قال أحمد الزايدي، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن استقالته من رئاسة الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، نهائية ولا رجعة فيها، كاشفا أن استقالته غير مرتبطة بنوعية المعارضة التي يمارسها، وإنما بمحاولة استعمال الفريق كآلية لتصريف طموحات أخرى خارج الفريق الاشتراكي. كما قال إن قيادة الاتحاد مطالبة بإجراء عمليات قيصرية للخروج بالحزب من المنعطف الذي يوجد به. من جهة أخرى، قال الزايدي إن وزير الشبيبة والرياضة أهان نواب الأمة عندما تحدث عن سرية راتب مدرب المنتخب الوطني، إيريك غيريتس. - إلى أين وصل مسلسل تلويحك بالاستقالة من رئاسة الفريق الاشتراكي بمجلس النواب؟ أختلف معك بشأن استعمالك كلمة تلويح، وأؤكد بأنني لم ألوّح بالاستقالة من أجل التلويح. قد أتفهمك من زاوية الشكل، إذ ربما قد يفهم من تقديم استقالتي إلى رئيس مجلس النواب في انتظار موافقة المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، أن هناك تلويحا، لكن أطمئنك بأنني مصر على الاستقالة وعن اقتناع. - ألم يكن هناك تدخل لقيادة الحزب من أجل ثنيك عن العدول عن تقديم استقالتك من رئاسة الفريق؟ بعد عودته من تونس استقبلت من طرف الأخ الكاتب الأول للحزب، حيث كان اللقاء مناسبة لأقدم عرضا حول الدواعي والأسباب الحقيقية للاستقالة، وهي أسباب سأخفي عنك جانبا منها ولن أتحدث عنها في هذا الحوار. لكن أعدك بأنني سأتحدث عنها في القريب وفي الوقت المناسب كي لا أخلط الأوراق. لقد كان اللقاء مناسبة لإماطة اللثام عن الظاهر والخفي في إقدامي على الاستقالة من رئاسة الفريق، لكن رغم كل التفسيرات عبّر الأخ عبد الواحد الراضي عن رفضه للاستقالة بدءا وختاما، مؤكدا لي أن المكتب السياسي سيقرر في الطلب. وبالرغم من رفضه استقالتي، فقد أصررت عليها ورجوته أن يحترم قراري لأنه قرار صادق وبعيد عن أي حسابات سياسية أو شخصية. قرار سيخدم الحزب والفريق النيابي. - هناك من يرى بأن الصراع بينك وبين عضوي المكتب السياسي, إدريس لشكر وعبد الهادي خيرات, كان وراء استقالتك؟ لا أدري كيف جمعت بين الرجلين وأترك لك هذا التقدير. لكن فيما يخصني أؤكد لك بأن الصراع بمفهومه الشخصي غير وارد، وأنفيه بشكل قاطع، لكن في مقابل ذلك لا أنكر أن هناك اختلافا عميقا في وجهات النظر، ظاهره تدبيري، وهو ما يمكن تجاوزه، وباطني وهو ما يمس بالعمق ويمكن أن يضر بالعمل النيابي للفريق. وهذا الجانب هو ما أرفضه: لذلك لم يكن لي خيار بين الصمت والتعاطي مع ما يحضر أو أن أكون في مستوى المسؤولية التي أنا مكبل بها من طرف زملائي وأقول لا للعبث، وهو ما فعلته. - البعض يتحدث عن محاولة لإبعاد الزايدي في إطار السباق على منصب الكاتب الأول للحزب؟ هناك أشياء داخلية لا أعتقد أن المجال يسمح بالحديث عنها هنا، لكن حين ستتاح الفرصة ويأتي الوقت المناسب سأتحدث عن الصراع المشروع وغير المشروع داخل الاتحاد، وعن الباطل الذي يراد به حق، والعكس صحيح. أما الآن وحتى أظل في حدود مهمتي، فأقول إن ترجيح كفة الاستقالة على كفة الاستمرار على رأس الفريق لم يكن مبعثها اعتبارات شخصية، بل مبعثها بالتحديد الرفض الصارم لأخذ الفريق النيابي رهينة لتصريف مواقف من قبيل أنه لا يمكن في لحظة من اللحظات أن نعلن انسحابنا من الجلسة دون أن تكون هناك أي استشارة أو قرارات متفق عليها. - لكن البعض يرى بأن المعارضة التي تقودها هي معارضة المهادنة على خلاف المعارضة، التي يدفع في اتجاهها لشكر وخيرات، والتي تتسم بالقوة تجاه حكومة يرى بأنها «شعبوية». أنا أنتمي إلى مدرسة الاتحاد التي لها تراكمات في المعارضة ولها نصيبها في تسيير الشأن العام. كما أني لست دخيلا على الحزب وأجهزته حتى أحتاج إلى الآخرين ليقدموا لي الدروس في كيفية التصرف كرئيس للفريق. أنا مناضل اتحادي منذ سنة 1977، ونائب برلماني لخمس ولايات متتالية، وخلال ترؤسي الفريق النيابي لولايتين لم يسبق أن وجهت إلي ملاحظات أو انتقادات، بل بالعكس أعتز بأدائي وبثقة زملائي، سواء الآن أو في السابق, وأنا أقود الفريق باسم المساندة النقدية قبل العودة للمعارضة. ما أريد التأكيد عليه هو أنني أختلف مع البعض، الذي يرى أن علينا كمعارضة التصدي بقوة وعنف لإظهار قوتنا وأدائنا، وأعتبر أن ذلك يندرج في صنف معارضة قد تكون مشروعة، لكن لا أتقاسم مع أصحابها هذا الأسلوب. قد يكون محقا من يعيب علي هذا النوع من التعاطي في المعارضة، لكني لست رئيس مقاولة أو مكلفا بورشة لكي أتصرف بشكل فردي فيما يخص اتخاذ القرارات، بل على العكس من ذلك، فجميع قرارات الفريق تتخذ داخله إما بالإجماع أو بالأغلبية، لذلك لا مجال هنا لتغيير ما لا يمكن تغييره، والقول بأنني أقوم بمعارضة المهادنة وآخرون يشنون المعارضة الشرسة، وأعتقد أن الشخص هو الأسلوب، ولكل واحد منا أسلوبه. فقط أريد أن أضيف أن الفريق الاشتراكي تبنى وثيقة مرجعية كانت موضع حوار بين المكتب السياسي والفريق، ألا وهي جواب الاتحاد عن التصريح الحكومي، فهذه القيمة المضافة تجعل الفريق في تناغم مع أدائه وأسلوبه. - بِمَ تفسر عدم الامتثال لقرارات الحزب بخصوص المعارضة التي تنتهج ضد حكومة عبد الإله بنكيران؟ أخال أنك تريد القول بأن الأمر لا يتعلق بنوعية المعارضة، وإنما بطموحات أخرى خارج الفريق الاشتراكي الذي يراد منه أن يستعمل كآلية لتصريفها. أليس كذلك؟ قد أوافقك الرأي وأضعها في خانة طموحات زملائي في الفريق والحزب كطموحات مشروعة. وأقول دعوا الفريق يشتغل وفق المهام التي من أجلها انتخب، وهي مهام وطنية سامية وجسيمة، وهناك مجالات وأجهزة وآليات أخرى خارجه تصلح للتباري ولتصريف المواقف. وأنا هنا لا أتهم أحدا، ولكن لا يمكن أن أنكر الرغبة في استغلال الفريق لتصريف مواقف البعض. - وما انطباعك عن الجلسات الأولية للمراقبة الحكومية في شكلها الجديد؟ الأمر لا يتعلق بالشكل، فهو جيد، ولكن ما يزعجني هو استمرارية اجترار نفس الأسلوب. أسلوب لغة الخشب في بعض الأجوبة. فعندما يأتي وزير الشبيبة والرياضة مثلا ويقول لنواب الأمة إن عقد غريتس هو سر من أسرار الدولة، ويختزله في كون العقد شريعة المتعاقدين، فإن هذا منتهى الإهانة ويعارض مع الدستور الجديد. فأين مبدأ الحق في الخبر بالنسبة إلى المواطن، فبالأحرى نواب الأمة. إن الوزير هنا مطالب بتقديم استقالته. - يبدو أن عدوى الصراع القائم بين مكونات المكتب السياسي قد انتقلت من الشبيبة والتنظيم النسائي والنقابة إلى الفريق النيابي. أكتفي في هذه المحطة بالقول بأن من يريد تعميم ما وقع في الغرفة الثانية ليصل إلى الغرفة الأولى عليه تحمل مسؤوليته. وبحكم ممارستي ومعرفتي بالأشياء أردت أن أضع مبكرا من خلال استقالتي حدا لمثل تلك الوضعية. لقد سلكت هذا المسعى باستقالتي من رئاسة الفريق من أجل الحزب ومن أجل أن يتخذ القرار الذي يراه مناسبا، وكذا لكي أجنبه أزمة جديدة، ولي اليقين التام بأن الأغلبية الساحقة من أعضاء الفريق، قدامى وجددا، لهم من النزاهة الفكرية والأخلاق الاتحادية ما يجعلهم ينبذون مثل هذه التصرفات. أقف الآن عند محطات التجاوزات لأقول إنه لا يمكن السماح بها داخل الفريق، ويتعين أن تعود الأمور إلى نصابها، وهو ما يمكن أن أقول بكل موضوعية إنني ساهمت فيه. - من المبررات التي يقدمها معارضو المعارضة التي تنهجها أنه لا يمكن بتلك الطريقة مواجهة حكومة تعمل على تهميش معارضة منحها الدستور الجديد مكانة متميزة. أخال أنه حينما تكون حقوق المعارضة ومستقبلها مقيدة بقوانين ومضمونة، فإن السؤال الذي يطرح: ما فائدة نهج أسلوب آخر غير أسلوب كشف الحقائق بهدوء وتقديم البدائل أمام الشعب المغربي بكل قوة، وكلمة قوة لا تختزل في الأسلوب بقدر ما يجب أن تكون بديلا.. - الضرب على الطاولة هو أسلوب يتبع لمواجهة حكومة ينظر إليها بأنها شعبوية؟ أنا ضد المعارضة الشعبوية كيفما كان مصدرها، ولا أريد أن يفهم من كلامي أن ما يقوم به بعض زملائي هو معارضة متسمة بتلك الصفة. أعتبر أن المعارضة لها أدبياتها وسلوكها، وأي عضو في الفريق الاشتراكي ما كان ليلتزم موقف المتفرج ويسمح بأن تداس حقوق المعارضة. هل يمكن أن تتصور أن يسمح فريق نيابي من 39 فردا، بينهم 10 قياديين من المكتب السياسي وأطر عليا من المستوى الرفيع، لرئيس الفريق بالمهادنة وتمرير أشياء تخالف قرارات الحزب باسم المعارضة؟ وهل من الصائب القول إن جانبا فقط من الفريق له غيرة على نوعية المعارضة التي ينهجها الفريق دون باقي أعضائه؟ شخصيا، لا أتصور ذلك، خاصة أن الفترة التي قضاها الفريق لا تسمح بالتقييم بشكل موضوعي. - البعض يشتم راحة «البام» وبعض أنصاره داخل الاتحاد الاشتراكي في الأزمة المفتعلة داخل الفريق الاشتراكي في مجلس النواب؟ من حق كل واحد أن يحلل وينظر إلى المستقبل بنظاراته الخاصة، لكن تأكد أن للاتحاديين داخل الفريق وخارجه من الذكاء السياسي والحرص والتراكم ما يجعلهم سدا ممتنعا عن أي توجه لا يقتنعون به. أذكر بأننا حرصنا في الولايات السابقة على أن يظل الفريق البرلماني متحدا ومنسجما في قراره، وقد استطعنا تحقيق هذا الهدف، رغم الأزمات الصعبة التي مررنا بها. كما حرصنا على أن يكون أيضا متميزا في عطائه، وللذين يتحدثون اليوم عن إمكان استقطاب الاتحاديين الشرفاء أقول لهم إنكم واهمون وتجهلون عمق الاتحاد. والذين يتحدثون اليوم عن الأساليب المتعددة للمعارضة، أقول لهم إن المعارضة لا تحتمل 17 أسلوبا، ولذلك إما أن تكون معارضا أو مشاكسا. ولا يجب أن نختفي وراء التسميات كالأسلوب وغيره. إن ذلك مجرد افتراء أصبح الكل واعيا به. - يتساءل كثيرون عن أي معارضة ستمارسون وبأي آليات في ظل الأزمة التي تعيشها تنظيمات الحزب. أسألك بكل أخوة: ما الأحزاب التي لا تعيش أجهزتها الشبابية وتنظيماتها النقابية والنسائية أزمات ومشاكل في الوقت الراهن؟ - ولكن الاتحاد ليس كباقي الأحزاب؟ نحن نتميز بجلب الأضواء إلينا وتحميلنا أخطاء الآخرين. صحيح أننا نعيش أوضاعا صعبة، لكنها ليست مستحيلة الإصلاح إذا «شطب كل واحد باب داره». لا يمكنني أن أضع نفسي مقام الشبيبة والنقابة والنساء. لكن، بصفتي اتحاديا، أضع نفسي في عمق انشغالاتها وسأبقى مساهما في تصحيح الأوضاع كلما أتيحت لي الفرصة، ولي من الأمل ما يجعلني أثق في الاتحاديين للخروج من الأزمات الحقيقية وتلك المفتعلة. - ولكن الصراع بين أعضاء المكتب السياسي هو السبب الرئيسي لهذه الأزمات. قلت: «على كل واحد أن يشطب باب داره»، وما تقوله صحيح في جزء منه، وسيأتي الوقت المناسب لوضع كل في مكانه الصحيح. لقد استطعنا كفريق أن نفرض مقولة أن المصداقية في التعامل وحدها تعتبر محصنة للفريق، وأن نرفع أصواتنا لنقول: كفى وارفعوا أيديكم عن هذه المؤسسة. وأخال أن ذلك أصبح شعارا. على الأجهزة الأخرى، التي لا يمكنني الحديث عنها، لأنني لست وصيا عليها، أن تقوم بانتفاضة داخلية من أجل تصحيح الأوضاع، وإلا صار التنبؤ الذي قلته صحيحا. أما الآن، فأنا لا أتفق معك تماما، لأن لدي أمل في قدرة الاتحاد على الاستمرار بشكل أفضل وتقديم عطاءات في مستوى وزنه وتاريخه. - ألا تتحمل، باعتبارك عضوا في القيادة الحالية، جزءا من المسؤولية عما يقع في بعض أجهزة الحزب؟ فعلا، أنا أقر بأن هناك مسؤولية مشتركة وتفاوتا في مدى تحمل انعكاساتها. غير أنني وإن كنت أعترف بمسؤولية القيادة، فإنني أؤمن بقدرتها على خلق أوضاع جديدة إذا التجأت إلى عمليات قد تكون قيصرية، إذا تطلب الأمر ذلك، ولكنها تبدو ضرورية للخروج من المنعطف الذي نوجد فيه. - ما طبيعة هذه «العمليات القصيرية» وحدودها؟ في تصوري أن بعض المؤسسات وبتشارك خاصة مع المكتب السياسي, واستنادا إلى برلمان الحزب, لها من التراكمات ما يجعلها اليوم –بعد أن جربنا كل آليات وأساليب الوحدة والإجماع والتوافق- قادرة على اتخاذ قرارات جريئة وديمقراطية، وليس قرارات فوقية. وبذلك ستكون الديمقراطية الحزبية قاسما مشتركا بين جميع المؤسسات الحزبية. إضافة إلى الحرص على عدم تداخل الاختصاصات وضرورة الحسم بوضوح في بعض السلوكات من قبيل ارتكاب بعض الأخطاء. لا أتصور أن يقوم مناضل اتحادي مثلا بحملة انتخابية ضد مرشحي الحزب، ثم يشارك في اجتماعات المجلس الوطني لينتقد القيادة الحزبية التي هو جزء منها، ولكنني أتفهم في الوقت ذاته الذين شاركوا في حملة انتخابات الحزب ويتساءلون عن أسباب فرض بعض الوجوه في الانتخابات عليهم، ويطلب منهم مساندتها. أؤكد على ضرورة الانضباط للقرارات الحزبية أولا، ثم إلزامية المتابعة والمحاسبة فيما يتعلق بالتوجهات العامة. - أين تكمن أزمة الاتحاد الاشتراكي في الوقت الراهن؟ أزمة الاتحاد جزء من أزمة المجتمع. ولكي لا أتهرب من الجواب أو أنفي شبهة الأخطاء عنا ونحيل مسؤوليتها على الآخر، أؤكد أنه بقدر ما للحزب من تراكمات تاريخية وسياسية في مختلف المجالات، بقدر ما أخذ يراكم الانتكاسات دون أن يقدم على الحسم في أمرها. أعتقد أن المؤتمر المقبل، الذي ينبغي ألا يتأخر وأن يكون محطة نوعية، يتعين أن يكون حاسما في بعض القضايا حتى يمكن للحزب أن يتقدم. بكل وضوح، الاتحاد ليس بخير، لكنه ليس مريضا كما يتمنى البعض. صحيح أنه راكم انتكاسات، لكنه يتمتع بما يكفي من المناعة والكفاءات والإمكانيات للخروج من هذه المحطة الموجعة وتجاوزها بكل شجاعة، بإفراز نقد ذاتي لتجربته وإصلاح ذاته. - ولكن لا يمكن أن يتحقق هذا الأمر في ظل القيادة الحالية. لنغيرها إذن. إذ لا وجود لشخص خالد، لكن يجب ألا نسقط في التعميم المحبط ونسير إلى المؤتمر القادم الذي يجب أن يكون نوعيا. إن القيادة الحالية، مجلسا وطنيا ومكتبا سياسيا، لم تكن كلها بتلك الأحكام السلبية الجاهزة. - كيف يمكن ذلك في ظل تهرب القيادة من عقد برلمان الحزب من أجل تقييم المشاركة الاتحادية في الانتخابات الأخيرة ومباشرة الإعداد للمؤتمر ؟ ثمة جوانب صحيحة في هذا الشق الجدلي من الأزمة، ولكنها لا تخلو من مبالغة. أنا أؤمن بشيء واحد: إذا توفرت الإرادة الاتحادية الحقيقية المؤسسة على الموضوعية والنقد الذاتي والتطلع إلى المستقبل، يمكننا أن نتغلب على الواقع المحبط الذي يعترض طريقنا. القيادة الحالية، وأنا عضو فيها، ليست قدرا منزلا، إذ يمكننا أن نحسم ديمقراطيا في أمرها. وينبغي أن ندرك أن هذه الأزمة ليست الأولى في تاريخ الحزب، لأن الحزب مر بأزمات، غير أن الأزمة الحالية تكمن في تعميق ما يمكن أن أسميه بالجمود السياسي والفكري والمعرفي فيما يتعلق بتحليل الأوضاع، وبلورة قراءة جديدة للمجتمع الذي نعيش فيه، وقراءة صحيحة للأوضاع السوسيولوجية التي لم تعد تؤثثها نفس الشرائح التي ألفنا التعامل