زخات رعدية مرتقبة اليوم الخميس ببعض مناطق المملكة    مكتب الفوسفاط يعتزم إنجاز استثمارات تتجاوز 139 مليار درهم في الفترة 2025-2027    عدد الموظفين المدنيين في المغرب بلغ 570.917 موظفا عام 2024 أكثر 64.4% منهم في قطاعي التعليم والداخلية    تنسيق أمني إسباني مغربي يطيح بشخصين ينتميان لتنظيم "داعش" بمليلية المحتلة    التعديل الحكومي في المغرب.. إعادة هيكلة الحكومة لتعزيز الفعالية ومواجهة التحديات    دوري أبطال أوروبا.. الصدارة إنجليزية    ملاطي: الذكاء الاصطناعي بالتوثيق يساعد على مواجهة جريمة غسيل الأموال    نهضة بركان ينتصر ويصعد إلى الصدارة    الزمامرة يخطف فوزا قاتلا أمام طنجة    من أوحى له بمقترح التقسيم؟    خبراء يناقشون تحديات الذكاء الاصطناعي        حزب الله يؤكد مقتل هاشم صفي الدين في غارة إسرائيلية سابقة    شركة الخطوط الملكية المغربية ترتقب اختتام سنة 2024 بتسجيل 7,5 مليون مسافر (تقرير)    بعد إعفاء إبن بركان محمد صديقي.. من هو وزير الفلاحة الجديد؟    أمين عدلي يتعرض لإصابة قوية أمام بريست (صورة)    إقليم العرائش يشهد حوادث سير مميتة    بتعاون أمني مغربي.. اعتقال شخصين في مليلية بتهمة الارتباط بداعش    امطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    السلطات في الدار البيضاء تسمح بفتح الحمامات بشكل يومي    كلمة .. وزراء يغادرون دون تقديم الحصيلة        3 قتلى و14 جريحا في هجوم قرب أنقرة    دراسة: الاستماع للموسيقى يعجل بالشفاء بعد الجراحة    مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين يعقد دورة غير عادية لبحث الوضع في غزة    متابعة زوجة يوسف شيبو في حالة سراح    مكافحة القنص الجائر.. تحرير 52 محضرا في الفترة ما بين 20 شتنبر و20 أكتوبر الجاري    بعد «كسرها العظم» وسيمة الميل تطل من نافذة مغربية    الذهب يرتفع ويسجّل مستويات تاريخية غير مسبوقة    الفنانة زهرة حسن في عمل فني جديد بعنوان «تيميزار»    19 يوما من إبادة الشمال.. إسرائيل تواصل القتل والحصار والتطهير    مؤتمر دولي لتكريم الدكتور حنون    توقيف ثلاثيني بأكادير بتهمة النصب والاحتيال عبر النت    أنشيلوتي: "فينيسيوس سيفوز بالكرة الذهبية"    موكوينا يستدعي 22 لاعبا لمواجهة النادي المكناسي    استطلاع: المغاربة يعتبرون الصلاة متفوقة على التلقيح في الوقاية من "كوفيد"    هذا ما قاله غوتيريش عن مدى احترام المغرب والبوليساريو وقف إطلاق النار    "جباليا الإباء خان يونس الصمود".. جمهور نادي الرجاء يتضامن مع غزة    شيرين عبد الوهاب: أول فنانة عربية تكتب اسمها في موسوعة غينيس    الجيش الملكي يستنكر تحكيم مباراة الرجاء ويدعو لتحقيق فوري    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم..    الدورة الثامنة لتحدي القراءة العربي تتوج ممثلي ‬فلسطين والسعودية وسوريا    الأول بإفريقيا والشرق الأوسط.. تدشين مركز ابتكار ل"نوكيا" بالمغرب    "لوبوان": هل أساءت المحكمة الأوروبية استخدام القانون بإبطال اتفاق الصيد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب؟    