الخطة المرسومة لإجهاض مسار استعادة المبادرة، وفي اللحظة القصوى لاحتكامنا إلى ضمائرنا كقيادة حزبية مسؤولة ، قررنا ألا نرضخ للابتزاز، وقررنا أن نجعل استعادة الفريق فوق أي اعتبار آخر، وقررنا أن نسارع الوقت الضاغط بالتفكير في الصيغة الأكثر ملاءمة لتفعيل توجهنا المستميت نحو إنقاذ الفريق النيابي الاتحادي من مخالب العبث والاستهتار. ويمكن القول، إننا كنا أمام منظورين مختلفين، سواء في تأويل النظام الداخلي لمجلس النواب، أو قوانين وأنظمة الحزب أو القانون المنظم للأحزاب أو الدستور. وفي إطار هذا الجدل الذي فرض علينا، بقينا أوفياء للقرار الذي اتخذته اللجنة الإدارية، يوم 13 أبريل الأخير، وبعثنا بمذكرة إلى الرئيس الجديد لمجلس النواب، اعتبرنا فيها أنه من الضروري تعزيز مكانة الأحزاب، وفقا لروح الدستور، سواء في احترام قوانينها الأساسية أو أنظمتها الداخلية أو هيئاتها التقريرية، منطلقين في ذلك، من ضرورة القطع مع تجارب الماضي، التي تميزت بظاهرة النواب الرحل و غيرها من مظاهر تبخيس الممارسة السياسية. الأخوات و الإخوة، إن هذا النقاش ضروري أن يتواصل في ما بيننا حتى نتفق جميعا، وفي إطار حوار بناء على كل القضايا الخلافية، بمنهجية ديمقراطية، تغلب التوافق على الحسم، رغم أن الديمقراطية أيضا تعني، في حالة الوصول إلى الباب المسدود، اللجوء إلى منطق التصويت، وتغليب كفة الأغلبية، كآخر وسيلة للحفاظ على الوحدة والنجاعة. لذلك، عملنا طيلة هذه الأيام، رفقة إخواننا على البحث عن حل للأزمة التي عاشها الفريق النيابي، من منطلق توحيد الصف، وتجاوز الخلافات، التي يمكن تجاوزها، إذ غلبنا منطق وحدة الصف ونظرنا بحكمة إلى ما ينتظرنا، جميعا في المستقبل. نحن أيتهاالاخوات والإخوة، في مركب واحد، إثمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ووصوله إلى بر الأمان مسؤوليتنا جميعا، خاصة نحن الذين وضعتم فينا ثقتكم لإنقاذه. ولذلك سعينا إلى أن نواصل العمل مع الجميع، بصبر، رغم كل الانتقادات التي وجهمتوها لنا، واعتبرتمونا، أحيانا عن حق، أننا فرطنا في تطبيق القوانين، وتساهلنا مع بعض التجاوزات. لكننا سنظل دائما نسعى للوحدة وإلى البحث عن كل الطرق والحلول التي تجنبنا الدخول في منطق القطيعة. وقد عشنا كلنا ظرفا عصيبا، وما كان أصعب هو أننا سجلنا بمرارة، كيف كان المتربصون بحزبنا، يضاعفون كل الوسائل اللاأخلاقية لنشر الإشاعات وتضخيم النزاعات واختلاق الأكاذيب، من استقالة وهمية للكاتب الأول إلى نسب تصريحات غير صحيحة للجنة التحكيم والأخلاقيات إلى نشر معلومات خاطئة عن رئاسة مجلس النواب ورئاسته... والهدف كان هو تحريض المناضلين الاتحاديين، بعضهم ضد بعض، وخلق التشويش والبلبلة بينهم، ومحاولات تعميق الخلافات بينهم... لم يكن هؤلاء يسعون إلى تغليب طرف ضد آخر، بل استغلال الخلاف لضرب الحزب كله، بدون تمييز، بين عضواته وأعضائه. وعلى عكس ما كان ينتظر هؤلاء، فقد دفعنا هذا التكالب على الحزب، إلى مزيد من اليقظة والحذر، وإلى الوعي بأنه كلما دخلنا في خلاف، وهو أمر عادي، داخل التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية، كلما تجمعوا وحاولوا الانقضاض على حزبنا، لكن هيهات أن تتاح لهم هذه الفرصة، فحزبنا جسمه حي ومعافى، معتز بتاريخه، وصلب بمناضليه ومناضلاته، وصامد في وجه التخلف والرجعية والاستبداد. ومن منطلق الحرص على وحدة حزبنا وعلى تماسك فريقنا، فضلنا أن نواصل البحث عن حل إيجابي، لأن المناضلات والمناضلين، بل والمتابعين للشأن السياسي كانوا ينتظرون منا أن نتجاوز الخلاف، الذي أجبرنا على الدخول فيه. و هنا لا بد أن نذكر بأن الدعاية التي قدمت نظرية تعطيل هذا الخلاف لعمل المؤسسة البرلمانية ، وكأنها سابقة في تاريخ العمل التشريعي، في المغرب، ذاكرتها قصيرة. في سياق الخلاف حول المنهجية الديمقراطية، افتتح جلالة الملك البرلمان يوم 11 اكتوبر 2002. ولم يتم انتخاب رئيس مجلس النواب إلا بعد 10 أيام، أي في 21 أكتوبر من نفس السنة. ولما انتخب رئيس المجلس ، أعقبت ذلك مداولات ومشاورات تشكيل الحكومة، التي قادها ادريس جطو والتي استغرقت وقتا طويلا . ولم يتم انتخاب أعضاء المكتب ورؤساء اللجن، إلا يوم 8 نونبر، من نفس السنة أي بعد 18 يوما من تاريخ الافتتاح الرسمي. وفي سنة 2005، وقد كان الأخ عبد الواحد الراضي رئيسا للبرلمان، اجتمع فريق العدالة والتنمية وانتخب مصطفى الرميد، وزير العدل الحالي رئيسا لفريقه النيابي ، كما كان عبد الله باها قد حصل وقتها على المرتبة الثالثة ب3 أصوات. وانتظرنا 15 يوما إلى حين ان تمكن حزب العدالة والتنمية من حل خلافات نوابه المتعلقة برئاسة فريقهم ومهامهم بمجلس النواب، وعينت القيادة باها رئيسا للفريق. الآن هناك من يتباكى على تعطيل عمل مجلس النواب، متناسيا هذه الأمثلة، بل ومتجاهلا أن من عطل المؤسسة التشريعية هو الحكومة، التي تقاعست عن تفعيل الدستور، وهمشت البرلمان، وجعلت منه مجرد غرفة تسجيل، ضاربة بمسؤوليتها في تنفيذ مبادئ الدستور وروحه، عرض الحائط. من عطل البرلمان هو من جمد الحكومة لشهور وشهور في ما سمي بالمشاورات، من عطل العمل البرلمان هو الذي وصل إلى نصف الولاية، ولم يقدم الجزء الأكبر والأهم من القوانين التنظيمية، التي من المفترض أن تعطي للمكتسبات الدستورية أبعادها الحقيقية، بل كلما حاولت المعارضة، القيام بواجبها في هذا المجال، تعترض عليها الحكومة. إذن لا يمكننا أن نصغي لحملة التضليل التي رافقت هذه الأزمة، بل علينا أن ننظر إلى ما يساعدنا على معالجة أوضاعنا، خاصة وأن الرأي العام الاتحادي، ينتظر منا أن نقدم الدليل، كما تعودنا دائما على النهوض، كطائر الفنيق من الرماد، الذي يعتقد البعض، خطأ، أننا احترقنا فيه. وفي تحليلي الشخصي لما حصل من حملة إعلامية، فبغض النظر عن الجهات التي تحاول دائما النيل من حزبنا، فإن الاهتمام البالغ الذي حظيت به أزمة الفريق، من طرف الرأي العام، تؤكد مكانة حزبنا في المشهد السياسي، والاحترام الذي تحظى به وحدته، فهناك فئات واسعة من المواطنين، تعتبر أن في قوتنا خلاصا من الأفق المسدود الذي يقود إليه البلاد، حزب العدالة و التنمية، كما يؤكد هذا الاهتمام البالغ أن الاتحادي رقم أساسي ولا يمكن تجاوزه في المعادلة السياسية في المغرب. لكن وبالإضافة إلى الحركة الاتحادية، التي كانت تنتظر منا التقدم في معالجة مثل هذه القضايا، لا يمكن إلا أن نوجه التحية الخالصة لحلفائنا الذين عبروا عن التضامن معنا، فعليا، وحرصوا على أن يساعدونا لحل مشاكلنا، كما نشد على أيادي ممثلي فرق المعارضة، في مكتب مجلس النواب، الذين أبوا إلا أن يكونوا مخلصين للدستور وللقانون و لروح المسؤولية، كما نشكر كل الذين وقفوا من أجل معالجة معضلة سياسية، بغض النظر عن تأويلهم القانوني، الذي لا نريد أن نطيل في مناقشته، بمناسبة هذه المحطة. ما يهمنا حاليا هو أن نطوي هذه الصفحة، وأن نتقدم في ورش إعادة البناء والاستعداد للاستحقاقات القادمة، في إطار من الانسجام والوحدة بين تنظيماتنا، لأن هذا هو التحدي كبير، ولا يمكن أن يتصور أي واحد منا أنه سيحقق النصر على التخلف والرجعية، دون العمل يدا في يد، ومعالجة الخلافات بشكل يحفظ وحدة الحزب وقوته. مسؤوليتنا، أيتها الأخوات والإخوة كبيرة، ليس تجاه الاتحاديات والاتحاديين فحسب، بل تجاه كل الصف الوطني الديمقراطي، وتجاه كل الحداثيين، وتجاه الجبهة الاجتماعية والفئات المتضررة من سياسة الحزب، المتصدر للحكومة، وتجاه الشغيلة والجماهير الشعبية التي تتطلع إلى سياسة بديلة، من أجل عيش كريم ومستقبل أفضل. لابد أن نستحضر كل هذه التحديات ونحن نتداول في موضوع الفريق النيابي، لأن الأمر يتجاوز مجرد الاتفاق على من يترأسه، المسألة المطروحة الآن، هي كيف نواصل عملنا، جميعا وبدون استثناء أي مناضل، بل على العكس، هدفنا وأملنا الأسمى هو أن يندمج الجميع في المعركة الكبرى التي نسعى إلى خوضها من أجل تعزيز المكتسبات الديمقراطية، وتجاوز المرحلة الحالية، التي أثبت الواقع الملموس أنها تنذر بالعودة إلى الوراء، في الوقت الذي تحتاج فيه بلادنا إلى سياسة تتوجه نحو المستقبل، من أجل الاستجابة لمطالب شعبنا، و لكن أيضا من أجل احترام التزامات المغرب الدولية، وتنفيذ مقتضيات الحكامة والشفافية والعدالة والمساواة الواردة في الدستور، وبالإضافة إلى كل هذا، تسجيل نصر على خصومنا، الذين ينازعوننا في وحدتنا الترابية، والذين يرزحون تحت كارثة الحكم الستاليني، في مخيمات تندوف، وتحت حكم الأوليغارشية في الجزائر. وهنا لا بد أن ننبه كل الذين حاولوا تبخيس الأحزاب و تهميش الفعل السياسي، إلى أن قوة بلادنا تكمن في تعدديتها الحزبية والنقابية وازدهار نسيجها الجمعوي، ولذلك فأي مساس بهذه القوة وهذه المؤسسات، لن يؤدي عمليا إلا إلى إضعاف بنية المجتمع المدني، الغني و الفاعل والحي والمبادر، التي جعلت المغرب متفردا في الخريطة العربية، بل والإفريقية، وبالتالي، إضعاف الدولة، التي تعتبر في النظام الديمقراطي، المنتوج المؤسساتي لهذه الهياكل والمرآة التي تعكس توجهاته وتناقضاته وتلعب دور الحكم العادل في معالجتها، وفي الحفاظ على تماسك المجتمع وحصانة الدولة وسيادتها. هذه هي الفلسفة التي تحكمنا اليوم، ونحن نتوجه إلى اللجنة الإدارية، لنقترح عليها ما توصلنا