طالبت فعاليات نسائية الحكومة بعدم إخلال الموعد مع التاريخ، والإسراع بإخراج قانون إطار حقيقي يمكن من مواجهة فعلية لظاهرة العنف ضد النساء. وأكدت الفعاليات النسائية، في مختلف تجمعاتها وندواتها، أن نداءاتها تتقاطع جميعا في المطالبة ببلوغ هذا الهدف الأسمى المتمثل في إقرار منظومة قانونية تتجاوب مع المطالب المرتبطة بمناهضة العنف ضد النساء، ومشددات على أن مواجهة ظاهرة بحجم العنف الممارس على النساء تستحق أن يُفرَد لها قانون إطار شامل وسياسة عمومية موجهة وميزانية خاصة، كآليات ضرورية، إضافة إلى الآليات المؤسساتية وفي مقدمتها الهيأة الوطنية للمناصفة ومكافحة أشكال التمييز. ولم تأت مطالب الفعاليات النسائية من عدم، بل استندت إلى جملة من الانتقادات التي توجهها مكونات الحركة النسائية وإلى ملاحظاتها الدقيقة على نص مشروع القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والتي أظهرت العديد من الاختلالات التي تطبع نص مشروع القانون، سواء من ناحية المنهجية المعتمدة في ترتيب مواده أو من جانب إقحام فصول من القانون الجنائي بعد تعديلها بشكل طفيف. من أجل قانون إطار حقيقي وسياسة عمومية شاملة لمواجهة الظاهرة جددت فوزية العسولي، رئيسة «فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة»، التأكيد على أن المغرب لا يجب أن يخلف موعده مع التاريخ في إخراج قانون إطار حقيقي يمكن من مواجهة فعلية لظاهرة العنف ضد النساء، وهي الظاهرة التي، كما تقول العسولي، تعرف تفاقما مستمرا وتذهب ضحيتها يوميا العديد من المغربيات. وشددت العسولي على أن هذا القانون «الذي انتظرناه مدة طويلة تزيد عن اثنتي عشرة سنة»، لا يمكن أن يحقق الغاية منه إلا إذا استجاب فعلا لمطلب «التعاطي المؤطر والمقاربة الشمولية التي لا تقتصر على الجانب الزجري فقط بل تتعداه إلى توفير أربعة أركان أساسية في عملية مواجهة الظاهرة وهي الجانب الوقائي، والحمائي، والزجري، وجانب التعويض وجبر الضرر». العسولي التي كانت تتحدث خلال يوم دراسي نظمته فيدرالية الرابطة و»شبكة نساء متضامنات ضد عنف النوع»، أول أمس بالدار البيضاء، حول مشروع القانون 13- 103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، نفت أن يكون هناك تنازع أو تناقض في مقاربة التحالفات الجمعوية المدافعة عن حقوق النساء في مرافعتها من أجل إقرار منظومة قانونية تتجاوب مع المطالب المرتبطة بمناهضة العنف ضد النساء، وأكدت أن التحالفات المعنية تتقاطع جميعا في مطالبتها بتعديل القانون الجنائي ولكن مطالب عدد منها، وعلى رأسها فيدرالية الرابطة، تعتبر أيضا أن مواجهة ظاهرة بحجم العنف الممارس على النساء تستحق أن يُفرَد لها قانون إطار شامل وسياسة عمومية موجهة وميزانية خاصة، كآليات ضرورية، إضافة إلى الآليات المؤسساتية وفي مقدمتها الهيأة الوطنية للمناصفة ومكافحة أشكال التمييز. اليوم الدراسي كان مناسبة لعرض الجمعيات المنظمة لوجهة نظرها حول مشروع القانون 13- 103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والذي قدمته مؤخرا وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية وكان من المقرر أن تصادق عليه الحكومة في أحد اجتماعاتها الأخيرة قبل أن تقرر تأجيل ذلك إلى حين مدارسته بشكل أكثر استفاضة من قبل لجنة حكومية مختصة يرأسها رئيس الحكومة نفسه. واعتبرت الجمعيات النسائية المنظمة خلال اللقاء، ضمن قراءتها التي قدمها المحامي والباحث منعم الحريري، أن المشروع،و رغم بعض الأمور الإيجابية التي