الحكومة تصادق على مشروع قانون جديد لتنظيم مهنة المفوض القضائي    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بتحديد نظام البذلة الرسمية لموظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة    بايتاس يلوم الجفاف على عدم تحقيق نسبة نمو كبيرة للاقتصاد المغربي    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا        أخبار الساحة    الاتحاد الدولي لكرة القدم يحذر اسبانيا من احتمال سحب تنظيم كأس العالم 2030    بناء مستودع جديد للأموات في الناظور بمليار و 200 مليون    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    مذكرات توقف 3 أشخاص بالقصر الكبير    مطالب للحكومة بخطة شاملة لإنقاذ قطاع تدبير المعلومات والبيانات    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    تداولات خضراء في بورصة الدار البيضاء    وليد الركراكي يعلن لائحة المنتخب الوطني للتوقف الدولي لشهر أكتوبر وزياش ودياز أبرز الغائبين    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    غارات ليلية عنيفة بطائرات حربية في أقرب ضربة لوسط بيروت منذ حملة القصف    إصابة 23 تلميذا في انقلاب حافلة للنقل المدرسي ضواحي آسفي    تطوير طائرات مسيرة مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف عيوب عمليات البناء    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    كم يبلغ سعر الاورو والدولار هذا اليوم؟ .. بنك المغرب يحدد    والدة "أنور" تدلي بتصريحات مثيرة بعد تأجيل استئنافية طنجة النظر في القضية    من بينها "العدل والإحسان".. هيئات مغربية تواصل الحشد للمشاركة في المسيرة الوطنية تخليدا للذكرى الأولى ل"طوفان الأقصى"    سفير إسرائيل بالأمم المتحدة:الرد على هجمات إيران سيكون قريبا    توقيع اتفاقية لدعم القدرات الرقمية للمؤسسات التعليمية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل        إيقاف بن عطية 6 مباريات بسبب انتقادات حادة لحكم مباراة مارسيليا وليون    ارتفاع أسعار النفط في ظل تصاعد مخاوف جيوسياسية        مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    الرئيس الإيراني: "إذا ردت إسرائيل سيكون ردنا أقسى وأشد"    كيوسك الخميس | ودائع المغاربة لدى الأبناك تتجاوز ألفا و202 مليار درهم    إطلاق مركز للعلاج الجيني في شيفيلد برئاسة أستاذ مغربي ببريطانيا    النظام الجزائري يستغل التظاهرات الرياضية الدولية لتصريف معاداة المغرب        سجناء يتدربون على المعلوميات بخريبكة    مقتل صهر حسن نصر الله في قصف دمشق    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الفيزيائي الفلكي نضال كَسوم: الإسلام والعلم الحديث: هل من إمكانية للصلح؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 25 - 01 - 2014

اشتغل نضال كَسوم في لانازا لمدة، ثم درّس بعد ذلك في الجامعة الأمريكية بالشارقة - الإمارات العربية المتحدة. تُوجه له دعوات كثيرة للمشاركة في ندوات دولية، في العالمين الإسلامي وغير الإسلامي. وهو منشغل بخلق نوع من المصالحة بين التقاليد الإسلامية والصرامة المنهجية للعلم الحديث، من دون انقياد للمادية «الحداثية ».
يتوقف نضال كَسوم، في حوار أجراه معه موقع   
« oumma.com « ، بعد ظهور كتابه «مصالحة الإسلام والعلم الحديث - فكر ابن رشد»، عند العلاقات بين العلم والإسلام، التطور الدارويني، الجامعات في البلدان العربية والإسلامية، والإعجاز كما يُروج له كُتاب أمثال هارون يحيى أو الشيخ الزنداني اللذين يصف نضال كَسوم «منهجيتهما» ب «البريكولاج» العلمي.
{ ما هي العلاقات التي ربطها الإسلام، منذ مجيئه، بالعلم؟
يتوقف كل شيء على ما نقصده ب «علم» . و ينبغي التذكير هنا بأن لفظ «علم» في الثقافة الإسلامية شمولي جدا، واسع وغامض؛ فهو يعني»المعرفة» على مستوى عام أكثر من»العلم «. والعلم في الثقافة الإسلامية يضم كذلك المعرفة الدينية، أي شُعبا ك»علم القرآن»، «علم البلاغة»، إلخ. أما اليوم، فلفظ «علم» يعني العلم»الحديث»، الذي تختلف منهجيته - طبيعية، تجريبية، قابلة للتزوير - كثيرا عن العلم في القرون الوسطى.
