كان مشروع القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء فرصة لتكتل الجمعيات النسائية التي انتفضت ضد وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية ومشروعها الذي قدمته بسيمة الحقاوي يوم 7 نونبر الماضي، والذي أقصيت الجمعيات النسائية من المشاركة في إعداده والمساهمة في التشاور حوله... كما كان مناسبة لإثراء النقاش حول ضرورة خلق تكتلات وإبداع آليات والتعجيل بوضع قانون إطار وشامل للحد من العنف ضد النساء، وخلق جبهة رفض قوية للمستخفين بحقوق وكرامة المرأة المغربية المنددة والرافضة لهذا المشروع الذي ولد مشوها وناقصا، مما جعله يواجه العديد من الانتقادات، سواء داخل الحكومة أو في أوساط المدافعات عن حقوق المرأة، والفاعلين في المجتمع المدني وكذا بين نساء الحواضر والقرى النائية. وفي هذا الإطار، نظمت فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، يوم الثلاثاء 26 نونبر 2013 بفندق إيدو أنفا بالدارالبيضاء، ندوة صحفية تحت شعار: "عاجل قانون إطار للقضاء على العنف ضد النساء"، قدمت خلالها مذكرة عبارة عن قراءة نقدية لمشروع القانون رقم 103.13، ضمنتها مجموعة من الملاحظات والانتقادات تهم أساسا المنهجية وتعريف العنف وتجريم أفعاله والعقوبات والإجراءات المسطرية المتعلقة بذلك... وقد أكدت المذكرة أنه رغم بعض الجوانب الإيجابية التي جاء بها المشروع الحالي من حيث تعريف العنف، حيث قدم تعاريف متقدمة للعنف ضد النساء وعدد أنواعه وأشكاله بصورة شبه متكاملة (الجسدي، الجنسي، النفسي والاقتصادي)، ومن حيث تجريم بعض أشكاله التي ظلت خارج عن دائرة التجريم (التحرش الجنسي، السرقة بين الأزواج، خيانة الأمانة وتبديد أموال الأسرة إلخ...) وكذا التأسيس لبعض الآليات المؤسساتية كالخلايا واللجن، بالإضافة إلى التعديلات أو الإضافات المتناثرة في القانون الجنائي، إلا أن هذا القانون، تسجل المذكرة، اتسم بقصور الترسانة القانونية الحالية وعجزها عن معالجة ظاهرة العنف ضد النساء المركبة والمتجذرة والموروثة تاريخيا في المجتمع، مما يجعل معالجتها تقتضي التعاطي المؤطر والمقاربة الشمولية التي لا تقتصر على الجانب الزجري، بل تتعداه إلى أربع مستويات: (الوقائي، الحمائي، الزجري وجبر الضرر) وتتطلب آلية مؤسساتية تقوم على كون محاربة الظاهرة مسألة شأن عام وقضية وطنية تقتضي مسؤولية عدة أطراف ومتدخلين وسياسة عمومية إستراتيجية بشراكة مع الفاعلين والمجتمع المدني. واستعرضت المذكرة مجموعة من النقائص التي شابت المشروع منها أن استهلاله جاء عبارة عن تقديم أدبي إنشائي لا يشكل تمهيدا وتوطئة حتى ينعكس إيجابيا على باقي مقتضيات القانون وحتى يمكن اعتباره فلسفة وناظما مؤطرا وموجها ومعيارا لباقي المقتضيات ولكل تطبيق عملي أو تفسير. كما غاب عنه التشخيص الفعلي لظاهرة العنف ضد النساء في بعده العميق والتاريخي المتجذر، إذ اعتمد منطق الانتقاء واستعمال مفاهيم غير دقيقة ودالة مثلما عكس وقلب المنطق في ترتيب الأوليات المرجعية، حيث جاءت التزامات المغرب الدولية والمواثيق والاتفاقيات العالمية والدولية في مرتبة أخيرة، ما أفقد مقتضياته وأبوابه ومجالات تدخلاته الانسجام والتماسك ووضوح الرؤيا. كما اقتصر، بشان الجانب الزجري، على تعديلات أو إضافات متناثرة في القانون الجنائي، حيث جاء متعارضا مع تطور المجتمع والدستور الجديد وعلاقة المغرب والتزاماته إزاء المنتظم الدولي. كما أنه اكتفى بتعداد تدابير الحماية دون التنصيص على إجباريتها وتحديد الجهة الموكول لها اتخاذها والسهر على تنفيذها، بالإضافة إلى افتقاره إلى مقتضيات مسطرية وإجرائية خاصة واكتفائه بالإحالة على قانون