لا زال النقاش العمومي المفتوح حول إصلاح العدالة يعرف مجموعة اكراهات واكبتها احتجاجات القضاة على بعض مضامينه والذي أخذ منعطفا جديدا بعد الإعلان عن مسودة مشاريع قوانين السلطة القضائية. محطة 8 فبراير2014 كانت من أبرز فصول هذا الحراك و التي عرفت وقفة شارك فيها حوالي 1500 قاض ينتمون لنادي قضاة المغرب و بحضور مجموعة من فعاليات المجتمع المدني و مواكبة إعلامية وطنية و دولية.هي محطة إذن للمطالبة بإقرار نصوص تنظيمية ضامنة لاستقلال السلطة القضائية. انخراط الجميع في تبني صيغة تخدم المصلحة العامة جعلت البعض يستقل عجلة الانفراد بالمسؤولية و تضييق الخناق على فئة دون أخرى ما جعل الطرف الأخر في زاوية أخرى و بالتالي محاولة كشف ثغرات مضامين الإصلاح. في حوارنا مع الأستاذ طارق عكلي القاضي بالمحكمة الابتدائية بمراكش والعضو المكلف بالشؤون القانونية و القضائية بالمكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمراكش و الباحث المتخصص في الدراسات القانونية.. سنحاول تسليط الأضواء على خلفيات هده المواقف المتباينة لمجموع الأطراف و المتدخلين و ما هي إشكالية برمجة مضامين اعتبرت غير واقعية مع الوضعية الاعتبارية للقاضي داخل المجتمع، و كيف يشعر منخرطو نادي قضاة المغرب من بعض المضايقات و التي يقال عنها أنها تصفية حسابات لإسكات و قمع مسلسلهم النضالي، و ما مدى تقاطع مطالبهم مع مضامين دستور 2011؟ أستاذ عكلي، انخرط نادي قضاة المغرب في مسلسل نضالي توج مؤخرا بوقفة 8 فبراير، ما الهدف في ذلك؟ بداية، اسمحوا لي أن نشكر وننوه بمنبر جريدتكم المتميز و الذي كان و لايزال منارة صحفية جادة و منخرطة في مسايرة صوت الحق و الحرية الشاملة و في جميع القطاعات. جوابا على سؤالكم، أود أن أشير أولا إلى أن القضاء المغربي قد تم تغييبه طيلة العقود الماضية عن لعب دوره الطبيعي في مسار بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي المبني على قيم : العدل والمساواة وسيادة القانون ، وإيمانا من نادي قضاة المغرب بحق المغاربة في عدالة مستقلة ومواطنة واستحضار منه للإرادة الملكية الداعمة لاستقلال السلطة القضائية. عمد نادي قضاة المغرب على مناقشة مختلف الجوانب القانونية التي من شأنها تدعيم الاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية وفق آليات التسيير الديمقراطي. وبذلك قرر النادي خوض احتجاجات بتنظيم الوقفة الوطنية الثانية للقضاة بالبدلات أمام مقر وزارة العدل والحريات يوم 8 فبراير 2014، وذلك للمطالبة بإقرار نصوص تنظيمية ضامنة لاستقلال السلطة القضائية تتضمن أفق ديمقراطي يدعم البناء الحقوقي بالمغرب. لهدا الغرض، تقدم النادي إلى الرأي العام الوطني والدولي يوم الوقفة بورقة تأطيرية والتي حددت محاورها في ثلاثة عناصر ، المحور الأول خصص لأسباب الوقفة وهي المطالبة بإقرار نصوص تنظيمية ضامنة لاستقلال السلطة القضائية والقضاة ، أما المحور الثاني للوقفة فهو المطالبة بضمان مساواة القضاة في وضعيتهم الفردية، والمحور الثالث وهو المطالبة بالاستقلال المالي للسلطة القضائية باعتباره أحد المقومات الأساسية ، بالإضافة إلى ذلك هناك محور متفرع آخر هو المطالبة بضمان الحماية الدستورية والحماية القانونية للقضاة أثناء قيامهم بمهامهم القضائية ، تلك هي مقومات وقفة 8 فبراير2014. العديد اعتبر نجاح الوقفة محطة جديدة في مسيرة النادي، ما هي المكتسبات التي حققتموها من ذلك ؟ أولا يجب التنبيه بأن الوقفة في إطار نادي قضاة المغرب ليست هدفا في حد ذاتها ، وإنما هي إقرار طبيعي نابع من طريقة التعامل مع ملفه المطلبي ذي الروح الإصلاحية. بهذه الوقفة اكتشف المغاربة صوتا جديدا ينادي بالكرامة والاستقلال والنزاهة ويجسدها على أرض الواقع، و بانخراط القضاة في هذه الوقفة دون تردد عنوان على تحقيق النداء الملكي السامي والقائم على بناء سلطة قضائية مستقلة. إسماع صوت القاضي حق مكفول بحيث نعتبره صوتا حرا يرفض أن يقف وقفة المتفرج من الأحداث، ويصر أن يناضل في سبيل الحق، ويضحي من أجل مبدأ استقلال السلطة القضائية و هو مبدأ حضاري ولا بديل عنه وسنواصل نضالنا من أجله. يجب التذكير أن أعضاء نادي قضاة المغرب هم مناضلون من أجل حق دستوري مضمون من أعلى سلطة في البلاد ومنخرطون في أوراش تنمية المغرب الحديث ويناضلون من أجل استقلال القضاء ورفع المثل العليا و إظهار الحق حتى ولو كلفهم ذلك راحتهم الجسدية وتضحيتهم بكثير من الوقت والجهد. الكل يعلم حجم المضايقات التي تعرض لها بعض نادي قضاة المغرب قبيل وقفة 8 فبراير، ماهو تعليقكم على تصريحات وزير العدل بخصوص هده الوقفة ؟ إن تصريح وزير العدل والحريات على أن وقوف القضاة بالبذلات في الشارع العام ممنوع تبقى محاولة بائسة من السلطة التنفيذية لاغتيال الفصل 111 من الدستور وانتكاسة حقيقية لممارسة الحريات الأساسية للقضاة وفق ما تضمنته مختلف المواثيق والإعلانات الدولية. في ذات السياق نذكر أن قضاة فرنسا كانوا قد مارسوا هذا الحق في يوم الثلاثاء 9مارس 2010 ورفعوا شعار لا عدالة دون استقلال لا عدالة تحت الأوامر. أما واجب التحفظ الذي تكلم عنه وزير العدل فهو لا يعني مطلقا مصادرة حق القضاة في الاحتجاج ، فواجب التحفظ يعني التلازم بين حرية التعبير والأخلاقيات المهنية والدفاع عن استقلال القضاء وحقوق القضاة ولا تعتبر انتهاكا لواجب التحفظ وليس مسا بالوقار المهني. قطاع العدل هو ورش مفتوح و متداخل الأقطاب ما مكانة ناديكم في هذا المسلسل ؟ سؤال موضوعي ،الكل يعلم أن الحراك القضائي يندرج ضمن سياق التحولات والتغيرات التي شهدتها بلادنا في الآونة الأخيرة ، لاسيما بعد الخطاب الملكي السامي ل 9 مارس من سنة 2011 وإقرار دستور متقدم اعترف بحق القضاة في التغيير ، وتأسيس جمعيات مهنية هدفها الدفاع عن استقلاليتهم الذاتية والمؤسساتية ومحاولة لتنزيل ذلك اختارت الحكومة فتح حوار وطني من أجل إصلاح منظومة العدالة ، كانت أبرز سماته إقصاء نادي قضاة المغرب من العضوية باللجنة العليا للحوار ، مما قرر معه الانسحاب من أشغاله ، وخوض بعض الأشكال الاحتجاجية الرمزية دفاعا عن تكريس استقلال حقيقي وفعلي للسلطة القضائية ، وذلك من خلال التسريع بالتنزيل الديمقراطي والحقوقي للدستور في شقه المتعلق بها انسجاما مع رغبة صاحب الجلالة المعبر عنها في خطابه المؤرخ في 12 أكتوبر 2012. ورغبة منه في استحضار حسن النية ، دخل نادي قضاة المغرب في حوار مع قطاع وزارة العدل والحريات ابتداء من 5 نونبر 2012 إلى 25 ماي 2013 حسب قرار المجلس الوطني . ونظرا لعدم جدية الحوار وعدم استجابة وزارة العدل لمختلف عناصر الاتفاق المبدئي الذي تم الإعلان عنه على إثر صدور البلاغ المشترك . في هدا الصدد، اضطر النادي إلى وقف الحوار، وإمعانا في التدليل المذكور»حسن نية نادي قضاة المغرب» ، انتظر نادي قضاة المغرب الإعلان عن مسودتي مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالنظام الأساسي للقضاة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، والتي لاحظ الجميع على أن مجمل بنودها تعتريها تراجعات واضحة عن المكتسبات الدستورية ومسا خطيرا باستقلال السلطة القضائية. تزامنا مع طرح منظومة العدالة، لاحظ الجميع أنه تمت بعض الزيادات في أجور القضاة، ما موقفكم من هده الزيادات ؟ نادي قضاة المغرب واعون بالإكراهات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد لذلك وبمجرد الإعلان عن الزيادة علق النادي بعض الأشكال الاحتجاجية تعبيرا منه على جدية مطالبه المرتكزة على التنزيل الحقيقي للدستور. إن الزيادات الأخيرة لن تساعد السادة القضاة إلا على الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية و التي نعيشها كل يوم ، وعلى مواجهة تكاليف العيش ضمن ما يمكن أن نسميه الطبقة المتوسطة في ظل الغلاء اليومي والمتزايد لجميع مستلزمات الحياة. إن الزيادة لا ترقى ما نتوخاه لأن الالتزامات الملقاة على القضاة متعددة : فالقضاة يمنع عليهم الجلوس في الأماكن المشبوهة ، ويمنع عليهم المشي في الطرقات العمومية المكتظة بالناس ، ويمنع عليهم التنقل دون اعتماد وسائل نقل محترمة ، كما يمنع عليهم السكن في أحياء شعبية. في مقابل دلك نجد حقوقا ضعيفة لا تسعف القاضي للقيام بالمطلوب منه. إذن فالالتفاف على ملف الزيادات نعلمه جيدا ونطالب بجدية أكثر في التعامل معه. من هنا وجب القول أن القضاة مجملهم واعون بحساسية مهنتهم لذلك يطالبون بمناصفة الحقوق و الواجبات في ظل اكراهات المسؤولية و ظروف العمل و الضغط اليومي. ادن مطالبهم مشروعة أساسها الكرامة و توفير مستوى يليق بالمهمة المجتمعية لأن القاضي إنسان مواطن ويتوق للعيش في مستوى تطلعات هذا الوطن الحبيب. الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء عرفت نقاشا عميقا، ما تعليقكم على نتائجها؟ نسجل أن المجلس الأعلى للقضاء حاول تطوير طريقة عمله ، ولا أدل على ذلك من إعلان المعايير المعتمدة من قبله ونشر نتائج أشغال الدورة الأخيرة على غرار سابقاتها بشكل علني. غير أن هذه النتائج تطرح بعض الملاحظات التي يجب أخذها بعين الاعتبار : الملاحظة الأولى :إن المجلس الأعلى للقضاء وإن حرص على تعيين القضاة الأوائل وفق ترتيبهم بحسب رغبتهم المعبر عنها وطبقا لمعيار الاستحقاق ، فإن هذا المعيار تم تجاهله على مستوى حالات أخرى. الملاحظة الثانية :إن التكليف في درجة أعلى للعمل بمحاكم نائية في إطار تحفيزهم وتشجيعهم من شأنه أن يؤدي إلى المس بحصانة القضاة من الانتقال دون إرادتهم ودون تقديمهم لأي طلب ، إذ كان على المجلس أن يعمد على استشارة القضاة الذين تم تكليفهم بمهام أعلى من درجتهم. الملاحظة الثالثة :بالرغم من مطالب الجمعيات المهنية بخصوص إيقاف البت في المتابعات التأديبية إلى حين تشكيل المجلس الأعلى للسلطة القضائية وصدور القوانين التنظيمية الجديدة واصل المجلس الأعلى للقضاء البت في المتابعات التأديبية المنسوبة لعدد من القضاة. المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمراكش يعرف حركية متجددة و تسيير تشاركي معقلن. كيف تقيمون تجربة مكتب مراكش و مواقفه في المحطات الحساسة لمسيرة النادي عموما ؟ بمجرد تأسيس المكتب الجهوي بمراكش انخرط الأخير في تحقيق أهداف النادي كما هي متضمنة في نظامه الأساسي وعمل على الاشتغال وفق برنامج عملي ،محدد الأهداف، مضبوط و منهجي وذلك في إطار لجان متخصصة وما إنجازات المكتب الجهوي بمراكش إلا دليل على ما قلتم. نذكركم أننا قمنا بتوسيع قاعدة المنخرطين والمتعاطفين بالدائرة الاستثنائية بمراكش حيث أن النادي كان حاضرا بقوة في هذه الدائرة مما أسهم في حل العديد من المشاكل اليومية للمنخرطين في إطار تضامني و أخلاقي صرف و هي نقطة القوة في هدا المكتب. كما يشارك قضاة الدائرة بقوة في إنجاح جميع الأشكال الاحتجاجية التي خاضها نادي قضاة المغرب بكل ربوع المملكة. نضيف أيضا، وفي إطار إستراتيجيته المنفتحة على محيطه و على جميع القطاعات عمل المكتب الجهوي على إبرام عدة شراكات مع العديد من المؤسسات في مختلف اهتمامات منخرطي المكتب لفائدة القضاة ودويهم بأسعار تفضيلية ، كما أن هناك اتفاقيات أخرى مبرمجة للتوقيع أو في طور الدراسة تشمل الجانب الاجتماعي للسادة القضاة و عائلاتهم. كما يمكن أن نضيف إلى أن تنظيم أيام دراسية ومشاركة أعضاء المكتب الجهوي في العديد من الندوات العلمية، بشراكة مع هيئات و منظمات وجامعات محلية وطنية أو دولية إضافة إلى مراكز الأبحاث، ساعد في نقل تجارب و تحديث مفاهيم إضافة إلى أن هده المساهمات عرفت نجاحا متميزا. والتي عرفت نجاحا متميزا بالنظر إلى توصياتها والتي طالبت بإقرار نصوص تنظيمية تكرس استقلال السلطة القضائية. هكذا عمد المكتب إلى دعم البرامج المسطرة هدفا للانفتاح أكثر على مجموع المتدخلين في قطاع العدالة قصد تفعيل المنهجية التشاركية. مجالات متعددة من شأنها الدفع بتفعيل سياسة التشارك والتي عملنا على تكريسها مند تأسيس مكتب مراكش. ختاما، كلمة أخيرة ؟ أود أن أشكر جريدة « الاتحاد الاشتراكي» على دعمها القوي لملف نادي قضاة المغرب و باقي الهيئات القضائية، كما وجب أن نشكر من خلالكم كل الفعاليات و المنظمات التي تبدي تعاطفا مع مطالبنا المشروعة. و لهدا الغرض وجب التنويه بمختلف المتعقلين و الدين عملوا على تفادي المضايقات و الممارسات المشينة و التي حاول البعض من خلالها التشويش على عمل نادي قضاة المغرب أو الزج به في حسابات ضيقة. كما نذكر مرة أخرى أن نادي قضاة المغرب متشبث بملفه المطلبي العادل و المكرس للمبادئ المتعارف عليها دوليا وبعيدا عن المزايدات ، و بالتالي وجب القول أن ملف المطالب لنادي قضاة المغرب يرتكز على مطالب واقعية شعارها : الاستقلالية و التضامن و الكرامة. وأختم حديثي هذا بأن العدالة بهذا الوطن الحبيب يرتبط ارتباطا وثيقا بضمان استقلالية السلطة القضائية مع الحرص على ضمان الكرامة للسادة القضاة ، وهو الشيء الذي لن يتم إلا باتحادهم و توفيرهم لجو علائقي أخوي مبني على الحلم و التسامح و الحوار بينهم لتحقيق أمثل لاستقلال السلطة القضائية. في نفس السياق، تحضرني بعض مواقف سادات العرب في الجاهلية : قيس بن عاصم المنقري لأختم بها : كان المنقري يوما في مجلسه يحدث قومه، فجيء إليه بابن له قتيل و ابن أخ له مكتوف اليدين، و قيل له: « ابن أخيك هذا قتل ابنك هدا» لم يقطع حديثه، ولم يغير جلسته، حتى إذا فرغ من الحديث ، التفت إلى القتيل فقال له:» بابني نقصت عددك و أوهبت ركنك، وفتتت في عضدك، و أشمتت عدوك و أسأت بقومك.» ثم التفت إلى القوم فقال :» بابني فلان فجاءه،فقال قم إلى ابن عمك فأطلقه و إلى أخيك فادفنه، و إلى أم القتيل فأعطيها مائة ناقة، فإنها غريبة، لعلها تسلو عنه.»