القتل القتل وحده هو سنّة المجتمعات العربية اليوم، ثمة دم، دم غزير يهرق كل لحظة، ثمة لائحة يومية بالقتلى في كل مكان، لائحة يومية في ليبيا وفي العراق وفي اليمن وفي سوريا وحتى في مصر وإن يكن بدرجة أقل. في كل مكان يبدو القتل هو تقريباً السياسة الوحيدة هو الجواب الوحيد، هو الخطوة الوحيدة، هو الفعل الأوحد. يتعاركون، ليس من سجال واضح، ليس من خطاب مذكور، ليس من رأي ومقارعة رأي ونقاش رأي. إذا وجدت آراء فهي في آخر القائمة، إذا طرحت خطابات فسرعان ما تطوى، إذا بدأ سجال فكي يغدو فوراً في المؤخرة بعد أن يبدأ القتل. سرعان ما يغدو القتل، بأي طريقة، وبأي سبيل، وبأي أداة، وبأي وسيلة وحده في الميدان. الغريب أن لا أحد يناقش مشروعية القتل أو يضع حدوداً له أو يجعل له أسباباً أو يعتبر أن له موجبات. لا أحد يستفسر الأخلاق أو القوانين، أو الحقوق، أو الدين، حتى الدين الذي غالباً ما يزعم أن القتل إنما هو في سبيله، لا أحد يرجع إلى شريعة ما أو إلى تعليم ما أو إلى سلم قيم أو إلى نظام فكري أو عقائدي. في العادة ثمة تدقيق ومراجعة وإحاطة للنظم الفكرية والعقائدية، لدرجة استحضار الثانوي والنافل والجزئي، ولدرجة تصل أحياناً إلى العجب العجاب كنكاح الجهاد ونكاح الموتى ونكاح الطفلات، كل هذا يُستخرج من هوامش في الشريعة ومن هوامش في العقيدة ومن هوامش بل وشطحات ومبالغات وتأملات وغرائب. كل هذا الدأب في استفسار العقيدة كل هذا الجهد في تتبع تفاصيلها، كل هذا التزمت والتشدد فيها، كل هذا الحرص والحذر والاحتياط يغدو غير لازم وغير موجب، عندما يتعلق الأمر بالقتل. هنا يتسع الحلال إلى ما لا نهاية هنا تقل القيود والشروط إلى الصفر. هنا الحرية والسماح فالتان إلى الأخير. هنا لا حدود ولا شروط ولا قواعد شديدة، تكفي الشبهة ويكفي الظن وتكفي الهنة الهيّنة، ويكفي الغلط البسيط، ويكفي الخلاف على أي تفصيل وعلى أي جزء، هنا تكفي النيات والافتراضات. كأن لا عقوبة بعد ممكنة سوى القتل، كأن لا حكم بعد ممكناً وواجباً سوى القتل.