المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال (بوريطة)        هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام        وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب والجزائر: أربعون سنة من النّزاع التاريخيّ

من ْ أحداث إلى أحداث، عاشت العلاقات المغربية الجزائريّة فترات أزمة حقيقيّة. المقال التالي، الذي نترجمه عن المجلّة الشهرية الفرنسية «زمان»، دجنبر 2013، يقوم بتشخيص حدثيّ لمختلف فترات هذا النزاع، ويعود إلى خلاف عمره أربعون سنة.
قبل أنْ تندلعَ قضيّة الصحراء، كان السياقُ بين المغرب والجزائر متوتّرا، على الرغم من فترة انطبعتْ فيها هذه العلاقات بالسياسة الواقعية ، تُوِّجتْ بتوقيع اتفاقيتيْ إفران (1969) وتلمسان (1970) المتعلقتين برسم الحدود وقد كان موقف الفريق الحاكم في الجزائر من المحاولتين الانقلابيتيْن في المغرب غامضا: ففي سنة 1973، انسلّتْ جماعات مُسلّحة قادمةً من ليبيا، مرورا عبر الأراضي الجزائرية، إلى الجنوب الشرقي للمغرب، الأمر الذي دفع المرحوم الملك الحسن الثاني إلى مقاطعة قمّة البلدان غير المُنْحازة، التي انعقدت بالجزائر العاصمة سنة 1973. وخلال انعقاد أشغال القمّة العربيّة بالعاصمة الرباط، سنة 1974، حيث تمّ التعبير على أنّ الجزائر لا نوايا لها تُجاه الصحراء، فقد غادر الرئيس الجزائريّ الهواريّ بومدْين القمّة حتّى قبل انتهاء أشغالها، احْتجاجا على طرْح المغرب قضيّة المُطالبة بصحرائه أمام الجامعة العربيّة.
وفي خضمّ هذه الأجواء المتوتّرة أعطى بومدين حواراً لمجلّة «AfriqueAsie»، متحدّثا عن النظام «المنْخور» للمملكة الشريفة، ومُهاجما في الوقت ذاته النشاط التجاريّ للعائلة الملكيّة. وكان كلّ ما تلفّظ به الرئيس الجزائري يتّخذ طابع خطاب للمعارضة، أكثر ممّا هو خطاب صادر عن مسؤول لبلد جارٍ.
الوَساطة السعوديّة
ومع ذلك، ففي هذا السياق، انكبّ رئيس الدبلوماسية الجزائرية، عبد العزيز بوتفليقة، بتوافق معَ المرْحوم الحاج امْحمّد باحنيني، الذي كان يبْدو هو «السّيّد الجزائر» في دار المخزن، والذي استقبله الرئيس الجزائري بومدين في أكتوبر 1975، على إيجاد حلّ للخلافِ بيْن البَلَديْن. وكادت الأمور أنْ تَؤُول إلى مخرج، إلاّ أنّ الجيش الجزائريّ، بتواطؤ مع الخطّ الثوريّ، كان قد اختار التصعيد العسكري. ذلك أنّ المسيرة الخضراء اعتبرتها السلطات الجزائرية بمثابة استعمال للقوةّ، وزاد تدخّل الجيش الجزائريّ بأمغالا من استفحال التوتّر.
وفي المذكّرات التي كتبها الشاذلي بنْجديد، الذي كان رئيسا للمنطقة العسكريّة بأوراني، يقول بأنّ الرئيس بومدْين لمْ يختر المعركة الدبلوماسيّة إلاّ عندما تبيّن له بأنّ الاختيار العسكري لا يؤدّي إلى نتيجة. ومن ثمّ أمر بوتفليقة قائلا: «سّي عبد العزيز، هَيّءْ كَتيبتَكَ»، مقتنعا بأنه لا يمكنه تسوية الخلاف عسكريّاً.
