1 يحمل موضوع »الإبداع الأدبي الأمازيغي« في عمق طياته وثناياه جملة من القضايا والأسئلة والإشكالات النظرية والمنهجية، من ذلك مثلا وبالأساس، مسألة الإبداع والإبداعية التي تعني، من بين ما تعنيه فرضياً، أن الأمر يتعلق بمظهر من مظاهر التعامل مع مادة أو عدة مواد لتحويلها من صيغة تكون عليها كما هي إلى صيغة جديدة أخرى، كما هو الشأن في سائر الفنون والأنظمة الوسيطة التي يتعامل من خلالها الكائن مع غيره ضمن شروط المجال الذي ينتمي إليه، في الرسم والغناء والرقص والنحت والموسيقى وسائر التعبيرات والطقوس والشعائر، على أن الأمر يتعلق هذه المرة بأفق مشترك محدد السّنن والأنظمة الإشارية التي تشكل منها المادة/ المواد الأصلية كالصوت بالنسبة إلى الغناء واللّون بالنسبة إلى الرسم، والجسد بالنسبة إلى الرقص والحجر أوالمعدن بالنسبة إلى النحت، والنغم بالنسبة إلى الموسيقى مقترنة بآلات العزف الوترية وسواها، وكذلك الشأن في أغلب أنظمة التواصل المادية والرمزية في مختلف الحضارات والثقافات والمجتمعات التي تهتدي إلى هذه المواد الأصلية وتطورها وتسعى إلى استخدامها وتوظيفها في حياتها اليومية بشتى مظاهرها المجتمعية والروحية الدينية والسياسية والتعليمية التربوية، ناهيك عن مظاهر الاحتفاء والاحتفال وطقوس الولادة والموت والزواج والأعياد الدينية والفلاحية وسواها، مما تتداخل فيه هذ المواد الأصلية مع الطقوس. 2 هكذا تخبرنا مختلف النظريات الكبرى التي تهتم بالتأريخ للمجتمعات القديمة، بقدر اهتمامها بمضامين الثقافة بالمعنى الأنتربولوجي وارتباط هذه الثقافة بشرط أساس هو شرط اللغة كنظام متعدد المكونات الصوتية والتركيبية والدلالية التي تقترن فيما بينها، بهدف التواصل، لتختلق »العلامة اللغوية«، ذلك المكون المركّب الذي يتحول الى مؤشّر هو بمثابة خزّان أو وعاء محمل بشتى وسائل التّرميز والإيحاء في التوظيف والاستعمال والتأثير في الفرد والجماعة إلى أن تستوي اللغة اللغات، بعلاماتها المركبة، إلى نظام مقنّن يقتضي نوعاً من الحرص على منحه نوعاً من السلطة في إدارة المجال التواصلي في هذه الثقافة أو تلك وبحسب الوظائف والتوظيفات وكذلك التمثلات، وبذلك نقتحم أفقاً آخر للتفكير في اللغة وفي الثقافة والمجتمع والتواصل بين الأفراد والجماعات، لأن مستويات استعمال اللغة ليست واحدة، ومنها الاستعمال الأدبي، أي ذلك المظهر الأفقي الذي يتميز عن سواه باللجوء إلى درجات أخرى في التأشير والاستعمال والانتقال باللغة من درجة الاستعمال الحرفي الآلي والآني، أكاد أقول العادي، إلى درجة التكثيف والإيحاء والاقتصاد و الإيجاز، كما هو الشأن في لغة لغات الشعر، اللغات الشعرية، وكما تسعى إلى الكشف عن ذلك مختلف النظريات العامة و الخاصة بهذه اللغات مع الحرص على الأبعاد الأسلوبية والبلاغية التي تستثني هذه اللغات، لكنها تبرز، في نفس الآن، مدى تعالقها مع أصل اللغة في امتلاك هذه الصفة أو تلك من صفات »الشعرية« خارج حدود الشعر. 