منظمة الصحة العالمية تعلن تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة    المغرب الثقافي .. حب واحتراق    تحديات عالمية ورهانات مستقبلية    وفاة وحالات تسمم ببكتيريا في أحد منتجات "ماكدونالدز"    تغييب الأمازيغية عن تسمية شوارع العروي تجلب انتقادات للمجلس الجماعي    كمال كمال ينقل قصصا إنسانية بين الحدود المغربية والجزائرية في "وحده الحب"    المستوطنون يقتحمون الأقصى في رابع أيام "ما يسمى عيد العرش"    النصر للشعب الفلسطيني وكل المدعمين له ..    الأولمبياد الإفريقية في الرياضيات.. الذكاء المنطقي الرياضي/ تتويج المغرب بالذهبية/ تكوين عباقرة (ج2) (فيديو)    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش ندوة 29 يناير 2014 التاريخية للمركزيات النقابية الثلاث .. اليوم لا مصلحة للطبقة العاملة المغربية في التقسيم
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 06 - 03 - 2014

كثيرا ما زفت إلى الرأي العام أنباء تتحدث عن مبادرات حزبية أو نقابية من شأنها مواجهة أزمات أو إكراهات سياسية أو اجتماعية استعصى الخروج منها بدون تصالح الفرقاء السياسيين أو الاجتماعيين وتقريب وجهات نظرهم ومواقفهم. كانت المبادرات الأولى في بداية سبعينات القرن العشرين متمثلة في تأسيس الحركة الوطنية بين حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والتي ما فتئت أو توقفت رغم ما جاء على لسان زعيم حزب الاستقلال المرحوم علال الفاسي أن ما قع بين الحزبين هو بمثابة زواج كاثوليكي. وستمضي عشرون سنة لتبعث هذه الكتلة في اسم جديد هو الكتلة الديموقراطية والتي تشكلت هذه المرة من خمسة أحزاب وازنة هي: حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية وحزب منظمة العمل الديموقراطي الشعبي، وما لبثت أن تلاشت بدورها.
وبالإضافة إلى هذه المبادرات الحزبية عرف الفضاء الحزبي والنقابي مبادرات أخرى لتوحيد المواقف تارة في إطار التنسيق وتارة في شكل اندماج، إلا أن هذه المبادرات التي تعتبر إيجابية رغم قلتها غير كافية إذا قورنت بما يناقضها من حدوث انشقاقات في الوسط النقابي والحزبي، وبصرف النظر عن الدوافع والملابسات التي كانت وراء هذه الظاهرة، فلا نتحين نكأ الجراح، ولا لمس المواقع الموجعة في أجسامنا كفاعلين حزبيين ونقابيين، فما يهم هو اغتنام أي مبادرة إيجابية لجبر الأعطاب التي انتابت تنظيماتنا الحزبية والنقابية، ولاسيما إذا كان الأمر يتعلق بتنظيمات تنتمي تاريخيا وتوجيها ورموزا- إلى ما أسمح لنفسي بتسميتها «فصائل الحركة الاتحادية».
وما يهم الأوساط النقابية ذات التوجه التقدمي الديموقراطي هو أنه ولأول مرة منذ سبعينات القرن العشرين تخصص جريدة وطنية صفحة كاملة (ص 7) لنشر لقاء بين قيادات نقابية مركزية لها وزنها وتأثيرها في المجال الاجتماعي وفي السياسي أيضا، يتعلق الأمر بقيادة الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديموقراطية للشغل والفدرالية الديموقراطية للشغل، وهي صفحة جديرة بتأطيرها وجعلها لوحة تتصدر الملصقات المعلقة في جدران المقرات النقابية لكونها وثيقة تعتبر بحق من أهم المبادرات التي عرفها الفضاء النقابي، ولأنها ستضع حدا لوضعية غير صحية ظلت الطبقة العاملة تعاني من انعكاساتها التنظيمية والاجتماعية على حساب مطالبها ومكتسباتها.