المسطرة الجنائية على حالها دون الإشارة إلى التدابير الوقائية والقبلية الاستباقية، كما جاء خاليا من أية مقتضيات تتعلق بشق التعويض وجبر الضرر. وطالبت المذكرة بتوسيع قائمة الجهات المتدخلة باعتبارها مسؤولة ومعينة لتشمل، إضافة إلى القطاعات والوزارات المذكورة بالمشروع، كلا من وزارة التعليم، وزارة الثقافة ووزارة الإعلام، وطالبت بضرورة إشراك فعاليات المجتمع المدني، مؤكدة على ضرورة مراجعة مقتضيات مدونة الأسرة بما يحقق المساواة الفعلية ويؤسس لمحاربة العنف بصفة شاملة. ودعت إلى تشديد العقوبات بشأن مجموعة من الجرائم كالاغتصاب وتجريم تزويج القاصر والاغتصاب الزوجي، كما ذهب إلى ذلك مشروع قانون العنف الزوجي لسنة 2011، وكذا تجريم السرقة والنصب وخيانة الأمانة بين الأزواج والامتناع عن إرجاع المطرودة لبيت الزوجية. كما سجلت المذكرة أن المشروع اكتفى في مادته 15 بتعداد وبسط التدابير الحمائية المتطلبة في حالات العنف ضد المرأة دون تحديد مفهومها والقصد منها ومتى يمكن اتخاذها والجهات الموكول لها مباشرتها والسهر على تنفيذها والأمر بها وسريانها، وذلك خلافا لمشروع سنة 2011 الذي جاء دقيقا ومفصلا وواضحا، حيث عهد بها إلى جميع الجهات القضائية حسب مراحل القضية ومتطلباتها، مما يؤكد أن المشروع جاء دون مستوى دستور 2011 في مجموعة من التدابير التجريمية والحمائية والزجرية. وعموما، فقد غابت عن المشروع المعالجة الشمولية والعميقة لظاهرة العنف وافتقد لمرجعية متماسكة وواضحة، فجاء فاقدا للانسجام ومتضاربا في بعض أجزائه مع بروز مفارقات جلية بينها في غياب اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي من منطلق الحقوق الأساسية والإنسانية للنساء ومحاربة كافة أشكال التمييز... الأمر الذي جعله مفتقدا لمقومات قانون متكامل قائم بذاته دون إحالات، قانون قابل للتطبيق وفق فلسفة ومرجعية ومبادئ تخصه ولا تنتمي لمنظومات متخلفة تكرس التمييز وتتطلب المراجعة الجذرية، وبالتالي فإنه بقي قاصرا عن معالجة ظاهرة العنف ضد النساء ولا يستجيب لمتطلبات المرحلة وتحدياتها وواقع تنامي وتزايد ظاهرة العنف ولا يساير دينامية تطور المجتمع والمبادئ الدستورية لسنة 2011 ولا ينسجم مع التزامات المغرب الدولية وخياراته الإستراتيجية المعبرة عنها ولا يلامس تطلعات وانتظارات الحركة النسائية المغربية وما قدمته من رؤى ومقترحات في هذا السياق والأشواط التي راكمتها بشأنه. وقد كانت الندوة فرصة لتقديم التقرير السنوي لشبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع تضمن إحصائيات حول حالات العنف التي سجلت سنة 2012 وأشكاله وآثاره على الضحايا. كما تم خلال الندوة تقديم شهادات مؤثرة امتزجت، حين عرضها، دموع الضحايا بدموع الحاضرات، وكانت محفزة للنقاش خلال هذه الندوة التي عرفت حضورا متنوعا ومتميزا. وقد وجهت الحاضرات انتقادات قوية لوزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بشأن هذا المشروع "الخديج"، معبرة عن رفضها له لكونه لا يتلاءم لا مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق النساء وبمناهضة كل أشكال الإقصاء والعنف ضدهن، ولا مع مقتضيات دستور 2011 التي تنص على إشراك الفعاليات النسائية في التشاور، داعية الحكومة إلى مراجعة هذا المشروع وفتح حوار جدي حوله مع الحركات النسائية... وأوضحت فوزية العسولي، رئيسة الفدرالية الديمقراطية لحقوق المرأة، أن تعدد وفيات النساء ضحايا العنف المتكرر تمثل مأساة حقيقية تعيشها نساء المغرب، خصوصا منها الحالات التي سبق أن وضعت بشأنها شكايات متعددة، والتي لم يتعاط معها رجال الشرطة ولا الدرك بشكل جدي وسريع، بل