3 إن الأمر، كما يبدو، ليس سهلا عندما تطرح قضايا الإبداع عموماً وتطرح قضايا الإبداع الأدبي ضمنياً، لأن الإبداع ممكن في شتى الممارسات والتعبيرات، كما أشرت في البداية، ويتحقق بحسب الوظائف والمواد المستعملة والوسائط، مشتركة أو منفصلة، بينما الأدب نظام آخر، رهين باللغة، بلغته لغاته، نعم، لكنه يحمل، في نفس الوقت، وفي عناصر محددة من تشكلاته وتمثلاته، ما يجعله يمتلك، في عمقه، ما لا يبعده عن الرسم وعن النحت وعن الموسيقى من خلال مظهر اتخاذ لغته لغاته وسيلة من وسائل جعل الكائن وجعل الأفراد والجماعات يراهن/ يراهنون/ تُراهن على تواصل أبعد وأرقى هو التواصل المجازي الاستعاري الذي لا يتحقق في الواقع إلا في حدود ما يسمى عادة »اللغة الثانية«، تلك اللغة التي تسمو عن الاستعمال المتداول وتُمعنُ في اقتراح نظامها الخاص في البناء والتركيب والدلالة، تؤكد ذلك لغة الشعر ولغة النثر أيضاً، ومن هذا المنظور، فتحدث عن »اللغة الشعرية« حين ترسم وتنحت وتنغّم صورها الشعرية، كما نتحدث عن »اللغة الأدبية«: اللغة الأولى لغة «»تخوصية»« إذا صح التعبير لأنها تخترق كل اللغات بما في ذلك لغة النثر أحياناً، بينما اللغة الثانية لغة مركزية، لأنها تتحول بالتدريج الى لغة مؤسّسية قِوامها أعراف وقيم وتقاليد أسلوبية في لحظات بعينها من لحظات تطور الأدب في هذا المجتمع أو ذاك، في هذه الثقافة أو تلك، خاصة عندما تتحول الكتابة الى نظام إشاري مرتهن بالمؤسسات المختلفة، ومنها مؤسسة الأدب كأجناس وأشكال وخطابات ولغات وأساليب، وما يمكن أن تقترحه اللغة الشعرية أو غيرها تتبناه اللغة الأدبية أو تقصيه، إذ يتدخل عنصر الذوق والتلقي على أساس من معايير تبدو جمالية في الظاهر، لكنها محكومة في العمق بسلطة لا يمكن صرف النظر عنها أو التقليل من شأنها هي سلطة الهوية، سلطة هوية اللغة بالأساس ثم سلطة الشعب والأمة، كما تكشف عن ذلك مختلف تنظيرات اللغة الأدبية وتنظيرات الأدب والثقافة. 4 ليست القضايا التي طرحتها الى حد الآن هي وحدها التي تفرض نفسها حين نسعى إلى مقاربة موضوع بمثل حجم وإلحاح وصعوبة موضوع «»الإبداع الأدبي الأمازيغي»الذي يبدو موضوعاً مركّباً في تقديري بحكم عدة قضايا تتحكم فيه بقدر ما تجعله موضوعاً قابلاً للعديد من التفريعات، منها، أولا، قضية وحدة هذا الإبداع بلغاته الثلاث ومدى توفّر نصوص تثبت هذا الإبداع وتثبت أدبيته من حيث طبيعة الاشكال الأدبية التي اتخذتها-تتخذها هذه النصوص مطية للتعبير والكتابة. قبل الحديث، قبل اي حديث، عن احتمالات امكانات تجنيسها وتجنسها نظريا ونقديا، ومن هذه القضايا، ثانيا، امكان الحديث عن لغة ادبية من داخل اللغة الامازيغية. سواء بالنسبة الى النصوص القديمة، الموروثة والمتوارثة. او النصوص التي يكتبها كتاب امازيغيون معاصرون في شتى الاجناس الادبية الحديثة من شعر وقصة ورواية ومسرح، وكذلك النصوص الشفوية، وتلك قضايا رهينة بدورها باسئلة أخرى ابرزها: عن اية ادبية يمكن الحديث بالنسبة الى الابداع الادبي الامازيغي، هل نستدعي مفهوم «الادبية» الذي راج- يروج على مدى عقود، منذ الشكلانيين الروسي، في نظرية نظريات الادب الحديثة والمعاصرة، ام نكد ونجتهد ونقترح ونغامر من داخل النصوص بغض النظر عن اشكالها واجناسها ولغاتها وخطاباتها؟ ماهي المقاربات التي يمكن الانطلاق منها: هل المقاربات النصية التي يوفرها التحليل البنيوي بشتى تصوراته ومفاهيمه، ام المقاربات التي تضيف الى التحليل البنيوي ما تصدر عنه نظريات التحليل السوسيولوجي والانثروبولوجي والثقافية خاصة حين نقرن كل هذا الذي طرحته بمفهومي الذاكرة والتخييل؟ 