أديس أبابا: المغرب يؤكد أمام المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي على الرؤية الملكية لتكون الريادة للقارة الإفريقية    النقابات الصحية تستنكر تهريب الأنظمة الأساسية من النقاش والتوافق والتعيينات بدون مساطر    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    تدشين مقر الدائرة الأولى للشرطة التابعة للمنطقة الإقليمية للأمن بخريبكة (صور)    «سفينة من ورق» لمحمد حمودان تسبح في طنجة    الربيعة: المعتمرون غير مطالبين بالتلقيح.. وعلاقات المغرب والسعودية استثنائية    "التسويف وتعليق الحوار القطاعي" يغضبان نقابات تعليمية بالمغرب    حادثة سير تفضح مخدرات بالبيضاء    حركة "حماس" ترفض لغة التهديدات    مليلية تسجل حالات إصابة بالحصبة    القاهرة تحتضن قرعة بطولتي الناشئين وسيدات الفوتسال المغرب 2025    الخزينة العامة: مداخيل الجمارك بلغت 7.8 مليار درهم في يناير 2025    النيابة العامة تنظم بطنجة دورة "الطب الشرعي ودوره في حظر التعذيب والوقاية منه"    توقيف مواطن كويتي مطلوب دوليًا بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء    منخفض جوي يقترب من المغرب وتوقعات بعودة الأمطار والثلوج    توقيف سائق شاحنة مغربي بالجزيرة الخضراء بسبب القيادة تحت تأثير الكحول    نجاح أول عبور رسمي للبضائع عبر معبر سبتة إلى المغرب    أزمة القطيع بالمغرب تتصاعد والحكومة في سباق مع الزمن قبل عيد الأضحى    سعيدة فكري تطلق جديدها "عندي أمل"    حقيقة طلاق بوسي شلبي من محمود عبد العزيز دون علمها    حماس تشيد بموقف الأردن ومصر    المعهد الفرنسي بتطوان ينظم "ليلة الأفكار"    "الكونفدرالية": لا جدوى من تقارير مجلس الحسابات إن لم تتبعها محاسبة حقيقية    إبراهيم دياز يعود بقوة بعد الإصابة    مباحثات عسكرية مغربية أمريكية حول الأمن والتصدي للتهديدات الإقليمية    ليبيا.. وزير في حكومة الدبيبة ينجو من محاولة اغتيال    27 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمدن    بعد المغرب.. تفشي الحصبة "بوحمرون" في الولايات المتحدة الأمريكية    الدكتور عميريش مصطفى: التلقيح يعد الوسيلة الوحيدة والأكثر فعالية للوقاية من داء الحصبة    نصف المتوجين بجائزة الكتاب العربي من المغاربة    نزار بركة يترأس لقاءً تواصليًا بأكادير لمناقشة تحديات الماء والطرق وتعزيز العمل الحزبي    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية يشيدان بدينامية التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة    سبعة مغاربة وأردني ولبناني وسعودي ومصريان يفوزون بجوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة 2024 – 2025    فضيحة إنجاز "بحيرة الرهراه" بطنجة ب940 مليونا تصل لوزير الداخلية.. ومطالب برلمانية بفتح تحقيق    "دوزيم" الأكثر مشاهدة خلال 2024 وسهرة رأس السنة تسجل أعلى نسبة    أشرف حكيمي.. ملك الأرقام القياسية في دوري أبطال أوروبا ب 56 مباراة!    مأزق استراتيجي جديد لقصر المرادية بسوريا    كوريا الشمالية: "اقتراح ترامب السيطرة على غزة سخيف والعالم يغلي الآن مثل قدر العصيدة يسببه"    بعد الانتصار المثير علي السيتي... أنشيلوتي يعتذر لنجم ريال مدريد البديل الذهبي … !    الاتحاد الدولي للملاكمة يتجه لمقاضاة اللجنة الأولمبية على خلفية مشاركة الجزائرية إيمان خليف في باريس 2024    لافتة "ساخرة" تحفز فينيسيوس في فوز ريال مدريد على سيتي    جامعة الدول العربية ترفض التهجير    تراجع أسعار الذهب بعد ارتفاعها إلى أعلى مستوى على الإطلاق    أكادير تحتضن الدورة الثانية للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني    نوفل لحلو: التوفر على صناعة طبية مرنة شرط أساسي لتحقيق السيادة الصحية الوطنية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    الاتحاد الدولي لألعاب القوى يلزم العداءات ب "مسحة الخد" لإثبات أنَّهنَّ إناث    إصابة عامل في مزرعة ألبان بولاية نيفادا الأمريكية بسلالة جديدة لإنفلونزا الطيور    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    ‬"أونكتاد" تتفحص اقتصاد المغرب    سوريا ترفض الإفراج عن جنود وضباط جزائريين وعناصر من بوليساريو.. دليل إدانة ضد الجزائر وبوليساريو لمشاركتهما في تقتيل الشعب السوري    زيارة رئيس الاتحاد العربي للتايكوندو السيد إدريس الهلالي لمقر نادي كلباء الرياضي الثقافي بالإمارات العربيةالمتحدة    7 مغاربة يتوّجون بجائزة "ابن بطوطة"    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البكالوريا الوطنية في كف عفريت أزرق!

