ثمة ظروف ذاتية أو موضوعية دفعت بالعديد من المسرحيين العرب إلى الهجرة نحو أصقاع مختلفة من العالم، قد تكون إنسانية أو اجتماعية، وقد تكون متصلة بالبحث عن فضاءات أرحب لممارسة الإبداع بكل حرية. وبذلك، اختط المسرحيون العرب المهاجرون لأنفسهم في تلك البقاع مسارات مختلفة، امتزجت فيها مقدراتهم الفنية ببيئات الإبداع والتدريب والتطوير، فأعطت تجارب إبداعية لافتة للانتباه. ورغم الجهود التي يقوم بها أولائك المسرحيون في هذا البلد أو ذاك من بلاد المهجر، من أجل التعاون والعمل المشترك سواء مع زملائهم أبناء تلك البلدان، أو القادمين من بلاد عربية متعددة، فإنها تبقى محدودة التأثير والفعالية. أما حين يلتقون في إطار قوي من أطر المجتمع المدني، فأكيد أن الآفاق ستكون مبشرة بنتائج أفضل؛ الأمر ينطبق إذنْ على البشرى التي أثمرت على هامش الدورة السادسة لمهرجان المسرح العربي المقامة أخيرا في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة. فبرعاية من الهيئة العربية للمسرح، عقدت مجموعة من المسرحيين العرب في المهجر، الملتقى التأسيسي لتداول الأفكار والمقترحات لتوطيد الصلات بين الحراك المسرحي العربي في الخارج، أفراداً ومؤسسات، في كافة أنحاء العالم ولكافة الشرائح والتخصصات والأعمار مع الحركة المسرحية في الوطن العربي. واندرج هذا الملتقى في سياق تنفيذ مشروع (المسرحيون المغتربون) الذي تم إطلاقه في مارس 2013، حيث تم العمل على جمع الاستمارات الخاصة بالمسرحيين العرب حول العالم (خارج الوطن العربي) وذلك لوضع التصورات والخطوط الاستراتيجية للعمل في عامي 2014 و2015. وأفاد بيان في الموضوع أن المجتمعين ناقشوا وسائل وآليات الإحصاء والتوثيق، لتدوين الحراك المسرحي، وإنشاء خزانة معلومات خاصة به كمؤسسات وأفراد، عِلماً بأنه تمت الاستجابة من قبل 93 من الفنانين والمؤسسات. كما اقترحوا البحث عن الوسائل والآليات لتوثيق الصلات بين المسرحيين خارج الوطن العربي بالحركة المسرحية العربية على كافة المستويات، بالإضافة إلى بحث شؤون الإنتاج والترويج بصيغها المتنوعة. وقد خلص المجتمعون إلى ضرورة تغيير المسمى العام للملتقى، ضماناً لشمولية المعنى، بحيث يتم تجاوز المسمى الأول (ملتقى المسرحيين المغتربين) ليصبح (المسرحيون العرب في المهجر)، وعليه يتم تعديل الشعار الخاص حسب المسمى الجديد. وتم الاتفاق على اعتبار هذا الملتقى تعاونية تجمعا للمسارح والمسرحيين العرب الذين يعملون خارج الوطن العربي، وكونه يأتي استجابة لمقترحات تقدم بها مسرحيون يعملون في أوروبا، بهدف الشراكة الإبداعية وتوطيد الأواصر مع المشهد المسرحي العربي. ويسعى (المسرحيون العرب في المهجر) إلى تعميم الاستفادة من الخبرات المهاجرة من خلال إشراكها في فعاليات وأنشطة المهرجانات المسرحية العربية، وكذاك إلى فتح أبواب المشاركة أمام المسرحيين من الوطن العربي في الأنشطة الدولية. كما يسعون إلى إقامة روابط مع أصدقاء الثقافة العربية من غير العرب حول العالم. ولتحقيق هذه الغايات، يناشد (المسرحيون العرب في المهجر) كافة المحافل المسرحية العربية النظر بعين الاعتبار الجهود المسرحية التي ينجزها المسرحيون في المهجر لتأخذ مكانها في خارطة المسرح العربي. كما يدعون كافة الباحثين والمترجمين للإسهام في الترجمة والنشر من وإلى اللغة العربية في مختلف حقول المعارف المسرحية، حيث أبدت الهيئة العربية للمسرح استعدادها لإصدار هذه الإسهامات ضمن منشوراتها المختلفة. وفي إطار رعاية الهيئة العربية للمسرح لمساعي (المسرحيون العرب في المهجر) أعلنت أنها تستقبل، من خلال منسقية الملتقى، المشاريع ومقترحات العمل الموضوعة على أجندة 2015 وذلك لدراسة إمكانيات الدعم التشاركي لها، على أن تقدم هذه المشاريع والطلبات بما ينسجم مع مشروع الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية المنشور على الموقع الإلكتروني للهيئة وفي موعد لا يتجاوز 30/7/2014، وسيتم الإعلان عن المشاريع التي ستحظى بالموافقة إبان الملتقى الأول الذي سيعقد ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي يناير 2015 في المغرب. وقد حضر هذا الملتقى الأساتذة إسماعيل عبد الله أمين عام الهيئة العربية للمسرح والدكتور فاضل الجاف عضو مجلس أمناء الهيئة ومستشارها الدكتور يوسف عايدابي ومسؤول النشر والإعلام بها غنام غنام وكريم رشيد مسؤول فرقة "مسرح بلا حدود" في مالمو (السويد) وحازم كمال الدين (زهرة الصبار بلجيكا) وعبد الجبار خمران (بذور الشمس فرنسا) وندى حمصي (فضاء الثقافات المتعددة كندا). ويعول العديد من المهتمين بالمسرح على أن يعمل هذا الملتقى الجديد على تقوية الجسور ما بين مختلف التجارب المسرحية العربية، سواء كانت داخل الوطن العربي أم خارجه، وكذلك بينها وبين الكفاءات المسرحية الأجنبية، ما دام "أب الفنون" أنسب فضاء لتجسيد حوار الثقافات والفنون والأفكار، بغض النظر عن الفوارق الدينية أو اللغوية أو الاجتماعية أو السياسية أو غيرها.