ووجهت الضحايا فيها إما بالاستهزاء والسخرية أو التسويف والمماطلة دون اتخاذ التدابير الاحترازية والوقائية في أغلب الحالات، مما أدى، في كثير منها، إلى قتل الضحايا اللواتي لم يتم إنصافهن حتى بعد الوفاة، إذ تتماطل الجهات الأمنية في مباشرة إجراءات التحقيق، وما تقتضيه من إجراءات التشريح التي تتطلب السرعة، الأمر الذي يجعل جثث الضحايا تتعفن؛ وبالتالي يفلت الجناة من العقاب، مشددة على فتح تحقيق جدي ونزيه حول حالات القتل المكيفة "انتحارا"، والتعجيل بتعميق التحقيق النزيه في قضايا "الانتحار" المعروضة أمام القضاء إنصافا للضحايا، وحماية للنساء عموما من العنف. وشددت فوزية العسولي رئيسة مجلس إدارة مؤسسة »المرأة الأرومتوسطية على ضرورة التعجيل بإصدار قانون إطار والتعاطي الجدي مع هذه الظاهرة التي تمثل معضلة تزداد تفاقماً في غياب أي إجراءات صارمة وزاجرة للمتسببين في هذا العنف المبني على النوع. وصرحت أن "ظاهرة انتحار النساء بسبب العنف الممارس ضدهم أصبحت منتشرة بشكل كبير... والسبب أن النساء فقدن الأمل في أن يتم إنصافهن وكأننا في غابة ولسنا في دولة فيها قانون"... وشجبت الصمت الذي مازال يلف العديد من حالات العنف دون تدخل الجهات المسؤولة والمعنية "وكأن هناك مافيات تحاول أن تبقى الوضعية على حالها وأن يتم تعنيف المرأة في صمت"، مستدلة بحالات نساء وفتيات تعرضن للتعذيب وكان مصيرهن القتل أو الانتحار وإفلات الزوح من العقاب... وعبرت عن أسفها لكون الانتظار الطويل الذي عاشته الحركة النسائية من أجل إصدار قانون لحماية النساء من العنف "تمخض عن فأر"... وللإشارة، فقد سبق أن بعثت فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، رسالة مفتوحة لكل من عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة ومصطفى الرميد وزير العدل والحريات، توضح فيها توالي حالات وفيات النساء ضحايا العنف، مطالبة إياهما باتخاذ التدابير اللازمة للحد من التماطل في إجراءات التحقيق في طبيعة وفيات الضحايا، والعمل على إحقاق العدالة، مطالبة بفتح تحقيق في قضايا العنف الذي تتعرض له النساء من طرف أزواجهن وقتل أو انتحار بعضهن، وكذا إقرار قانون إطار لضمان حماية ووقاية النساء من العنف وعدم إفلات الجناة من العقاب وتعويض المتضررات. كما نظمت، يوم الأحد 24/11/2013، الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة وشبكة نساء متضامنات وقفة احتجاجية أمام البرلمان لتأكيد رفضها لمشروع القانون رقم 103.13. وقد عرفت هذه الوقفة مشاركة نسائية لافتة طالبت خلالها المشاركات المحتجات رئيس الحكومة بإقرار قانون إطار شامل للقضاء على العنف، منددة بالعنف ضد النساء وداعية المسؤولين منتخبين وحكوميين إلى تكثيف الجهود من أجل وضع حد لمعاناة النساء المعنفات، ورددت النساء المشاركات شعارات تنادي بضمان حقوق المرأة المغربية، ومناهضة العنف ضدها ومعاقبة وردع مرتكبيه، والحد من ظاهرتي الاغتصاب وزواج القاصرات وكذا التحرش الجنسي ضد النساء. كما أصدرت الجمعيات النسائية، يوم 6 نونبر 2013، بيانا في شأن مشروع القانون رقم 103.13، سجلت فيه إيجابية الإفراج عن مشروع هذا القانون الذي انتظرته طويلا، منددة بإفراغه من المحتوى الذي كان من المفروض أن يتضمنه، وأعلنت عن احتجاجها على عدم إشراكها في بلورة هذا المشروع وإقصائها من التشاور حوله باعتبارها فاعلا أساسيا في مجال محاربة العنف القائم على النوع، بشكل يومي وفي الميدان منذ عدة سنوات، في وقت استطاعت فيه هذه الجمعيات، انتزاع مكسب الشراكة والتشاور بفضل نضالاتها لعقود، وتمكنت من تكريسه كحق دستوري سنة 2011، وكذا غموض المقاربة المعتمدة