على مدى ما يقرب من عشرين سنة، ونحن ما نزال نفتقد القدرة على فك خيوط المؤامرة الدنيئة، التي تحاك على مهل ضد مدرستنا الوطنية، ولا نستطيع تبين ملامح من يقف خلف إدارتها، إذ كلما أردنا الإمساك بما نظنه رؤوسها انسلت كالزئبق من بين أصابعنا، وكلما حاولنا الخطو إلى الأمام ارتطمت جماجمنا بجدار سميك من الإسمنت المسلح، الذي يصعب اختراقه، مما يوحي أن هناك "تماسيح" تحول دون تقدمنا وتعاكس تطلعاتنا، لتستمر سفينة تعليمنا هائمة على وجهها دون بوصلة في عرض بحر هائج...
فمنذ تنصيب حكومة " الإخوان" في 3يناير 2012، والشعب في انتظار ممل يمني النفس بفجر عهد جديد، دون أن يتحقق النزر اليسير من تلك الوعود الحالمة، التي شغل ببريقها الزائف السيد: ابن كيران عقول الناس، في حملاته الانتخابية قبل فوز حزبه بالمرتبة الأولى إبان استحقاقات 25 نونبر 2011، وبعد توليه منصب رئاسة الحكومة. ثلاث سنوات مضت على نسختي حكومته "الموقرة"، تميزت بارتباك وارتجال شديدين، لم يسبق لهما نظير في التدبير السياسي للشأن العام بالبلاد، حيث أبانت عن عجز تام في التعاطي مع القضايا المطروحة، وإصلاح القطاعات الإستراتيجية الرافعة الأساسية للتنمية البشرية، وفي مقدمتها نظامنا التعليمي المنخورة هياكله وبنياته.. وفي الوقت الذي اعتقد الجميع أن النسخة الثانية المعلن عنها في 10 أكتوبر 2013، ستأتي -خلافا لما وقعت فيه سابقتها من أخطاء- أكثر إصرارا على تدارك الزمن الضائع، والانخراط بكل جدية وحيوية في مسلسل التغيير المنشود، جاءت هي الأخرى مخيبة للظنون بدءا من تشكيلتها المتعارضة مع مقتضيات الدستور الجديد... ومع ذلك ظل المواطنون معلقين آمالا جساما على السيد: رشيد بلمختار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، اعتقادا منهم أنه لن يتأخر في تصحيح ما أقدم عليه سلفه محمد الوفا من إجراءات غير موفقة، بالنظر إلى ما يتصف به من رزانة وتبصر، وما يعرف عنه من كفاءة وحنكة في التدبير والتسيير، سيما أنه سبق له إدارة القطاع ويملك بعض مفاتيحه، ناهيكم عما أبداه من رغبة وحماس للشأن التعليمي قبل الاستوزار الثاني إبان حضوره في الندوة العالمية، التي عقدتها جمعية السيد عيوش للتربية حول إصلاح التعليم، وما قد يكون اتخذه من دروس وعبر إثر الرجة القوية التي أحدثها اللقاء، حين انبرى بحزم أشراف هذا الوطن وفعاليات المجتمع، لإبطال مفعول توصياته وإفشال المخطط الجهنمي الهادف إلى محاولة طمس هويتنا وإغراق سفينة منظومتنا التربوية في بحر الظلمات، عبر تلهيج تعليمنا الأساسي بدعوى أن لغة الأم هي الأقرب إلى الفهم، والتراجع عن تعريب المواد العلمية في سلكي الثانوي الإعدادي والتأهيلي، لأنه لم يأت بالنتائج المرجوة...
