توجد قيد الطبع حاليا طبعة ثانية مزيدة ومنقحة من كتاب «الفتان: محكيات من سيرة الروگي بوحمارة لصحفيين وكتاب غربيين معاصرين له»، وذلك بعد نفاذ الطبعة الأولى الصادرة ضمن منشورات جريدة «الاتحاد الاشتراكي». وتضم الطبعة الثانية 10 مقالات إضافية تترجم لأول مرة، ، كما تشمل إضاءة إضافية حول تباين مواقف فقهاء ومؤرخي المغرب المعاصرين لبوحمارة حوله وصورا جديدة. ونقدم لقراء «الاتحاد الأسبوعي» أسفله بعض هذه المقالات الجديدة. معركة بين جيش السلطان والمنتفضين (لوبوتي باريزيان- 18 يناير 1903) كانت «لوبوتي باريزيان»، في الحقبة التي تهمنا، لا تقل انتشارا عن منافستها «لوبوتي جورنال». بل إن الجريدتين الشعبيتين معا كانتا تعتمدان نفس الإخراج والتبويب تقريبا، وتتمتعان بذات الانتشار الواسع. كما أنهما كانتا تصدران في نهاية الأسبوع ملحقا مصورا بالألوان. ورغم السبق الذي حققته «لوبوتي جورنال» على «لوبوتي باريزيان» في تناول موضوع بوحمارة، فإن هذه الأخيرة ستشرع في معالجة انتفاضته إعلاميا، وفق خطها التحريري طبعا، ابتداء من ملحقها المؤرخ في 18 يناير 1903. خصصت الصحيفة الغلاف الأخير لهذا الملحق الموسوم ب «الأدبي المصور» للوحة تشخص معركة بين جيش السلطان وجيش المطالب بالعرش ، شارحة إياها ضمن صفحاتها الداخلية بمقال مقتضب ورد فيه: «يجتاز المغرب حاليا أزمة خطيرة جدا، هو البلد المتعود على الخلافات الداخلية. «فعقب دعوة عمر الزرهوني، الملقب ب «بوحمارة» نظرا للدابة التي يفضل امتطاءها، انتفض عدد معين من القبائل ضد سلطة السلطان مولاي عبد العزيز. «وإثر الهزائم التي تعرض لها أخوه، اعتقد السلطان، وهو في الرباط، أن من واجبه قيادة قواته بنفسه. لكنه لم يكن أفضل حظا من أخيه، إذ مني يوم 23 دجنبر (1902) بهزيمة دموية. «توصلت قوات السلطان البالغ عددها عشرة آلاف رجل بأمر التجمع والمبادرة بمهاجمة أنصار بوحمارة. وقد تركها هذا الأخير تنهب بعض دواوير التسول، قبل أن يهاجمها بحشد وفير من الخيالة الذين حاصروا الجيش الشريف وجعلوه يندحر برمته. «أطلق جنود السلطان العنان لسيقانه في فوضى عارمة في اتجاه فاس، مخلفين المدافع والبنادق والذخيرة والدواب غنيمة للعدو. «وإذا كانت طلائع الهاربين قد وصلت إلى فاس صباح يوم 24 دجنبر، فإن أبواب المدينة أوصدت توا، مثلما أغلقت المتاجر. «يجزم البعض أن عدد أنصار بوحمارة في ارتفاع مطرد نظرا لما جلبه الانتصار لقواته من ملتحقين جدد، وأنه باشر مفاوضات مع جميع قبائل واد إيناون. أما السلطان، فقد لجأ إلى فاس.» عرض رؤوس جنود السلطان مقطوعة على أبواب تازة (لوبوتي باريزيان- 29 مارس 1903) ثلاثة شهور بعد مقاله الأول حول انتفاضة بوحمارة والمعارك الدائرة بين رجاله والجيش المخزني، عاد «الملحق الأسبوعي الأدبي المصور» لصحيفة «لوبوتي