أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي    ابتداء من غد الثلاثاء.. أطباء القطاع العام يضربون ل3 أيام    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    ذكر وأنثى فقط.. ترامب يتعهد بوقف جنون التحول الجنسي    الإيليزي يستعد للإعلان عن الحكومة الجديدة    الكرملين ينفي صحة تقارير إعلامية تركية عن حياة الأسد وزوجته بموسكو    الشرع يتعهد حل الفصائل المسلحة وإنشاء جيش سوري موحد    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي        شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    أسرة المدرسة العليا للتربية والتكوين بجامعة ابن طفيل تستنكر "المس بالأعراض" الذي يتعرض له بعض أطر المؤسسة    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصعيد خطير.. تقارير عن توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير        تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نيلسون مانديلا ورموز أخرى للذاكرة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 27 - 12 - 2013

برحيل الزعيم الأممي نيلسون مانديلا،يكون العالم قد دخل مرحلة يتم أخرى،فالإنسانية حقا تائهة وحمقاء،بدون إشعاع نبل شخص غير عادي، أوشك أن يكون نبيا.
بغياب مانديلا فيزيائيا،تطوى بشكل نهائي صفحة،آخر من تبقى من سلالة سياسة لن تكررها الوقائع بكل تأكيد مرة أخرى،على الأقل بنفس القداسة.طينة نادرة من البشر،نجد في طليعتها مانديلا إلى جانب غاندي وغيفارا.الثلاثة،يجسدون بكل المقاييس الطهر والنقاء الآدمي في أعظم وأجمل تعبيراته. إنهم، متصوفة السلطة،الذين أرسوا بنضال أسطوري،جدارا أخلاقيا بين الإنسان وسمّ السلطة،ثم العفن والمستنقع.هزم غاندي الأساطين العسكرية للإمبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس،بروحه الكونية التي تنبعث من جوفها الشمس.غيفارا،أدرك كرسي السلطة بالحديد والنار،لكنه سرعان ما اكتشف أن أحلامه بحجم البشر،فتخلى وغادر.مانديلا،حكم ثلاث سنوات،فقط ليوزع أثناءها كل صباح هنا وهناك قيم التسامح، مرمما ما يمكن ترميمه بين السود والبيض،فاطمأن على أن بلده،أخذ فعلا مساره الصحيح،ثم عاد إلى بيته.
هو نفس الأفق الذي ابتغاه لمجريات الربيع العربي،كي لاينتهي إلى ما انتهى إليه حاليا، في مصر وتونس وليبيا ولما لا سوريا,مؤكدا عبر رسالته الشهيرة إلى الشعوب العربية المنتفضة،أن :»إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم» ،بالتالي إلحاحه على ضرورة تجاوز الكراهية والأحقاد،بالإسراع نحو سيادة ديمقراطية سلمية.مانديلا، الذي أرادت له عنصرية البيض،داخل بلد كنت تشاهد في كل مكان عبارة :»ممنوع دخول الكلاب والسود»،أن يقضي سبعة وعشرين سنة حبيس إحدى زنازن سجن «فكتور فستر»،لم يستغل موقعه الجديد كرئيس،كي يشعلها حربا انتقامية،بل بادر بحكمة المتصوفة،إلى تأسيس لجنة الحقيقة والإنصاف،سعيا منه لمداواة جروح ذاكرة السود نحو البيض،لكن مع خلق فسحة أمل للتعايش بين الجنسين تحت سماء وطن واحد، رحيم،يضمن حق الجميع في الحياة.
يخاطب مانديلا شعوب انتفاضة الربيع،بقوله :»لقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير» ،غير أن استثمار ماضاع من الزمان، قصد بناء دولة المستقبل،يقتضي بحسبه تبني إستراتجية ذكية تتمثل في الالتفاف على رموز النظام السابق الماسكة بالمفاصل الكبرى للدولة،بهدف احتوائها وإدماجها في سياق مابعد التغيير،بغية قطع رؤوس الفتنة وتجنب الحروب الأهلية،ثم سد المنافذ أمام أشكال العرقلة التي قد يلتجئ إليها المتربصون بالعهد الجديد...
