فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب وإعادة صياغة المحيط الجيوسياسي

في بحث ضمه كتاب «المغرب الاستراتيجي»، تحدث المهدي التاج، الخبير بمعهد البحث الاستراتيجي بالمدرسة العسكرية بباريس، عن الرهانات الاستراتيجية التي يخوضها المغرب بسبب التحولات التي تفرضها الثورات العربية. ذلك أن محاولات الدمقرطة الجارية في العالم العربي، تفرض المشكل العام حول تناسق النظام الإقليمي، وخاصة على المستوى المغاربي. وأكد التاج أن الفضاء المغاربي يمر بأزمة سياسية قوية تقود نحو فاتورة جديدة بين بلدان تعيش فترة الانتقال الدمقراطي (تونس و المغرب) وبلدان تعيش أزمة نظام وبلدان محافظة. فمجتمعات إفريقيا الشمالية قد دخلت في مرحلة إعادة النظر في التوازن المختل بين الأقطاب الثلاثة التي تنظمه حتى اليوم، السياسي والاجتماعي و الديني.. كما أن الخط المهيمن في المغرب العربي هو أنه و إن كان ليس في حالة حرب فإنه ليس في حالة سلام. فعلى خلفية التنافس الاستراتيجي بين الجزائر والمغرب، فإن النزاعات بين دول المجموعة وداخل هذه الدول نفسها و كذا تأثير التطرف الإسلامي، كلها تقود نحو عسكرة متصاعدة.. في حين أن هيكلة النظام الاقليمي وعدم الاستقرار المزمن في منطقة الساحل تملي رسم ملامح الحلول السياسة الشاملة ومنها النزاع في الصحراء..
يندرج المغرب، الواثق من هويته، القوي باستمراريته و بعمقه التاريخي، في منطق تملك أدوات الحداثة و التنافسية و ذلك من خلال بناء نموذج فريد وجذاب. يتمثل هذا النموذج في مشاريع مهيكلة، بنيات تحتية حديثة، إصلاحات سياسية و اقتصادية واجتماعية ، تنمية صناعية و مخطط تنمية الطاقات المتجددة، وهي كلها توجهات تشكل الاستثناء المغربي، الذي يتقاطع مع جوار تهزه الثورات والهشاشة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تواجه المملكة الشريفية حقا، عدة تحديات و تهديدات يمكن أن تعرقل انطلاقتها، خاصة منها الصعوبات الاجتماعية ، التفاوتات الجهوية ، التبعية الطاقية ، البطالة ، الفقر ، الفساد ، الصحة ، التعليم ، إدارة مناطق الجنوب المرتبطة ارتباطا وثيقا بالإشكالية الشائكة للصحراء الغربية، الإسلام المتطرف، عدم الاستقرار المديد بسبب العداء الجزائري المكلف كثيرا في المجهود الدفاعي، ومكافحة الإرهاب و الجريمة المنظمة و الهجرة السرية....
إلا أن المغرب، عرف كيف يستبق و يدبر التطورات التي تعيد هيكلة محيطه. فالمملكة العلوية، وعيا منها بالروافع الجديدة للتاريخ، قد انخرطت في سياسة انفتاح و توازن، بشكل جعلها تحافظ على استقرار و استمرارية الدولة مع تحصينها ضد آثار الثورات التي هزت بلدانا مثل تونس و ليبيا. و هي بذلك تطمح إلى أن تصبح واجهة بين المشرق و المغرب، و بإمكان موقعها الاستراتيجي أن يشكل نقطة قوتها الكبرى.
المغرب و صدمة الثورات العربية
بالرغم من الإصلاحات و الانفتاح الذي بدأ منذ 2000 من طرف محمد السادس، إلا أن المغرب واجه عدة تحولات بسبب الثورات العربية. فالعالم العربي في خضم تحولات عميقة، يكتب صفحة جديدة من تاريخه و المغرب جزء من هذا العالم. فالمغرب ظل في الطليعة نموذجا لعدة مجتمعات عربية تسعى إلى مرجعيات جديدة.
كما أن النهضة العربية، أخيرا تتطلب بناء قوة استراتيجية قادرة على فرض احترام الحقوق السياسية و الترابية للأمة، و المساهمة في التوازنات الاستراتيجية في العالم و خاصة في الحقل المتوسطي. و بسبب فرادته فإن المغرب قادر على أن يكون المحور الذي تدور حوله انطلاقة جديدة للحضارة العربية الإسلامية.