كادت الأمور أنْ تصل إلى ما لا يُحمد عقباه، غير أنّ التوتّرَ كانَ تحت المراقبة، وكان من المفروض أن يلتقيَ رئيسا البلديْن سنة 1978 في بروكسيل من أجل تسوية خلافهما، إلاّ أنّ الرئيس بومدين وافته المنيّة بسبب مرض غامض ألمّ به، ومن ثمّ أصبحتْ قضيّة الصحراء مشكلة مُتوارثة. ومن جهة ثانية، فإنّ العربية السعوديّة، التي قامتْ بمساع حميدة من أجل إطلاق سراح الأسرى الجزائريّين المعتقلين في معركة أمْغالا، باتتْ هي الوسيط المُليّن في دبلوماسيّة الكواليس، وبفضل هذه الرّمزية في المعاملات، فحين «صادَفَ» الراحلُ الحسنُ الثاني الرئيسَ الشاذلي بنْجديد في طواف الكعبة، على هامش أشغال مؤتمر عربيّ، تبادلا التحيّة معا. فالكعبة «حُرم» تتبدّد فيه جميع الخلافات بيْن المُسلمين.
وقد استمرّ رئيسا البلدين في الالتقاء ببعضهما البعض، عبْر الوَساطة السعوديّة دائما، عاد الحدود بيْن البَلَديْن في المكان الذي يُسمّى «جوجْ بْغالْ»، أو «العقيد لطْفي»، خلال سنة 1983، ثمّ في سنة 1986. خلال اللقاء الأوّل، كان الحسن الثاني مصحوبا بابنيْه، سيدي محمّد، الملك الحالي للبلاد، والذي كانَ وقْتَهَا وليّا للعهد، والأمير مولاي رشيد. وقدْ كانَ الحسن الثاني يرغبُ، بكلّ تأكيد، في التذكير بحادث الطائرة المغربيّة التي كانت تقلّ الزعماء التاريخيّين، وأوقفها الطيران الفرنسيّ سنة 1956 منْ أجْل تفتيشها، في الوقت الذي كان فيه محمد الخامس مستعدّا لأنْ يبعث بابنيْه من أجل استقبال الضيوف، وإعادة ربْط العلاقات التي نُسجتْ خلال حرب التحرير.
بعد هذا، جاء دوْر الكلام. وفي هذا السياق قال الحسن الثاني، في حوار له، عن الشاذلي بنْجديد بأنه كان يحبّ المغرب. لكن الأمر انقلبَ حين استقبَلَ الحسن الثاني المبعوث الجزائريّ، الذي جاء لدعْوته حضور القمّة العربية التي انعقدتْ في الجزائر العاصمة سنة 1988. ساعتها ردّ عليه الملك بسرْعة قائلا: « كيف يمكن لي حضور الذهاب إلى الجزائر العاصمة وأنا لا أتوفّر على سفير هناكَ». لمْ يصدّق المبعوث أذنيْه، وكانَ على البَلَاد التي قطعت العلاقات الدبلوماسيّة أنْ تقوم بالخطوة الأولى من أجْل إعادة ربْطها، وبالفعل، فقد اتُّخذَ القرار بإعادتها.
كان الوقت وقت انفراج. فقدْ وقع اختيارُ الحسن الثاني على أحد أطبّائه، وهو الدكتور عبد اللطيف بربيشْ، ليكون سفيرا له في الجزائر العاصمة. وكأنه بهذا الاختيار كان يريد أن يبيّن بأنه ينبغي القيام بالتشخيص الجيّد من أجْل تقديم الوصْفة الملائمة. ومنْ جهتها، اختارت الجزائر الرّاحل عبد الحميد مهْري، أحد قدماء جبهة التحْرير الوطني المُحنّكين، والذي كانت تربطه علاقات جيّدة، خلالَ حرب التحرير، في الرّباط مع النّخبة الوطنيّة. وعلى هامش أشغال القمّة العربية بالجزائر العاصمة، التقى قادةُ البلدان المغاربيّة في المدينة مُنْتجع زيرالْدا، من أجل إعادة إحياء ذلك الحلْم القديم الذي طالما راودَ الحَرَكات الوطنيّة وحرْب التحرير بالجزائر، وهو خلق «اتحاد المغرب العربيّ».