عندما دفن مانديلا في قرية «كونو» بجوارأجداده،بناء على وصيته،تضمنت شاهدة قبره جملة وحيدة :»هنا يرقد رجل،قام بواجبه».شذرة،اختزلت في ومضة نيتشوية،كل ماكتب ويكتب وسيكتب،عن رجل،لن يقال بصدده،كان ذات يوم عابر سبيل ،بل هو للسرمدي،اسمه:تاتا ماديبا.
** جوليوس نيريري:هو من أشهر السياسيين، الذين أنجبتهم القارة السمراء،خلال فترات المد التحرري،المرتبطة زمانيا برغبة جل الدول الأفريقية،التخلص من سطوة الاستعمار الغربي.لم يكن فحسب مجرد رئيس لبلد صغير اسمه «تانزانيا»، بل أحد أكبر رموز وحدة الأفارقة ودعاتها منذ1963،ملوحا دائما بشعار : «إننا نؤمن بالوحدة الأفريقية،إيماننا بإفريقيا ذاتها» ، مدافعا عن قضايا الأفارقة،في مختلف أروقة المحافل العالمية،ومن أبرز نشطاء حركة عدم الانحياز خلال سنوات الخمسينات والستينات،مما جعله يحظى بسمعة دولية.
ولد نيريري سنة1922،تلقى تعليمه الأولي في بلدة «موسوما» ثم انتقل إلى «تابورا›› الثانوية التابعة للكنيسة الكاثوليكية.سافر صوب انجلترا من أجل إكمال دراسته،في كلية ‹›أدنبرة».حين عودته،اشتغل بالتدريس،وقد عمل بتفان حتى يقضي على الأمية،المنتشرة بين أفراد وطنه.غير أن انغماسه في السياسة،اضطره كي يتخلى عن التعليم، متفرغا إلى العمل النضالي. أسس سنة 1954،حزب الإتحاد الوطني الإفريقي،الذي تبنى دعوة التحرر السلمي،واستطاع استقطاب العناصر المثقفة في بلاده مركزا على ضرورة التخلص من كل أشكال التمييز والقبلية ،التي كرستها السياسة البريطانية.
أصبح عام 1960،رئيسا للوزراء،تمكن من توحيد المجموعتين الجغرافيتين «تجانيقا» و»زنجبار»،الخاضعتين للسلطة البريطانية، فأسفر الأمر عن تكوين دولة تنزانيا،التي صار نيريري رئيسا لها عام .1964اتجه عمله نحو تحسين الأوضاع المجتمعية لأبناء شعبه،وبناء الاقتصاد الوطني ورفع مستوى التعليم وتوفير الرعاية الصحية للجميع.مشاريع،تفانى في سبيل تجسيدها على أرض الواقع،إلى غاية سنة1985،حينما تخلى طواعية عن الرئاسة.
**كوامي نيكروما:على منوال سيرة مانديلا ونيريري،عندما يذكر اسم نيكروما،تقفز بسرعة إلى أذهاننا مواصفات خاصة:بدوره كان أول رئيس لبلده غانا المستقل وقتها،المساهمة في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية والنضال في سبيل تحقيقها،مكافحة الاستعمار،إخراج حركة عدم الانحياز إلى الوجود،بجانب طبعا عبد الناصر وتيتو ونهرو وشون لاي،تنمية الوعي القومي ومناهضة النزعات العرقية والقبلية،تعميم التعليم،إقامة نظام اشتراكي يتوخى تحقيق حياة كريمة للشعب،انطلاقا من بناء مرتكزات للتصنيع وإحداث ثورة زراعية،كما أدخل إلى بلده نظام الضمان الصحي والاجتماعي،إلخ.
