النشر المغربي في أزمة. هذا أمر لا اختلاف حوله، باسثناء بعض دور النشر، وهي قليلة، التي حافظت على سمعتها ومكانته و رفعتها على خارطة النشر العربي، مثل «توبقال» و»الفنك» على سبيل المثال. أزمة النشر المغربي ولدت معه. أزمة محمولة في الداخل. أزمة بنيوية مستفحلة. و لا بوادر على الشفاء منها. ولكي نقارن حجم هذه الأزمة لابد من مقارنتها بدور نشر مغاربية، تونسية على الخصوص. فهذه الأخيرة تقدم نفسها متجددة بعد كل معرض كتاب. و المكتبات تستورد كتبها باستمرار، كما أن هناك دور نشر تولد حاملة معها مشروعها المختلف، و ليس المشروع المأزوم، كذلك الذي يحمله معه الناشر المغربي. وكأن مهنة النشر ليست مهنتنا. و المثير في دور النشر التونسية هو تألق المشاريع التي تتحمل مسؤوليتها إدارات الدولة نفسها. فهناك مراكز تابعة مثلا لوزارة الثقافة و المحافظة على التراث، مثل المركز الوطني للترجمة، الذي غذى المكتبات العربية بترجمات نفيسة في الأدب و النقد و الترجمة والفكر. و ما يثير في منشورات هذا المركز هو أناقة الطبع، الذي يتفوق بكثير عن الترجمات التي أصدرها المجلس الأعلى للثقافة المصري، الذي أصبح اليوم، مع رئاسة محمد متولي في عداد الماضي. و بالإضافة إلى جودة الطبع هناك حسن الاختيار؛ اختيار أسماء الكتاب و المترجمين. و مثل هذه النماذج الجادة التي تسير في طريقها بثقة، نفتقد إليها في المغرب. لذلك فنشرنا مازال يتعثر منذ سنين. و مرور السنين بالنسبة للناشر المغربي هي مراكمة الخسارة والديون. ترى ما السبب/ الأسباب؟ الأسباب الظاهرة هو سحنة الكآبة التي لا تغادر هذا الناشر. فما أن تبدأ في الحديث معه عن كتاب تود طبعه عنده، حتى يبادر إلى سرد حكاياته مع الخسارة المالية، ومع ضعف القراء، و انخفاض سعر الكتاب.... الشيء الذي لا يقوم به الناشر العربي سواء كان في بيروت أو سوريا أو الأردن أو مصر. ثم إن هذا الناشر يصعب عملية النشر عندما تقترح عليه نشر كتاب مترجم. ففي هذه الحالة يحدثك عن ترشيح الكتاب إلى الفرنسيين أو الانجليز أو الإسبان. و هنا الطريق يطول. فعليك أن تنتظر الموافقة، وهي عملية لا تنجح في غاب الأحيان، فهناك طابور من الناشرين المغاربة يطرحون مشاريع ترجمة كتب من لغات أوروبية. هذا عدا الجانب المالي الذي لا نعلم عنه شيئا. فهو سرّ بين الناشر و بين المركز أو الجهة الأوروبية التي ستدعم مشروع الترجمة. الطريق تطول، والكاتب أو المترجم يمل، فيقدم نفس الكتاب إلى ناشر في الشرق العربي، تمر أسابيع فتتوصل برسالة شكر على الثقة و أن الكتاب قيد النظر. يمر أقل من شهر يأتيك جواب الناشر بأنه سيطبع الكتاب. بعد ثلاثة أشهر أو أقل يأتيك اقتراح غلاف الكتاب، بعد ستة أشهر يطبع الكتاب، وتسمع أنه يجول كعارض الكتاب في العالم العربي. ترى، ما الفارق بين الناشر المغربي المتردد، المتقاعس، الذي يطرق الأبواب دون جدوى، وبين الناشر العربي الذي يطبع نفس الكتاب؟ الفارق هو الجرأة، الشجاعة، الأفق الواسع، الفهم العميق للعملية الثقافية، للكتاب و المهن المرتبطة فيه، للعلاقات المتعددة التي يقيمها هذا الناشر، للصحافة المشرقية التي تخصص فقرات لإصدارات الكتب...إلخ هذا ما يفسر هجرة الكتاب المغاربة نحو دور النشر في المشرق العربي. و ما على الناشر المغربي سوى مراجعة أوراقه، فالثقافة العربية اليوم أصبحت خارطة واحدة، قريبا سيحكمها سلطان الكتاب.