محمد حفيظ - جامعي وإعلامي المحتفى به رفيق وصديق وزميل. ولذلك، فقد أسعدني كثيرا أن أشارك في هذا اللقاء المفتوح، احتفاء بصديق تربطني به علاقة تمتد إلى حوالي 30 سنة. سأتحدث عن محمد بهجاجي، كما جمعتني به ثلاثة أنواع من اللقاءات. لقاء السياسة علاقة بدأت ملامحها منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، حين دفع بي اختياري، وأنا تلميذ، إلى ولوج النشاط السياسي. ففي نهاية صيف سنة 1984، وأنا أستعد لولوج السنة الأولى من التعليم الثانوي (السنة الخامسة آنذاك)، قررت بمفردي، وبدون استدراج من أحد، أن أطرق باب مقر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمنطقة سيدي عثمان بمدينة الدارالبيضاء؛ الحي الذي به ازددت وترعرعت ونشأت. ومباشرة بعد تلك الطرقة، سأجدني منخرطا في العمل السياسي، في لحظة من اللحظات الصعبة في تاريخ المغرب المعاصر (منتصف الثمانينيات). ابتدأت هذا العمل السياسي من باب الشبيبة (الشبيبة الاتحادية)، وتواصل في الحزب (حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، الحزب الذي انتميت إليه متحمسا سنة 1984، في عز المعارضة التي كان يخوضها وفي عز الصراع السياسي من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وغادرته محتجا سنة 2001، في عز المشاركة الحكومية، التي قاد فيها الاتحاد الاشتراكي حكومة «التناوب التوافقي»، التي عينها الملك الراحل الحسن الثاني ((1998 وبها ختم عهده ((1999 ، ورافقت الملك محمد السادس في أول عهده بالحكم (من 1999 إلى 2002). ماذا عن الأستاذ محمد بهجاجي في ما أوردت هنا؟ كان محمد بهجاجي، المسرحي والأستاذ بثانوية لحلو بالدارالبيضاء، حين التحقت، أنا التلميذ المتحمس لمرحلة الشباب، بالشبيبة والحزب، (كان) منتميا للحزب ولشبيبته ولإعلامه، فضلا عن نشاطه المسرحي الذي انطلق في تجربة مسرح الهواة منذ سنة 1974. ففي حدود ذلك التاريخ، كان محمد بهجاجي قد مَثَّل أدوارا في مسرحيات وكتب نصوصا مسرحية ونشر مقالات نقدية. نحيل هنا إلى مسرحية «التوازن» التي ألفها سنة 1980، ومسرحية «الورقة الأخيرة في حياة المسمى الطاهر» التي كتبها وساهم في إخراجها سنة 1981 . وفي هذه السنة ((1981 ، سينشر أول مقال نقدي له في المسرح. كان ذلك في يومية «المحرر»، قبيل تعرضها للتوقيف في علاقة ب»انتفاضة الدارالبيضاء»، التي اندلعت يوم الإضراب العام ل20 يونيو 1981 . في ذلك المقال النقدي الأول، قدم بهجاجي قراءة لمسرحية «حلاق درب الفقراء» لمسرح الباسم بالدارالبيضاء، وكانت من تأليف فاضل يوسف. وهي المسرحية التي ستحول إلى فيلم بإخراج محمد الركاب، وبطولة محمد الحبشي، كما كتب مسرحية «رحلة زيد الحالمي»، المنشورة بمجلة «آفاق» سنة 1985 . لم نكن حينها نتعارف بعد. لكن في الوقت الذي بدأ نشاطي في الشبيبة الاتحادية يتجاوز حدود الفرع (فرع سيدي عثمان) إلى الإقليم (إقليمالدار البيضاء)؛ أي حين سأبدأ في «الترقي التنظيمي»، بحضور أنشطة الشبيبة على مستوى المدينة الكبرى (ندوات ثقافية وفكرية وأنشطة فنية، مسرحية وموسيقية)، أو تمثيل الفرع في اجتماعات تنظيمية، ستبدأ لقاءاتي الأولى بالأستاذ/ الشاب المسرحي والإعلامي محمد بهجاجي. كان محمد بهجاجي يشغل مهمة كاتب إقليمي للشبيبة الاتحادية بالدارالبيضاء؛ أي المسؤول الأول عن الشبيبة الاتحادية على مستوى الدارالبيضاء. وكنت حينها عضوا بفرع سيدي