نيكروما،صاحب مؤلفات :»أتكلم عن الحرية»،»يجب أن تتحد إفريقيا»،و»الاستعمار الجديد»،المتزوج من سيدة مصرية تدعى «فتحية»،كمجرد تعبير عن حبه وتقديره لعبد الناصر،الذي رشحها له،غير أنها ستتمتع بشعبية كبيرة في غانا، حتى بعد انقلاب العسكر على زوجها والإطاحة بحكمه.أقول،إن مساره لايختلف عن باقي رموز التحرير الإفريقي،فنيكروما المزداد سنة1909 ،تخرج من دار المعلمين في أكرا وعمل أستاذا.لكنه،عام 1935 ،سيسافر إلى أمريكا،كي يلج مجددا الفصول الدراسية بجامعة «لينكولن»ثم مدرسة الاقتصاد اللندنية سنة 1945 . مرحلة،خبر معها عمليا وميدانيا العمل الطلابي.
أواخر عام 1947،عاد إلى غانا أو ساحل الذهب كما سميت وقتها،أصبح أمين عام «مؤتمر شاطئ الذهب»،وبداية النضال المؤسساتي من أجل الاستقلال.ترك هذا التنظيم بعد اعتقاله سنة1948،مؤسسا في المقابل منبرا صحافيا اسمه»أخبار المساء»،بهدف الترويج لأفكاره.عاد مرة أخرى إلى تشكيل حزب جديد سماه «المؤتمر الشعبي»،من أجل تحقيق الحكم الذاتي للغانيين.اعتقل نكروما مجددا بعد سلسلة من الإضرابات وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات.في فبراير1951،أجرت السلطات البريطانية انتخابات عامة،قاد حملة حزبه من داخل السجن،أسفرت عن تحقيقه لنتائج كاسحة،فأطلق سراح نكروما الذي تولى رئاسة الوزراء شهر مارس 1952،ثم توصل من خلال مفاوضات مع بريطانيا إلى صياغة دستور1954،الذي أصبح جميع الوزراء بموجبه من الأفارقة.شهر ماي 1960 ،أجري استفتاء شعبي،أقر جمهورية غانا وانتخاب نيكروما أول رئيس للجمهورية المستقلة،ثم أعيد انتخابه سنة 1965 . غير أن النهضة التي حققها أثارت استياء العسكريين،مما دفعهم إلى محاولة اغتياله مرات عديدة،لكنهم أخفقوا،وبقوا يترقبون إلى أن انتهزوا فرصة زيارته الرسمية لجمهورية الفيتنام،فأسقطوا نظامه واستولوا على الحكم.
**باتريس لومومبا:ربما اعتبر مصير لومومبا،شبيها في مناحي بما تعرض له المهدي بن بركة،بحيث كان لومومبا الشاب الإفريقي الأسود البسيط الذي عمل بداية موظفا في البريد،ملاحقا من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية وخلفها الموساد طبعا،ثم البلجيكية وحلف الناتو،فكانت نهايته بشعة للغاية،تنم عن كل معاني الجرم،اعتبرها بعض الباحثين أهم اغتيال سياسي خلال القرن العشرين.تهمة لومومبا،أنه برؤيته السياسية التحررية،سيقف لامحالة سدا منيعا أمام أطماع الدوائر الامبريالية،نحو ثروات الكونغو الغنية.يقول في رسالته إلى زوجته،قبل إعدامه بوقت قصير :((خلال نضالي من أجل استقلال وطني لم أشك لحظة واحدة أن القضية المقدسة،التي أوقف لها رفاقي وأنا حياتنا الكاملة،ستنتصر في النهاية.ما أردناه لبلادنا، حقها في حياة شريفة وفي الكرامة الكاملة والاستقلال من دون قيود...لم تدفعني الهجمات الوحشية ولا المعاملة القاسية ولا التعذيب إلى التوسل طلبا للرحمة،لأني أفضل أن أموت ورأسي عال،وإيماني راسخ،وثقتي بقدرة بلادي ثابتة،على أن أعيش في عبودية وازدراء للمبادئ المقدسة)).