ما أروع أن يقرأ المناضلون النقابيون والمهتمون بالشأن النقابي جريدة الاتحاد الاشتراكي قبل نومهم يوم 30 يناير 2014 في كل من الرباط والبيضاء، وأن يقرأها نقابيون في مدن أخرى صبيحة 31 من نفس الشهر فيجدوا صفحتها السابعة مزدانة بشعار اختصرت فيه آمال كل المناضلين النقابيين ألا وهو: «اليوم لا مصلحة للطبقة العاملة في التقسيم»، وتحته صورة لمجموعة من قادة المركزيات الثلاث الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديموقراطية للشغل والفدرالية الديموقراطية للشغل، مشفوعة بعبارة «الوحدة النقابية سبيلنا للدفاع عن حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة المغربية (الدار البيضاء 29 يناير 2014 مكان وتاريخ لقاء المركزيات الثلاث)، وقد تضمنت الصفحة ملخصا هو أشبه ما يكون بمحضر لهذا اللقاء التاريخي، متوجا ببيان نعت بأنه «تصريح مشترك للقيادات النقابية إثر لقاء الأربعاء 29 يناير 2014».
وحسب الظرفية التي تم فيها اللقاء بين أطراف المركزيات الثلاث، والتي تتميز بتدوين كل تفاصيل ما تم التداول في شأنه وما التزم به مسموعا ومكتوبا ومصورا، فإن لا أحد يتجرأ على الإخلال بما قرره أو التزم به إلا من طبع الله قلبه بالخبث وقلة الحياء، وما أظن أن العمال المنتمين إلى هذه المركزيات يرضون أن يكون من بين قادتهم مثل هؤلاء لأنهم مهما اختلفوا فهم من حركة تاريخية امتزج في خلفياتها وأهدافها وأبعادها وتربية نشطائها ما هو وطني وقومي، وديموقراطي وتقدمي، وتلك هي الحركة الاتحادية التي لايزال سجل نشأتها مزدانا ببصمات المهدي بنبركة وعبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد، والمحجوب بن الصديق ومحمد عبد الرزاق والطيب بن بوعزة... ومحمد البصري وعبد الرحمان اليوسفي وغيرهم من الاتحاديين، الذين ساهموا حزبيا أو نقابيا أو إعلاميا أو بكليهما معا في بلورة المبادئ الاتحادية وأهدافها، وسواء منهم من الذين قضوا رحمهم الله، أو من لايزالون على الخط ومحتفظين على استمرارية الحركة وسط أمواج عاتية من الأزمات والإكراهات، ناهيك عن أولئك الذين صاروا في عداد البالغين من العمر عتيا والذين لم يعد يشغلهم إلا أمل واحد ألا وهو العودة إلى «الوحدة النقابية»، لأنهم بعد تجربة أكثر من أربعين سنة من التشرذم والقطيعة تأكدوا «ألا مصلحة للطبقة العاملة في التقسيم، لا قبلها ولا خلالها ولا بعدها». ولعل قادة «الحركة النقابية الاتحادية» قد استوحوا موقفهم من شعور هؤلاء علاوة على ما خلصوا إليه من تقييم العمل النقابي خلال هذه القطيعة، لاسيما وأن أغلبهم رافقها منذ بدايتها ولامس تداعياتها، وانعكاساتها السلبية ليس على الفضاء النقابي وحسب، بل وأيضا على العمل الحزبي والوضع العام بالبلاد.. ولا مبالغة إن قيل على مصير عدة قضايا مغاربية وعربية وإفريقية كذلك...