باريزيان» إلى الحرب القائمة في المغرب بين الفريقين عبر صورة تشخيصية تجسد عنوان المقال المرفق بها بامتياز: «المطالب بالعرش يعرض رؤوس جنود السلطان في أبواب تازة». جاء في صلب المقال: «الحرب مستمرة في المغرب. وحسب قصاصة نشرتها صحيفة «هيرادو» بمدريد، فإن جنود السلطان والمنتفضين يتناوبون على الانتصار في المعارك. «بينما كان الجيش المخزني قد بعث أربعا وأربعين رأسا مقطوعة من رؤوس أسراه إلى مدينة مراكش، فإن زعيم المنتفضين، المطالب بالعرش، أمر بدوره ببتر عدد من رؤوس جنود السلطان الذين قبض رجاله عليهم، وهي الرؤوس المعروضة في أبواب تازة حيث يستقر بوحمارة حاليا. «ويروي صحفي إنجليزي شاهد هذه الغنائم والدماء تسيل منها، وهي معلقة بمسامير، أن هذا المشهد ولد لديه شعورا بالفظاعة غير مسبوق، وذلك رغم ما سبق له رؤيته من مشاهد مرعبة خلال ترحاله في أوساط الشعوب المتوحشة.» رؤوس أنصار بوحمارة المبتورة (لوبوتي باريزيان - 30 أبريل 1905) ثلاثة شهور بعد مقاله الأول حول انتفاضة بوحمارة والمعارك الدائرة بين رجاله والجيش المخزني، عاد «الملحق الأسبوعي الأدبي المصور» لصحيفة «لوبوتي باريزيان» إلى الحرب القائمة في المغرب بين الفريقين عبر صورة تشخيصية تجسد عنوان المقال المرفق بها بامتياز: «المطالب بالعرش يعرض رؤوس جنود السلطان في أبواب تازة». جاء في صلب المقال: «الحرب مستمرة في المغرب. وحسب قصاصة نشرتها صحيفة «هيرادو» بمدريد، فإن جنود السلطان والمنتفضين يتناوبون على الانتصار في المعارك. «بينما كان الجيش المخزني قد بعث أربعا وأربعين رأسا مقطوعة من رؤوس أسراه إلى مدينة مراكش، فإن زعيم المنتفضين، المطالب بالعرش، أمر بدوره ببتر عدد من رؤوس جنود السلطان الذين قبض رجاله عليهم، وهي الرؤوس المعروضة في أبواب تازة حيث يستقر بوحمارة حاليا. «ويروي صحفي إنجليزي شاهد هذه الغنائم والدماء تسيل منها، وهي معلقة بمسامير، أن هذا المشهد ولد لديه شعورا بالفظاعة غير مسبوق، وذلك رغم ما سبق له رؤيته من مشاهد مرعبة خلال ترحاله في أوساط الشعوب المتوحشة.» رؤوس أنصار بوحمارة المبتورة (لوبوتي باريزيان - 30 أبريل 1905) بالإضافة إلى صورة تشخيصية زينت غلافه، تطرق عدد «الملحق الأدبي المصور» لصحيفة «لوبوتي باريزيان» الصادر في 30 أبريل 1905 إلى «حرب المغرب» من جديد. نقرأ في العدد: «كانت قوات السلطان تواجه (في معركة وجدة) قوات المطالب بالعرش، ولم تكن نتيجة هذه المعارك الضارية محسومة مسبقا، إلى أن استطاعت مدفعية الجيش السلطاني زرع فوضى عارمة في صفوف المنتفضين بفضل توفرها على قيادة أكثر كفاءة من قيادة العدو، مما أدى إلى فرار رجال بوحمارة مهرولين. «في صباح اليوم الموالي، انقض الجنود المغاربة على جثت القتلى من الأعداء وفصلوا رؤوسها عنها بغية الحصول، حسب ما