إثر ذلك، تضاعفت اللجان الوزاريّة، وأدّى فتح الحدود بين البلديْن إلى قيام حركة مبادلة نشيطة ومتواصلة للأشخاص والممتلكات والأفكار.
واقعٌ جديدٌ
في فبراير 1989، وقّعت بلدانُ المغرب العربيّ الخمس المعاهدة «اتحاد المغرب العربيّ» بمدينة مراكش. وفي خضمّ هذا المناخ الإيجابيّ والهادئ، استقبل الراحل الحسن الثاني، في شهر مارس 1989 وفْدا عن جبهة البوليساريو, وكانت دلالة هذا الاستقبال قويّة، بقدر ما كان إشارة نحو الجزائر. وكان من شأن هذه الخطوات الثنائية الصغيرة، أنْ تفضي، بتعاون مع الأمم المتّحدة، إلى ّإيجاد مخرج لمشكل الصحراء. كان السبيلان، الثنائي الجانب، والمتعدّد، متكاملين ومتعاضديْن. على الأقلّ من المنظور المغربيّ، الذي لم يكن يقيم فرْقا بينهما، ولم يكنْ يعتبرهما أبدا على طرفيْ نقيض. وهو الأمر الذي أدّى إلى فسْح الطريق أمامَ مشروع التسوية الذي أشرفتْ عليه الأمم المتحدة في شتنبر 1990.
أمّا الجزائر، التي كانتْ تخطو الخطوات الأولى على درب التعدّدية الحزبيّة، فقد عرفت تسارعا في الوتيرة السياسيّة التي أفْضتْ إلى بروز فاعلين سياسيّين جُدُدٍ، في مقدّمتهم الإسلاميّون، الذين حصلوا على أغلبية الأصوات خلال الانتخابات البلدية في يونيو 1990. وفي أوْج هذا الاجتياح الإسلامي، أجْرتْ مجلّة إسلامية قريبة من جبهة الإنقاذ الإسلاميّة، هي مجلّة «المنقذ» حواراً مع زعيم حركة «العدل والإحسان»، الراحل عبد السلام ياسين. بعد ذلك بأسابيع، وُضع هذا الأخير تحت الإقامة الجبْريّة»
كان المغرب يتابع بحذَر وترقُّب الوضعية في الجزائر. وكان من المتوقّع أنْ يستقْبل الحسن الثاني، الذي حضر في يوليوز 1990 القمّة المغاربية الثانية، زعماء الأحزاب السياسية الجزائريّة. كان الحسن الثاني، في الحقيقية، يودّ لقاء زعيم «جبهة الإنقاذ الإسلامية»، عبّاسي مدني. لكنْ، كيف يمكنه لقاء الزعيم الإسلامي دون أنْ يتسبّب في إحراج السلطات الجزائريّة؟
وحين حلَّ الإسلاميّون الجزائريّون بالمغرب، وجدوا لدى الدكتور الخطيب، المقرّب من القصر، وذي الأصول الجزائريّة، ملاذاً وأذْناً مُصْغيةً واستشارةً وتواطؤاً. وكان من المتوقّع أن تنشر مجلة «جون أفريك» تصريحات مثيرة بعنوان ناريّ هو: «الحسن الثاني يصيدُ في المياه العكرة للجزائر». وكانَ الحسن الثاني قد استقبل جانْ دانييلْ، صاحب مجلة «لونوفيلْ أوبسرفاتور»، ومهندس التقارب المغربيّ- الجزائريّ (وهو بدوره من أصول جزائرية)، وقال له بأنه يرمي شباكه في هذه المياه لكيْ تصطادَ ما يمْكن اصطيادُهُ!. وفي السياق ذاته، انتقل المستشار الملكي رضا اكديرة إلى الجزائر العاصمة من أجل تهدئة غضب الشاذلي بنجديد الذي وجد نفسه في وضعيّة «سَمَكَة». غير أنّ العلاقات بين الرّجليْن لمْ تستعدْ بريقَها السابق.
