فتحت مراكز الاقتراع في تركيا صباح أمس الأحد أبوابها أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البلدية، في عملية انتخابية ينظر إليها على أنها استفتاء على شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بعد احتجاجات الصيف الماضي واتهامات بالفساد ترافقت مع تدفق تسجيلات مسربة على الإنترنت. ورد أردوغان بالتنديد -طوال الحملة الانتخابية الضارية- ب«مؤامرة» تستهدفه ويقف خلفها بنظره حلفاؤه السابقون من جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن، داعيا أنصاره إلى تلقينهم «درسا جيدا» من خلال الانتخابات البلدية. وبدا مستشار رئيس الحكومة التركي طه كنش متيقنا من فوز حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات البلدية، مشيرا إلى أن الشعب التركي واع ويعرف لأكثر من 12 سنة ما حققه أردوغان من نمو وتنمية في البلاد، في حين تعول المعارضة على فضائح التسريبات لقلب المعادلة الانتخابية. وقد دعي للمشاركة في هذا الاقتراع نحو 53 مليون ناخب، بينهم أكثر من ستة ملايين شاب يصوتون للمرة الأولى ويشكلون ثقلا انتخابيا، في حين يشكل عدد الناخبين في إسطنبول لوحدها خمس عدد المدعوين للمشاركة في التصويت. وتشمل الانتخابات المحلية -التي تجرى كل خمس سنوات- 81 محافظة على مستوى تركيا تحتوي على 1350 بلدية، وسيتم خلالها انتخاب رؤوساء البلديات وأعضائها ومخاتير المناطق. ويخوض الانتخابات 25 حزبا سياسيا أبرزها حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري(حزب المعارضة الرئيسي) برئاسة كمال قليج دارأوغلو، وحزب السلام والديمقراطية (كردي) برئاسة صلاح الدين دميرطاش والصحفية غولتان قيشاناق، وحزب الحركة القومية برئاسة دولت باهشلي، وحزب السعادة (إسلامي) برئاسة مصطفى كامالاك. وكانت الانتخابات البلدية السابقة أجريت في 2009 وشارك فيها عشرون حزبا سياسيا وشملت 67 محافظة، ومن المقرر أن يبدأ فرز نتائج الانتخابات فور إغلاق مراكز الاقتراع مساء الأحد لتعلن النتائج الأولية خلال ساعات قليلة. ورغم ما يشوب العملية الانتخابية من تطورات سياسية ما زالت استطلاعات الرأي التركية تتأرجح بين تقدم أو تراجع طفيف لحزب العدالة والتنمية الذي حصل على ما يقل بقليل عن 50% من الأصوات في الانتخابات التشريعية عام 2011. وتتوقع جميع الاستطلاعات التي نشرت في الأسابيع الأخيرة حصول حزب أردوغان على ما بين 35% و45% من الأصوات على المستوى الوطني، ورغم الخلافات والاتهامات بالفساد، يبقى أردوغان -الذي يترأس الحكومة التركية- السياسي الأكثر شعبية في البلاد بفارق كبير عن سواه. كما تشير التوقعات إلى أن أردوغان -الذي فاز بكل الانتخابات منذ 2002- سيتصدر هذه المرة أيضا نتائج التصويت، متقدما على حزب الشعب الجمهوري (اجتماعي ديمقراطي) وحزب الحركة القومية. وأعلن مسؤولو الحزب الحاكم منذ الآن أن أي نتيجة تفوق نسبة 38.8% -التي حصلوا عليها في الانتخابات البلدية عام 2009- ستكون بمثابة انتصار. لكن حصول الحزب على نسبة أقل قد تدفعه لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. من جهته أكد أردوغان علنا أنه سيستقيل من رئاسة حزب العدالة والتنمية إذا لم يخرج الحزب مساء الأحد متصدرا نتائج الانتخابات، مما يعكس ثقة كاملة بنفسه. ويدور جدل سياسي حاد منذ اسابيع بين مؤيدي اردوغان الذين يرون فيه «مهندس التنمية