بعد تقديم هذه التوضيحات، يبقى من الأساسي أن نذكر بأن الإسلام، ابتداء من الآية الأولى التي اُنزلت على النبي « (صلعم)» حتى آخر حديث له، شجع دائما البحث عن المعرفة بجعله العلماء في أعلى مرتبة الإنجاز على المستوى البشري. ويهدف الإسلام اليوم إلى التقدم المتواصل للإنسانية. لكن، ورغم كون الإسلام يشجع البحث ولا يسطر، قبليا، أي حدود لمجال التقصي، فغالبا ما طرح العلماء (الديدنيون) الشرط التالي: لا ينبغي أن تعارض المعرفة الدنيوية أو تسائل «الثوابت « الإسلامية. بذلك، انطلقت أحيانا صراعات بين التصريحات، التأكيدات، والنتائج التي يعلن عنها علماء الشعب العقلانية والشعب الدينية.
لقد سبق وعشنا هذه الوضعية في الماضي، لا سيما بخصوص الخلافات بين المعتزلة و الأشاعرة، حول قضايا ذات طبيعة تبدو أحيانا كقضايا لاهوتية ، كالسببية بناء على الفعل الرباني: هل يحترق القطن لأننا وضعناه فوق النار، أم لأن الله قرر ذلك في تلك اللحظة؟ أو بين ابن سينا، الفرابي، الغزالي وابن رشد.
ولا زلنا، اليوم، نعيش هذا النوع من الصراع حين يعلن العلماء (العلوم الفيزيائية أو العلوم الإنسانية) فرضيات، نظريات، أو نتائج يرفضها العلماء الأورثودوكسيون على أساس ديني صرف.
{ يعتبر الدين والعلم شعبتان مختلفتان كليا. هل يوجد طريق وسط بين التوفيق والانفصال؟
قبل الرد على هذا السؤال، ينبغي أن أوضح التصريح الأول. إن الدين نظام لتفسير وجود الإنسان، نمط للعيش في انسجام مع الله، مع البشر ومع الطبيعة، وهو أيضا وعد بوجود آخر بعد الموت مقارنه مع الحياة الدنيا.
العلم نظام للمعرفة الإنسانية يتعلق بما يحيط بنا. إنه إذن بناء إنساني، لكنه بناء له أسس ومساطر للتحقق. لذلك، فإننا نرفض اقتراحا علميا لا يتفق مع ملاحظة أو مع تدبير معين، أو نرفعه إلى مرتبة «الحدث»، بعدما تثبت التحقق منه مرات عديدة ومن طرف العديد من الخبراء الواحد بعد الآخر بشكل مستقل.
يبقى، إذن، وجود منطقة واسعة للتفاعل مع مجالي المعرفة أو النظامين هذين. مثلا، الدين يأخذ بعين الاعتبار الطبيعة ويتحدث عنها، لكن ليس بطريقة تفسيرية، فهذا وقف على العلم. يبقى علينا إذن أن نخلق نوعا من التناغم بين الخطابين. إن العلم يحصل، من جهة أخرى، على بعض النتائج، ويقدم بعض التفسيرات للظواهر التي تحيط بنا - في الكون، فوق الأرض، داخل الإنسان نفسه - وتأويلها غالبا ما يكون مفيدا لتسليط الضوء على الدين.
لكي ألخص: يتم تفسير الظواهر بالعلم وليس بالدين، في حين أن كل ما له صلة بالوجود هو من اختصاص الدين. وتوجد، بين الاثنين، مناطق بإمكان كل واحد منهما أن يسلط فيها ضوءا مفيدا للآخر.