فالدمقرطة الجارية في العالم العربي، تفرض المشكل العام حول تناسق النظام الإقليمي. فالملكيات و الجمهوريات البترولية، تسارع في رفع مستويات دفاعاتها الداخلية. و هذا هو الرد على المدى القصير. لكن الإصلاح الدمقراطي يمكن أن يتجسد تدريجيا من خلال انتقال مدروس و مُتحكم فيه، من خلال إصلاح القوانين. و هذا هو الطريق الذي اختاره المغرب. فالانفتاح السياسي الذي أعلنه محمد السادس في تاسع مارس 2011 يشهد على استراتيجية ليبرالية بدأت منذ الألفية الثانية، مع بداية عهده. فأمام مظاهرات 20 فبراير و التقلبات التي هزت الساحة الإقليمية، جاء الاستفتاء حول الدستور في يوليوز 2011، ثم الانتخابات التشريعية ل25 نوفمبر 2011 التي فاز فيها حزب العدالة و التنمية الإسلامي وتوسيع صلاحيات رئيس الحكومة، لكي تشكل منعطفا حاسما في التطور نحو ملكية دستورية. فحين يتمتع القادة السياسيون بثقافة سياسية عالية، فإن الانتقال الدمقراطي يتقدم بهدوء. وإلا ، فإنه سيُفرض بالعنف من خلال تصاعد العنصر الشعبي وامتلاك الشباب لأدوات التعبئة العصرية.
ويمكن لقيادة هذه التحولات الناتجة عن صدمة الثورات العربية أن تكون حاسمة نسبيا في مستقبل المملكة على الرقعة الإقليمية والدولية. و بالفعل فإن هذه التحولات تهم المغرب على صعيد الجيوسياسة الداخلية كما تؤثر بشكل دال على توجهاته الاستراتيجية.
تفاقم الاختلالات في المغرب العربي، انفجار بؤرة عدم استقرار في الساحل يهدد استقرار و أمن المغرب العربي على المدى الطويل، سباق نحو التسلح تقوده الجزائر منذ 2006 ، تجميد مشروع المغرب العربي مما يفاقم التبعية الاقتصادية و الاستراتيجية لبلدانه و إعادة ترتيب المواقع على الساحة الشرق أوسطية على خلفية التوترات المتصاعدة، كلها أمور تشكل تحديات للمملكة الشريفية.
من المؤكد أن المغرب قد استفاد من التحولات التي حدثت بالمنطقة بالنسبة لقضية الصحراء الغربية: فضعف الجزائر وحرب مالي و تهديدات البلقنة بالمنطقة، شكلت وعيا عاما بالخطر الذي قد تحدثه الدول المصطنعة، الضعيفة بالضرورة، في الفضاء الصحراوي. كما أن المجتمع الدولي وعى مخاطر تفتت المنطقة الصحراوية. لهذا فمن المتصور أن تقدم القوى الغربية للمغرب دعما قويا لمواجهة التهديدات التي تظهر على المسرح الساحلي. وفي هذا الاتجاه، تظهر الرباط كقطب منظم من المستحسن دعمه ومساندته.
ملكيات الخليج بدورها استوعبت درس الثورات العربية، التي تمكنت بالقوة الشعبية وحدها من قلب دولتين عريقتين مثل مصر وتونس و أحدثت ثورات جذرية في اليمن و ليبيا و سوريا، فيما كان الحذر شديدا في الملكيتين العلوية و الهاشمية - المغرب و الأردن -. لذلك فإن قمة الرياض في 10 ماي 2011 قد اتخذت تدابير راديكالية من بينها ضرورة وقف الموجة التي تحيط بالأنظمة العربية و ضرورة تماسك الملكيات العربية من أجل ضمان وحدتها و استقرارها، و لذلك تمت دعوة الأردن و مصر للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي. و بسبب امحاء الطويل لاتحاد المغرب العربي، فإن دعوة مجلس التعاون هاته كان من شأنها إعادة تجديد الجغرافيا السياسية للمنطقة و التأكيد على مركزية سياسية تبعد التهديد الثوري. و بهذه الدعوة، بدا المغرب كمرجع يقتدى به. هذا التقارب مع مجلس التعاون الخليجي، دون الانضمام إليه، هو أيضا شكل جاذبا لفوائد اقتصادية ثمينة.