إليه بفضل العمل الجاد الذي تابعناه، رفقة إخواننا في المكتب السياسي. أخواتي، اخواني، دعوناكم إخواني الأعزاء في إطار اجتماع طارئ للجنة الإدارية للحزب من أجل أن نضعكم في صورة آخر التطورات، ومن أجل أن نستمع إلى رأيكم وأن نحتكم في ضوء المستجدات إلى قراراكم بخصوص هذه الوضعية الصعبة، وما تفرضه من تعامل واع ومسؤول معها بما يجعلنا نطوي هذه الصفحة المؤسفة لكي نتفرغ إلى مهامنا النضالية والى التزاماتنا تجاه ناخبينا وقواتنا الشعبية. إنني على يقين أنكم باتخاذكم اليوم للقرار الصائب الذي تنتظره القواعد الاتحادية في كافة الجهات والأقاليم، ستكونون قد توفقتم في تجاوز هذه المحنة التي فرضت علينا، والتي أضاعت منا كثيرا من الوقت ومن الجهد ، بل إنكم ستقدمون لكل الحركة الديمقراطية بالمغرب ولعموم الحياة السياسية ببلادنا نموذجا رائعا في الصمود وفي الوفاء وفي القدرة على التصدي للخلط والعبث، وعلى مواجهة الممارسات الكيدية التي تخلق الالتباس المسطري لشرعنة التمرد على مؤسسة الحزب. إن المناضل الاتحادي والمنتخب الاتحادي والمسؤول الاتحادي، هو أولا وقبل كل شيء مواطن مؤمن بدولة الحق والقانون ، ومتشبع بثقافة المؤسسات وبشرعية المؤسسات، وبما أن الحزب مؤسسة تحكمها قوانين وتؤطرها شرعيات وتضبطها حقوق وواجبات ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعتبر أي اتحادي مهما علا شأنه أن الحزب مجال للسيبة ومرتع للتسيب، وأن الحزب مجرد وكالة لمنح التزكيات الانتخابية، وأنه مجرد أصل تجاري في سوق المبادلات السياسية. لن نقبل بعد اليوم في صفوفنا أعضاء يتمتعون بأزيد من حقوقهم وليست لهم أي واجبات تجاه حزبهم ، وأوجب الواجبات بعد أداء الاشتراك المادي هو أن نحفظ للحزب واجب الاحترام ، وأن نحفظ له واجب الانضباط، وأن نحفظ له واجب الاعتراف ، وإلا فلا معنى لحياة حزبية أو لمؤسسة حزبية فبالأحرى لممارسة ديمقراطية. إننا اليوم ونحن نطوي هذه الصفحة بما يلزم الأمر من حكمة وتبصر وتجاوز، فإننا لابد أن نستحضر ببالغ المسؤولية كذلك أهمية الدورة التشريعية المقبلة على مستوى تنزيل الدستور واستكمال الإصلاحات السياسية والمؤسساتية ، وحتى نكون جاهزين لأداء مهمتنا على أحسن ما يرام فلابد في هذا الإطار أن نؤكد على ثلاثة توجهات أساسية: *أولا: على مستوى علاقة الفريق النيابي الاتحادي بالحزب، لابد أن نجدد التأكيد على أن فريقنا بمجلس النواب هو مؤسسة داخل الحزب، ويلتزم بالعمل على تصريف اختيارات وتوجهات ومواقف الحزب بالواجهة البرلمانية، وبالتالي فإنه يشتغل في انسجام وتكامل مع باقي المؤسسات الحزبية، ويتصرف وفق مبادئ وضوابط الحزب، ويتلقى التوجيه من قيادته في اطار التنسيق التام مع الكاتب الأول على المستوى الوطني، ومع الأجهزة القيادية على الصعيدين الجهوي والإقليمي. وهذا ما سيجعل المرجعية الحزبية النظامية هي المرجعية الوحيدة التي يستمد منها كل عضو من أعضاء الفريق التوجيه المؤطر لعمله النيابي والتزامه الحزبي. وفي هذا السياق فإن المكتب السياسي سيسهر على تعبئة مختلف الخبرات والكفاءات