وبصرف النظر عن هذه الاعتبارات, فالعمال المغاربة ونقابيو الحركة الاتحادية، أمام مبادرة جريئة لا ينبغي التعامل معها من منطق «أنها مثل كل المبادرات السابقة التي فشلت»، وإلا سنبقى ضحايا السخرية والاستهزاء والشك والتشكيك وما دأب على ترويجه المستفيدون من التفرقة في أي مجال، ولاسيما في العمل النقابي أو الحزبي، كلما بدت مبادرة لجمع الشمل وإنهاء القطيعة. واليوم ليأخذ الاتحاديون العبرة من تجربة أكثر من أربعين عاما من الانشقاقات والقطيعة ولينشغلوا بالتأمل في أوضاعهم، وهم زمر في عدة فصائل حزبية أو نقابية يواجهون خصوم الديموقراطية والتقدم بنفس الشعارات، وليتأملوا جيدا ما تضمنته مبادرة 29 يناير 2014 وليحتاطوا من التعامل معها كما تعاملوا مع بعض من المواقف المشابهة لها باستخفاف وعدم المبالاة، فيصبحوا بما فعلوا مكرسين لأوضاع لم يستفد منها إلا المستغلون (بالكسر) ودعاة التفرقة أصحاب شعار «فرق تسد».
إن حرصي على التدبر في هذه المبادرة ينطلق من عدة اعتبارات أولها: أن حمولتها ليست من الأمور التي يختلف بشأنها «العقلاء» فوحدة طبقة لا تتناقض مصالحها مبدأ أساسي وكل تفريط فيه تقويض لأي مسعى يراد به تحقيق هذه المصالح. وثانيها: أن المبادرة صادرة من ثلاث مركزيات مهما اختلفت تنظيميا، فإنها تستند إلى مرجعية سياسية واجتماعية وفكرية وثقافية ذات توجه وطني تقدمي ديموقراطي كما سبق ذكره، وثالثها: إنه لأول مرة بعد أربعين عاما أو أكثر تأتي مبادرة من هذا النوع والمستوى انصب اهتمام أصحابها على تقييم الوضعية النقابية خلال أربعين عاما أو أكثر فخلصوا إلى شعار: «اليوم لا مصلحة للطبقة العاملة في التقسيم».
وللوقوف على أهمية المبادرة نرجع إلى محضر الندوة التي نظمتها المركزيات الثلاث يوم 29 يناير 2014 في مقر الاتحاد المغربي للشغل، غير أن هذه المبادرات قد لا تفهم من البعض إذا لم يعلموا أن لها مقدمات كانت تتمثل في لقاءات استوجبتها مناسبات وطنية تقتضي الإجماع الوطني بشأن قضايا مصيرية، أو إكراهات تستوجب التنسيق لاتخاذ موقف موحد ولكن ما أن تمر هذه المحطات حتى يعود «الشامي شامي» و»البغدادي بغدادي» كما يقال، ومع ذلك كانت هذه المبادرات رغم قلتها وعدم استجابتها لما تطمح إليه القواعد النقابية من «عودة الروح» للكيان النقابي وما هذه الروح إلا «الوحدة الاندماجية» التي تعتبر الغائب العزيز والعمود الفقري، الذي بافتقاده، تبقى الطبقة العاملة ضحية الاستغلال وألعوبة في أيدي الانتهازيين والمتاجرين والمستفيدين بالعمل النقابي في ظل التشرذم والانقسام.
وسيزداد تفاؤل النقابيين الشرفاء عندما نشرت جريدة الاتحاد الاشتراكي خبرا مفاده أن الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي ادريس لشكر، قام بزيارة لمقر الاتحاد المغربي للشغل، القصد منها إطلاع قيادته على المشروع الاقتصادي والاجتماعي الذي ينوي حزبه النضال من أجل تحقيقه، ولم تمض إلا أيام حتى نشرت نفس الجريدة خبرا مفاده أن الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل قد أعلن عن استعداد منظمته لمساندة المشروع المذكور..