إن دعاة الانفصال مفكرون يصرون على عدم وجود أي تقاطع بين المجالين. أن كل واحد منهما يهتم بشأنه ونبقى بذلك آمنين، كما يصرحون. و دعاة التوفيق، يدّعون بالمقابل أن كل شيء مندمج، ويشيرون في الغالب إلى أن العلم مجرد مظهر من مظاهر حياتنا. لابد، إذن أن يسيره الدين وأن يكون تابعا له، ولا يمكنه التمتع بأية استقلالية.
{ ما هو رأيك في هارون يحيى والشيخ الزنداني اللذين يتخذان مواقف توفيقية بشكل واضح؟ هل يمكننا القول بأنهما يتبعان مسارا علميا فعلا؟
كل الذين يعرفون العلم معرفة جيدة، فلسفته وتاريخه، لا سيما العلم الحديث، ينتبهون وهم يقرؤون كتب هارون يحيى والشيخ الزنداني، إلى أن هذه الكتب لا تتبع أي مسار علمي. إنهما لا يعترفان بمبادئ قابلية التزييف، ولا بإلزامية إخضاع تلك الأعمال، فرضياتها ونتائجها، للمجموعة العلمية لكي تُشرّحها، لكي تؤكدها أو ترفضها، إذا وجدت فيها نقصا أو أخطاء كبيرة.
فالشيخ الزنداني، مثلا، يصرح بأنه وجد علاجا للسيدا - انطلاقا من بعض الأحاديث، كما يوضح -، إلا أنه يرفض الكشف عن منهجياته وعن صيغه، لم يعد ذلك علما إذن! أما هارون يحيى فيتبع نظاما توفيقيا مع القرآن الكريم وهو يُجري انتقاءات للجمل والصور التي نشرها العلماء. هنا أيضا لم نعد أمام علم، بل أمام «بريكولاج؛ !
إن أي عالم صارم، سواء كان مسلما أو غير مسلم، لن يأخذ تصريحات هارون يحيى والشيخ الزنداني مأخذ الجد، وغيرهما من الذين يشاركونهما»منهجهما»، وما أكثرهم اليوم !
{ هل تنتقد إعجاز القرآن بوجه خاص؟
نعم، إنها نظرية ظهرت منذ قرن تقريبا. وقد انتشرت بشكل ملحوظ خلال الثلاثين سنة الأخيرة. كانوا يتكلمون في البداية عن»الإعجاز العلمي»للقرآن، محاولين استحضار معرفتنا المتجددة باستمرار للطبيعة - بواسطة العلم - لكي نفهم بشكل الأفضل بعض الأيات القرآنية، مثلا الآيات التي تثير السماوات، النجوم، القمر والشمس، الجبال والمحيطات، إلخ.
مؤكد أنها فكرة محترمة، كما أنه لا ينبغي أن نخلط أو نشرع في الانزلاق... باتجاه الإعجاز. لأن الأخير يذهب أبعد حين يُصرح بأن الآيات القرآنية تتضمن هي نفسها حقائق علمية، تم اكتشافها خلال العشريات الأخيرة أو القرون الأخيرة. ويقولون بأنها إذن معجزة علمية للقرآن، كحجة جديدة على مصدره الرباني.
إني أنتقد هذه النظرية بشدة لعدة أسباب:
1 - حين نقف عن قرب عند التحاليل التوفيقية التي يقوم بها دعاة إعجاز الآيات القرآنية، ننتبه بسرعة إلى أن معارفهم العلمية متكلفة، رديئة، مغلوطة أو مهجورة حتى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تأويلاتهم لبعض الآيات القرآنية تكون في الغالب مغرضة، حتى لا نقول «قسرية».
2 - إن القرآن، كما فسرت ذلك أعلاه بخصوص هدف الدين نفسه، لم يكن هدفه أبدا أن يصف لنا الطبيعة، لا سيما بطريقة علمية. هناك خلط خطير إذن بين نظامي فهم»العالم ؛ - في أبعاده الفيزيقية والميتافيزيقية.
3 - تقوم هذه النظرية بتحريف فهمنا للقرآن بادعائها تحديد معاني بعض الكلمات - المتعلقة بالطبيعة هنا - بينما يعرف العديد من المنقبين الحقيقيين - كانوا يعرفون - أن الآيات ملتبسة في معظم الأحيان، تتحمل معاني كثيرة وتسمح بقراءات على مستويات مختلفة.