ولد لومومبا،سنة1925،تعلم وعمل في البريد.التحق عام 1955،بالحزب الليبرالي البلجيكي موزعا لمطبوعاته.أسس مع زملائه حركة وطنية كانت تؤمن بالوحدة الإفريقية تأثرا بنكروما الغاني،كانت أقوى الحركات السياسية في الكونغو،حظي لومومبا بشعبية واسعة،وقاد مواجهات ومظاهرات مع البلجيكيين،أدت إلى اعتقاله لمدة ستة أشهر،ثم أفرج عنه كي يساهم في إنجاح مفاوضات مائدة مستديرة عقدت في بروكسيل حول تقرير مصير الكونغو،أعقبتها انتخابات عامة فاز بها حزبه بالتحالف مع آخرين،وانتخب لومومبا رئيسا للوزراء،لكن بعد عشرة أسابيع من انتخابه انقلب عليه الجيش بقيادة «موبوتو سيسي كو».
بعد تعذيب وحشي،ربطوا لومومبا إلى جذع شجرة وأمطروه بوابل من الرصاص،دفنوه على عجل،ثم نبشوا قبره في اليوم التالي وأذابوا جثته في الأسيد،بل كسر أحدهم فك لومومبا منتزعا بعض أسنانه ليحتفظ بها،ربما تدرعليه مالا وفيرا في مزاد للتحف؟؟ ....
**توماس سانكارا: إنه تشي غيفارا إفريقيا،كما يحلو للبعض وصفه.سانكارا،لا ينتمي جيليا إلى الرعيل الأول من رموزالتحرير الإفريقي،غير أنه يصعب التأريخ لهؤلاء دون ذكره،لأن مشروعه السياسي ينهل من المبادئ الكبرى التي وضعوها،فكان هذا سببا كافيا للحكم بقتله من قبل المخابرات الأمريكية والفرنسية،بدعم لوجيستيكي من إفريقيين،خاصة نائبه وحليفه ورفيق دربه «بيليز كامباوري» الذي انقلب عليه يوم 15أكتوبر1987 .
ولد سانكارا سنة 1949،خلال حقبة لازالت بوركينافاسو ترزح تحت الاستعمار الفرنسي.اقتفى خطى والده فالتحق بالجيش الذي سيلعب دورا مفصليا في تفاصيل الحياة السياسية بعد الاستقلال سنة 1960 .رقي سنة 1980،إلى رتبة رائد في وقت دخل فيه البلد دوامة الانقلابات العسكرية،فكانت إحداها سببا لوصوله إلى كرسي الحكم سنة 1983،لكنه سيتخلص من بذلة العسكري الديكتاتور، ممتطيا صهوة الفارس الثوري.
سانكارا الذي ابتدأ حياته العسكرية في سن التاسعة عشر،غدا رمزا للمقاومة وخطيبا متفوها وقائدا إفريقيا هيمن على مخيلة الشباب المتعطش إلى مناهضة الاستعمار الغربي. كانت أولى خطواته،تغيير اسم بلده «فولتا العليا»،التوصيف الاستعماري القديم،إلى اسم جديد يحمل كل معاني النبل،إنه «بوركينافاسو» أو بلد المستقيمين أو المغاوير.
قيل، بأن الكلمة التي أسرعت بالاستخبارات الغربية،إلى إصدار قرار تصفيته،عندما خاطب يوما محفل الأمم المتحدة :»لقد جئتكم من بلد27400 كلم2 ،حيث سبعة ملايين من الأطفال والنساء والرجال يرفضون من اليوم الموت جهلا وجوعا وعطشا».  بالفعل،فقد شرع سانكارا منذ وصوله السلطة،في وضع خطوات برنامج طموح يهدف إلى تأميم المصادر الاقتصادية لبلده وتوظيفها لرفاهية الشعب،ضاربا بعرض الحائط تعاليم خبراء البنك الدولي.