و مع ذلك، فإن هذه النجاحات لا ينبغي أن تغطي تصاعد المخاطر : توتر الجزائر، ازدياد عمليات التهريب بكافة أشكاله، تشرذم النظام المغاربي، مخاطر إرهابية، تصاعد التطرف الإسلامي...إلخ.
هذا السياق، الجامع للتوترات و التهديدات و الفرص، يقودنا إلى التساؤل حول الخيارات الاستراتيجية أمام المملكة الشريفية على الصعيدين الإقليمي و الدولي.
المغرب واجهة بين الشرق و الغرب
"إن دين الأمة حُيال ماضيها لا يتم تسديده إلا ببناء المستقبل" كما يقول جون فيديل.و في هذا المعنى فإن المغرب، ذو الواجهتين مع الشرق و الغرب ، الذي يخوض خضم الثورات العربية والصدامات المهيكلة للعلاقات بين القوى العالمية، يطمح إلى إعطاء نفسه قدرا جديدا و إلى تقوية مواقعه على الساحة الدولية.
المغرب في فضائه المغاربي
تقدم "شبه جزيرة المغرب" كما سماها الجغرافيون القدامى، شخصية استراتيجية فريدة. فالهوية المغاربية قد تشكلت من خلال تاريخ من الإسهامات المتعددة. و جمود مشروع المغرب العربي، بسبب طموحات جيوسياسية غير متوافقة و نزاعات شائكة، قد فتح الطريق أمام فاعلين آخرين للعب فوق المسرح المغاربي: تواجد قوي للولايات المتحدة بمشاريع تعوق النفوذ التقليدي للبلدان الأوربية، توغل جيوسياسي للصين مع هدف التموقع كفاعل مهم في البحر المتوسط، و عودة قوية لروسيا. لهذا فإن إعادة خريطة التأثيرات و الطموحات داخل المغرب العربي باتت واجبة التنفيذ.
فبعدم تحركها داخل منطقتها يتم الاعتقاد بأن الدول المعنية تبدو كتابعة لمركز يقع خارجها بل باتت هذه الدول تنتظر الاستراتيجية المنظمة من أوربا و الولايات المتحددة أو من إفريقيا أو العالم العربي أو من أي كيان آخر منظم. و الخطر المحدق، في هذا السياق، هو تشتت المغرب العربي في جوهره الجيوسياسي، أي تراجع الكيان السياسي و التاريخي إلى كيان جغرافي تابع لمبادرات القوى الخارجية. فالمركزية المغاربية اليوم مهددة.
هذه الدينامية تضاعفت نتيجة الثورات التي هزت الساحة المغاربية و خلخلت المرجعيات التقليدية: فهذه الهزة سيكون لها ما بعدها و ستغير الهوية و الشخصية الاستراتيجية للمغرب العربي. لذلك فإن هذا الفضاء الذي يمر بأزمة سياسية قوية تقود نحو فاتورة جديدة بين بلدان تعيش فترة الانتقال الدمقراطي (تونس و المغرب) و بلدان تعيش أزمة نظام و بلدان محافظة. فمجتمعات إفريقيا الشمالية - كما يقول "جون ديفورك" - قد "دخلت في مرحلة إعادة النظر في التوازن المختل بين الأقطاب الثلاثة التي تنظمه حتى اليوم، السياسي و الاجتماعي والديني".
ومن جهة أخرى، فإن الخط المهيمن في المغرب العربي هو أنه و إن كان ليس في حالة حرب فإنه ليس في حالة سلام. فعلى خلفية التنافس الاستراتيجي بين الجزائر و المغرب، فإن النزاعات بين دول المجموعة و داخل هذه الدول نفسها و كذا تأثير التطرف الإسلامي، كلها تقود نحو عسكرة متصاعدة
حالة استنفار دائم في مواجهة الإرهاب
إن استمرار نزاع الصحراء، وبقايا الحرب الأهلية الجزائرية والمطالب الإثنية. تخلق مناخ عدم الاستقرار دون أن تحدد إلى اليوم لا حلا تفاوضيا بين الأطراف ولا صيغة توافقية متفق عليها في إطار مغاربي أو عربي. وهذا الفضاء الذي تتفاعل فيه هذه القوى المتناقضة، لم يتمكن من إيجاد نقطة توازنه.