الاتحادية لوضعها رهن اشارة الفريق من أجل تفعيل مهامه وتجويد أدائه، كما سوف يكون حريصا على انخراط الفريق النيابي في الدينامية التنظيمية والإشعاعية التي عرفها الحزب منذ المؤتمر التاسع، وعلى أن يكون امتدادا لهذه الدينامية وصوتا قويا لها داخل المؤسسة البرلمانية. ثانيا : على مستوى علاقة الفريق بالحكومة، سنسهر على تفعيل دوره في المعارضة الصارمة ضد الأداء السياسي للحكومة الحالية المتسم بالعبث والارتجال، وذلك على أساس أن تكون المعارضة النيابية للفريق الاشتراكي تندرج في صلب المعارضة السياسية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبالتالي فإنها تنخرط بقوة في الاستراتيجية النضالية التي أقرها المؤتمر الوطني التاسع، والتي تتوخى ترجيح ميزان القوى الاجتماعية والثقافية لفائدة قوى التقدم والحداثة الفكرية، بما يعزز مسار البناء الديمقراطي ويحمي مكتسبات الشعب المغربي من مخاطر المد الرجعي والظلامي. ولا يخفى عليكم أن هذا الانخراط سيستدعي من الفريق النيابي الاتحادي مضاعفة جهوده من موقع المعارضة في اتخاذ كافة المبادرات الرقابية والتشريعية الرامية إلى الدفاع عن المؤسسة التشريعية، كي تقوم بمهامها الدستورية التي يكفلها لها القانون، والى تسريع وتيرة تنزيل الدستور من خلال تقديم مقترحات القوانين التنظيمية ، وكذلك التنبيه لتفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في ظل السياسة الحكومية المعادية لحقوق المواطنين وكرامة عيشهم . وفي ذات السياق المتعلق بالرفع من إيقاع الممارسة الرقابية، فإن فريقنا سيكون مدعوا إلى اتخاذ المبادرات اللازمة لتفعيل الدور النيابي للجان تقصي الحقائق، وكذلك لتسطير وتنفيذ برنامج «قافلة ربيع الوردة» الهادف إلى تكثيف التواصل مع الناخبين في كافة جهات وأقاليم المملكة . *ثالثا : على مستوى علاقة الفريق بحلفائه السياسيين، فإن الفريق النيابي الاتحادي ، انسجاما مع التوجهات السياسية للحزب وتفعيلا لقرارات مؤتمره التاسع ، لا بد أن ينخرط في التحضير الجيد لتفعيل مهمته النيابية في ما تبقى من هذه الولاية التشريعية، ومعلوم أن ذلك سيستلزم منه تكثيف التنسيق المحكم مع الفرق الأخرى في المعارضة النيابية ، وفي مقدمتها الفريق النيابي لحليفنا الاستراتيجي المتمثل في حزب الاستقلال إلى جانب الفرق النيابية للأحزاب التي نعتبرها حليفة لنا في صف المعارضة البرلمانية. ومن هذا المنطلق فإن الفريق النيابي الاتحادي، وبالتنسيق مع قيادة الحزب سيتخذ الخطوات اللازمة من أجل إرساء إطار تنسيقي للحوار والتشاور والعمل المشترك بين الأجهزة التسييرية للفرق الحليفة بما يعطي للمعارضة النيابية نفسا جديدا ويجعل منها قوة اقتراحية فعالة داخل الواجهة البرلمانية. أخواتي، إخواني، هذه بعض التوجهات العامة التي نعتبر أنها تشكل أرضية جيدة لانطلاق عمل الفريق نحو مرحلة جديدة ومتجددة وحاسمة في ما تبقى من هذه الولاية التشريعية، ونحن على يقين أن الطاقات والكفاءات التي يزخر بها فريقنا، ستجعله قادرا على رفع التحدي وعلى أن يكون في مستوى انتظاراتنا جميعا» .