4 - أخيرا، ونحن نرى هذا الكم من الكتب، من الأقراص، من البرامج التلفزية، من الندوات، إلخ... المخصصة اليوم لهذه النظرية، نعي أين وكيف يتم توجيه طاقات الأمة الإسلامية وتبديدها. نفهم إذن لماذا لا نتقدم في اتجاه تطور العلوم.
{ هل بإمكانك أن تقدم لنا مثالا لآية قرآنية يحاول دعاة الإعجاز أن يُضفوا عليها حمولة علمية؟
هناك أمثلة كثيرة، وقد ذكرت بعضها في مقال من جزأين حول هذا الموضوع نُشر على هذا الموقع قبل سنتين:»الإعجاز» العلمي للقرآن، وقد طرحت القضية بالتفصيل في كتابي»مصالحة الإسلام والعلم الحديث «، حيث خصصت للموضوع فصلا مطولا.
ومع ذلك، أقدم هنا مثالين مدهشين:
المثال الأول: مؤخرا حاولت ورقة « قُدمت خلال ندوة دولية خُصصت للإعجاز» أن تثبت أن آية النور - السورة 24، الآية 35 -، وهي إحدى الآيات الأكثر سموا في القرآن، تقدم مجازا بخصوص الله. وتتحدث هذه الآية بالفعل - وبذلك تكون قد تقدمت - عن ابتكار تيكنولوجيا الطاقة بخلية الهيدروجين.
المثال الثاني: الورقة الشهيرة لأستاذ الفيزياء بجامعة عين شمس، في مصر، الذي أسقط قيمة سرعة الضوء
299 792.5 km/s -
تبعا لحسابه - على الآية: « يُدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون «.
أترك للقارئ أن يقرأ آية النور وأن يتساءل فعلا إذا كانت تتضمن إحالة على الطاقة بخلية الهيدروجين، وأن يطلع على النقد المفصل الذي تضمنه كتابي ل « إسقاط « سرعة الضوء على الآية المشار إليها.
{ هل يمكن أن تقدم لنا تعريفا للداروينية ونظرية الخلق؟
الداروينية هي النظرية الراجحة حاليا بشكل أوسع، وهي تقدم تفسيرا علميا عاما لتطور الأجسام الحية كما نلاحظها في الطبيعة. ينبغي إذن أن ننطلق، في البداية، مما نلاحظه - مرفولوجيا الأجسام، الأُحفورات التي نصادفها وما تقوله لنا حول تطورها في الزمن، وأخيرا وبوجه خاص اليوم مجموع وراثة كل جسد. نستخلص، من هنا، بشكل واضح أنه حدث تطور بيولوجي خلال تاريخ الحياة فوق الأرض، تطور بداخل كل نوع وتطور كل نوع انطلاقا من الآخر.
كما ينبغي الإشارة إلى أن فكرة التطور هذه، لم يتم تحصيل أدلتها الأكثر قوة إلا خلال مائة وخمسين سنة الأخيرة، وبوجه خاص خلال العشريات الأخيرة. وفكرة التطور نفسها قديمة، ترجع إلى الإغريق على الاٌقل. وقد عبر عنها بشكل واضح كبار المنقبين المسلمين خلال العصر الذهبي للإسلام كالجاحظ، ابن مسكويه، ابن خلدون، إلخ.
إن الداروينية هي النظرية العلمية - المرتكزة أساسا على الانتقاء الطبيعي و « التغيرات « التي تطرأ على الأجسام بين وقت وآخر- التي حاولت - وقد حققت نجاحا كبيرا - تفسير ظهور أنواع جديدة والخاصيات التي تتم ملاحظتها في الطبيعة. فيما بعد، أدمجت الداروينية الجديدة التحولات الوراثية لهذه النظرية وهي تفسر بشكل أفضل العلاقات والتحولات التي تحدث والتي نجدها في الطبيعة.
مقابل ذلك، فنظرية التطور تأكيد أن الأنواع الحية - مختلف الحيوانات، النبات، البشر - خُلقت كما هي، أنها لم تعرف، في أغلب الأحوال، سوى - تطورات طفيفة -، أي في داخل كل نوع وليس أبدا من نوع إلى آخر.