5 - الامر ليس سهلا، ليس سهلا، ليس سهلا. اكررها ثلاثا وانا اعي مدى صعوبة ومدى ضرورة التسلح بالعديد من التصورات والمفاهيم والمناهج والنظريات والاليات. ولعل المنطلق الذي اجد نفسي مدفوعا الى الجهر به هو ضرورة التفكير في امكان انجاز وتثبيت تاريخ للادب الامازيغي يأخذ بعين الاعتبار التصور العام لهذا الادب بنوع من الحفريات في الاجناس والاشكال واللغات والخطابات على اساس من التصنيف الى ادب قديم ووسيط وحديث ومعاصر، ثم تقديم مونوغرافيات خاصة بكل جنس ادبي مقترنا باشكاله المختلفة الشفوية والمدونة المكتوبة دون اهمال شرط المختارات التي من شأنها ان توفر للباحثين والدارسين والنقاد المتخصصين شروط المقاربات البنيوية اسلوبيا وبلاغيا وشعريا، ولعلي وانا اختار نص ملحمة ادهار اوبران: انشودة المقاومة الريفية (م. اقضاض، م الولي، م المناهل، الرباط، 2007 ط 1 235 ص 5) اجد نفسي متورطا. بما لم يكن في الحسبان تجاه نص من النصوص المشيدة لما يمكن ان يؤسس لاشكال توطين النص - النصوص في منظومة وصيرورة الابداع الامازيغي الحديث و المعاصر، كما اجد نفسي مكبلا بكل ما ذهبت اليه منذ البداية. لماذا؟ وكيف؟ اولا، لانه نص متعدد الهويات، فهو نص شعري شفوي، مرتحل، متعدد الزوايا، قابل للتجنيس بعدة صفات، قصيدة قصيدة شعرية شفوية، ملحمة انشودة مقاومة ثانيا لانه نص - وثيقة بالمعنى التاريخي والسوسيولجي، مداره صراع المغاربة الامازيغ، في شمال المغرب، مع الاستعمار الاسباني، في ظل احداث ووقائع الصراع العالمي بين العالم المستعمر واوربا في اوج تاريخها الحديث بين الحربين العالميتين. وما يهمني في هذا النص، في ضوء ما طرحته وفي حدود ما اقترحه كميا وكيفيا من خلال ثنائية «الشعر والسرد»، هو السعي الى ابراز خصوبة البحث في الابداع الادبي الامازيغي كما يكشف عن ذلك بحث محمد اقضاض ومحمد الولي من جهتة، في صلب انجازهما المذكور، والسعي كذلك من جهة اخرى موازية، الى قابلية العودة ادراجا الى اشكال وقضية تعالقات الشعر- السرد في بعض الادب - الاداب الكونية من خلال اشكال واجناس ونصوص ادبية متبقية. و لعلي في هذا الشأن، وفي هذا المجال النظري الواسع لا آتي بجديد ولن آتي بجديد، لان ارتباط الشعر بالسرد والسرد بالشعر وارد منذ القديم، وارد في الملاحم والاساطير وفي المسرحيات بهذا الشكل او ذاك، ومع مراعاة نمط المحكي والسرد والسارد الراوي، قبل تشكل جنس الرواية وبعدها، الرواية باعتبارها جنسا ادبيا بدأ شعرا قبل ان «يتنثر» في تقاليد الرواية في اوروبا، هذا الامر وارد، اذن بمقدور وروده في اشكال وخطابات ولغات غير ادبية كالتشكيل من خلال الجداريات بالمعنى القديم والحديث والمعاصر معا، ووارد في السينما باشكال متعددة بحيث يمكن الحديث عن سرد شعري في نماذج سينمائية بعينها، ووارد في الاشهار وهكذا دواليك، غيرا ن ارتباط الشعر بالشعر، حين يتعلق الامر بنص ملحمة ادهار اوبران، يردنا الى الجذور، يردنا الى الاصول والى صلب المسألة كيف ننظر الى هذا الارتباط هل نعتبره منطلقا فطريا، نابعا من ضرورة جمالية محددة كما تكشف عن ذلك اجناس واشكال ادبية محددة( الملحمة ،الاسطورة، القصيدة الجاهلية، القصة الفلسفية، الرسالة الفلسطفية) أم انه وسيلة يلجأ اليها المبدع - المبدعون عن قصد ووعي ورؤية للعالم كما في ملحمة جلجامش وفي ملحمتي الاوديسا والالياذة وفي المعلقات مثلا، وفي حي بن يقظان ورسالة الغفران؟ 