وفي العدد 10610 الصادر بتاريخ 25 يناير 2014 (ص 2) نشرت جريدة الاتحاد الاشتراكي خبرا عن انعقاد «المؤتمر الوطني الاندماجي بين النقابة الديموقراطية للثقافة (فدش) والمكتب الوطني الموحد للثقافة (كدش)» يهمنا في هذا السياق اقتباس العبارة الآتية: «لشكر: الوحدة النقابية ضرورة حتمية لمواجهة القرارات اللاشعبية للحكومة»، إن هذا الحدث وإن اقتصر على لم شمل عمال من قطاع واحد في نقابة موحدة بعد أن كانوا منتمين إلى نقابتين هما (كدش) و(فدش)، يعتبر خطوة قد يقتدى بها في قطاعات أخرى إذا ما وظفت بوعي ورزانة وبعقلية جديدة غير تلك التي كانت تجلل وتقيم وتقوم بها القضايا العمالية وتقرر بمنظورها العلاقة بين الحزب والنقابة خلال مرحلة الستينات والسبعينات التي لم يكن فيها عدد الأحزاب يتجاوز اثنين كبيرين أحدهما تقدمي والثاني ليبرالي تعادلي، مما نجم عنه وجود خلافات أفضت إلى استشراء ظاهرة انشقاقات حزبية ونقابية اختلطت بسببها مفاهيم المصطلحات السياسية والاجتماعية.
لكن المناضلين النقابيين الوحدويين المتفائلين لا يقولون مثل ما قال المعري:
فيا موت زر إن الحياة ذميمة
بل يهتفون بكل قوة وحزم:
فيا عمال تعالوا إلى وحدة ***** بها تهد الصخور والجنادل
كيف لا ولم تمض على اندماج نقابتين إلا أيام حتى تلته مبادرة أعظم قوة وأكثر تمثيلا، وأشد التزاما وأقوى اقتناعا ب»لا مصلحة للطبقة العاملة في التقسيم».
لنستقرئ ما جاء في ندوة 29 يناير 2014 على لسان الأمناء العامين للمركزيات النقابية الثلاث وفي البيان الختامي المعلن عنه في هذه الندوة، فاعتمادا على ما نشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي فإن «الندوة الصحفية التي احتضنها مقر الاتحاد المغرب للشغل على مدى ساعتين، شرح من خلالها كل من محمد نوبير الأموي، ميلود مخاريق، عبد الرحمان العزوزي تفاصيل الإعداد لهذا الحدث التاريخي الذي أسس لانطلاقة جديدة لمنظور سياسي نقابي يؤشر على مسار جديد لعودة التنسيق داخل الحركات النقابية المغربية». وهذا ما عبر عنه الأمناء العامون للمركزيات النقابية الثلاث حيث اعتبر ميلود مخاريق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل (UMT) «أن الحضور المكثف الذي تابع أطوار الإعلان عن هذا الحدث النقابي، يعبر بحق عن مدى أهميته ضمن مسار تاريخ الحركة النقابية المغربية والمغاربية والعربية، وأن اجتماع ثلاث مركزيات نقابية كبيرة من أجل تنسيق المواقف وتوحيد النضال والتخطيط للآفاق المستقبلية ليس ظرفيا ولا تكتيكيا ولا مرحليا، بل مبني على قناعة راودت الطبقة العاملة المغربية، لأن الوحدة النقابية هي أكبر سلاح للطبقة العاملة، وأنه بعد اليوم لا مصلحة للطبقة العاملة في التقسيم»، ومن هنا يرى أن «تاريخ 29 يناير 2014 يسجل لمأسسة «الوحدة النقابية» التي تعد بمثابة ضرورة واستجابة للتعبير عن مطالبنا كنقابات مغربية خاصة ولاسيما في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية التي يعرفها المغرب مع الحكومة الحالية، التي تتميز بمجموعة من المؤشرات التي طبعتها