أولى عناية خاصة للتعليم،والزراعة وحارب الرشوة والانتهازية.عرف عنه تواضعه الجم، متخليا عن كل مظاهر الأبهة، بل يعتبر أول قائد إفريقي،يتخذ موقفا اجتماعيا من ظاهرة ختان الفتيات، فكان محبوبا من طرف الشعب.أما سياسته الخارجية،فقد اتجهت إلى دعم الوحدة الإفريقية،والتصدي للقوى الاستعمارية في مقدمتها فرنسا،التي استنفرتها باستمرار شعارات سانكارا المناهضة للإمبريالية.
النقيب سانكارا،بالكاد انطلق مشروعه حينما اغتاله صديقه «كمباوري»يوم 15أكتوبر1987،مدعوما من قبل فرنسا.هكذا، استمر حكمه فقط أربع سنوات،لكنه دخل التاريخ الإفريقي من أوسع أبوابه،مجاورا قائمة كبار صانعيه. 
** ليوبولد سيدار سنغور: سئل الرئيس السنغالي السابق،ليوبولد سيدار سنغور الملقب بحكيم إفريقيا،عن الاختيار الذي سينحاز إليه، بأن يكون رئيسا أو أستاذا جامعيا أو شاعرا،فأجاب :»أختار قصائدي».هكذا ،يصنف سنغور حاليا ضمن أهم الشعراء العالميين الذين أنجبتهم القارة السمراء،يتحدث عنه باستمرار وفق هذا السياق،بينما لا يلتفت كثيرا إلى فعله السياسي، الذي استمر مدة عشرين (1960-1980) ،باعتباره أول رئيس للسنغال،لكنه بالأخص أول سياسي إفريقي تنازل طواعية عن الحكم،لصالح عبده ضيوف أحد تلامذته وأتباعه المقربين ورئيس الوزراء،الذي يحكي عن سنغور قائلا :»أحب،أن أقول بأنه كان يولي عناية خاصة للتعليم والتربية وتنشئة جيل سنغالي جديد،وكانت ثقافته الواسعة الإفريقية والأوروبية،هي التي تدفعه في هذا الاتجاه،وقد أعطت جهوده ثمارها.فالسنغال الآن هي إحدى الدول الديمقراطية القليلة في القارة الإفريقية، وأصبح التناوب على السلطة يتم بدون صراعات دموية». سنغور بمعنى من المعاني،هو شاعر السياسة في إفريقيا.فقياسا لباقي رموز القارة،عاش حياة طبيعية وهادئة،لم يختبر قط المعتقلات والسجون أو المنافي،ولم تخترق جسده رصاصة واحدة،رفض العنف الثوري والانقلابات الدموية،مؤمنا حتى آخر يوم في حياته بشاعرية التطور التدريجي.
ولد سنغور من أسرة ثرية يوم9 أكتوبر1906،ناضل في صفوف الحزب الاشتراكي السنغالي الذي قاد البلاد نحو الاستقلال،ثم تولى الرئاسة،وهو بالمناسبة مؤلف النشيد الوطني.كان من مؤيدي فيدرالية الدول الإفريقية المستقلة حديثا،منظومة شبيهة بدول الكومنولث لكنها فرنسية،غير أن فكرته لم تجد ترحيبا،فترأس في المقابل جمعية اتحادية مع «موديبوكيتا» رئيس مالي،تجربة انتهت إلى الفشل.
سياسيا،أعرب سنغور عن تأييده لإنشاء لجنة فرنكفونية وقد انتخب سنة1982،نائبا لرئيس المجلس الأعلى للناطقين باللغة الفرنسية،كما أسس إلى جانب آخرين،رابطة فرنسا والبلدان النامية،التي تهدف إلى لفت الانتباه حيال مشاكل البلدان النامية.
