نشرت بعض الصحف الجزائرية، اليوم، مقتطفات ضافية وملخصات للجزء الثالث من مذكرات وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، الواقعة في أكثر من 700 صفحة، تركز الحيز المهم منها على الأزمة السياسية العميقة التي مرت بها البلاد عقب توقيف المسلسل الانتخابي، حينما أحرزت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في جولته الأولى على نتائج متقدمة، اعتبرت إشارة على فوزها المحقق في الدورة الثانية، ما أدى إلى تدخل الجيش وإلغاء نتائج الاقتراع وإقالة الرئيس الراحل الشاذلي بنجديد. وقبل ذلك، يتحدث الإبراهيمي، عن الصراع الخفي على خلافة الرئيس الراحل هواري بومدين، بين وزير الخارجية حينئذ، عبد العزيز بوتفليقة و العقيد،محمد الصالح يحياوي، المسؤول عن حزب جبهة التحرير الوطني، والذي انتهى باختيار مرشح ثالث هو العقيد الشاذلي بنجديد، باعتباره أكبر الضباط رتبة وسنا وعضوا بمجلس قيادة الثورة الذي أطاح بالرئيس بنبلة يوم 19 يونيو 1965. وتضمنت المذكرات التي تغطي الفترة الواقعة بين 79 و1988، إشارات إلى نزاع الصحراء،على اعتبار أن الوزير الإبراهيمي، كان مكلفا بمتابعة الملف في رئاسة الجمهورية،من طرف الرئيس بومدين، ثم توليه وزارة الخارجية في عهد الرئيس بنجديد . وبتلك الصفة فإنه كان على علم بالكثير من أسرار و تفاصيل الملف الدقيقة، تأت له من المشاركة في أحداث ومفاوضات ولقاءات سرية أو اطلع علي معطيات من تقارير و مصادر على صلة قوية بالنظام . ولم يفرغ الإبراهيمي، ما في جعبته من أسرار عن نزاع الصحراء وخاصة المفاوضات السرية التي جرت بين الرباطوالجزائر والتي أفضت إلى لقاء، فبراير 1983، بين الراحلين الملك الحسن الثاني والشاذلي بنجديد، أعقبه لقاء بين الجانب المغربي وجبهة البوليساريو، في الجزائر في أبريل من نفس السنة، حسب ما ورد في مذكرات الإبراهيمي، نقلا عن الملخص الذي نشرته يومية "الخبر" الجزائرية في الطبعة الإلكترونية ليومه السبت. ومن الأشياء المثيرة التي يوردها الوزير الجزائري، أن بلاده نجحت في اقناع ملك المغرب بفكرة الحكم الذاتي في الصحراء، والاعتراف بأن الأصل في النزاع "مغربي صحراوي" وليس بين الأول وبلاده، دون أن يتساءل ما أذا كان ذلك الموقف مناورة سياسية مقصودة من الملك الراحل، أم اعترافا بالأمر الواقع كما تصوره المسؤولون الجزائريون دائما . وفي مكان آخر وفي نفس السياق، يروي الإبراهيمي أن ما كان يهم الملك الحسن الثاني، بخصوص الصحراء هو" الراية والطابع البريدي "التنبر" رمزي السيادة، وما سوى ذلك يمكن التفاوض عليه . وليس في هذا الكشف جديدا، أذ سبق للملك الراحل ان صرح بذلك للصحافة الدولية . وبشأن دور موريتانيا في النزاع، يؤكد الإبراهيمي أن عودة النشاط للملف الصحراوي، كانت من بوابة "نواكشوط" عقب الانقلابات التي شهدتها جارة المغرب الجنوبية، بعد الإطاحة بالرئيس الراحل،المختار ولد دادة، حليف المغرب في النزاع. ويتحدث وزير الخارجية الأسبق عن زيارته إلى نواكشوط، رفقة العقيد، قاصدي مرباح، رئيس المخابرات العسكرية ورجل ثقة "بومدين" في 22 أبريل 1978.وهو أي الإبراهيمي الذي الح على بومدين، لكي يكون مرباح إلى جانبه أثناء الاتصالات بشأن الصحراء، على اعتبار أن المغرب كمن جهته، يختار مفاوضين: عسكري ودبلوماسي. ولا يميط "الإبراهيمي" اللثام عن الضغوط بل التهديدات والضغوطات التي حملها هو ومرباح، للسلطات العسكرية التي استولت على الحكم في موريتانيا، وهي الضغوطات التي ظهر أثرها في اتفاق بين العسكر وجبهة البوليساريو، أخلت موريتانيا بموجبه الاراضي الصحراوية التي عادت إليها، بعد المسيرة الخضراء، ثم قرر المغرب فيما بعد استعادتها، ضمانا لأمنه وحدوده الجنوبية . تجدر الإشارة إلى أن أهمية المذكرات تكمن في أنها تقدم جانبا من الحقيقة، يتيح للمسؤولين الآخرينالإدلاء بوجهة نظرهم، تأكيدا أو تصحيحا وكذا بالتفنيد، وهذا لم يفعله المسؤولون المغاربة حتى الآن، خاصة وأن بعض الفاعلين الذين كانت لهم أدوار في ملف الصحراء ما زالوا على قيد الحياة، دون الزامهم بقول ما لا يجب أن يقال إلا في إبانه . ومن بين هؤلاء على سبيل الحصر، الأستاذ امحمدبوستة رئيس الدبلوماسية المغربية الأسبق، الذي تزامن توليه المنصب مع طالب الإبراهيمي.