وما كدنا نتخلص من أوجاع الرأس الناجمة عن أصداء تلك الهزة المفاجئة، ونحن نتطلع بشوق جارف إلى ما ستخرجه لنا وزارة التربية الوطنية من قمقمها الذهبي، حتى جاءنا الخبر اليقين مدويا وصاعقا يوم : 18 فبراير 2014، يزف لنا ميلاد اتفاقية شراكة بين وزيري التعليم المغربي ونظيره الفرنسي، حول ترسيم مشروع إحداث البكالوريا الدولية باللغة الفرنسية، الذي انطلق في عهد وزير النسخة الأولى: السيد: محمد الوفا مع بداية الموسم الدراسي: 2013 - 2014 في ست مؤسسات تعليمية، ليصبح واقعا ملموسا عند مطلع السنة الدراسية المقبلة: 2014 - 2015، بعد أن تم التوقيع على تعميمه في باقي المندوبيات الإقليمية بسائر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بالمملكة المغربية، والأمر - حسب تصريحات الوزيرين - مرتبط فقط بتوطيد العلاقات وتعزيز روابط التعاون بين الدولتين "الصديقتين" في قطاع التعليم، مما يتطلب فتح آفاق مشتركة للأجيال القادمة، سواء في تدريس اللغات الأجنبية بما فيها الفرنسية، أو في مجال التوجيه المدرسي والتكوين المهني، وتعدد الفروع الدولية وتقييم النظم التعليمية، وكذا البحث عن أنجع السبل والوسائل الكفيلة بدعم الأقسام التحضيرية بالمدارس العليا ونظام التبريز، وتهدف الاتفاقية أيضا إلى الاستفادة من الدعم التقني والخبرة الفرنسية في مجالات الهندسة البيداغوجية وتكوين الأساتذة والتقويم، لتطوير التعلمات وضمان جودتها.. وكم كان سيبدو مثل هذا الطرح شيقا ومغريا لو لم يكن خلف الأكمة ما يرعب حقا...
ففي رأينا المتواضع، ما كان لأحد منا أن يتحامل على رجل نعلم مسبقا أنه اختير لتدبير شؤون ملف شائك، اتخذت في شأنه كل القرارات الحاسمة، وأنه ليس سوى موظف سام ملزم بتنفيذ الأوامر وإنجاز المسطر له من خلف ستار، بدليل أنه لم يتأخر في الرد على منتقديه ممن نعتوه بالولاء الشديد للفرانكفونية، بأنه لم يعمل سوى على استكمال ما بدأه سلفه وفق قرار حكومي مبرمج قبل تعيينه، وهنا لنا أن نتساءل بمرارة أين اختفى رئيس الحكومة السيد ابن كيران الذي لم نعد نسمع له حس في مثل هذه القضايا الساخنة ؟ وأين برنامج حكومته المصونة؟ ثم كيف تم السماح بإبرام الاتفاقية والبدء في تنزيلها حتى قبل المصادقة عليها في المجلسين الحكومي والوزاري، وعرضها على ممثلي الأمة في غرفتي البرلمان؟ ومن تكون فئة التلاميذ المستهدفة بنظام البكالوريا الدولية؟ وعلى أي مقاييس سيتم اختيار عناصرها؟ وما هي المعايير المعتمدة في انتقاء أطر التدريس للاستفادة من السفر والتكوين في العاصمة الفرنسية باريس؟ ألا يعد مثل هذا القرار اللاديمقراطي إخلالا ببنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين، باعتباره مرجعية ثابتة يقر بتعريب المواد العلمية والشعب التقنية في التعليم الجامعي بشكل تدريجي؟ أليس هذا إهمالا لدور اللغة العربية واستصغارا لقدراتها في الانفتاح على مختلف العلوم واحتوائها، وإيصال مضامينها إلى الطلبة، وتبخيسا لجهود المجامع اللغوية العربية خاصة في ترجمة المصطلحات العلمية؟ فالعربية فضلا عن أنها آلية للتواصل، هي حامل معرفي وثقافي يحيل على ديننا الإسلامي الحنيف، وعلى الانتماء الحضاري للأمة وعلى العمق الاستراتيجي مع إفريقيا وأوربا. ثم بالله عليكم، ألا يعتبر الإقدام على هكذا خطوة غير محسوبة العواقب، تعديا على مقتضيات دستور ما بعد الربيع العربي، الذي حدد معالم سياسة لغوية مندمجة تنبني على احترام اللغتين الرسميتين: العربية والأمازيغية وحمايتهما، وتكريس الهوية المغربية بدل تهميشها؟