عثمان. وهو الفرع الذي سأنتخب لاحقا عضوا بمكتبه، قبل أن أنتخب كاتبا للفرع. كانت مرحلة صعبة سياسيا وتنظيميا. كانت لحظة إعادة بناء الحزب بعد المواجهات العنيفة والتصدعات الداخلية من 1979 إلى 1983، وخاصة تلك التي مست تنظيم الشبيبة الاتحادية. وهو ما جعل إعادة البناء ترتبط بتقوية التنظيم الشبابي للحزب. لقد كانت تلك المرحلة تحتاج إلى شجاعة نضالية واستعداد للتضحية ونكران الذات. وكان لابد من مواصفات في من ستُسند إليه مهام تسيير الشبيبة الاتحادية على صعيد المدينة الكبرى التي خرجت للتو من «انتفاضة»، ارتبطت بحزب الاتحاد الاشتراكي وبالنقابة التي يقودها مناضلوه (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل)، وخلفت ضحايا ومعتقلين وموقوفين. وكان محمد بهجاجي أحد أولئك الشباب الذين سيكلفون بإعادة تنظيم الشبيبة على صعيد الدارالبيضاء. ولذلك، أسندت إليه مهمة المسؤول الأول عنها. وهي المسؤولية نفسها التي سأتولاها لاحقا في بداية التسعينيات (سنة 1991). وهي مرحلة كانت فيها الشبيبة الاتحادية تتقوى في اتجاه أن تصبح من أكبر التنظيمات الشبابية السياسية في المغرب. وفي خضم هذا النشاط السياسي، كان محمد بهجاجي يعلن عن ملامح أحد الأسماء في الساحة الثقافية المغربية. فقبل هذه المرحلة التي أتحدث عنها، وبسنوات تقارب العقد، كان الشاب اليافع يغازل القلم الذي يبادله عشقا بعشق. وكانت البداية بكتابات شعرية. لقاء الإعلام تشاء الأقدار أن نلتقي مرة أخرى. كان ذلك في منتصف التسعينيات، بمقر جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، حيث كان الصديق محمد بهجاجي أحد أبرز الصحافيين بالجريدة. كنت حينها سكرتير تحرير جريدة «النشرة»، الأسبوعية التي أصدرتها الشبيبة الاتحادية سنة 1993، وكنت من مؤسسيها إلى جانب الصديق الأستاذ محمد الساسي وعدد من الشباب المناضلين. كنا، في البداية، نهيئ أعداد جريدة «النشرة» بمقر الشبيبة الاتحادية بالرباط، الذي اتخذناه مقرا لها، ونركب المواد بمطبعة خاصة، كانت تتولى طبعها قبل توزيعها. لم تكن هذه الجريدة التي تصدرها شبيبة الاتحاد الاشتراكي تطبع في البداية بمطابع الاتحاد الاشتراكي. استمر هذا الوضع من 1993 إلى 1996 . في سنة 1996، سننتقل إلى مقر جريدة «الاتحاد الاشتراكي» بزنقة الأمير عبد القادر بالدارالبيضاء، بعد أن آلت إدارتها إلى الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي العائد توا من «كان»، التي قضى فيها فترة استقالته قبل أن يتراجع عنها. لقد سُمح لنا أن نعد «النشرة» بمقر جريدة «الاتحاد الاشتراكي» ونطبعها بمطبعة الحزب. حينها، سيتجدد لقائي بالأخ بهجاجي. لم يجمعنا، بهجاجي وأنا وزملاء آخرين، المقرُّ وحده، بل جمعتنا مواقف واختيارات، وكذا سجالات وخصومات. كانت لحظة من اللحظات الغنية بالنقاش حول وعن القضايا السياسية والفكرية والثقافية. كان النقاش يعكس التحديات الكبرى التي يعيشها المغرب: « الانتقال»، «المشاركة»، «التناوب»، «ما بعد التناوب»، «الخلافات الداخلية»، «الصراعات التنظيمية»... إلخ. حوالي سبع سنوات قضيناها، نحن فريق «النشرة»، بمقر جريدة «الاتحاد الاشتراكي» (من 1996 إلى 2002) . وفي هذه السنوات توطدت علاقتي بالصديق بهجاجي. كنا نلتقي يوميا في مقر الجريدة وخارج المقر وفي بيتينا. كانت هذه المرحلة غنية في التجربة الإبداعية لبهجاجي. لم يبعده انشغاله