يقال، على مكافأة مالية موعود بها مقابل كل راس مقطوعة. «وقد حُمّلت البغال بهذه الغنائم المدمية قصد نقلها إلى وجدة وسط أجواء احتفالية بالظفر». بعد اعتقاله، الروكي ينقل داخل قفص حديدي إلى فاس (لوبوتي باريزيان- 12 شتنبر 1909) أرفق العدد الأسبوعي المؤرخ في 12 شتنبر 1909 ل «ملحق لو بوتي بارزيان المصور» صورة لبوحمارة معتقلا داخل قفصه وقوات المخزن الحفيظي تطوف به أرجاء فاس، بمقال نقرأ فيه: «من المستحيل التوفر على وثيقة شاملة ومثيرة مثل الصورة الفوتوغرافية الموضوعة تحت أنظار القراء في غلاف هذا العدد؛ وهي صورة حية تتضمن مشهدا غريبا وفريدا يعكس العادات المغربية. «أعلن «البَرّاحة» عن وصول السجين، فتكدست الجموع في طريق وزان من حيث سيأتي الروگي. أما السلطان، فظل متواريا في أحد الأروقة، مراقبا الأفق بواسطة منظار. «أخيرا، لاح الزعيم المنتفض أسيرا داخل قفص حديدي يحمله جمل. الفرح يخترق صفوف الحشود، وجياد الفرسان المزهوين بالنصر تطوف حول السجين، بينما هذا الأخير يرد على نهر المتفرجين له بتهكم، وعلامات الهدوء بادية عليه. «(...) إن الطريقة التي عامل بها مولاي حفيظ، غير المتسامح رغم انتصاره، الروگيين طريقة تعيد إلى الأذهان الأقفاص الحديدية التي يتحدث عنها التاريخ والتي كثيرا ما استعملت كسجون(...)». تعذيب رئيس جوق الروكي النحاسي (لو فيغاور- 13 شتنبر 1909) في سياق متابعة الصحافة الغربية لأصناف التنكيل التي نالها أنصار بوحمارة الأسرى على يد المخزن، اهتمت يومية «لو فيغاور»، في الصفحة الأولى من عددها الصادر يوم 13 شتنبر 1909، بمآل رئيس فرقة الروگي الموسيقية النحاسية. ورد في المقال المقتضب: «يوجد من ضمن السجناء الروگيين التعساء الحظ الذين تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب في فاس، رئيس الجوق النحاسي للروگي، ذلك أن هذا الأخير كان يتوفر أيضا، على غرار كل عاهل يحترم نفسه، على فرقة موسيقية. «هذا الرئيس الموسيقي جندي سابق في صفوف المشاة الجزائريين، اسمه علال الطنابرجي، وكان قد استقطب إلى جانبه، للعمل تحت ظلال راية بوحمارة، بعض رفاق سلاحه المولعين بالموسيقى. «لم يكن جوقه الموسيقي مجرد «نوبة» تقتصر على استعمال المزامير والطبول ، بل مجموعة نحاسية بكل معنى الكلمة، تضاهي أجواق فرنسا غير الباريسية بفضل أبواقها الصوتية وآلات الأوفكليد والكلارينيت. وقد كانت تفتقد للانضباط وليس للجهورية. «ورغم هذا، استطاع علال الطنابرجي جعل موسيقييه يؤدون العديد من المقطوعات، كان أفضلها، وفق ذوق سيدهم الروگي، النشيدان الوطنيان الفرنسي والإسباني، وكذا الأغنية العسكرية الفرنسية «لو بير لا فيكتوار» (1). «في ساحة فاس الكبرى، وهو يتعرض لبتر اليدين من المعصم ولقطع اللسان بينما جوق السلطان النحاسي يطمس نواحه، ربما يكون علال قد