وقد عملت كلّ من حرب الخليج، وقضيّة لوكربي، والاجتياح الواسع للإسلاميين في الجزائر، على خلق واقع جديد بدَّد الحلم المغاربيّ. منْ هنا فضّلَ المغاربة والتّونسيّون التعامل بشكْل ثنائيّ مع الاتحاد الأوربيّ، وهو الأمْر الذي لنْ ينساهُ أبَداً الجزائريّون الذين كانوا يجتازونَ في الدّاخل ظروفا صعبة.
فقدانُ مُحَاوِرٍ ثمينٍ
في دجنبر 1991، حقّقت جبهة الإنقاذ الإسلامية تقدّما كبيرا خوّل لها الحصول على أغلبية المقاعد منذ الدّور الأوّل. وهو ما جعلها في موقع قوّة يسمح لها بتغيير الدّستور لو شاءتْ. وفي يناير 1992، س»يستقيل» الرئيس الشاذلي ليتمّ تعويضه بلجنة عليا تتكوّن من خمسة أشخاص، ويرأسها محمد بوضيافْ، العائد من منفاه بمدينة القنيطرة، حيث كان يعيش بفضْل ورْشة لصنْع الآجُر كانتْ في ملكيته.
كان بوضياف يمثّل الأمل بالنسبة للجزائريين، بالنّظر إلى شرعيّته التاريخيّة. وكانت تحرّكه مقاربة ثوريّة تتمثّل في إعداد الشباب من أجل أخذ المشعل، وفي زعزعة الطابوهات. ولم تكن العلاقات مع المغرب غائبة عن برنامجه. في شهر يونيو 1992، سوف يجري بوضياف حوارا مع جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، عن طريق المرحوم محمد باهي حرمة الله، أحد أهمّ العارفين بالجزائر لكونه عمل بجريدة «الشعب» (صنْو الجريدة الفرنكفونيّة «المُجاهد»). وخلاله سيكشف بوضيافْ عن هويّته التي تنخرط في سياق الادفاعة الثورية لحركات التحرير. وقال إنه جزائريّ مغربيّ، أو مغربيّ جزائريّ. وحسب هذا المنطق نفسه، لمْ تكنْ قضيّة الصحراء لتنتصب كعائق، أو حتى لتفسد علاقات الودّ بين البلديْن. وقد كان ذلك مضرّا بالنسبة لأولئك المتشبّعون بما يسمّيه بنيامينْ سْطورا «وطنيّة الدّولة». سيأتي بوضيافْ إلى المغرب لحضور حفل زواج ابنه. وخلال هذه الزيارة، دعاه الحسن الثاني لعشاء على انفراد. بعد عودته إلى الجزائر، وخلال جوْلة له بمدينة عنّابة، صرّح، وكأنه يحدس بما سيحدُثُ: «الخير فينا والشرّ فينا». بعد ذلك بدقائق سيطلق عليه حارسه الشخصيّ وابلاً من الرّصاص. وقد علّق الحسن الثاني، فيما بعْد، على هذا الحادث قائلا:» كلّ شيء كان يدلّ على أنّ الأمر يتعلّق بتصفية-إعدام». أما داخل الأوْساط الجزائريّة، فقد كانوا يشبّهون ذهابَ بوضياف إلى الرّباط بذهاب السادات إلى القدس». وبذلك يكون المغرب قدْ فَقَدَ مُحاورا لهُ.
أحداث أطلس آسني
خلال شهر شتنبر 1993، سيعبّر الحسن الثاني، في حوارٍ لجريدة «الشرق الأوسط»، عن رأيه في توقّف المسلسل الانتخابي بالجزائر، وهو الموضوع الطّابُو بالنسبة للماسكين بزمام الحكم في البلاد. تحدّث بنوع من الاحتياط، مقدّما نفسه كأستاذ محلّل، ومعتبراً أنّ التجربة الإسلاميّة كانتْ بمثابة مُختبَرٍ. الأمر الذي ستعترض عليه الجزائر وتقوم بحملة شرسة ضدّ المغرب. لن تعود الأمور إلى سابق عهدها. ستغرق الجزائر في حرب أهليّة، وستخشى المملكة الشريفة من انتقال العدوى إلى ترابها.
