يحضر الشهيد عمر بنجلون، في ذكرى وفاته هذه السنة أكثر من أي وقت مضى. ولأكثر من سبب سياسي وتاريخي ورمزي وجيه. وإذا كانت الجريمة، كما تم كشف بعض من جوانبها، لاتزال تستدعي الاعتراف الكامل، للآمرين بها، والواقفين وراء فتوى تنفيذها، فإن تغييب الشهيد عمر يحمل أكثر من الحقيقة، السياسية والجنائية معا، إنه يحمل حقائق ذات ارتباط بوجود المشروع الانساني في المغرب، والوجود التقدمي ومستقبل الشعب المغربي ، من جهة بقاء ثرائه وقوته وغناه وتنوعه وتسامحه وتعدديته الفكرية والإثنية والحضارية. ولهذا يفرض تخليد ذكرى الشهيد رمزيات منها: 1- تعطي الاوضاع الراهنة لذكرى الشهيد، ولعطائه في بناء الدولة الوطنية الديموقراطية ، معنى جد متميز ، بعد الظروف التي عرفتها وتعرفها المنطقة وتواجه المشاريع المختلفة، موزعة ما بين مشروع يرمي الى استعباد الانسان، عبر تذويب كرامته وإنتاجه وحريته في استعباد جديد يعتمد « الاقناع الديني والثقافي بضرورة تخليه عن إنسانيته وعن دوره في صناعة قدره وتاريخه، ومشروع يجعل من الانسان مركزه ومبتدأه ومنتهاه، من أجل تكريس قيم الحرية والعدالة الاجتماعية ودولة الحق والقانون وسيادة المشترك الانساني الكوني، بعيدا عن أيه وصاية أو تبخيس. 2- يتضح أكثر من أي وقت مضى أن الفكرة الاستباقية للشهيد وإخوانه في حركة التحرر الشعبية، باعتبارها استمرارا لحركة التحرر الوطني، في بناء دولة الانسان الحر والكريم، فوق أرض حرة وموحدة ، تلقى تأكيدها اليوم بعد أربعين سنة من اغتيال الشهيد عمر بنجلون. فالتاريخ ينصف الشهداء ضد القتلة وضد الرجعيين. 3- إنه لمن المؤسف حقا أن يعود للرجعية اليوم وجود، تحت غطاءات متنوعة تساير العصر التكنولوجي والانجازات البشرية في التقدم العلمي وتستعمل المجهود البشري ضد البشر نفسه، بالقتل أو الترهيب أو السعي الى خنق الحريات واستعباد المرأة، وترجيح العنف كأسلوب في تناول أوضاع المجتمع وحل مشكلاته، ووضع التراث الرمزي والروحي للشعوب في خدمة .. الافكار الظلامية. 4-الذكرى تحل ، والنقاش حول الديني والسياسي، الذي دشنه الشهيد مع ثلة من إخوانه في المؤتمر الوطني الاستثنائي في 1975 . في عمق المعادلة اليومية في مغرب ما بعد الربيع العربي. وأصبح من اللازم أن تستعيد المجهودات الفكرية والروحية التي صاغها الاتحاد في تلك السنة راهنيتها، لتحرير الدين من الاستغلال السياسي والإرهابي. 5- لقد كان مجهود الشهيد عمر، من حيث تحليل التجربة المغربية في بناء الدولة وبناء الشخصية الوطنية قد تميز، في عز الهيمنة الاستبدادية للفكر الواحد والنظام المتوحد، بجديته وجدته وتفرده، وهي الصفات التي تستدعي الحضور الدائم، واليوم أكثر من أي وقت مضى، في التحليل والتمحيص والتفكير لدى عموم القوى التقدمية ، واليسار الاتحادي على وجه الخصوص، لما لذلك من أثر في تحديد المواقف وعقلنة العمل وحسن اختيار التموقعات في الوضع الراهن وفي المستقبل. 6- تحل الذكرى وقد تصالح الاتحاد مع جزء من تاريخه الصعب وتجاربه الحادة في ممارسة المعارضة والدفاع عن قيم حقوق الانسان والتعددية، وحق الوجود السياسي للمعارضة، وقد قرر، في مجهود جماعي تكريم شهدائه واختيار يوم للوفاء لذكراهم، يتزامن ويوم اختطاف عريس الشهداء المهدي بنبركة، الذي كان قدوة ونبراسا للشهيد عمر. وهذا القرار الجماعي في بناء ذاكرة واحدة وموحدة مندمجة في التاريخ البطولي لحركة التحرر والحركة الاتحادية، يعطي كامل المعنى لتخليد ذكرى شهيدنا عمر بنجلون. كما يتزامن الاحتفال بالذكرى مع مرحلة أصبح فيها التهديد بالاغتيال والتكفير والتطرف والإقصاء الجسدي والمادي، من عناوين المغرب الجديد. وبعد أن كان الشهيد أول ضحية للإرهاب المتدين والملتحي، أصبح المجتمع برمته عرضة للاستئصال والتكفير . وصار للمشروع الارهابي البدائي اليوم دعاة منبريون، ومسؤولون رسميون وموظفون « باسم الحقيقة الدينية لدى قوى الرجعية والارتداد. إن الذكرى العمرية فرصة إضافية أمام قوى الحداثة والتقدم لكي تفرز مشاريعها وتوضح مواقفها وأولوياتها، وفرصة لتحريضها على العمل المشترك والدفاع عن الخندق نفسه ، والقيم نفسها.