استوعب أن الموسيقى ليست دائما بلسم الروح.» - - - - 1 : Le Père la victoire تباين مواقف الفقهاء والمؤرخين المغاربة المعاصرين لبوحمارة مثلما حدث للقبائل، اتسمت مواقف فقهاء مغرب بداية القرن العشرين حول حركة بوحمارة بالتناقض، وتوزعت بين معارض له ومساند. هذا ما يبينه محمد الصغير الخلوفي حين يكتب: «إن أول هذه المواقف موقف فقهاء مدينة فاس الرسمي وهي مقر السلطان الشرعي مولاي عبد العزيز، حيث نجد علماء المدينة يصدرون بيانا في موضوع حركة بوحمارة في منشور تعرض لشخصية الرجل»(1). منشور فقهاء وقضاة فاس هؤلاء، المجتمعين في جامع القرويين، اعتبر أن الذي كان يتقمص حينها شخصية مولاي امْحمد شخص غريب عن الأسرة الحاكمة، وأنه فتان خرج عن طاعة السلطان الشرعي. وبالمقابل، فإن فئة أخرى من فقهاء فاس وعلمائها ساندت الثائر، كما يتضح ذلك من خلال ما أورده محمد المختار السوسي في مؤلفه «إيليغ قديما وحديثا» حيث كتب: «اغتر به حتى كبار علماء القرويين، فقد كان السيد محمد بن العباس الجامعي في غرسة الشفشاوني بفاس بمناسبة حفلات شعبان، ومعهما تلميذهما العلامة الخير الصالح سيدي بن الحاج إدريس بن محمد الجامعي، وبوحمارة على أبواب فاس، فاستبشروا خيرا بقرب دخوله وأظهروا الفرح»(2). التباين ذاته سيطبع آراء المؤرخين كما ينجلي ذلك من خلال المقتطفين التاليين: - في مخطوطه «انتحار المغرب بيد ثواره»، يقول امحمد بن الحسن الحجوي: «بوحمارة، وإن كان باعتبار أصله ووسطه الذي ربي فيه من الطبقة السفلى، فإنه بعمله الذي استولى به على جزء كبير من المغرب كوّن فيه سلطنة ولى فيها وعزل وأمر ونهى وقدم وأخر وأغنى وأفقر، انتزعها من سلطان عريق في المجد، تربع على كرسي المغرب كله نحو عشر سنين، بيده خزائن الملك وله وزارة وأعوان وخدام وحشم، تعرفه الدول، وله الأسلحة والرجال والأعوان والخيول. لقد كوّن (بوحمارة) لنفسه شخصية بارزة من لا شيء، ولو أحسن إدارتها لكون دولة كاملة، فهو عندي من عجائب المقدور ومن فلتات الدهور، ملأ تواريخ ودونت عنه غرائب، بمثله قامت دول في المغرب»(3). - في الضفة الأخرى، نقرأ بقلم محمد غريط: «هو (بوحمارة) شيطان طلع نجمه فنجم بهتانه، وقوي جرمه لما ضعف إيمانه. ساحر شق عصا الإسلام، وباع الإنارة بالظلام، وصدع بخوارق هي على الإهانة أعلام، فأفعم المغرب خبالا وكيلا، وعم وباله عمرا وزيدا. كان مذبذب الأصل، متناقض الخاصة والفصل، تقلب في أصناف الخدم الوضيعة، وتضلع من ضروب الحيل الشنيعة، ثم صار يتراءى بشعار العابدين ويظهر خشوع الزاهدين، فلا يرى إلا في جامع أو زاوية، بطوية من الإخلاص خاوية، وأقوال في الطريق يلفقها وإشارات يقيدها ثم يطلقها، فربما نبس في خلالها بهواجس أفكار ومتلقفات أخبار لم يقع لها في الوقت اعتبار، تكهنا ونجامة، عد له بعد كرامة»(4). * * * - 