«أمي، إذا توصلت بهذه الرسالة، فهذا معناه أني وصلت إلى هدفي»، بخط دائري و أنيق، تخبر أنيسة والدتها أنها ذهبت كي تساعد المقاتلين في سوريا. و على مدى أربع صفحات تشرح هذه الشابة البوردولية ذات الإثنين و عشرين سنة، دوافع اختيارها. ففي 19 نوفمبر/ أخذت أنيسة القطار إلى باريس، ثم إلى مطار رواسي - شارل دوغول، الذي انطلقت منه إلى إسطمبول. و بعد ساعتين بالسيارة، وصلت هذه الشابة الفرنسية ذات الأصول المغربية إلى قرية «سراكب» شمال حلب السورية، حيث لا تزال توجد إلى اليوم ربما. حسب أجهزة المخابرات، فإن «الجهاد النسوي» قد شد إليه حوالي ثلاثين شابة حتى الآن قد تنضاف إليهن 25 مرشحة للذهاب و حوالي عشرين «حالة» في الطريق. و هذه الظاهرة و إن كانت لا تزال هامشية، مقارنة مع ال 250 فرنسيا الذين تم تجنيدهم في الثورة السورية، فإنها تقلق خبراء مكافحة الإرهاب. لأن كل اللواتي استجبن لنداء الجهاد في سوريا يشتركن في أمر واحد هو اعتناقهم المفاجئ للإسلام الراديكالي. ففي حالة أنيسة، كان لقاؤها مع مناضلة في مثل سنها، سنة 2010 هو الذي قلب حياتها رأسا على عقب. فالشابة البوردولية (من بوردو) التي لم تكن تهتم بالدين و كانت تأكل لحم الخنزير، طفقت ترتاد بشكل متواتر مواقع دينية إسلامية على الأنترنت. و بمساعدة من رفيقتها الجديدة شرعت تحضر مؤتمرات لإسلاميين في باريس و ابتعدت تدريجيا عن عائلتها. في الرسالة التي وجهتها إلى والدتها، تقول أنيسة أن رحيلها قد جاء ثمرة تفكير طويل: «أرجوك أمي ، لا تنصتي للناس، و لا للإعلام، إسمعيني أنا، أنا إبنتك التي تعرفين أكثر من أي أحد آخر» ثم تواصل رسالتها : «البعض ينضم للجيش الفرنسي، يخاطرون بحياتهم من أجل بلد، لماذا هذا الأمر عادي بالنسية لهم و ليس عاديا لنا نحن المسلمون؟» أما بالنسبة ل»ديهيا» و هي تلميذة من غرونوبل في التاسعة عشر، فإن التغيير كان أكثر قسوة. فكما تحكي أختها «ناديا» : «لقد حدث الأمر فجأة، قبل سنة من الآن. بدأت ديهيا بوضع الحجاب على رأسها، ثم النقاب و القفازات على كامل جسمها و بدأت تتوجه للمسجد في حين أن عائلتنا مسلمة غير مطبقة». و بين عشية و ضحاها، دخلت الفتاة الشابة في حرب ضد أقاربها ، الذين تصفهم ب»الكافرين». و لاستفزازنا كانت تطلق أشرطة فيديو لمقاتلين إسلاميين و تتصور نفسها شهيدة. و تضيف نادية : «يحكون كلهم نفس القصة، أنهم سيذهبون للجهاد و إذا ما ماتوا سيذهبون للجنة...إنها تبعث لنا رسائل في الفيسبوك و ننجح في بعض الأحيان في التحدث معها تلفونيا» شقيقتها الأخرى «وريدة» توصلت في نهاية نوفمبر بهذا النص المبعوث من الخارج : «أنا ديهيا، أخبركن أني ذهبت للعيش في بلد آخر سأكون سعيدة فيه بديني، لقد لقيت الترحيب لدى أسرة . لا تقلقوا علي. سأتلفن لكم حين أستطيع. قبلاتي أحبكم». و في الأسبوع المنصرم روت الشابة من خلال الأنترنت أنها تعيش في بيت كبير صحبة فرنسيات كثيرات، من بينهن أم و خمسة من أبنائها. و هي معتنقة جديدة للإسلام و على وشك الزواج من فرنسي جاء للجهاد. و تغتنم ديهيا، و هي التي لا تتحدث العربية و التي ذهبت بدون مال، الفرصة كي تطلب من أسرتها مساعدتها من خلال حساب بنكي أعطتهم رقمه. كيف تمضي حياتها؟ هل تشارك في المعارك، أم تعمل في الطبخ أو للترويح عن الجنود؟ و هذا ما تخشاه أسرتها، إذ أنه منذ شهور انتشرت شائعات حول «جهاد النكاح»، حيث أرسلت عدة شابات مسلمات، خاصة من أصول مغاربية، إلى الجبهة السورية لتشجيع المجاهدين و الترويح عنهم. يعلق رجل أمن مختص في مكافحة الإرهاب: « في البداية كان الأمر يتعلق ببعض الفتيات السريعات التأثر، اللواتي ذهبن و بعضهن عشقن المقاتلين الراديكاليين. و هناك لا نعرف كيف يعشن و ما حدث لهن. لكن المؤكد هو أن أي واحدة منهن لم تتحول إلى مقاتلة أو انتحارية لحد الآن، بالرغم من أن بعض المواقع الإلكترونية تبرز فتيات شابات جهاديات يحملن السلاح» و كما أظهرته حالة التلميذين الفرنسيين اللذين تلقفتهما الأجهزة في تركيا، فإن نداء سوريا يتوجه للقاصرين أيضاز فحسب وزير الداخلية، فإن حوالي 12 مراهقا يوجدون حاليا في سوريا، من بينهن بعض القاصرات. و هكذا فإن ديهيا قد تكون التقت مع تلميذة من ليون لا يتجاوز سنها السادسة عشر، تم إرجاعها من المطار في الوقت الذي كانت تحاول فيه التوجه إلى اسطمبول. و في «سين سان دوني» أفلحت فتاة في السابعة عشر في السفر لتركيا و توجهت أيضا إلى سوريا. ففي نهاية نوفمبر، بعد أن لم تعد حياة تأتي للثانوية، أبلغ الناظر بغيابها مما دفع الشرطة إلى فتح تحقيق ، فتبين أن حياة قد اشترت، بواسطة البطاقة الزرقاء لوالدها، تذكرتي طائرة لها و لرفيقة لها. رفيقة الجهاد هاته البالغة 19 من العمر، كانت حديثة عهد بالحجاب، ضدا على رأي والدتها الفرنسية من أصل سنغالي. فقد أغرمت الفتاة فيما يبدو بسلفي معروف من طرف الأجهزة و أصبح لها ولد منه. و في نهاية السنة المنصرمة، سافرت إلى سوريا صحبة وليدها ذي الخمسة عشر شهرا، رفقة حياة. و منذ ذلك الحين تبخرت الأم و وليدها و لم يعد يربطها بعائلتها أي رابط.... هذه الحالات جميعها يرى فيها المختصون بحثا من هؤلاء الشباب على قضية يملأون بها فراغا حفره مجتمع مادي يشعرون بأنهم مقصيون منه. فهم يريدون العيش ليس إلا... لقاء هذه الحالة مع نشاط متزايد داخل المساجد و في الأنترنت خلق مزيجا متفجرا. و في هذا السياق ، تقول أنيسة في رسالتها لوالدتها : « أنا بحاجة أمي إلى أن أساعد إخوتي و أخواتي في سوريا. إنهم بشر» و تنتهي الرسالة بهذه الجمل : « لا تبكي يا أمي، كوني قوية، فأنا لست ميتة و لكني فقط في مكان أنا سعيدة فيه». حقا؟ «ميلاني دولاتر» و «كريستوف لابي» مجلة «لوبوان» - 6 فبراير 2014