ليلة الجمعة 5 أكتوبر 2010 كانت تنسيقات كبيرة جارية بين رجال ونساء القضاء في كل أنحاء المملكة المغربية من أجل الاتفاق على الترتيبات اللوجيستيكية المتعلق بالنقل للالتحاق بالعاصمة الرباط، ليكونوا في الموعد المحدد للوقفة الاحتجاجية التي دعا إليها نادي قضاة المغرب يوم السبت 6 أكتوبر أمام محكمة النقض بالرباط، للمطالبة بالكرامة والاستقلال الحقيقي والفعلي للسلطة القضائية والتزيل الديمقراطي والسليم للدستور، وتنفيد مضامين الخطاب الملكي السامي ل 20 غشت. العاشرة صباحا ليوم السبت 6 أكتوبر 2012، وسط اهتمام كبير للصحافة الوطنية والدولية، بدأت الحشود المؤلفة للجسم القضائي بالمغرب، تلتحق بسيارتها أمام مقر أعلى هرم في المؤسسة القضائية، محكمة النقض بحي الرياضبالرباط. لقد تحملت هذه النخب التي تدري أكثر من غيرها قيمة القانون والتشريعات في بناء المجتمعات وتنميتها وتطورها، عناء ومشاق السفر في الليل، ومن مناطق بعيدة جدا تعد بمئات الكيلومترات، كورزازات، زاكورة، الراشيدية، العيون، الداخلة، طانطان، مراكش، تطوانالحسيمة، تازة، بني ملال، مكناس، أسفي وجدة، أكادير، والجديدة... من أجل أن تكون حاضرة في هذا الموعد التاريخي الذي أجمع الكثير من الكتاب الجهويين لنادي قضاة المغرب في كلماتهم في هذه الوقفة على أنه يوم تاريخي مشهود في تاريخ القضاء بالمغرب، وإشارة قوية إلى أن وعي مكونات الجسم القضائي بالمغرب يعرف تحولات كبيرة، ترقى لمستوى دقة المرحلة التاريخية التي تعرفها البلاد والمتسمة بتنزيل الدستور تنزيلا ديمقراطيا ضمانا لحقوق الأفراد والجماعات. لقد حمل القضاة الذين فاق عددهم في هذه الوقفة الاحتجاجية 2210 قاضيا حسب لوائح الحضور، عدة لا فتات ولوحات تتضمن شعارات ومطالب لنادي قضاة المغرب كجمعية مهنية مستقلة تدافع عن استقلالية القضاء وعدالة فعالة وناجعة للمواطنين المغاربة، طالب هؤلاء القضاة الذين حلوا للرباط بمختلف دراجاتهم وانتمائهم لكل محاكم المملكة الابتدائية والاستئنافية والإدارة المركزية مسنودين بالمكاتب الجهوية والمحلية لنادي قضاة المغرب، طالبوا ب «باستقلالية السلطة القضائية الآن» و «بعدم المس باستقلالية قضاة محكمة النقض»، ورفعوا كذلك شعار «لا للرشوة»، «محاكم بدون رشوة» و«لا للريع القضائي»، ثم دعوا المجلس الأعلى للقضاة في تدبير وضعياتهم ضمان مساواة القضاة في تدبير وضعياتهم الفردية، فضلا عن أنهم طالبوا بتحسين الوضعية المادية للقضاة تنفيذا للخطاب الملكي السامي والذي اعتبروه في شعاراتهم أنه مطلب غير قابل للتأجيل، بالإضافة إلى المطالبة العاجلة بتحسين الوضعية الاجتماعية للقضاة تنفيذا للخطاب الملكي التاريخي ل 20 غشت 2009 . وصرح ياسين مخلي رئيس نادي قضاة المغرب لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» بمناسبة هذه الوقفة الاحتجاجية، على أن النادي يرفض مصادرة حقه في الدفاع الحقوق الفردية والجماعية للمواطنين، والدفاع عن استقلالية السلطة القضائية، وإقرار عدالة فاعلة وناجعة لكل المواطنين المغاربة، وذلك انسجاما مع التنزيل الديمقراطي للدستور لكي لا يبقى حبرا على ورق، واليوم فلا مجال للتأخير في الاستجابة لهذا المطلب الأساسي، وأضاف ياسين مستنكرا «أنه لا يعقل في عهد الدستور الجديد أن يطالب النادي من رئيس الحكومة الحوار منذ ماي الماضي ولم يتلق أي جواب عن ذلك، كما أن اللقاءات التي تمت مع وزير العدل والحريات لم تتمكن من ملامسة ملف القضاة بالمغرب. وقال عبد اللطيف الشنتوف، الكاتب العام لنادي قضاة المغرب، في حديث مع «الاتحاد الاشتراكي»: «هذه الوقفة ناجحة بكل المعايير، وهي وقفة استجاب فيها القضاة للأجهزة الوطنية لنادي قضاة المغرب، بعدما تبين لهذه الأجهزة أن الحكومة الحالية لم تستجب لمطالب النادي من أجل تدارس الإمكانيات الممكنة أو المتاحة لتلبية مطالب القضاة، هذه الوقفة تأتي في السياق، والقضاة عازمون على الدفاع عن مطالبهم»، وأضاف المتحدث نفسه، «أن الوقفة تأتي في سياق الحراك الذي يشهده المشهد الحقوقي والسياسي في المغربي بخصوص تهيئ القوانين التنظيمية، ونحن في نادي قضاة المغرب لدينا تخوف من هذه القوانين، خاصة أنه تم إقصاؤنا من اللجنة العليا للحوار الوطني لإصلاح قطاع العدالة». وأوضح