ذلك أن تصورات الدول المغاربية مشتتة وتتميز بتوترات داخلية ومشاكل مرتبطة بالاستقرار والحداثة والجوار: فهي لا تنظر لنفسها كمجموعة إقليمية مستقرة وتبقى رهينة خلافات وصراعات مؤجلة كامنة أو محتملة لم يتم تجاوزها بعد. وهناك عمى حقيقي يميز سياسات هذه الدولة أمام التهديدات الاستراتيجية الشاملة، فهي سجينة تصورات الماضي وبالتالي لم تتمكن من الارتقاء الى تصور مشترك وشامل للرهانات الأمنية. فكل بلد يلعب لعبته الخاصة وفقا لمصالحه الاستراتيجية. فالمسارات الاستراتيجية لا تتكامل فيما بينها، تتقاطع بل ينسف بعضها البعض.
وهكذا يواجه المغرب على المدى المتوسط نظاما اقليميا متنافرا ومجزءا يتميز بفوارق نسبية بالمقارنة مع مراحل المسلسل الديمقراطي من شأنها حسب تطور الأوضاع أن تؤدي إلى إعادة تشكيل الخريطة الإقليمية.
فتونس التي تعيش مرحلة انتقال ديمقراطي، تتأرجح بين تقدم ديمقراطي وعلماني وتراجع ظلامي ومتصلب وآفاق المستقبل تبقى غير مضمونة مدام الصراع لايزال حادا بين هذين الأفقين.
-و ليبيا التي تعتمل داخلها قوى داخلية، تسير في اتجاه مسلسل إعادة بناء الدولة مع كل ما يحمله هذا المسار من غموض بالنسبة لمستقبلها ككيان له سيادة. وفي هذه المرحلة تسود وضعية على النموذج العراقي يتصارع فيها العديد من الفاعلين: نخبة حاملة لتصور ومشروع دولة مركزية إسلامية متجهة نحو الحداثة وانفصاليين وإسلاميين وجماعات ريعية وإجرامية تدافع عن مصالحها حسب قاعدة قبلية وجهوية. وإشكالية تقسيم البلاد مطروحة بحدة خاصة وأن ثنائية الساحل/ليبيا تعطي صدى للقوى الداخلية المشتغلة في الدولة الليبية.
- الجزائر تحافظ فيما يبدو على الوضع القائم الديمقراطي المزعوم. فالنظام بالموازاة مع إدخال إصلاحات سياسية واجتماعية متأخرة، سارع الى رفع مستوى دفاعه الداخلي بهدف حمايته من اثار العدوى التي قد تزعزع النظام. فالنظام المعارض للتغيير يواجه اضطرابات اجتماعية في جنوب البلاد، يكثف من الخطابات الوطنية والسيادية لتبرير جموده واستمرار تصلبه. فالجمود الجزائري يثير الدهشة ويؤثر على دينامية الاندماج الإقليمي.
- وفي موريتانيا المسار الديمقراطي الذي انطلق يوم 3 غشت 2005، انكسر بالانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز يوم 6 غشت 2008. وبالتالي نلاحظ عودة إلى الوراء تضع النظام الموريتاني في خانة الأنظمة شبه المدنية, التي كانت سائدة في تونس أو مصر على خلفية نموذج مجتمعي قبلي وصراعات بين العرب والسكان من أصول زنجية افريقية. وتنامي المظاهرات المطالبة بريحل الرئيس الموريتاني منذ شهر يناير 2012 تبرز ضرورة دمقرطة البلاد ومكافحة الفساد. وفي النهاية تبقى موريتانيا منخرطة في مسلسل بحث غير مستقر عن توازنها الديمقراطي.
والمغرب يعطي صورة الاستثناء من خلال تسريع الإصلاحات السياسية والاقتصادية، لكن الانتقال الديمقراطي يبقى مع ذلك متأثرا باستمرار التطلعات الاجتماعية والفساد التي تثير موجات من الغضب تهدد استقرار البلاد.
وهذه التطورات المتفاوتة داخل المغرب العربي والتوترات الجديدة تضعف مجموع المنطقة وتعمق من تبعيتها الاقتصادية والأمنية، ذلك أنه عندما تبني الدول أمنها واقتصادها خارج المغرب العربي، فإن الحضن المشترك يتوقف عن أن يصبح الضامن للازدهار والأمن المشترك.
نحو إحياء اتحاد المغرب العربي؟
بكل تأكيد، فإن آثار الثورات العربية واستفحال الإسلام المتطرف والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية ومخاطر بروز بؤر جهادية على حدوده الجنوبية على إيقاع عدم استقرار دائم وتنامي تجارة التهريب بكل أشكالها وتجدر الجريمة المنظمة وتنامي مخاطر الإرهاب والهجرة والخلافات والحذر بين الدول كلها عوامل تطرح اشكالية إحياء الاندماج المغاربي بمفاهيم جديدة.
