»نعيد في هذا المجلد، نشر نصوص كتبت في فترات مختلفة، على مدى ربع قرن (من 1983 إلى 2008). يتعلق الأمر بأربع وعشرين مقالة (9 منها بالعربية، و 15 بالفرنسية) صدرت في منشورات مغربية وجزائرية وفرنسية. وهي مقالات وإن تنوعت موضوعاتها وصياغتها، إلا أنها تشكل مع ذلك كلا مترابطاً يستمد وحدته واتساقه من القالب النظري الذي حضن تفكير المؤلف وغذاه. فالواضح أن عمل محمد العيادي يصدر عن تساؤل مستمر يدور حول الثلاثي الوارد في عنوان هذا الكتاب: المجتمع، التاريخ، الدين، حيث أن الانشغال بتحليل العلاقات بين هذه الحقول الثلاثة ظل حاضراً منذ أطروحته لنيل دكتوراه السلك الثالث (سنة 1983)، ليتأكد هذا الحضور سنوات عديدة بعد ذلك، في عمله الأكاديمي الذي أعده لنيل دكتوراه الدولة (1997) في التاريخ والعلوم الاجتماعية، وليشكل بعد ذلك، الخيط الموجه لمختلف مقالاته المجموعة في هذا الكتاب. تلقى محمد العيادي تكوينه في المدرسة العمومية والجامعة المغربيتين، وكان ينتمي إلى تلك الفئة القليلة من الباحثين مزدوجي اللغة الذين يجمعون بين المواكبة الدقيقة للإنتاج الفكري العربي، والمتابعة المتواصلة، منذ سنوات دراستهم، للنقاشات الكبرى التي كانت تدور في ميداني الفلسفة والعلوم الاجتماعية بفرنسا. وهو موقف فكري لازم محمد العيادي وتجلى في تعطشه للمعرفة، وإحاطته بالمصادر والوثائق، وفي تعدد الحقول العلمية التي ارتادها من تاريخ وسوسيولوجيا وأنتربوولوجيا وإبستيمولوجيا. [...] لا يدعي هذا العمل الإحاطة بكامل الإنتاج الفكري لمحمد العيادي، إذ لم ندرج فيه النصوص المتعلقة بالبحوث السوسيولوجية (مثل تلك المتعلقة بالقيم عند الشباب، أو بالممارسات الدينية...) كما أننا تركنا جانباً الكتابات التي أنجزت في سياقات ومناسبات وظروف طارئة، وكذا المراجعات النقدية للكتب، على الرغم من أهميتها الفكرية. وكما هو حال كل الكتب المجاميع التي تلتئم فيها نصوص متفرقة، فإن بإمكان قارىء هذا الكتاب، النفاذ لدينامية فكر قيد التشكل، حيث النصوص تتصادى وموضوعات يعاد تناولها ومراجعتها، ويعمق تحليلها باطراد. إنها تترجم على هذا النحو إيقاع حركة فكر في خضم العمل والاشتغال، وترسم علاوة على خط السيرة المتفردة للمؤلف، ملامح لحظة من لحظات المسيرة الفكرية لجيل بكامله«.