الشنتوف أنهم «يؤسسون لسلطة قضائية مستقلة كما نص عليها الدستور، ونحن متشبثون بالخطب الملكية، نحن ليس لدينا مصلحة في توتر علاقتنا مع أي سلطة أخرى، نحن فقط لدينا مطالب تتعلق باستقلال السلطة القضائية، وإذا تحققت لن يكون لدينا مشكل مع أي جهة كانت». ففي هذه الوقفة الاحتجاجية لقضاة المغرب، والتي كانت باللباس الرسمي للقضاة، كان للمرأة القاضية حضورا وازنا من حيث الكم والكيف، حيث أكدت إحدى القاضيات للجريدة أن المرأة القاضية اليوم تقف من أجل التأكيد على المطالبة بضمان استقلال السلطة القضائية، استقلالية حقيقية وليس صورية. ويتأتى ذلك بتنزيل الدستور الديمقراطي للباب السابع من الدستور الجديد لا سيما في شقه المتعلق بالقوانين التنظيمية المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة. ومن جانبه أكد أيت بن قدور عضو المكتب التنفيذي والمكلف بالتواصل والإعلام للجريدة في هذه الوقفة الاحتجاجية لقضاة المملكة، التي ساندها عدد من الجمعيات الحقوقية المغربية، وهيئة المحامين، وهيئات حماية المال العام بالمغرب وعدة فعاليات، في رد على سؤال للجريدة، حول«الممارسة الدعائية ذات الطبيعة السياسوية من طرف وزارة العدل والحريات لبعض قرارات النيابة العامة»، التي جاءت في إحدى الفقرات لوثيقة المطالبة بالكرامة والاستقلال الحقيقي والفعلي للسلطة القضائية، أكد أيت قدور «أن ما يهمنا هنا بعيدا عن كل خلفية هو أن تكون الممارسة قانونية ومشروعة وصحيحة، لكن واقع الحال لوزير العدل والحريات بعيدة كل البعد عن هذا المستوى، لذلك نحمله المسؤولية الكاملة ولرئاسة الحكومة، على اعتبار أنه لا يعقل أن نتقدم كنادي لقضاة المغرب لمقابلة رئيس الحكومة لمرتين وليس هناك أي تجاوب يذكر، وهل يعقل أن يقصي وزير العدل والحريات نادي قضاة المغرب من حوار وطني للإصلاح، ثم يأتي بعد ذلك من أجل التشكيك في تمثيليته وعدد منخرطيه، مضيفا في السياق ذاته«اليوم نتمنى أن تكون الرسالة واضحة، وأنه لم يعد بإمكان القضاة أن يقبلوا بمثل هذه الممارسات». فبعد أن أدلى الكتاب الجهويون بكلمات مساندة ومدعمة لهذه الوقفة الاحتجاجية، قرأ ياسين مخلي وثيقة المطالبة بالكرامة والاستقلال الحقيقي والفعلي للسلطة القضائية على مسامع الحضور، وجاء فيها أن تنظيم هذه الوقفة الاحتجاجية أمام محكمة النقض كشكل من الأشكال الحضارية للدفاع عن أهدافه المشروعة والتي تنبني على مجمل القيم والمبادئ المعترف بها لممثلي السلطة القضائية وحماة العدالة على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك بمقتضى جملة من المعاهدات والاتفاقيات التي صادقت عليها مملكتنا الشريفة. ونطالب في إطار«نادي قضاة المغرب»، وبصفة آنية، بضرورة ضمان استقلال حقيقي وفعلي للسلطة القضائية وليس صوريا، ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بالتنزيل الحقوقي والديمقراطي للباب السابع من الدستور الجديد، لاسيما في شقه المتعلق بالقوانين التنظيمة المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائة، والنظام الأساسي للقضاة، تطبيقا لتوجيهات صاحب الجلالة المضمنة بخطاب العرش ليوم 30 يوليوز 2011 . وذلك بالنظر إلى المؤشرات غير المطمئنة الصادرة عن السلطة التنفيذية، وهي عديدة، إذ كان أخطرها تصريحات السيد وزير العدل بخصوص إخراج مؤسسته من تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فضلا عن الاستعمالات الدعائية ذات الطبيعة السياسوية من طرف وزارته لبعض قرارات النيابة العامة. وفي نهاية قراءته مضامين الوثيقة حمل «نادي قضاة المغرب» مسؤولية احتجاجاته الاضطرارية وما ستؤول إليه في قابل الأيام للحكومة دون غيرها ؛ وذلك اعتبارا لاستهتارها بكل أشكاله الرمزية التي لم يبتغ منها إلا دق ناقوس الخطر، وأن النادي يجعل من حقوق المواطنين وحرياتهم أولى أولوياتنا، حيث ستؤول، لا محالة، للعبث والتلاعب والضياع كلما كان القضاء ذليلا غير كريم، وتابعا غير مستقل، وأكد سعيا منه لتكريس استقلال القاضي في شقه الذاتي، سيعمل في القريب العاجل على تفعيل مشروعنا المتعلق بالتخليق الذي صادق عليه المكتب التنفيذي يوم 08 - 09 -2012، والموسوم ب: «البرنامج الوطني لتخليق منظومة العدالة»، تحت شعار: «محاكم بدون رشوة».