والفضل الأكبر لمعاهدة مراكش، التي تعود الى تاريخ 17 فبراير 1989 هو أنها رفعت الترددات والمخاوف التي كانت تحيط بمستقبل المغرب العربي الكبير.
فالمسلسل المغاربي ظل جامدا منذ الدورة السابعة لمؤتمر وزراء الاقتصاد (الجزائر 21 ماي 1975) وبعد 15 سنة أعاد إعلان اتحاد المغرب العربي الأمل: إعلان وعد بالوفاق السياسي والاندماج الاقتصادي وفي النهاية بانعاش قيام قطب استراتيجي، هذه الوعود لم تتحقق: نزاع الصحراء لم يحل بعد وانخرطت الدول الأعضاء منذ 15 سنة في بناية أمنها واقتصادها داخل منطق عدم اندماج المغرب العربي.
كما أن انفجار بؤرة عدم استقرار في الساحل يهدد استقرار وأمن دول المغرب العربي على المدى البعيد، وهذا الاتجاه يسائل المغرب وللتشاور المستمر يفرض نفسه بين دول المغرب العربي, خاصة حول حاضر ومستقبل الساحة الساحلية، إلا أن المبادرات والمواقف المختلفة لكل بلد تضر بصورة المغرب العربي المتباعد تجاه التزاماته الاستراتيجية المشتركة. وبناء المغرب العربي ضرورة اقليمية وضرورة أيضا في سياق العولمة وتزايد مبادرات الاندماج في العالم.
إن إحياء بناء المغرب العربي سيملأ فراغا استراتيجيا مع تأكيده لمسؤولية دولية أكبر في حاضر ومستقبل منطقة المغرب العربي والساحل. وبشكل أشمل فمنطقة البحر الأبيض المتوسط والمغرب العربي والساحل تشكل قاعد تتفاعل فيها قوى ومنطق مشترك. وهكذا فإن منطقة البحر الأبيض المتوسط يعيش اليوم قضية شمال افريقية حقيقية مرتبطة بشكل وثيق بالقضية الساحلية. والمغرب الذي استبعد من اللجنة العسكرية العملية المشتركة (التي أحدثت يوم 21 أبريل 2010 بتامنراست بهدف تنسيق عمليات مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل وتضم (الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر)، استغل فرصة التدخل الفرنسي في مالي من أجل استعادة المبادرة في مالي وتميز بكونه البلد المغاربي الوحيد الذي قدم الدعم لهذه العملية، فإلى جانب التهديدات التي تطرحها هذه الأزمة تجاهه, فإنها جاءت لتعزز في وجه المجتمع الدولي، أطروحة المغرب المتعلقة باحترام الأمم التاريخية والحد من انتشار الدول الصنيعة والضعيفة في المجال الصحراوي والتي تمثل مصدر عدم استقرار دائم. وأخيرا من المحتمل أن تنظم الرباط إلى عملية حفظ السلام الأممية الجارية حاليا لتحل محل البعثة الدولية في مالي (MISMA) بهدف استعادة حقوقه التاريخية في المنطقة واتخاذ خيار في المستقبل بنسف الهجوم الجزائري الذي لم يتوقف أبدا بخصوص قضية الصحراء المغربية. ومنذ مدة يقدم الجيش المغربي دعما انسانيا مهما ويشارك بشكل من الأشكال في العمليات العسكرية. و إلى جانب تعزيز علاقاته مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا, يحرص المغرب وفقا لتوجهات جديدة، على إحياء علاقاته ومصالحه الاستراتيجية مع تجمع دول الساحل والصحراء الذي ظل يركز على مصالح ليبيا حتى سقوط النظام الليبي في فبراير 2011، وقد كان الاجتماع الطارئ لهذا التجمع بالرباط في يونيو 2012 انطلاقة هذا المسلسل. وأخيرا فإن إعادة هيكلة النظام الاقليمي وعدم الاستقرار المزمن في منطقة الساحل تملي رسم ملامح الحلول السياسة الشاملة ومنها النزاع في الصحراء الغربية والدمج بين الاشكاليتين يزيد من الوزن الاستراتيجي للمملكة المغربية.