احتقانات كبيرة وعرقلة الحوار الاجتماعي وضرب القدرة الشرائية...». من هذه المعطيات السلبية يخلص مخاريق إلى قوله: «وهكذا عجلنا كمركزيات نقابية بضرورة التنسيق والتصدي لهذا الهجوم المعادي للحركة العمالية وذلك بروح وحدوية بعيدة عن كل الخلفيات السياسوية»، أما الأمين العام للكونفدرالية الديموقراطية للشغل (CDT) فاعتبر من جانبه تاريخ 29 يناير 2014 «مرحلة ندشن فيها منعطفا جديدا للحركة النقابية المغربية، هذا المنعطف أملته الضرورة الوطنية والوعي بها، وذلك بعد أخطاء الماضي التي لعبت فيها الظروف السياسية»، وقد خلص بعد التذكير بالأوضاع المزرية التي تعاني من وطأتها الشغيلة في ظل الحكومة الحالية إلى أن «وحدة الصف النقابي ضرورية، لهذا نوجد أمام تحد تاريخي، ولن يخيفنا أحد ولن يرهبنا أحد (...)» وأشار إلى أن «التعامل بين المركزيات الثلاث سيكون واضحا والاتفاق سيكون بالتضامن ومن حق القواعد العمالية أن تحاسبنا». أما عبد الرحمان العزوزي الكاتب العام للفدرالية الديموقراطية للشغل (FDT) فأضاف إلى ما عبر عنه زميلاه مخاريق والأموي شعوره «بثقل المسؤولية والالتزام الذين يضعهما تاريخ 29 يناير 2014 على قيادات المركزيات الثلاث باعتبار المبادرة «خطوة تاريخية» بقدر ما كانت بدايتها سهلة فالاستمرارية هي الأصعب، لهذا لابد من حضور الوعي في المرحلة المقبلة، مع ضرورة وضع في عين الاعتبار العراقيل التي ستوضع أمامنا، وبأن عنصر نكران الذات كان شرطا أساسيا لاجتياز هذه المرحلة» هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما يطمئن المناضلين النقابيين على جدية مبادرة 29 يناير هو البيان أو التصريح الذي أعلن عنه في الندوة، والذي نقتطف منه الفقرة التالية:
«إن المركزيات النقابية الثلاث: الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديموقراطية للشغل والفدرالية الديموقراطية للشغل المجتمعة يوم الأربعاء 29 يناير 2014 بمقر الاتحاد المغربي للشغل بالدار البيضاء، بعد دراستها للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالمغرب، ووقوفها على أوضاع وقضايا الطبقة العاملة المغربية وعموم الأجراء، خلصت إلى إصدار تصريح تعتبر فيه أن هذا العمل المشترك هو في حد ذاته حدث تاريخي هام، حدث يعبر عن إرادة نقابية جماعية تهدف إلى توحيد الحركة النقابية المغربية قصد استعادتها لموقعها التاريخي الطبيعي في حركية الصراع الوطني والطبقي، ذلك لكي تلعب أدوارها في بناء مجتمع الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة والتوزيع العادل للثروة الوطنية في ظل دولة الحق والقانون والمؤسسات، ولصون وتحصين الوحدة الترابية في الأقاليم الجنوبية وتحرير سبتة ومليلية والجزر الجعفرية».
لقد استمرت الندوة لمدة ساعتين وما يهمنا فيها هو أن البيان اعتبر «أن هذا العمل المشترك في حد ذاته حدث تاريخي هام، حدث يعبر عن إرادة نقابية جماعية تهدف إلى توحيد الحركة النقابية المغربية قصد استعادتها لموقعها التاريخي الطبيعي في حركية الصراع الوطني والطبقي...».