جاء بها من قبيل تعريف العنف وتجريم بعض أشكاله، والتأسيس لبعض الآليات المؤسساتية (الخلايا واللجان المحلية والوطنية)، والتعديلات القانونية، فإنه»بقي قاصرا عن معالجة ظاهرة العنف ضد النساء ولا يستجيب لمتطلبات المرحلة وتحدياتها وواقع تنامي واستفحال الظاهرة». فهو تعديلات على «قوانين متجاوزة ومتخلفة»، يقول الحريري. قانون يفتقد « للمعالجة الشمولية والعميقة للظاهرة ولمرجعية متماسكة ولمقومات القانون المتكامل القائم بذاته دون إحالات» مما يجعله لا يساير دينامية تطور المجتمع والمباديء الدستورية لسنة 2011 ولا ينسجم مع التزامات المغرب الدولية وخيارات الإستراتيجية المعبر عنها، كما لا يلامس تطلعات وانتظارات الحركة النسائية المغربية وما قدمته من رؤى واقتراحات في هذا السياق. وكانت فيدرالية الرابطة قد أعدت، منذ سنوات، مذكرة مفصلة «من أجل قانون شامل للقضاء على عنف النوع» ورافعت من أجلها أمام جميع الأطراف المعنية من قطاعات حكومية وأحزاب سياسية وهيئات مدنية، إلا أن الفيدرالية اعتبرت، في لقاء أول أمس، أن هذا الجهد والتراكم لم يجد صداه في مشروع القانون 13-103، مما جعل من الممكن بالنسبة إلى الجمعيات المنضوية تحت لواء الفيدرالية وشبكة نساء متضامنات، الحديث عن نوع من «الإقصاء» من قبل وزارة التضامن والمرأة والأسرة خلال إعدادها لهذا المشروع. كما لوحظ بشكل لافت، خلال قراءة المذكرة التحليلية التي أعدتها الفيدرالية والشبكة حول المشروع، تكرار عبارة «خلافا لمشروع 2011»- الذي كان قد عرض على الحكومة على عهد وزارة التنمية الاجتماعية سابقا (وزارة التضامن حاليا)- وهي المقارنة التي بدا من خلالها واضحا أن التحالف يفضل الصيغة السابقة للمشروع على صيغة الحقاوي، وهذا ما ألمح إليه ذ. الحريري في العديد من الملاحظات المقارنة بين المشروعين حيث كان يكرر في كل مرة قوله إن المشروع السابق كان «متقدما» على مستوى المباديء، وكان «دقيقا ومفصلا» على مستوى العديد من المقتضيات والمواد والجوانب التي أغفلها المشروع الحالي. علما أن التحالف صاحب هذه القراءة النقدية لمشروع الحقاوي كان قد سبق ووجه أيضا انتقادات في حينه لمشروع قانون العنف الزوجي الملمح إليه بعبارة «مشروع 2011». ولعل أقوى لحظة في اللقاء، الذي عرف كذلك تقديم عرض حول حصيلة عمل مراكز النجدة والاستماع التابعة لشبكة نساء متضامنات خلال سنة 2012، كانت تلك التي قدمت خلالها عدد من ضحايا العنف (الزوجي أساسا، بما أنه يشكل النسبة الأكبر على مستوى إطار العنف الممارس ضد النوع)، شهادات صادمة حول ما واجهنه ويواجهنه من ألم ومعاناة لا لشيء إلا لكونهن نساء في مجتمع يعتبر الأنوثة مرادفا ل»الحكرة»، سواء في الفضاء العام أو فضاء العمل أو بيت الزوجية، مع ما يكون لذلك من آثار كارثية على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن تأَذّي الضحايا صحيا ونفسيا، جراء العنف الممارس عليهن، هذا إذا لم يكن مصيرهن الموت كما هو الحال بالنسبة للعديد من الضحايا «اللواتي كان يمكن ألا يقتلن أو ينتحرن لو أن كان هناك بالفعل إطار مؤسساتي وإطار قانوني لحمايتهن ولو تحملت كل الأطراف لمسؤوليتها في مواجهة هذه الآفة التي تنخر المجتمع» كما تقول فوزية العسولي، خاصة أن هذا المجتمع يعمل على إعادة إنتاج ثقافة العنف الذي يمارسه على نصفه الثاني من خلال تكريس أوضاع الهشاشة التربوية والاقتصادية والاجتماعية ضمن أفراده، وعلى رأسهم فئة النساء، وفئة الأطفال الذين يشكلون جيشا من الضحايا بالتبعية لأمهاتهن.