تارة وتعارضها تارة أخرى، مع المقاربة المعلنة في المذكرة التقديمية للمشروع، واستبعاد مقاربة النوع منهجا وهدفا لمشروع القانون، وعدم الاعتماد على التعريف والتوصيات الدولية المتعارف عيها في مجال مناهضة العنف المبني على النوع والربط القسري بين النساء والأطفال وإقحامهم في مشروع قانون خاص بمحاربة العنف ضد النساء وعدم الانسجام بين المذكرة التقديمية للمشروع ومقتضياته وبين مضامين هذه المقتضيات، وتجاهله الأبعاد الأربعة الأساسية لأي مشروع قانون يهدف إلى محاربة العنف ضد النساء، وهي الوقاية من عنف النوع والحماية منه وردع مرتكبيه والتكفل بضحاياه، وكذا تنظيم العلاقة بين جميع المتدخلين من جمعيات المجتمع المدني وغيرها... لضمان إصدار مشروع قانون في مستوى التزامات المغرب الدولية في مجال الحقوق الإنسانية للنساء والحماية الفعلية والناجعة للنساء من العنف. ودائما في إطار حملتها لمناهضة العنف الممارس ضد النساء ومن أجل التعجيل بسن قانون إطار شامل بالمغرب يحد من ظاهرة العنف، نظمت شبكة نساء متضامنات، بشراكة مع تنسيقية "من أجل الحقيقة حول وفاة وفاء الدقاني"، المكونة من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وفدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، وشبكة نساء متضامنات، صباح يوم السبت 30 نوفمبر 2013، وقفة احتجاجية بمدينة أكادير أمام مبنى ولاية أكادير جهة سوس ماسة درعة؛ وذلك في إطار التضامن مع الضحايا اللواتي توجد ملفاتهن بمحاكم أكادير، سواء المتعلقة بالعنف الجسدي في الفضاء العام أو التعنيف الزوجي المفضي إلى الوفاة أو المتعلقة بالقاصرات خادمات البيوت واللواتي توفيت إحداهن في ظروف تِؤكد تعرضها للتعذيب. وقد كانت النساء في الموعد قادمات من مدن الجهة وباقي المدن المغربية كالدارالبيضاء، من بينهن ضحايا معنفات وأسر ضحايا أخريات تعرضن للعنف وكان مصيرهن إما الانتحار أو القتل على أيدي أزواجهن. المحتجات رفعن شعارات تحذر من الخطر الذي تتعرض له النساء حاملات صور نساء تعرضن للقتل أو الانتحار للتخلص من العنف والتعذيب اليومي مثل السعدية بن جلون، أمينة الفيلالي، وفاء الدقاني وبشرى ذات 19 ربيعا ابنة البرنوصي التي تفند أسرتها قصة انتحارها وتتهم زوجها بقتلها، مطالبات بسن قانون شامل لمناهضة العنف وإقرار قانون يتعلق بالتشغيل المنزلي يمنع تشغيل الفتيات الأقل من 18 سنة ويعمل على حماية هذه الفئة من الاستعباد والمعاملات المهينة. المتزوجات وربات البيوت أكثر النساء المغربيات تعرضا للعنف بنسبة 72 و%64,1 كشف تقرير فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق النساء أن شبكة الرابطة "إنجاد ضد عنف النوع" استقبلت، سنة 2012، حوالي 2355 امرأة، وسجلت 7422 حالة عنف تصدرتها الدارالبيضاء (563 حالة، بنسبة 23,9 %)، بني ملال (309 حالة، بنسبة 13,1 %)، ورزازات (296 حالة، بنسبة 12,6 %) ومراكش (185 حالة، بنسبة 7,9 %). وحسب التقرير، بلغ مجموع أشكال العنف 6664 حالة يتصدرها العنف النفسي (2752 حالة، بنسبة 42 %)، يليه العنف الاقتصادي - الاجتماعي (2013 حالة، بنسبة 30 %)، ثم العنف الجسدي (1076 حالة، بنسبة 16 %)، ويأتي في المرتبة الأخيرة كل من العنف القانوني (541 حالة، بنسبة 8 %) والجنسي (282 حالة، بنسبة 4 %). ويمثل العنف داخل الأسرة ضمن مجموع الحالات المسجلة أعلى نسبة (88 %). وتأتي المتزوجات في المرتبة الأولى بين الضحايا (72 %)، بينما تشكل ربات البيوت أعلى نسبة من النساء المتزوجات ضحايا العنف (64,1 %). أما الفئات العمرية الأكثر تعرضا للعنف فهي الفئة مابين 18 و28 سنة (بنسبة 32 %) والفئة مابين 29 و38 (بنسبة 31 %).