الاتفاقية الفرنسية - المغربية مبادرة حكومية منفردة، لم يتم فيها التشاور مع النقابات التعليمية، الجمعيات المهنية، الفاعلين التربويين وجمعيات المجتمع المدني... مما أثار الشكوك حول مدى مصداقيتها، ودفع بالكثيرين إلى التحذير من مغبة الإبقاء عليها، لما قد ينجم عنها من تداعيات سلبية قد تضعف مستوى البكالوريا الوطنية وتصيب في مقتل النظام التعليمي برمته، حيث يرى البعض أن إقرارها يروم فرنسة التعليم المغربي وعلمنته وتغريبه، وأنها ستعمل لا محالة على تكريس النخبوية والإضرار بمبدأ تكافؤ الفرص، ذلك أن فرنسا استشعارا منها للخطر المحدق بلغتها، بعدما أصيبت بالوهن في عقر دارها، وبدا شبح الموت يزحف نحو القضاء عليها في كافة أرجاء العالم، وعملا على إنقاذها لم تجد من وسيلة لضمان استمرار نبضها عدا العودة إلى مستعمراتها القديمة ومن ضمنها المغرب، بهدف استقطاب نخبة من شبابه تكون قادرة على حمل مشعل الفرانكفونية. وإذا ما افترضنا جدلا أن الفرنسيين لا يرغبون سوى في دعم لغتهم عبر هذه الاتفاقية، فلماذا لم يتم التفكير في مساعدة تلاميذ المراحل الأولى على تعلم المادة كلغة انفتاح؟
إن مشكل تراجع منظومتنا التعليمية لا يكمن في لغة التدريس وحدها، كما يريد البعض أن يوهمنا، فالمسألة أكبر وأعمق من ذلك، وحتى إذا كان الأمر كذلك فلا يمكن بأي حال الرهان على لغة في طور الإفلاس، بينما توجد في متناولنا لغات أجنبية حية وقوية، يمكن توظيفها في مختلف المجالات العلمية، كالإنجليزية والألمانية، شريطة تعميم الفائدة على كافة تلاميذ المدرسة المغربية، دون أدنى ميز أو تمييز والالتزام بخصوصية المغرب الثقافية والتربوية... نحن نرفض أن يستمر تكريس التبعية للدولة الفرنسية اقتصاديا وتعليميا وثقافيا، فالاتفاقية تخدم مصالحها في بسط هيمنتها اللغوية والثقافية والحضارية أكثر من حاجتنا إليها، وهذا ما يفسر تشبثها بتوسيع عرضها التربوي بلا تكلفة مادية، من خلال استغلال فضاءات مدارسنا التعليمية، وإصرارها على إنعاش شبكة مؤسسات البعثة الفرنسية ومراكزها الثقافية، المنتشرة على امتداد التراب الوطني، ونرفض أن يظل مشروع أكاديمية مؤسسة محمد السادس للغة العربية، مجرد سراب طوال أكثر من عشرة أعوام، علما أن من بين أسمى أهدافها تحديث اللغة العربية وتبسيطها أمام كل الشرائح الاجتماعية وفي سائر مناحي الحياة العامة...
لنجعل الصدق والصراحة عنوان مستقبلنا ونعمل على وضع إستراتيجية شاملة، لما ينبغي أن يكون عليه تعليمنا ولغات التدريس، وليس عيبا الإفصاح عن أخطائنا وإخفاقاتنا متى دعت الضرورة إلى ذلك، بدل التمادي في سياسة التعتيم والهروب إلى الأمام. فلن تستطيعوا حجب نور الشمس بغرابيلكم الصدئة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.