{ هل بالإمكان أن نكون تطوريين دون أن نكون داروينيين؟
نعم، إننا نكون تطوريين وغير داروينيين إذا اعتقدنا بأن كل الأنواع الحية قد تطورت - في ذاتها وفيما بينها -، لكن ليس تبعا لنظرية داروين.
مثلا، اقترح لامارك فرضية - اكتساب سمات جديدة من خلال سلوك الجسد في محيطه الخاص - وقد تم رفضها بقوة، إلا أن بعض الملاحظين يؤكدون عليها اليوم.
آخرون يلحون على فكرة»البنيوية» التي ستكون حاسمة في تطور الأنواع وبروزها، أي أن الأشكال ليست فقط أكثر أهمية من وظائف الأجساد، بل إن هذه الأشكال مدرجة سلفا في الطبيعة من خلال القوانين البيولوجية / الفيزيائية / الكيميائية التي تحكمها، وهي قوانين في انتظار اكتشافنا لها...
ينبغي القول، مع ذلك، بأن معظم البيولوجيين اليوم داروينيون، إلا أن أقلية من المختصين - سيمون كونواي- موريس في كومبريدج وميكائيل دونتون في زلندة الجديدة - يطرحون هذا البراديغم العام للمسألة. وسنرى ذلك بوضوح أكثر خلال عشرية أو عشريتين. إلا أنه يبقى أن التطور نفسه لم يطرحه أي مختص للمساءلة.
{ هل يتموقع القرآن في منظور تطوري أم خلقي؟
يتوقف ذلك على الطريقة التي نقرأ بها القرآن! إذا تبنينا مقاربة حرفية للقرآن، سيبدو لنا «بديهيا» أن آدم خُلق كبشر مباشرة - انطلاقا من الطين، وليس انطلاقا من أنواع أخرى، حيوانية، سابقة -، ولا نرى كيف يمكن أن يتعلق الأمر بتطور بشري - وأقل من ذلك بالنسبة للأنواع الحيوانية كلها - خلال ملايين، بل ملايير السنين.
إضافة إلى ذلك، فالفكر الحَرفي يجعلنا نلاحظ بأن آدم خُلق في»الجنة» ثم طُرد إلى الأرض، ولا يتعلق الأمر إطلاقا بتطور انطلاقا من مقدمات صغيرة...
الآن، إذا قلنا بأن التطور واقع وأنه لا يمكن للقرآن أن يعارض الوقائع التي تمت ملاحظتها، وذلك هو المبدأ الذي أعلنه ابن رشد والذي بنى عليه فلسفته للتوفيق بين الإسلام والمعرفة العقلانية، نشرع إذن في قراءة القرآن بفكر جديد. ونحن نلاحظ في القرآن تصريحات وتلميحات أخرى. مثلا، كون القرآن يلح مرات كثيرة - ويقدم ذلك كحجة لغير المؤمنين - على أن الحياة خُلقت في الماء أو انطلاقا منه [ «أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون»،«والله خلق كل دابة من ماء، فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع. يخلق الله ما يشاء، إن الله على كل شيء قدير»].
أخيرا، هناك آيات يمكن فهمها بسهولة من منظور تطوري، إذا أضفيتنا عليها « القليل « من التأويل ( نشرتُ ذلك كله في كتابي، ضمن فصل طويل من سبعين صفحة ).
إن القرآن، إذن، موضوع تأويل على أكثر من مستوى، بما في ذلك مسألة التطور. لكن، أن نصرح بأن القرآن يُجبرنا على رفض أية نظرية للتطور، فذلك بكل بساطة دليل على الحَرفية ويؤكد نقصا واضحا في التنقيب (الإسلامي والعلمي ).
{ هل المبدأ الأوطوبي * براديغم علمي جديد بإمكانه طمأنة المؤمنين بخصوص وجود مبدأ خالق للكون؟
ينبغي، أولا، أن نميز « الضبط الدقيق « للكون عن « المبدأ الأنطروبي « : فالأول يشمل سلسلة من الاكتشافات / الإنجازات بأن العناصر الأساسية التي بُني عليها الكون ما كان لها أن تنتج الحياة، الوعي، الذكاء، الإنسان، لو أنها انحرفت قليلا عن القيم التي تمتلكها في كوننا ( «المضبوط بدقة» إذن).
