{ أستاذ بسام مرحبا بك في جريدة الاتحاد الاشتراكي. بداية نريد أن نعود إلى بداية تأسيس المركز الثقافي العربي. متى؟ كيف؟ في الأصل كان المركز الثقافي العربي مكتبة تعتمد على استيراد الكتب المشرقية وتسويقها في المغرب. والمركز كمكتبة أُنشئ سنة 1962، وأنا التحقت به سنة 1977، كنا نسوّق كل ما نستورده من لبنان ومصر وسوريا والأردن. وكان عندنا زبائن من المثقفين والكتاب المغاربة، من مثل عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري وسالم يافوت. { هل تذكر أول كتاب نشره المركز الثقافي العربي؟ أول ما نشره المركز كانت هي كتب الدكتور محمد عابد الجابري، وفي نفس السنة نشرنا لعبد الله العروي وعلي أومليل. هؤلاء الثلاثة انطلق المركز بهم. وقد كانوا أصدقاء وزبائن في نفس الآن. لم تكن تربطنا علاقة ناشر وكاتب بل كنا أصدقاء. في تلك الفترة لم يكن لنا مكتب في بيروت، بل قمنا بنشر مشترك مع دور نشر لبنانية. كنا أول دار نشر توقع العقود وتلتزم مع الكتاب والمفكرين المغاربة. وأذكر أننا كنا نشترك في النشر مع دار لبنانية. وقد التفتنا الى أن هناك كتالب مغاربة يستحقون النشر. فأسسنا دار نشر في بيروت، وذلك كان حلمي، بل كان تطورا طبيعيا لأي مكتبة. هده هي البدايات، في بداية الثمانينات. { ذكرت مسألة العقود مع الكتاب والمؤلفين الذين ينشرون لدى المركز. منذ البداية بدأنا بالعقود احتراما للمثقف ولدار النشر التي أمثلها. لا يمكن أن أعمل مع أي شخص دون أن تكون الأمور موثقة، بحيث تضمن حقوقه وتضمن حقوقي. وأغلب الكتّاب الذين نشرت لهم كان العقد بيني وبينهم أدبي وأخلاقي قبل كل شيء، أما توقيع العقد فيأتي لاحقا. الأساس هو العقد الأخلاقي الذي يربط بين الناشر والمؤلف. كنت دائما أطمح إلى الاستمرار مع أي اسم نشرت له. وأغلبية الأسماء التي بدأت معنا استمرت معنا. وأنا دائما أحبذ أن يقول الكاتب وهو في غاية الاطمئنان: أنا سأتوجه إلى ناشري. هناك أسماء كثيرة لا تنشر سوى عند المركز الثقافي. هذا درب طويل مشينا عليه، وأنا مرتاح لهذا النجاح الذي حققه المركز الثقافي العربي. { هناك دور نشر عربية ومغربية لا تتعامل عن طريق العقود. ماذا تقول لهذه الدور؟ أقول لهم: أنا كمركز تعاملي كله كان موثقا بعقود. إن الناشر الذي يتعامل بدون عقود هو ناشر يفضل أن يترك نوعا من عدم الوضوح ومن الضبابية في التعامل. وذلك ليس في صالح الناشر إطلاقا لأنه في هذه الحالة الغامضة والفوضوية يُحرم هو نفسه من امتلاك أي حقوق عن الكتاب المنشور. ويمكن في أي لحظة أن ينشر المؤلف الكتاب في مكان آخر. والناشر يقوم بهذا الغموض حتى لا يؤدي حقوق المؤلفين. النشر حرفة كما قلنا، ومن لا يتقن أصول ومبادئ هذه الحرفة فليتركها لأهلها، الذين هم أهل الاختصاص. العقد شريعة المتعاقدين، كما يقال. إن قيمتك كناشر تكمن في حجم تعاقداتك، وفي حجم الكتاب الذين تنشر لهم. { النشر في العالم العربي والنشر في المغرب، ماهو المشترك والمختلف؟ النشر في بعض العواصم العربية تاريخه يتجاوز القرون وليس السنوات. النشر في المغرب حديث جدا، إذا تحدثنا عن بداياته منذ منتصف القرن الماضي. إنه نشر يفتقد للعراقة، وبذلك فهو غير متجذر. النشر في المغرب حديث. أغلبية الناس يفضلون النشر عربيا، أو الانتشار عربيا إن صح التعبير. إلا بالنسبة للكتب التي لها طابع مغربي مائة بالمائة فهي تُنشر في المغرب. لكن أغلب المثقفين يفضلون النشر في عاصمة من العواصم العربية: بيروت أو القاهرة أو عمّان أو دمشق. النشر المغربي توزيعه محدود جدا، لأن بعد المغرب الجغرافي يشكل عائقا بالنسبة للكتاب المغاربىة. انتشار الكتاب المغربي رهين بالخطوط الملكية المغربية التي تتعامل بالوزن بالكيلوغرام، فلا فرق لدى هذه الخطوط بين كيلوغرام طماطم وبين كتاب يزن كيلوغراما. { النشر في مصر عريق جدا، كيف تنظر إليه اليوم، فهو النشر الذي ينافس النشر البيروتي. مشكلة النشر في مصر كامن في كون المصريين يعتقدون أن كل ثقافة غير مصرية ليست ثقافة، وكل اسم غير مصري لا يمكن أي يضيف أي شيء للثقافة المصرية. هذا نوع من النرجسية. دور النشر المصرية لا