1: محمد الصغير الخلوفي: «بوحمارة من الجهاد إلى التآمر: المغرب الشرقي والريف من 1900 إلى 1909 م»، دار نشر المعرفة، الرباط، 1993، ص: 49. -2: الخلوفي، نفسه، ص: 49. - 3: نفسه، ص: 5. - 4: محمد غريط الأندلسي الفاسي: «فواصل الجمان في أنباء وزراء وكتاب الزمان»، المطبعة الجديدة، فاس، الطبعة الأولى، 1927، ص: 110. هزيمة الروكي ومستقبل المخزن الحفيظي (روفي دي دو موند- فاتح شتنبر 1909) المجلة النصف شهرية «لا روفي دي دو موند» (56)، اهتمت في عددها الصادرفي فاتح شتنبر 1909 بتطورات أحوال المغرب عقب هزيمة بوحمارة وأسره، متسائلة عن الآفاق المستقبلية للبلاد وما ينتظر مولاي حفيظ. نُشر التحليل ضمن الركن الذي تخصصه المجلة لمتابعة القضايا السياسية والدولية، وورد فيه: «في المغرب، تحسنت وضعية السلطان في الأيام الأخيرة، وكنا سنصفق بسرور لا تشوبه شائبة لنجاحاته لولا أنه ألحق العار بانتصاره نظرا للفظاعة الوحشية التي عامل بها أسراه. «خلفت هذه البشاعات تأثيرا حقيقيا في أوربا ملؤه الاشمئزاز، ما دفع فرنسا وإنجلترا إلى إصدار الأوامر لممثليهما قصد تبليغ السلطان احتجاج العالم المتحضر؛ وهناك أحاديث عن مبادرة جماعية في هذا الإطار سيقدم عليها جميع ممثلي القوى العظمى في طنجة. لكن، ورغم الأمل في أن تتم الاستجابة لاحتجاجاتنا، فإن الأمر يبدو صعب المنال، لأنه لا شيء أقوى من عادات بلد ما، علما بأن عادات المغرب لا تزال همجية. «يعتقد مولاي حفيظ أنه، ربما، يكون من الضروري بث الهلع في أوساط أعدائه، لكننا نخشى، خوفا عليه، أن يُولد لديهم هذا السلوك أقصى درجات اليأس ويقنعهم بعدم انتظار أدنى شفقة أو تسامح من طرفه. «إن المغرب بلد متفرد لدرجة تدفعنا إلى التخلي عن إرادة فهمه جيدا. فتارة يُمنح فيه «الأمان»، أي الصفح، بسهولة لا تتصور وتكون أكبر الخصومات قابلة للحل، وتارة أخرى، بالمقابل، يتصرف المنتصر بدون رحمة فيهلك المنهزم تحت وطأة أفظع أصناف التعذيب. «هو ذا، بشكل لا يرقى إليه الشك، المصير الذي ينتظر الروگي، ذلك أنه أسر عقب هزيمته وتعرض عدد كبير من أنصاره للتصفية الجماعية أو الاعتقال. ولقد عذب الأسرى من صفوفهم بوسائل وحشية غاية في الإتقان كانت تبدو مستحيلة الإعمال في عصرنا. إن وصف هذا التعذيب الذي نقلته الصحف يخلق القشعريرة، وإذا كانت هذه الأخبار الصحفية صحيحة، وهو أمر جد مرجح نظرا لأن ممثلينا الدبلوماسيين أكدوه، فإنه من الصعب استيعاب سبب عدم تفضيل الروگي الموت حاملا سلاحه. أجل، كل الاحتمالات كانت أفضل بالنسبة له من السقوط أسيرا في قبضة عدوه. «كثيرا ما تحدثنا عن بوحمارة في هذه المجلة، عن مبادراته وعن انتصاراته. لقد كانت فاس، في العديد من المرات، على مرمى حجر من قواته إلى درجة تهديدها بجدية من طرفه؛ بالأمس فقط، كان على مشارف أسوارها