وحين قام فرنسيّون من أصل جزائريّ بعمل إرهابيّ بفندق آسني بمدينة مراكش، في 24 غشت 1994، قرّرت السلطات المغربية، بطريقة أُحاديّة، خرْق معاهدة مرّاكش، وفرْض الفيزا على المواطنين الجزائريّين، بمن فيهمْ الفرنسيّين من أصل جزائريّ. غيْر أنّ ردّ فعْل السلطات الجزائريّة لمْ يتأخّرْ: النتيجة هي إغلاق الحدود الترابيّة.
«جْماعْة» بوتفليقة
وكان أنْ استؤنفت المُحادثات الدبلوماسية في دهاليز الأمم المتحدة. في هذا السياق عملت الدبلوماسية الجزائريّة على نسف قرار لمجلس الأمن، يقضي بتوسيع القاعدة الانتخابية للصحراويين في دجنبر 1995 للاستفتاء على الصحراء. ولم يتردّد المغرب، على لسان وزيره الأول عبد اللطيف الفيلالي، بطلب تجميد اتحاد المغرب العربي. وهو القرار الذي انتقده الكاتب الأوّل للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الرحمان اليوسفي في افتتاحية له بالجريدة. وكان يبدو أنّ عبد العزيز بوتفليقة هو المرشّح الأوفر حظّا في انتخابات 1999 الرئاسية بالنسبة للرباط. وبالفعْل، فقدْ انتُخِبَ في 15 أبريل 1999. وبعْد ذلك بيوميْن، سيعْرضُ التلفزيون الجزائريّ مسرحيّة موضوعها هو القصر الملكيّ، وتوجّه انتقادات قوية للملك. مباشرة بعد ذلك سيعبّر السّفير المغربيّ، المرحوم الدّغمي، عن احتجاجه الشديد، لكن سرعان ما وُضع حدّ لهذا الحادث: سيبعثُ الرئيس المُنتخب برقية كلها مدح في الملك الحسن الثاني. بعدها تمّ استقبال ادريس البصري، الرجل القوي آنذاك، استقبالا فخما بالجزائر. وكان من المنتظر أن يلتقي كلّ من الحسن الثاني وبوتفليقة، غير أنّ القدر قال كلمته، وتوفيّ ملك المغرب. وقد حَضر بوتفليقة مراسيم تشييع جنازته، وأعلنت الجزائر الحداد على من كانتْ تعتبره عدوّا لذودا ل الجزائرية. وقال بوتفليقة، في حوار له مع صحيفة «الشرق الأوْسط»، خلال حضوره جنازة الحسن الثاني، كلاما جميلا في حقّ خَلَفه محمّد السادس. غير أنّ وقوع حادث في بلدية بني ونيفْ، حيث عمد بعض الإسلاميين إلى اغتيال رجال درك جزائريّين، سيتمّ استغلاله من طرف المَصَالح الأمنيّة للبلديْن، وبالتالي يضعُ حدّاً للهدْنة. وفي فاتح شتنبر 1999، حين كانَ بوتفليقة يقومُ بجوْلة له من أجل الوفاق المدنيّ، سيخْتار بوتفليقة مدينة بشّار، الواقعة على الحدود بين البلديْن، من أجل أنْ يوجّه كلاما عنيفا في حقّ المغرب والمغاربة. غيْر أنّ الجمهور كانت له اهتمامات أخرى. كان الجمهور يتحدّث عن ظروف عيْشه أكثر ممّا يتحدث عن الجار «العدوّ». إلاّ أنّ الرئيس سيردّ بانْفعال: «آ جْماعَة، أنا لستُ مكتبا للشّكايات، أنا أحدّثكم عن المغرب، وأنتم تتحدّثون عن تحسين ظروف عيشكم».
أحدهما مُخطئ. مَنْ هو؟ الخطيب أو الجمهور؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.