تنفتح على أسماء غير الأسماء المصرية. وهم يعتبرون السوق المصرية هي سوق شاملة، وكل سوق عربية هي «خضرة فوق طعام» كما يقول التعبير المغربي الدارج. لذلك نادرا ما تراهم ينفتحون على الآخرين. في هذا السياق نجد أن المثقف المغربي منفتح على لبنان. القرب الثقافي، الاطلاع على اللغات الأجنبية، الاشتغال على نفس المواضيع. هناك تقارب كبيير بين المغرب ولبنان. جماليا ما ينشر في لبنان مُعتنى به أكثر. ومن الناحية التسويقية دور النشر اللبنانية أنشط من دور النشر المصرية. أعتقد أن تسويق الكتب المغربية التي نشرت في لبنان كان أفضل في المغرب وعلى نطاق أوسع من الكتب التي نشرت في مصر. والكاتب المغربي يكون مرتاحا ومقتنعا عندما يجد كتابه الذي نشره في بيروت مسوّق في بلده بطريقة جيدة. { على ذكر التسويق، تشكل المعارض مناسبة لهذه العملية التسويقية. كيف ينظر بسام الكردي لمعارض الكتاب العربية في ظل الظروف الراهنة؟ أكيد المعارض العربية تأثرت بالأوضاع العربية عامة. تأثرت إلى حد كبير بما اصطلح على تسميته بالربيع العربي. فالمعارض العربية في عدة عواصم عربية ألغيت، أو أقيمت وكانت إلى حد ما فاشلة. ونحن نتحدث معرض القاهرة مقام الآن، وقد بلغتني أخبار أن الإقبال الجماهيري ضعيف جدا نظرا لما تعيشه مصر من اضطرابات. وهناك معارض تأثرت سلبا إلى حد كبير مثل معرض تونس، معرض دمشق تم إلغاؤه. أغلب المعارض العربية التي كانت تتمتع بسمعة طيبة تأثرت بشكل كبير. والتأثر راجع أيضا إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أغلبية الدول العربية. { وكيف تنظر وتقيّم معرض الدارالبيضاء؟ معرض الدارالبيضاء لا يشكل حدثا أو عرسا أو حدثا ثقافيا بالنسبة للمغرب. هو معرض يقام في تاريخ معين لمدة معينة. نحن ألان على بعد أسبوعين من افتتاحه وليست هناك أية دعاية أو إشارة توحي إلى وجود معرض للكتاب بالدارالبيضاء. الدعاية منعدمة. هل لاحظت شيئا يشير إليه في الدارالبيضاء. شيء غير مفهوم. يتم الاهتمام بالمعرض يوم الافتتاح الرسمي فقط، وهذا شيء مؤسف جدا. ليس هناك لغاية اليوم أي إعلان عن أي برنامج ثقافي. صحيح أن هناك برنامج، لكنه موجود في وزارة الثقافة ولا علم لأي أحد به. كما أن هناك غياب تام للتنسيق بين الناشرين وبين الوزارة الوصية. هذا أمر مؤسف حقا. وأنا أشارك فيه منذ دورته الأولى لأنني أعتبره واجبا وطنيا. والحقيقة المرّة هي أنه معرض فاشل، ولكن المركز الثقافي العربي يصر على المشاركة فيه سنويا لأنه مقام على أرض بلدنا، ولو حسبنا حساب العقال لانتهينا من المشاركة فيه. فهو معرض إنزال لكتب ممن خارج المغرب بدون أية مراقبة. وهذا في حدّ ذاته فشل كبير. { كيف تستعدّون للدخول الثقافي و للمعرض وللموسم الجديد ؟ المركز سيشارك في معرض الدارالبيضاء بأزيد من ستين عنوانا جديدا: روايات عربية، روايات مترجمة، كتب في النقد في الفكر. { ماهي أهم العناوين التي ستكون في رواق المركز الثقافي العربي؟ هناك مجموعة من الكتب مثل ترجمة آخر كتب ميلان كونديرا، كتاب لأمبرتو إيكو تحت عنوان «اعترافات روائي ناشئ». رواية لإيمانويل شميدت، عمل للأستاذة لطيفة لبصير «محكيات نسائية»، إضافة إلى مجموعة من الكتب الفكرية التي ينشرها المركز مع مؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، وهي تفوق العشرين عملا. هناك أيضا كتاب «الشعر الشعبي الحساني»، وكتاب عن الشاي الصحراوي، وهي سلسلة من الكتب عن الثقافة الحسّانية، إضافة إلى ستين عنوانا ستعرض لأول مرة. { المركز يتعامل مع المترجمين وفق أصول عقود الترجمة، مثل حقوق الترجمة، وتعويض المترجم إلخ.... نحن نشتري حقوق الترجمة، وهذا أحد المحاور الأساسية الذي يعمل وفقه المركز: نشر الكتاب الأجنبي بعد ترجمته إلى اللغة العربية، ويتم ذلك حسب الأصول والقواعد الدولية. ونحن نتعامل مع اكبر دور النشر في العالم. فالمركز أصبح ناشرا معروفا في العالم كله. ونحن لا نتعامل إلّا مع دور النشر الأوروبية ذات الصيت والسمعة الكبيرة. نطلب حقوق الترجمة من أي دار ، ونكلف مترجما بترجمة العمل بعد شراء الحقوق، والمركز حريص على هذه المسألة.