6 - السؤالان مطروحان ويظلان كذلك مادام الامر يتعلق نظريا. بالابداع اولا، وبلغة الابداع بالمعنى الواسع ثانيا،لان الابداع لغويا رهين باللغة ورهين اصلا بما نقصده بمدلول اللغة وهي تسعى الى الانزياح حين يتعلق الامر بالادب، بالشعر وما شابه. اما في مجال الابداع بغير اللغة وحدها، كما هي، فان الوسائط تتعدد كما في السينما مثلا، او في سائر وسائط التعبير السمعي او البصري او هما معا، نموذج المسرحية الاذاعية وكذلك الاوبرا والاوبريت من منظور تعاملهما مع «المسرحية الشعرية» منذ عقود، دون ان نغفل تنويعات العرض المسرحي الذي يستند الى الرقص والتعبير الجسدي وهو يقتبس ما يقتبس من نصوص اسطورية وملحمية ومسرحية عن طريق الجسد والصوت وحدهما، غير ان هذا لا يحول دون حصول تقاطع بين الانظمة الاشارية المستدرجة للايحاء بالوقائع والاحداث واشكال الصراع، ومنها نظام الصوت والضوء والحركة مما يقود الى أفق نظري مداره الجمع بين (ال) خطاب و(ال) دلالة، خصائص ذلك مفهوم اللغة بالمعنى السيميولوجي الذي يحول «اللغة» و»اللغة الادبية» الى منظومة من علامات تعبر عن علامات تقترن بنظام تأشير عن الدوال والمدلولات في اصولها الاولى - الاولية. هكذا يتحول الشعر، كما السرد، الى نظام سمعي - بصري - لغوي ونقرأ النص كما نقرأ اللوحة او الجدارية أو الفيلم أو المسرحية، خاصة حين يتعلق بالصورة والمشهد، كما يتحول الأدب إلى نظام إيحائي لا تقدم فيه اللغة سوى مستوى من مستويات الايحاء والتعبير إبداعيا. ولعل السرد، باعتبار حكيه القائم فيه، كما في ملحمة ادهار أو بران، هو ما يوفر هذا الإمكان، كما وفره ويوفره في الملحمة والأسطورة والمعلقة والرواية وفي غير ذلك. 7- السرد، في ملحمة ادهار أبران، نابع من ضرورة »الحكاية، بالمعنى القائم في تنظيرات أرسطو بصدد مد لول» الفابولا« التي تعني أمورا شتى ك»القصة Histoire) و»الميتوس«، أي تلك السمة المحايثة التي تحيل على »النسج« و»البناء« والسبك بقدر إحالتها على البعد الرمزي في اختيار الشخوص والوقائع والأحداث من داخل الميتولوجيا في أصلها الفلسفي - المتيافزيقي إذ لا تكتفي بما هو »موجود« بل ترتقي إلى ما هو أبعد من الوجود، من ثم: يحضر ما وراء النص، في حدود محتملاته، وحينئذ نتجاوز كل الأبعاد النصية إلى الأيغوريا عبر متخيل مركزي متخيلات لا رابط لها إلا ما تؤسسه الدلالة وما يحظى به الميتوس، ذلك النص المتعالي القادم من أن اقصى ما يوفره التخيل، أي »التمثلات، ونمثل لذلك، حسب نص ملحمة ادهار أبران، بشخصية الراوي، صوته بالأحرى، الصوت الذي يحضر ويغيب بحسب محتملات التسريد، حين يصف تباعا فضاء المعركة وآليات الحرب وعساكر النصارى (إيروميين، ص 221) في مواجهة »ياث واريغر (ص222). كبيرهم وصغيرهم، ثم وهو يعوج، كما في بعض الشعر الجاهلي، على ديار بنت عمه خدوج متسائلا: »آربي، ما مش غاشغ؟« (ص222) عندما تستقبله بعد عودته، أولا تستقبله بالضرورة إذ يكفي استحضارها من بعيد بفعل الشوق والحنين والشجى، ولا نعلم، ليس علينا أن نعلم أصلا، هل شارك في المعركة أم نجا من الموت، لكنه يستوي شخصية من شخوص الحكاية: خدوج، في هذا المسار الحكائي والترهين السردي، أشبه ما تكون بصوت مضاعف يستثير الراوي ويشرع بلواه والمه وفجيعته، تراجيديته، لم لا؟ غير أ ن مجمل اشتغال مكونات الملفوظ الشعري على امتداد النص، مقترنا بالمكون السردي الملازم له أحيانا، سرعان ما يؤكد هيمنة ضمير المتكلم الذي يتقمص صوت »الجماعة«: »سوكند غاري ركنوس، يارساذيي ومنوس« (ص222) مخاطبا إياها: »كنيو إيرفيين ذيماهذن زي ربدا» (ص222)،. وبذلك تتأكد فرضية تعدد محافل وترهينات الخطاب السري بفعل تأثير إكراهات الخطاب الشعري، الإكراهات التي توفر لهذا الخطاب إمكانات التحول من ترهين إلى ترهين بحسب ضرورة شعرية قائمة أصلا في »لغة«» الشعر - لغات الشعر، ضرورة لا تحتفظ من الحكاية إلا بما يؤثث لانثيال متخيلها كما يفرض ذلك مقام ما يشبه »النسب« في الشعر العربي القديم مثلا: »أفاظمة تاريفشت شناماراتورو (ص222) وهكذا دواليك. 8- إن مظاهر التسريد في نص ادهار أوبران ليست مقصودة في حد ذاتها، بل هي طارئة وتنبع من ضرورة واستراتيجية التلقي السمعي للنص الشعري الشفوي كما يفترض في حالة نص مثل نص ادهار أبران، تلقى الحكاية أولا على لسان راويها - رواتها، ثم تلقي الخبر - الأخبار ثانيا مع مراعاة صيرورة مسار الأحداث والوقائع والشخوص إلى نهايتها: »أوراذيخ مايدار، أورا ذيج مايكار (ص224) ويعني: »لا أحد بقي حيا، لا أحد نهض حيث سقط بالنسبة الى المستعمرين من الجنود الذين أقبلوا للغزو والاحتلال والقتل والتشريد مستهينين ببسالة وإقدام وتضحية المجاهدين الأمازيغ الأحرار وقد هبوا للمقاومة بما توفر لهم من أسلحة بيضاء بما في ذلك المناجل: »شا يسيد اقرطا، شا يسيد إيميران (ص125) وبهذا المعنى يتحول هذا النص، في مجمله، الى أنشودة بالفعل، أنشودة للتذكير بمآثر ومزايا وشيم وقيم المقاومين ا لأبرار، بفعل قناعة روحية - وجدانية - دينية من منظور مدلول »الجهاد«، وأنشودة أيضا للتفجع والإصرار على عشق الارض والوطن والحرية والنساء، النساء باعتبارهن رمزا لكل هذا ولتلك لعلاقة الأنطلوجية المتعالية في تصور العالم الثنائي في مجمل الشعر الإنساني، في الأسطورة وفي الملحمة حين يتعلق الأمربتصور موضوعة الحق عموما والسعي الى جعل المرأة، لا الأنثي، أصل الأشياء، وهي في ملحمة - أنشودة ادهار أبران ذات تمظهرات ومجازات شتى، خدوج، فاظمة، ثرايثماس ونساء أخريات حاضرات في خلفية النص ضدا عليى نساء المستعمرين وكذلك ضدا على زوجة المخبر الذي لا يستحق الحياة (225/ص226)، من إيزري 127 إلى إيزري 132)، ولا تنغلق دائرة النص إذ ينفتح باب التأويل: ماذا بعد ملحمة ادهار أوبران؟ 9- إنها الهوية، هوية النص المرتحلة وهوية الخطاب وهو يتمفصل بين »السرد (ي) و»الشعر(ي) ويستقطب خطابات أخرى، خطاب تاريخي، خطاب »سوسيولوجي«، خطاب نفسي، ثم هوية الذات منذ عقود، بل منذ أزمنة شتى تخترق هذا الخطاب - هذه الخطابات المتعددة-المتنوعة تعدد وتنوع الشعر أصلا، قائمة في النص وفي خارجه. هوية الأصل دائما الهوية المفقودة التي ترممها القراءة الحفرية المقاربة النصية البلاغية للاشعارات والمجازات والبياضات، وهكذا نخرج من الأدب، من الابداع، من الشعر والملحمة الى الميتافزيقا. الأدب ميتافزيقا كما هي الهوية وحين يلتقيان، في هذا النص وفي غيره من النصوص الحاملة للقلق الوجودي الإنساني، فانهما يرفعان من درجة التخييل ويحولان فاعلية القراءة - المقاربة النقدية، بغض النظر عن التصورات والمفاهيم والمرجعيات النظرية والمنهجية، ناهيك