عندما سافر إلى باريس للدراسة،تعرف على الشاعر المنحدر من جزيرة «المارتنيك» «إيميه سيزار»،صاحب فكرة الزنوجة فنشأت بينهما صداقة عميقة،تتأرجح بين الثقافة والنضال ضد العنصرية ثم إقامة منافذ للعالم الأسود،تخلق له فرص الانعتاق من العبودية والرق :((كنت وسنغور نركز على التقاء الحضارات...،كنت أتطلع إلى التعرف على السنغال وإفريقيا...،أعرف أنهم إخوة.لكن، أحدا لم يقل لي ذلك،الكتب على وجه خاص... .تحدثنا عن ماضي إفريقيا،وأنا تحدثت عن ماضي المارتنيك والكريول والهجرة وعالم الاستعمار،وفرنسا وعنا نحن ...،ورأيت أننا كنا نتلاقى حول نقاط كثيرة... ،هكذا نشأت الزنوجة)).إذا كان الأخير،صاحب الفكرة،فقد اعتبر سنغور فيلسوف الزنوجة :»الأبيض لايستطيع البتة أن يكون أسود،لأن السواد هو الحكمة والجمال».سنغور،الذي ترجمت دواوينه الشعرية إلى مختلف لغات العالم،راهن على الفكر والثقافة من أجل خدمة قضايا السود،أولئك المهمشين والمحتقرين والمضطهدين بسبب لونهم.
دعا سنغور إلى التخلص من التمثل الفكري،الذي خنق الشخصية الزنجية،عبر إعادة التباهي بإفريقيا،عن طريق شرح العادات والمؤسسات القبلية وتمجيد الأبطال الإفريقيين.لقد أراد الوصول إلى ما يتعدى الاعتراف بالشعب الأسود،في ظل قانون مجموعة سياسية اجتماعية إفريقية واحدة.الإنسان الزنجي،عاطفي بالدرجة الأولى،لذلك ينصح سنغور مواطنيه بضرورة،الانفتاح على المناهج الغربية المشبعة علما وعقلا،لكي يحدثوا توازنا بخصوص انفعاليتهم العاطفية.ينبغي على الإنسان الإفريقي،التعلق بفترات أجداده لكن في الوقت ذاته،عليه الانفصال عن جذوره بغية استلهام أسس الحضارة الغربية.
أمضى سنغور السنوات الأخيرة من حياته برفقة زوجته،في منطقة نورماندي الفرنسية،حتى وفاته يوم20 ديسمبر2001 .
** أحمد بن بلة :يستحيل على أي مؤرخ لأهم أحداث سنوات الستينات،حيث المد التحرري العالمي في أوجه،غض الطرف عن ثورة المليون شهيد الجزائرية،ولا عن شخصية دولية من عيار أحمد بن بلة،أحد الوجوه التاريخية ليس فقط لجبهة التحرير الوطنية،بل ولبناء سياسي لإفريقيا،كان سيأخذ منحى مغايرا تماما،لإفريقيا العملاء والديكتاتوريات والانقلابات اليومية والفساد والمجاعات والحروب والفقر والجهل... .
أحمد بن بلة،من مواليد25دجنبر 1916،وتوفي يوم 11 أبريل2012 نشأ وترعرع وسط أسرة فلاحية متواضعة تنتمي إلى بلدة «مغنية».شارك في الحرب العالمية الثانية ضمن القوات الفرنسية ضد ألمانيا النازية،فأبان عن شجاعة استثنائية،حتى إن الجنرال ديغول قام بمكافأته عربونا على تقديره. اتصف بن بلة بالثورية والتواضع والهدوء والوطنية الصادقة وصفات أخرى مميزة،أهلته كي يكون زعيما فوق العادة.عروبي، ناصري، اشتراكي،مبتسم وبشوش،لايلتفت كثيرا إلى البروتوكولات الشكلية.