إذن نحن أمام مبادرة تاريخية جريئة غير مسبوقة خلال أكثر من أربعين عاما من مسار الحركة النقابية، بالنظر إلى ما انتهت إليه من قرارات هي بحكم إصرار متخذيها التزام جانبه الأخلاقي أقوى من جانبه القانوني، التزام بإعادة النظر فيما اعترى العمل النقابي من اختلالات في التوجه والتنظيم، شعورا من الجميع ب»ألا مصلحة للطبقة العاملة في التقسيم» (مخاريق) وبأن «وحدة الصف ضرورية» (الأموي) و»هذه الخطوة التاريخية بقدر ما كانت بدايتها سهلة، فالاستمرارية هي الأصعب» (العزوزي).
وبتأمل الأقوال الثلاثة نجد أن بعضها يكمل بعضا، فالقول بألا مصلحة للطبقة العاملة في التقسيم معناه أن وحدة الطبقة العاملة ضرورية للدفاع عن مصلحتها والحفاظ على مكتسباتها... ولكن هل هذه الوحدة سهل تحققها؟ خصوصا وأن الأمر يتعلق بتنظيم اجتماعي نشأ في البداية موحدا، ثم اعتراه ما اعترى تنظيمات أخرى سياسية واجتماعية من تعدد وانشقاقات، غير مبررة، زاد من خطر تكريسها والتشبث بها، انتزاع امتيازات إدارية ومادية أفضت إلى نشوء قيم تنافسية أدت أحيانا إلى ممارسة أساليب هي |أقرب إلى العداوة والتآمر لم يستفد منها إلا الانتهازيون والوصوليون. وهنا تكمن صعوبة المهمة التي تحمل قياديو المركزيات الثلاث مسؤوليتها، وإلا سيواجهون من داخل مركزياتهم وخارجها عراقيل لا حاجة للتسرع في نعتها، ولا في نسب خلفياتها أو أبعادها، إذ يكفي أنها لا تختلف من حيث كونها عراقيل ينبغي التغلب عليها باستحضار تجارب أخرى لم يكتب لها التوفيق، سواء في العمل النقابي أو غيره، ومعرفة أسباب عدم استمرارها.
وفي نظري فإن ما يخشى على هذه المبادرة أن تبقى مثل أخريات سبقتها وفشلت بسبب بقائها محصورة في دائرة ضيقة أقصد بها القيادات المركزية وفي نظري أيضا، فإن مبادرة 29 يناير 2014 مبادرة طرحت ضمنيا على المركزيات الثلاث أولوية نقابية هي الانكباب بتطبيق ما نص عليه التصريح في الفقرة التالي: «إن المركزيات النقابية الثلاث (...) خلصت إلى إصدار تصريح تعتبر فيه أن هذا العمل المشترك هو في حد ذاته حدث تاريخي هام، حدث يعبر عن إرادة نقابية جماعية تهدف إلى توحيد الحركة النقابية المغربية قصد استعادتها لموقعها التاريخي الطبيعي في حركية الصراع الوطني والطبقي وذلك لتلعب أدوارها في بناء مجتمع الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة...» إذن لا ريب في أن «جوهر» حمولة هذه الفقرة وهي من ديباجة التصريح هو «توحيد الحركة النقابية المغربية قبل أي شيء، وإلا لما اختلفت هذه المبادرة عن سابقاتها التي ما إن تزول أسباب دواعيها الآنية حتى ينتهي كل شيء, في حين أن ما ينتظر من الفاعلين النقابيين ليس حصر لقاءاتهم في مجرد تعاون أو تنسيق ظرفيين، وإنما العمل على إنهاء ظاهرة التشرذم، وعلى استعادة الوحدة النقابية الكفيلة بمواجهة العملاق الموحد ألا وهو «لاتحاد العام لمقاولات المغرب»، ولتكن البداية هذه المرة من القواعد النقابية وعلى مستوى توحيد القطاعات العمالية في كل مدينة وكل قرية وليس الاكتفاء بحصر المبادرات بين القيادات المركزية. فالشجرة تينع أغصانها إذا رويت جذورها، «فيأيها القادة النقابيون إن عمال المغرب للوفاء بالتزامكم لمنتظرون».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.