وإنجاز المغرب العربي الكبير سيؤكد مركزية المنطقة وسيؤدي إلى فوائد اقتصادية مباشرة ونسبة نمو تفوق 1% إلى 2% سنويا, بينما لا يتجاوز حجم التجارة بين دول المنطقة 4% من مجموع المبادلات وإغلاق الحدود بين المغرب والجزائر يطرح أكثر من أي وقت مضى إشكالية وجود مغرب عربي منغلق في عالم قاعدته الأساسية هي الانفتاح الاقتصادي. ومن غير المستساغ في القرن 21 أن تبقى مثل هذه الحدود مغلقة بين الجزائر والمغرب وموريتانيا, بل »أيضا مع ليبيا وتونس«.
وفي خطابه يوم 30 غشت 2012 بمناسبة عيد العرش، ركز الملك محمد السادس على ضرورة إحياء اتحاد المغرب العربي, وبعد ما ذكر بالتحولات التي هزت المغرب العربي الكبير، وضع جلالته علاقة مباشرة بين هذه التحولات والفرصة التاريخية أمام »اتحاد المغرب العربي من أجل كسر جموده«.
واقترح مرحلتين لذلك: إنهاء حالة التباعد بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي مع الحرص على زيادة المبادلات الاقتصادية بين هذه الدول.
وفي انتظار ذلك، اختار الملك تعزيز وتقوية العلاقات الثنائية بين المغرب ودول اتحاد المغرب العربي, بما فيها الجزائر, استجابة للتطلعات الملحة والمشروعة لدول المنطقة, وخاصة فيما يتعلق بحرية تنقل الأشخاص والبضائع ورؤوس الأموال والخدمات.
وكان مشروع انعقاد قمة مغاربية (بترقة 10 أكتوبر 2012) والذي سبقه اجتماعان لوزراء الخارجية (الرباط 18 فبراير 2012) والجزائر (9 يوليوز 2012) قد أجهض بسبب استمرار التصلب الجزائري ووقوع سلسلة من الأخطاء السياسية والدبلوماسية من جانب تونس
وبالرغم من التصريحات المبدئية لكل الأطراف، فإن جمود المغرب العربي الكبير يلبد الأفق الاستراتيجي.
فمشروع المغرب العربي الكبير هو أكثر من مشروع اقتصادي, لأن السلم والاستقرار والرخاء لدى الجيران هو الضامن للسلم والاستقرار في المغرب، وبالتالي، فإن منطق المجموعة يجب أن يكون هو السائد أكثر من منطق الاقتصاد.
النظام المغاربي المقبل
يمكن تصور عدة سيناريوهات.
السيناريو الأول: في حالة عدم تفاهم مجتمعي واستمرار التصلب الجزائري، نرى في فرضية أولى، تطور المجموعة المغاربية في ظل ثلاثة محاور.
في الغرب، اندماج تدريجي بين المغرب وموريتانيا مع تطور مهم في اتجاه غرب افريقيا بهدف تقوية وتعزيز الواجهة الأطلسية وتشجيع المبادلات مع أمريكا اللاتينية. وبفضل الثورات سنشهد تحديثاً تدريجياً لموريتانيا التي ستدفع إلى تجاوز النموذج المجتمعي القبلي وكذا الصراع بين العرب والزنوج الأفارقة. فعناصر التكامل الموضوعية بين المغرب وموريتانيا تعرقلها الجزائر التي مازالت تحرص على فرض حاجز الصحراء الغربية.
- في الشرق، ستكون التشكيلة رهينة بليبيا المستقبيلة لما بعد القذافي. إن الوضع يظل ملتسبا إلى حدود اليوم وحابلا بأخطار مهمة بالنسبة للمنطقة. وبالنسبة للنظام الجهوي، وإذا أصبح توجه ليبيا المستقبلية متلائما مع مصالح تونس الإستراتيجية، فإن سنشهد في المدى القريب مسلسلا اندماجيا في الشرق بين تونس وليبيا - نظرا لعوامل التكامل التاريخية والاقتصادية والثقافية - ، مع تطور متزايد للمبادلات مع دول الساحل الإفريقي. وستسعى الجزائر جاهدة إلى عرقلة هذا المسلسل، لكن انبثاق المحور "الديمقراطي" سيفرض نفسه.
- وأخيرا، ولمواجهة صعود المجموعتين غربا وشرقا، فإن تصلب الجزائر قد يزداد على المستوى السياسي، مع الحفاظ على نسبة تسلح مرتفعة. أما المستقبل القريب للمجتمع الجزائري المنحسر فإنه يبقى مجهولا.