عندما وصل بن بلة إلى رئاسة الجزائر،تبنى إستراتجية على الصعيد الداخلي تمثلت في : 1-البحث عن موارد للدولة الجزائرية، الخارجة للتو من آثار حرب عصابات طويلة مع الاستعمار الفرنسي-2 سعيه إلى إقامة بنية تحتية-3 إعطاء الأولوية لتعريب المؤسسات،الإدارية والتعليمية من خلال استيراد مدرسين عرب لاسيما من مصر-4 الخوض في تجربة التسيير الذاتي،زراعيا وصناعيا،مستلهما التجارب الصينية والكوبية واليوغوسلافية.
أما خارجيا،فقد مدت الجزائر في عهده يد العون لكل الثورات التحررية في العالم،إلى حد وصف الجزائر بأنها «قبلة للثوار»،ثم دعمه لحركة عدم الانحياز،بحيث أيام قليلة قبل تنظيم أكبر محفل دولي وقتها،أي المؤتمر الأفرو-آسيوي،وقع الانقلاب العسكري بقيادة العقيد هواري بومدين،بدعوى أن بن بلة خرج عن خط الثورة وصار ديكتاتورا يستأثر بالسلطة. لذلك،لابد من تصحيح «المسار» كما جاء في بيان بومدين ،ثم ألقي بالرجل في غياهب سجن انفرادي،لمدة خمس عشرة سنة،وبالضبط حتى يوم 30أكتوبر1980 .
انقلاب،لم تتضح ربما كواليسه إلى اليوم،فهناك من يشير إلى وجود أطراف خارجية،بغية عرقلة مشروع المؤتمر،بالتالي فأيادي الأمريكان والغربيين حاضرة.البعض الآخر،يفسره بصراع داخلي على السلطة بين رفيقي الدرب بن بلة وبومدين،وإن قيل بأن عهد الثاني هو في الحقيقة،مجرد امتداد للأول.بومدين،دعم بن بلة وهيأ له أسباب الوصول إلى السلطة،لكنه وقف ضده عندما استشعر أنه بدأ يضرب نفوذه ومركزه.
استغل بن بلة،سنوات سجنه الطويلة كي ينكب على الدرس والتحصيل،والإطلاع على الفكر الإسلامي.رغم تدخل العديد من الشخصيات المرموقة دوليا كعبد الناصر وديغول وكاسترو وسيكوتوري ونيريري،التماسا من بومدين،كي يطلق سراح أول من تلا بيان اندلاع الثورة الجزائرية عبر أثير إذاعة القاهرة،غير أنه صمم على رفضه.
فترة السجن تزوج بن بلة بالناشطة السياسية زهرة سلامي،الصحفية الجزائرية في مجلة الثورية الإفريقية، الماوية المعارضة سابقا لنظامه والمناصرة لخصمه أحمد بوضياف، وقد تقاسمت معه يومياته داخل المعتقل لفترة سبع سنوات.بعد إطلاق سراحه،غادر متجها إلى باريس،فعاود ممارسة نشاطه النضالي،مؤسسا حزبا سياسيا معارضا سنة 1984 ،هو «الحركة من أجل الديمقراطية»،مطالبا بحياة ديمقراطية تنهض على احترام حقوق الإنسان.يشرح بن بلة بشكل سريع ماعاشه، بين طيات مقالته الشهيرة «هكذا عرفت تشي « :((ترك تشي غيفارا الجزائر، وهو ما تزامن مع الانقلاب العسكري  الذي وقع يوم 19 يونيو 1965، ووضعي تحت الحراسة. رحيله عن الجزائر وقتله في بوليفيا ثم اختفائي لمدة خمسة عشرة سنة، ينبغي تأمله في إطار سياق تاريخي للارتداد،  بعد فترة انتصارات النضالات التحررية. تقهقر، دق ناقوس الحزن بعد القضاء على لومومبا وأنظمة العالم الثالث التقدمية، كما الحال مع نيكروما، كايتا، سوكارنو وناصر إلخ)).
