إن الذين ثارت ثائرتهم تجاه دعوة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الى فتح نقاش فقهي عقلاني حول قضايا تخص النساء ( الإرث، الإجهاض، التعدد..)هم على شبه عظيم بمن طالبوا بمحاكمة وإعدام كوبرنيك يوم قال إن الارض تدور حول الشمس.. حقيقة علمية أصبحت اليوم من المسلمات..كوبرنيك ظل يردد إنها تدور إنها تدور وظل الجهلة حوله يرددون أحمق، مرتد، مجنون.. ما فعله لشكر ليس بالأمر الجديد إلا على من يحتاجون لدروس في التاريخ، فقد سبقه الى ذلك علماء مسلمون متنورون أمثال جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وشيخ الاسلام محمد العربي العلوي وغيرهم من المصلحين الذين فتحوا باب الاجتهاد في تفسير وتأويل النص الديني، وجعل الاسلام دينا لكل العصور والأزمنة فعلا وليس قولا فقط.. نحن على كل حال لسنا أحسن حالا، أو أكثر إيمانا، أو قربا الى الله من نبي الله ،الذي ورغم وضوح النص القرآني الذي يسمح بالتعدد(حسب معايير فقهاء الإخوان وعلماء الجزر..)، إلا أن سيد الخلق رفض أن يتخذ علي زوجة ثانية على ابنته.. فهل كان ذلك عصيانا للخالق؟؟ طبعا لا، هل ابنة الرسول (ص) مقدسة ولا يسري عليها ما يسري على جموع النساء؟؟ أكيد مستحيل.. الامر بكل بساطة اجتهاد في تأويل النص اعتمد فيه الرسول (ص) ربما على تجربته الشخصية في التعدد، والتي خلصت الى استعطافه الشهير لله تعالى أن لا يحاسبه على ما لا يتحكم فيه أي مشاعره وحبه لإحدى نسائه أكثر من الاخريات رغم حرصه على العدل بينهن.. لي اليقين أنه لو أجرينا استفتاء شعبيا نسأل فيه النساء من منهن تقبل ان يتزوج عليها، فالنتيجة ستكون لا محالة 99.99% سيقلن لا..ثم ألا يعلم هؤلاء «العولامة» أن الاجتهاد أحد مصادر التشريع في الاسلام وأقدرها على تجديد الفكر الديني بما يتناسب ومتطلبات العصر وحقائق الواقع العنيد.. فتعدد النسوة اليوم اصبح بقوة التطور استثناء وسيكون غدا في حكم المنقرض بعد ان انتفت كل مبرراته واقعيا، فكثير من الرجال لم يعودوا قوامين على النساء بل أصبح بعضهم عالة على العاملات والموظفات (بقا ليه غير يتزوج عليها..) والعقم أثبت العلم ان مصدره قاسم مشترك بين الجنسين.. إن ما يتجاهله الرافضون لدعوة الاجتهاد بدعوى وضوح النص، هو وضوح نصوص أخرى، لكن تطبيقها استحال فلا أحد اليوم سيجرؤ على قطع يد السارق وقتل القاتل ورجم الزاني رغم كل النصوص التي تنادي بالقصاص.. إن قوة الاسلام تكمن في واقعيته وما يدفع الناس من ديانات أخرى لاعتناقه هو اكتشافهم للجميل فيه والجميل فيه هو قربه من الحياة الطبيعية للبشر والتي لا يمكن أن تستقيم دون أن يساير تطورها، وإلا فسيحكم عليه بالانقراض وسيبتعد عنه الناس وسيتخلف عن مواكبة المنطق والعقلانية.. من يدعو اليوم الى الاجتهاد أكثر حرصا على الاسلام من دعاة السلفية والترهيب والتكفير، ولنا في نتائج الفكر الجامد والرجعي والظلامي خير دليل على ما أقول..