وفي حالة تحقق هذا السيناريو الأول، فإن جمود المسلسل المغاربي لن يمنع الدول المعنية من تنمية ديناميكيات وسيطة من أجل تجاوز الانحسار والحجم المحدود للسوق. وفي هذه الحالة، فإن المحاور الثلاثة - الشرق والغرب والوسط - ستربط علاقات حسن الجوار، وتحافظ على سيولة المبادلات السياحية والتجارية في المناطق حيث الحدود مفتوحة، لكن في ظل سياسات تنافسية وتهديدات بوقوع أزمات؛ لتكون العلاقات الاقتصادية جد ضعيفة، والسياسات الخارجية متناقضة، ونسبة التسلح متراوحة بالنسبة للمجموع بين أكبر من متوسطة ومرتفعة؛ كما ستكون العلاقات الأمنية متوجهة نحو الخارج.
السيناريو الثاني:
تستند الفرضية الأخرى إلى انفتاح الجزائر سياسيا. بفضل نجاح الثورتين التونسية والليبية، ستتأثر الساحة الجزائرية بشكل يؤدي إلى تطهيرها، تطهير يكون ملائما لانفتاح ديمقراطي. هكذا، سينهار النظام العليل على نفسه، مسرعا بذلك وتيرة التقارب ما بين دول المغرب العربي. وفي هذه الحالة، فمن المنتظر أن يتم إحياء معاهدة مراكش، أي التقاطع التصاعدي بين الدول الخمسة في اتجاه اندماج جهوي تدريجي يتضمن مسلسلا لبناء الدولة المدنية. وبناء عليه، سينمو التبادل الحر بين البلدان الخمسة، وتعبر المنتجات الصناعية والفلاحية الحدود بينها بدون قيد ولا شرط، كما ستوفر شركات خاصة مشتركة طلب السوق المغاربية والأسواق الخارجية ومنطقة التبادل الحر العربية.
وفي حالة الاندماج الشامل، فسيصاحب تنمية المغرب الكبير تطور عام للدولة المدنية، وتجويد الحكامة، وارتفاع المبادلات الثقافية والجامعية، وتقليص نسبة التسلح. مثلما ستتخذ القرارات ذات البعد الإستراتيجي باتفاق جماعي.
وتستلزم المرحلة النوعية الأسمى، مرحلة قد تصل إلى مستوى السوق المشتركة، صياغة مفهوم سياسي أكثر تقدما، قائم على مؤسسات ذات اختصاصات تتجاوز الحدود الوطنية - توسيع اختصاصات الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي التي يقع مقرها بالرباط منذ أكتوبر 1991، علما أن اختصاصاتها محدودة الآن - وعلى منجزات تبدو غير ناضجة في المرحلة الراهنة - مثلا: اندماج البنوك، شركات النقل الجوي والبحري، الوحدات الصناعية الكبرى، شركات الاتصالات والهاتف النقال، معاهد الأبحاث في مجالات الماء والمناخ وغيرها، المؤسسات الجامعية من قبيل معاهد التكنولوجيا ومدارس المهندسين وكليات الطب، مع خلق مندوبية سامية موحدة للطاقة الشمسية والبيئة، الخ . - .
وأخيرا، وفي حالة نجاح الثورات في بلدان المغرب والعالم العربيين، فسنشهد تدريجيا انبثاق قوة للمستقبل تطور موقفا دبلوماسيا يمثل قطيعة مع الخنوع والزبونية، ويضع حدا نسبيا للهيمنة الغربية.
السيناريو الوسيط
سيحل في الساحة المغاربية، وبشكل تدريجي، زمن جديد يستلزم التطور الديمقراطي، ومراقبة الحكومات، وتنظيم انتخابات شفافة، ومحاربة الرشوة، وإقرار الحريات الفردية والجماعية، وصحافة حرة، ورجال أعمال نشطاء، الخ. ما يؤدي إلى بزوغ انسياب تاريخي بفضل هذه الفئات الجديدة، وفي هذا الإطار، فإنه يبدو لنا أن سيناريو المغرب العربي المعرقل من طرف فئات الماضي، والأسير لديها، قريب الزوال.
وبناء عليه، سيكون على المغرب المنبثق أن يعمل من أجل إعادة الثقة، وأن يحدد ديناميكيات مرحلية ومنجزات من شانها أن تشكل خطوات هامة في طريق المغرب الكبير. ويجب اخذ ما يكفي من الاحتياطات حتى لا تتحول التطورات المرحلية إلى بديل للمآل المنشود، بل أن تكون مراحل تمهد السبيل نحو بناء المصير المشترك.