**أحمد سيكوتوري :شخصية سياسية مرموقة،ليس فقط على الصعيد الإفريقي، لكن كذلك العربي والإسلامي،نسج علاقات ود وأخوة مع كل الزعماء العرب لاسيما جمال عبد الناصر،الذي سميت باسمه أكبر جامعة في غينيا وبالضبط العاصمة كوناكري،أقصد «جامعة جمال عبد الناصر».
سيكوتوري القائد الفذ،الذي ناضل من أجل تحرير القارة الإفريقية،هو أيضا صاحب مؤلفات عديدة،أبرز عناوينها :  «إفريقيا والثورة»،»إفريقيا في مسيرة النهضة»،»الثورة والدين»،»التجربة الفنية والوحدة الإفريقية»،»الجماعات العرفية والحزب والمسألة القومية» ،إلخ،كما خلف تراثا من المحاضرات والندوات،بحيث ركز مثل سنغور على ضرورة رد الاعتبار لقيم الثقافة الوطنية وإثرائها،فجسد بين هذا وذاك، نموذجا واقعيا لفعل سياسي متحضر،تمرد على الوضع الذي أرادته القوى الاستعمارية لإفريقيا،أي مجرد منجم صحراوي شاسع يزود التجمعات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية،بالمواد الأولية.
ولد سيكوتوري، المنحدر من أسرة فقيرة مسلمة،يوم 9 يناير 1922،بقرية «فرانا» وهو حفيد الزعيم الإفريقي «ساموري توري»، الذي قاد حملة وطنية لمقاومة الاستعمار الفرنسي خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر.لم يبق طويلا داخل حجرات الدراسة،فقد طرده المستعمر نتيجة إضراباته،بالتالي، سيسلك مسلك العصاميين.اشتغل في البريد،فأبان عن حس نضالي كبير،جعل منه رئيسا لاتحاد العمال بغينيا،ثم انتخب ممثلا لبلده في الجمعية الوطنية الفرنسية سنة1951،وعمدة لكوناكري عام 1956،وأول رئيس لغينيا المستقلة عام 1958 .
انسحبت فرنسا،مخلفة وراءها بنية مدمرة قوامها الفقر والبؤس،بحيث تعمد المستوطنون قبل رحيلهم،إلى تخريب المؤسسات الغينية،فضلا عن وقف باريس لمساعداتها.لماذا؟سيكوتوري،رفض تماما المشروع الذي روج له دوغول،المتعلق بتوحيد المستعمرات الفرنسية تحت اسم «الرابطة الأفرو-فرنسية»،مواصلا نضاله مع حزبه «الحزب الديمقراطي الغيني»صارخا في وجه العقاب الفرنسي :((إننا نفضل الفقر في ظل الحرية على الثروة مع العبودية)).
اتجه نحو العمق الإفريقي،بهدف بناء علاقات مميزة،مركزا على الشخصية والروح الإفريقيتين،وبذل جهودا لافتة في سبيل تثبيت قواعد السلام،نستحضر مثلا عربيا،وساطته التي لم تنجح للأسف،من أجل وقف نزيف الحرب المدمرة خلال سنوات الثمانينات بين العراق وإيران،في إطار جهود منظمة المؤتمر الإسلامي،التي كان من مؤسسيها سنة 1964 .
حصل سيكوتوري، على العديد من الجوائز اعترافا بدوره المتميز،منها «لينين للسلام» شهر ماي 1961،وقلادة النيل من يد عبد الناصر خلال زيارته إلى مصر،ثم دكتوراه فخرية في التاريخ الإسلامي من جامعة الأزهر،تقديرا لدوره في مقاومة الاستعمار. .. .
إجمالا،مهما قلنا على هكذا عينة من البشر،فاللغة تظل يتيمة يتمنا برحيل هؤلاء،هم لم يموتوا،ولن يموتوا،بل أحياء يحرسون على ما استطعنا سبيلا، إلى شفافيتنا الحالمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.