عن القراءة الثقافية، انخراطا يكاد يكون طقوسيا وأشبه بالمغامرة التي تهدد اليقين المعرفي، ونص ادهار أوبران يمثل هذا التهديد لانه يقول لك: أنا نص، أنا نص شعري، نش تقسيست، لكنني شيء آخر، شيء آخر دائما، لأنني نص متعدد الهويات، متعدد الخطابات وإن كانت اللغة الأدبية واحدة، لأنني نص يتيم، ربما الرحم الوحيدة التي خرجت منها وعدت إليها هي رحم اللغة الريفية، ثم الرحم الثانية هي الذاكرة حيث يتقاطع التاريخ والوجود مع الهوية، أنا ذاكرة، أنا الذاكرة، أما القارئ فمن حقه أن يمنحني الهوية التي يشاء: هوية شعرية، هوية ملحمية، هوية جمالية، هوية بلاغية، هوية أنثربولوجية، سوسيولوجية، بنيوية تكوينية حين يتعلق الأمر بالرؤية للعالم، مدارها الكائن والفرد والجماعة والعشيرة واللغة والمتخيل والصراع مع الآخر الذي يوجد ولا يوجد إلا بحسب قياس درجات المسافات القائمة في الميتافزيقا وفي منطقة المابين دائما، حيث على النص أن يختار بين أن يحتفظ بهوية واحدة، مفردا معزولا أو يتخذ عدة هويات بحسب السياقات التي تفرضها القراءة النقدية الجدولية والاستكشافية معا، بعيدا عن اليتم والتفرد والعزلة، ليتحرك داخل مجرة من النصوص التي تقابله وتخترقه وتغذيه، وهذا ما يوحي به نص ادهار أوبران كما سعى الى الكشف عن ذلك الباحثان محمد أقضاض و محمد الولي، مما يقترح ويبرر قراءات أخرى من داخل نصيته وشهريته وسرديته وجماليته دفعة واحدة. 10 الشعر في نص ادهار أوبران يمنحه إمكان الولوج الى اللغة فيتحول الى ملفوظ تتغرس فيه الذات الفردية والجمعية، أما السرد فيمنحه أداة لمخاطبة الآخر، شأن هذا النص في شأن أي نص ملحمي كما في ملحمة جلجامش او ملحمتي - الإلياذة و الأوديسا وكذلك في المعلقات، معلقة عنترة بن شداد العبسي أو معلقة عمرو بن كلثوم بالنسبة الى موضوعة الحرب مثلا، مع مراعاة الفرق، في معلقته» »يا دار عبلة بالجواء تكلمي« أو «هل غادر الشعراء من متردم يحضر صوت الأنا ويظل طاغيا، وفي معلقة ألا هبي بصحنك فا صبحينا تتلاشى/يتلاشى انا لتبرز نحن/النحن الا لا يجهلن احد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا، أبا هند فلا تعجل علينا/ وأنذرنا نخبرك اليقينا، حى ننقل إلى قوم رحانا - يكونوا في اللقاءلها طحينا، يكون ثفالها شرقي نجد/ ولهوتها قضاعة أجمعينا. وهكذا السرد دائما كان يخترق الشعر منذ أن كانت سمة الشفوية شرطا من شروط التلقي والتداول و»الرواية« للرسوخ في الذاكرة ولتحقيق »الغنائية« بمعنى ما بعيدا عن التصورات الأرسطية حرفيا، لأن »الغنائية كما يعكسها فن الشعر تمييز لشعر يغنى (بضم الياء، وفتح الغين، وتشديد النون) عن شعر »يروى (يسرد شفويا: الشعر الملحمي) وعن شعر يعرض (يشخص: التراجيديا والكوميديا)، وبذلك يكون السرد »صيغة mode. غنائية أنشودة ادهار أوباران أ مساحة أخرى للتأمل النظري والمعرفي. هوامش: 1 اقيمن ذا يس إيرومين اتمبار زن أم إيمو يان (البيت 13) 2 مار شندياث واريغرذي تنعاش أحيا (البيت 26) 3 وترجمة ذلك: ياربي ماذا أفعل؟ (البيت 26) 4 وترجمته: هجمت علي الدول فسكن في كياني القلق (البيت 37) 5 ترجمته: أنتم أيها الريفيون قد ركم دائما هو الجهاد (البيت 44) 6 وترجمته: فاظمة الريفية طوبي لك إن أنجبت (البيت 49) (*) (باحث، ناقد، كاتب، كلية الآداب، جامعة محمد الخامس الرباط)