ومن جهة أخرى، سيكون على الرباط أن تعمل على بعث "وعي مغاربي" يرعى الأمل ويحفز على مشاركة المجتمع المدني. ويجب، في هذا الإطار، أن تعتمد الديناميكيات المرحلية، في نفس الوقت، على التعاون بين الحكومات وعلى الفاعلين الاقتصاديين والمجتمع المدني.
ويمكن للرباط، مرحليا، تشجيع وتعزيز التعاون الثنائي بين تونس وليبيا في الشرق، وبين المغرب وموريتانيا في الغرب. ومن شأن هذه التطورات أن تسمح بتوسيع السوق المحدود لكل واحدة من هذه الدول، وتوظيف أوجه التقارب والتكامل، وتقليص أخطار انعدام الأمن والرفع من القدرات التفاوضية لكل طرف. ومن حهة أخرى، فإن جدول المغرب الكبير سيصبح أكثر توازنا على المستوى الاقتصادي وحجم السوق والطاقة الإستراتيجية.
من الواضح أن الجزائر ستسارع إلى عرقلة هذه الجهود، بما في ذلك محاولة التدخل في هذه المشاريع الثنائية. لكن هناك دائما تعديلات ممكنة للتعامل مع مثل هذا السلوك، لكن شرط ألا يؤدي الأمر إلى إقصاء المغرب أو أية دولة مغاربية أخرى.
وفي جميع الأحوال، فإن ورشا كبيرا للتعاون سيفتح عبر التعاون الثنائي المعزز حول مشاريع مهيكلة، مشاريع تفرضها أيضا أوجه التقارب والتكامل. كما بالإمكان إقامة عمليات اندماج عبر فتح أبواب المساهمة المتبادلة في رأسمال أهم الشركات، وذلك وفق نسب محددة - النقل الجوي والبحري، الكهرباء، الماء، الهاتف، البنوك، الخ. - . وأيضا منح الفاعلين الاقتصاديين تسهيلات مالية قصد إنشاء وحدات مندمجة أقوى وأكثر تنافسية. ومن جهة أخرى، فإن حرية تنقل الأشخاص والممتلكات والأموال ستعبد الطريق أمام مشاريع مشتركة في عدة قطاعات - السياحة، الصحة، التربية، الفلاحة، الخ. - .
ويجب أن تؤطر هذه التطورات بواسطة هياكل للتشاور ملائمة على جميع الأصعدة، وأن يتوج كل ذلك بتعاون استراتيجي في مجالات الأمن والرهانات الجهوية والسياسة الخارجية. وعلى غرار أوربا في مرحلة ما بعد الحرب، فإنه بإمكان حكومات ديمقراطية الإنجاز التدريجي لما لم ترغب الحكومات غير الديمقراطية في إنجازه مطلقا، كما أن نخب الدول المعنية تقدر هذه الرهانات حق قدرها وهي قادرة على إعمالها.
وأخيرا، فإن حجم التهديد الإرهابي في الساحل وحس حسن الجوار الإستراتيجي يفرضان تعاونا وثيقا بين مختلف الفاعلين في المنطقة. ويجب أن يندرج أمن المحيط الساحلي في إطار مجهود متشاور حوله من قبل جيرانه من أجل تجاوز عدم تقاطع الإستراتيجيات الحالية.
وفي هذا الإطار، وكما هو الأمر بالنسبة لحوار 5 + 5 في غرب الأبيض المتوسط، ونظرا للتهديدات المؤشرة على التأثير المتبادل بين المغرب العربي والساحل، فإنه بإمكان المغرب العمل على إنشاء مجموعة 5 + 5 ساحلية تضم دول المغرب الكبير الخمسة ومالي، النيجر، تشاد، بوركينا فاسو والسنغال. هكذا، سيتشكل شريط أمني متواصل الأطراف بين الفضاءين المتقابلين اللذين هما المتوسط الغربي والمحيط الساحلي.
من الجلي أن المغرب، الغني بقدراته وبعمقه التاريخي، في وضع يسمح له بالقيام بدور محرك الاندماج الجهوي والانسياب المغاربي الجديد. وعلى المستوى المنظور، فإن الفرملة الإستراتيجية للمغرب الكبير تدفع المغرب إلى استشراف بدائل غير مسبوقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.