معها في وقت سابق. لقد برز واقع جديد بمعطيات جديدة وشرائح مجتمعية جديدة يتعين أن نواكبها بالتحليل وتعميق التفكير حول الحاجيات المجتمعية الراهنة. لقد تخلينا كثيرا عن بعض مقومات قوتنا، وهي الجوانب الفكرية والثقافية والمعرفية والمرجعية، وأصبحت الكثير من الطاقات الحزبية المثقفة تبحث وتحلل وتناقش ليس بالشكل الذي يغري فئات واسعة من المجتمع، وهاجرت طاقات أخرى إما إلى فضاءات حياتية أو إلى الانزواء المؤسف، وقاومت أخرى عصر الردة هذا، وأصبحت كأنها تعيش في جزر معزولة في مجتمع تتجاذبه تيارات واهتمامات أخرى بعيدة عن تلك التي تعارف عليها الفكر الاتحادي. ولذلك، أعتقد أن نكران الذات والتصالح مع المجتمع والنقد الذاتي وإعادة الاعتبار للمساهمة ولترتيب البيت الداخلي وتجديد الهياكل وتشبيب بعض المؤسسات صارت إكراهات ضرورية. - بعض هذه الأمور التي تحدثت عنها ناقشها مؤتمر الحزب الأخير دون أن يتم تفعيل مقرراته القاضية بإعادة بناء التنظيم الحزبي. الحزب خرج بعد المؤتمر الثامن في وضعية لا هي بالوحدة ولا هي بتلك المفككة نهائيا، لكنه نجح في اجتياز مرحلة صعبة، وهذا أساسي. ولذلك، تركز عملنا على إعادة الترميم، لكن حين نرمم على أسس مغشوشة يصبح هذا الترميم زيادة في تآكل البنيان. وعلى هذا الأساس، ورغم المجهودات التي بذلها بعض أعضاء المكتب السياسي في ترتيب الأوراق فإنه لم يصل إلى المعالجة الحقيقية للاختلالات التي يشهدها الحزب، وفي مقدمتها القطاع التنظيمي. لكن مع ذلك لا يمكن إنكار جهود حقيقية قام بها المكتب السياسي وفق أجندة المؤتمر الثامن وقراراته. أما وأننا تخلصنا من هاجس المشاركة في الحكومة من عدمه، مثلا، فقد بات لزاما علينا التفكير في إعادة بناء الذات والمصالحة مع المناضلين الذين هاجروا الحزب وذهبوا إلى حال سبيلهم، وأولئك الذين بقوا في وضعية المتفرج، في حين تعزز الحزب بمكونات جديدة، منها ما هو غث ومنها ما هو سمين، لكنها مكونات تعتبر جزءا مما يؤثث الساحة ببلادنا للأسف. وينبغي التعامل مع هذا الوضع بالمنطق الاتحادي السليم وليس بالمنطق الانتهازي, الذي أنتج بلطجية المرحلة ويجب التخلص منهم. - لكن لماذا تتهرب قيادة الحزب من عقد المؤتمر التاسع أو التحضير له عبر عقد دورة المجلس الوطني؟ لا أعتقد أن القيادة تتهرب من عقد المؤتمر المقبل، ودعني أطرح هنا سؤالا من خلالكم على كل المناضلين الاتحاديين: بأية وصفة سنهيء المؤتمر المقبل؟ بأية تركيبة تنظيمية سنذهب إلى المؤتمر؟ وبأي مؤتمرين سيقع تمثيل الأقاليم؟ إنها أسئلة عاجلة، ويجب أن نهيء أنفسنا للجواب عنها ونحن نتهيأ للمؤتمر الذي يجب أن ينظم في أقرب وقت. - هل هو الخوف من تفجر الحزب؟ حزبنا أقوى من أن يؤثر فيه وضع مثل الذي نوجد فيه، وهو لديه من القوة الداخلية الكافية لتجاوز كل المعيقات. وإذا كان بمقدور الحزب أن يلم شتاته وأن ينظف بيته الداخلي بكل جرأة فيمكن أن نتجاوز هذا المنعطف في تاريخ حزبنا. - ألا ترى بأنه كان من الأولى على القيادة الحالية أن تقدم استقالتها بعد نكسة الانتخابات التشريعية الأخيرة؟ بكل موضوعية أقول إن القيادة الحالية بذلت من الجهد ومن الإمكانات الفكرية ما يتيح لنا الانتقال إلى محطة ثانية بعد المؤتمر، هي محطة وحدة الاتحاديين. ويجب التذكير هنا بأن القيادة حاولت إزالة بعض العثرات التي تحمل في ثناياها بوادر الانفجار. أما الحديث عن نجاح هذا الجهد أو فشله فذلك موضوع آخر. أستطيع أن أقول إن القيادة الحالية سعت إلى تجنيب الحزب الانفجار بعد المؤتمر، إذ لا يمكننا أن نبني الحزب في ظل صراع متعدد الأطراف. لكن أن نقول، هكذا تجنيا، إن القيادة الحالية بقيت في موقع المتفرج، فهذا أمر غير صحيح. ثم يجب أن لا ننسى بأنه في الظرفية، التي كان حزب الاتحاد يتعرض لهزات، وقعت أشياء عميقة بالمغرب بفعل الربيع العربي، لذلك وجدنا أنفسنا مشدودين بقوة الأشياء للانخراط فيما يجري. هل كان ممكنا مثلا أن نغض النظر عن كل شيء ونعقد المؤتمر قبل الانتخابات؟ كنا سنجد أنفسنا، لا محالة، خارج الجسم السياسي الوطني, إما غير مشاركين أو هامشيون. القيادة حافظت، على الأقل، على الحضور العددي للحزب داخل الحقل السياسي. ربما لم تتحرك بما يجب من الدينامية الفعالة، غير أن خطابا من قبيل أننا راكمنا الإخفاقات غير منطقي في تقديري. دعني قليلا أفشي سرا بالقول بأنني أعتقد جازما بأن الكاتب الأول للحزب هو أول من يريد اليوم أن يسلم رسالة الاتحاد إلى الجيل الجديد. - هل تتجه القيادة الحالية إلى تأجيل المؤتمر إلى ما بعد الانتخابات الجماعية المقبلة؟ القيادة الحالية ستحدد موعد المؤتمر قريبا وقريبا جدا. - يرى البعض بأن أخطاء القيادة الحالية وهيمنة إدريس لشكر على تنظيمات الحزب الموزاية يفسح المجال أمامه لتتويجه على ٍرأس الحزب. كيف ذلك؟ أنت تختزل كل مشاكل الحزب في شخص واحد، وهذا ظلم من جهة، وتحقير لمكانة الحزب ومناضليه من جهة أخرى. أرفض تقييما من هذا المستوى. - لكن كيف تبدد بعض التخوفات بخصوص رغبته في السيطرة على الحزب؟ أنا لا أشاطرك الرأي، وليس لدي تعليق على كلام من هذا القبيل، وكل ما أقوله إن الاتحاد، بذكاء مناضليه وبسماحة رواده، وبقدرة أطره على التحليل وصيانة إرث المؤسسين، لديه من الإمكانيات والقدرات ما يجعله قادرا على الاختيار السليم في الوقت الصعب، وإن كنت لا أتفق مع الذين يختزلون الاتحاد في معادلات محدودة الآثار. - هل ستترشح لمنصب الكتابة العامة للحزب في المؤتمر المقبل؟ لم تخطر ببالي قط هذه الفكرة، لكن قد أكون أو يجب أن أكون فاعلا في طرف ما وفي جهة ما. وبصفتي مناضلا حزبيا إذا دعيت إلى تحمل أي مسؤولية سأقوم بها لا أقل ولا أكثر. - من ستدعم في السباق نحو منصب الكاتب الأول؟ الحياة اختيار، وأنا سأختار عند الاقتضاء ما يتلاءم وقناعاتي إذا كان ضروريا أن أختار.