ويستخلص الثاني من هذا الإنجاز بأن الإنسان ( « الأنطروبو «) يشكل هدفا أو إلزاما على الأقل، إكراها في بنية الإنسان وتطوره. إن « الضبط الدقيق « يرتبط بالعلم، و» المبدأ الأنطروبي « يرتبط بالفلسفة، بل باللاهوت.
بخصوص الأول، ليس هناك أي خلاف بين العلماء بكل ميولاتهم. وبالمقابل، فبخصوص الثاني، الذي يتخذ له صيغا كثيرة ( « ضعيف «، « قوي «، « فائق القوة «...)، هناك دائما خلاف. فالمؤمنون، بالطبع، ليسوا فقط مسرورين ب « الضبط الدقيق «، بل يُسقطون عليه بالقوة تأويلا إلهيا (كان الله يفكر في الإنسان، في الوعي، في الذكاء وهو يخلق الكون. لقد منح ثابتاته إذن القيم الجميلة...). بخصوص هذا الموضوع، كنت أصرح بإنه بإمكان العلم أن يسلط ضوءا على الدين / اللاهوت والعكس كذلك.
{ لكي نستخلص، وباعتبارك جامعيا، كيف تنظر اليوم إلى جامعات البلدان العربية والإسلامية؟
ليس هناك شك في كون جامعات البلدان العربية والإسلامية لا تعطي الكثير، وأنا ألجأ هنا إلى تورية. إنني لا أعبر هنا عن رأي، بل إن المعطيات الموضوعية هي التي تؤكد ذلك، على سبيل المثال الأرقام التي يتضمنها تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية أو البنك العالمي. تثبت هذه الأرقام والتقارير، مثلا:
1 - من بين 2000 جامعة في العالم لإسلامي، قليل جدا منها يرد ضمن أحسن 500 جامعة على الصعيد العالمي.
2 - عدد المنشورات العلمية التي تنتجها جامعات البلدان الإسلامية يمثل تقريبا 1.1 % من المنتوج العالمي.
3 - سنة 1999 ، تم فقط تسجيل 134 ابتكارا في العالم الإسلامي، مقابل 3076 في إسرائيل.
4 - عدد المقالات العلمية التي يستشهد بها كثيرا مليون مواطن هي: 0.02 في مصر، 0.01 في الجزائر،0.53 في الكويت، مقارنة مع 38 في إسرائيل، 43 في الولايات المتحدة الأمريكية،80 في سويسرا...
تقف وراء هذه الوضعية عوامل كثيرة مركبة. يلزمني أكثر من حوار لعرضها وتحليلها. إلا أن ما يصدمني أكثر، تلخصه نقطتان:
1 - التسيير الكارثي لعدد كبير من هذه الجامعات
2 - غياب المعايير، بل الأخلاقيات، الأكاديمية داخل هذه الجامعات نفسها.
بالفعل، لقد لاحظنا مرات عديدة مقالات نشرها باحثون لا ذمة لهم، يحركهم فقط فكر ميركنتيلي دون أي انشغال بالنوعية. أكثر من ذلك، مشكلة القرصنة (الفقرة، الصفحة، بل المقال كله يتم نقله وإعادة نشره ) أخذت تُطرح بجدية في العديد من البلدان الإسلامية؛ كل ذلك، دون أن نثير حالة الميوعة التي يوجد عليها التعليم في هذه الجامعات للأسف...
إذا كنا نعتزم الانخراط في إيقاع التطور، التناغم مع العلم والبحث المعاصر، الانسجام مع مبادئ الإسلام والمناهج التي تبناها واتبعها روادنا العظام ( ابن سينا، البيروني، ابن الهيثم، ابن رشد- كعلماء حقيقيين)، علينا حتما أن نراجع كل مقارباتنا للعلم اليوم، والكل معني بذلك: العلماء، علماء الدين، الطلبة وكذلك العموم.
* إنه المبدأ الذي ينص على أنه طالما توجد كائنات حية كالإنسان، فإن الكون يتلاءم مع وجودها بالضرورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.