الاقتصادية» ومعارضيه الذين ينتقدون «ميوله التسلطية والاسلامية». وتولي الأحزاب والقوى السياسية التركية أهمية بالغة لهذه الانتخابات، لكن التنافس يبدو للعيان على أشده في سعي تلك الأحزاب للسيطرة على بلدية إسطنبول شمال غربي البلاد. وستحدد النتائج التي سيحققها حزب «العدالة والتنمية»، ومصير اكبر مدينتين في البلاد اسطنبول وانقرة استراتيجية اردوغان المقبلة الذي تنتهي ولايته الثالثة والاخيرة على رأس الحكومة في 2015. وفي هذا الاطار، تناولت الصحف التركية الانتخابات المحلية على قاعدة انها ستحدد مصير اردوغان الجديد وتساهم في رسم المشهد السياسي العام في البلاد. معتبرة ان «الانتخابات تحولت إلى تصويت على الثقة بالحكومة وسط فضائح الفساد الكبيرة». وتطرقت الصحف العالمية الى موضوع «سمعة رئيس الوزراء» ، وذلك بعدما تعرضت للكثير من الانتقادات لا سيما بعد فضيحة التنصت. مشيرة الى ان «الانتخابات الحالية تجري وسط مناخ صعب»، متوقعين «استمرار هذا المناخ حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في العاشر من غشت المقبل»، والتي كان أردوغان يتطلع إلى الترشح خلالها. في سياق متصل، إعتبر لوج فاروق أوغلو، نائب رئيس حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، أن أردوغان «إنتهى سياسيا» متوقعاً خسارة حزبه في الانتخابات البلدية. وشدد أوغلو في تصريحات صحفية على أنه «من المتوقع أن يحصد حزبه الكثير من المقاعد في إسطنبول وأنقرة». وأشار إلى انه يمكن أن تصل نسبة التصويت لصالح حزب الشعب الجمهوري إلى «نحو 30% بينما يمكن أن ينخفض إجمالي نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم ليصل إلى أقل من 40%». ويبدو أن حظر الحكومة لموقعي التواصل الاجتماعي «تويتر» و «يوتيوب» انتشرت بين الأتراك كالنار في الهشيم، خصوصا أن حكومة رجب طيب أردوغان تماطل في تنفيذ قرار المحكمة برفع الحجب عن «تويتر». ولكن لا يبدو أن هذه الانتخابات البلدية ستضع حداً أو نهاية للحجب والحظر، فتداعيات نتائجها مهما كانت باتت مصدر قلق للمعارضة وناشطين كثر، مع إعلان أردوغان بدء حملة واسعة ضد جماعة فتح الله غولن تشمل اعتقال العشرات وحجب مواقع إلكترونية كثيرة، بما فيها «فايسبوك»، وتسليط سيف القضاء على المعارضين السياسيين بتهمة دعم جماعة غولن في «مخطط انقلابي جديد ضد الحكومة»، في المقابل، يبدو حزب العدالة والتنمية الحاكم واثقاً بنفسه، من خلال حديث صحافيين موالين، ومن خلال خطاب أردوغان الانتخابي الأخير في إسطنبول، الذي أصر على إلقائه على رغم مرضه، إذ طلب من الناخبين أن يصوتوا للمعارضة إن شعروا بأنه يكذب عليهم، أو لم يقنعهم كلامه. وتصر الأوساط المقربة منه على القول إن حزبه سيحقق مفاجأة جديدة ولن تقل أصواته عن 45 في المئة، لأن الشعب، حسب قولهم «أدرك المخطط الانقلابي الذي تعد له جماعة غولن بالتعاون مع المعارضة«. في المقابل تروج جماعة غولن أن أصوات الحزب الحاكم ستتراجع إلى 33 في المئة. وعلى عكس نتائج عام 2010 التي جاءت نتائجها قريبة جدا من توقعات المراقبين واستطلاعات الرأي، فإن أحدا لا يستطيع التكهن بنتائج هذه الانتخابات التي يحتار الناخب لمن يصوت فيها، فهل يقترع لمصلحة سمعة الحزب الحاكم القوية في العمل الخدماتي في البلديات، أو ضده بعد كشف فضائح فساد وسوء إدارة، مع عدم وجود مرشحين معارضين أقوياء في البلديات الكبرى؟