وانتشرت معلومات مفادها أن مْحلة السلطان منيت بالهزيمة. «لكنه من الواجب التسلح بالحيطة والحذر قبل تصديق الأخبار الواردة من المغرب، لأن مجريات الأمور تنقلب هناك رأسا على عقب بوتيرة لا مثيل لسرعتها في أي مكان آخر من العالم؛ فالذي يكون يوما في أعلى الهرم يُمرغ في الوحل خلال اليوم التالي، والعكس صحيح ؛ ما يجعل مسار الأحداث قابلا، باستمرار وفي كل لحظة وحين، للانقلاب إلى ضده. غير أنه من اللازم على المرء الاستمرار على قيد الحياة للاستفادة من تقلب الأوضاع، وهو ما لن يحدث مع الروگي الذي تؤكد كل المؤشرات أنه سيقضي نحبه بعد أيام معدودة. «مني بوحمارة بهزيمة على يد مْحلة شريفة أخرى، ففر عبر قبائل يظهر أن الأخيرة من بينها خانته. لذا لجأ، وبعد تخلي الجميع عنه، إلى مكان ما، لكنه اضطر لمغادرته تحت تهديد التعرض للحرق. وبمجرد أسره وتكبيله، نُقل إلى فاس حيث كان ينتظره حنق السلطان الذي تجاسر عليه زاعما أنه أخوه. لقد ظل سيد الشمال الشرقي للمغرب طيلة سبع أو ثماني سنوات؛ حيث أنشأ إمبراطورية واقعة بين حدودنا الجزائرية والثغور الإسبانية، مراعيا جانب جيرانه، ومراعيا ربما جانب السلطان كذلك، لأنه كان يعرف أن تربعه على العرش بعد تنحية هذا الأخير والحلول محله لن يدوم طويلا: لقد كانت مصلحته تقتضي المكوث في المناطق المستقلة الخاضعة لسيطرته. «الأوضاع من هذا القبيل ليست نادرة في تاريخ المغرب، ذلك أن الفوضى السائدة في البلد تسمح، في كثير من الأحيان، بتعدد حالاتها وباستمرارها لفترة طويلة. وهنا يكمن مصدر الخطر بالنسبة لمستقبل مولاي حفيظ رغم تخلصه من عائق كبير، تخلص سيوفر له إمكانية التصرف بحرية أكبر لمدة قد تطول وقد تقصر، علما أن الروگي كان تجليا لوضع غير صحي لا يزال قائما، ما يفرض اجتثاثه من الأصل حتى لا يتخلق في رحمه فتانون جدد. « يتلخص السؤال إذن في مدى قدرة السلطان، بعد انتصاره، على التصرف بما يكفي من الاقتدار والقوة لإعادة استتباب الأمن وسيادة السلطة في إمبراطوريته. وفي حالة نجاحه، فإن الأمور ستؤول إلى الأفضل، أما في حالة الفشل، فإنه سيجد نفسه، وبسرعة، في مواجهة روگي جديدٍ، وربما العديد من قادة الانتفاضات. «لا أحد يتمنى النجاح للسلطان أكثر منا. فقد كان بإمكان الحكومة الفرنسية، في مناسبات بعينها، أن يستهويها دعم الروگي وأن توظف هذا الدعم لصالحها، وهو ما اقتُرح عليها أحيانا، لكنها لم تسلك أبدا هذه السياسة الملتبسة؛ كما أن التزامها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب جعلها تمتنع دائما عن تقديم المساندة لأعداء المخزن. ولو رغبنا في ذلك، لكان الروگي سيء الطالع لا يزال ذا سلطة، لكننا نعتقد أن مصلحتنا تكمن في أن يكون السلطان قويا. ها هو اليوم قوي أكثر من أي وقت مضى، ونتمنى صادقين أن يكون هذا في مصلحة المغرب.»