المهني والإعلامي عن الكتابة الإبداعية والنقدية في المسرح. وخلال هذه المرحلة، تألق مع فرقة «مسرح اليوم» بإدارة الفنانة ثريا جبران والمخرج عبد الواحد عوزري، في أعمال «البتول» و»العيطة عليك» و»امرأة غاضبة» و»الجنرال»، التي كتب نصوصها. لقاء التدريس تشاء الأقدار أن ألتحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بهذه المدينة، أستاذا في اللسانيات. ولأن الصحافة لا تفارق أصحابها، فقد طاردتني إلى هنا. كان لي شرف تأسيس مسلك لتدريس الصحافة بهذه الكلية (الإجازة المهنية في الصحافة المكتوبة). ولأن الأمر يتعلق بمسلك مهني، فقد كان لا بد من تعزيز الطاقم التربوي الذي ستوكل إليه مهام التكوين والتأطير بأساتذة لهم تجربة مهنية في الصحافة إلى جانب الخبرة الأكاديمية. وكان الصديق محمد بهجاجي خير من يقوم بهذه المهمة «النضالية». وبالفعل، فقد أثبت أنه «أستاذ مناضل». لقد تعهد بالتدريس والتزم بما تعهد به، رغم الصعاب والتعب والجهد الذي يتطلبه قطع عشرات الكيلومترات. يتحمل تعب السفر إلى بني ملال كل أسبوعين، ويقوم بمهامه التكوينية التأطيرية لفائدة طلبة المسلك خلال يومين متواصلين. ورغم هذا التعب والجهد، فقد كان التدريس ببني ملال فرصة لي لأجدد لقائي بالأخ والصديق كمحمد بهجاجي، حيث أصبحت تجمعنا بني ملال والطريق إليها، ذهابا وإيابا. محمد بهجاجي: تجربة متنوعة إبداعا وإعلاما وتدبيرا أشرت أعلاه إلى أن محمد بهجاجي كان منذ النصف الثاني من السبعينيات من القرن الماضي يعلن عن ملامح اسم قادم في الساحة الثقافية المغربية. ويمكن أن نرصد مسار بهجاجي من خلال هذا التحقيب الأولي: - من 1977 إلى 1981، كان بهجاجي يكتب الشعر بصفحة الإبداع الخاصة بالشباب في جريدة «المحرر». وهي الصفحة التي عرَّفت الساحة الإبداعية المغربية بالشعراء القادمين. وكثير من الشعراء المغاربة الذين ستبرز أسماؤهم في المشهد الشعري المغربي كانت أولى نصوصهم الشعرية قد وجدت طريقها إلى النشر والقراء عبر هذه الصفحة. - من 1981 إلى 1991، سيبدأ بهجاجي في الابتعاد التدريجي عن الكتابة الشعرية، وسيركز على الكتابة النقدية المسرحية. ونجد أن أغلب مقالاته النقدية في المسرح كُتِبت خلال هذه المرحلة. وهي الكتابات التي سيعيد نشر أغلبها في كتابه «ظلال النص: قراءات في المسرح المغربي»، الذي صدر سنة 1991 . وتُدرج في هذه المرحلة النصوص المسرحية التي ذكرتها أعلاه. - من 1991 إلى 1998 : هي مرحلة ستغلب فيها المزاوجة بين الإعلام والإبداع. وفي هذه المرحلة، سيصدر عملا ذا طابع إعلامي، وهو كتاب «المهدي المنجرة: مسار فكر»، بالاشتراك مع الشاعر والصحافي حسن نجمي. وهو في الاصل عبارة عن استجواب - سيرة ذاتية. وفي هذه المرحلة سيصدر النص المسرحي «الحفل التنكري»، الذي كتب سنة 1996 . - ابتداء من سنة 1998، ستبدأ تجربة التألق مع «مسرح اليوم». وهي التجربة التي شهدت لدى محمد بهجاجي نفسا احترافيا، بالمعايير المتعارف عليها. وفي هذه المرحلة سنشهد غزارة نسبية في كتابة النصوص المسرحية، التي كانت تخرج إلى الوجود بمعدل نص في العام، وتجد طريقها إلى الإخراج والعرض. ومن هذه الأعمال المسرحية، نذكر «البتول» سنة 1998، «العيطة عليك» سنة 1999، «امرأة غاضبة» سنة 1999، «الجنرال» سنة 2000 . هذه المرحلة ستغطي تقريبا الفترة الممتدة من 1998 إلى 2003 . وتميزت، كما قلت، بالنفس الاحترافي، الذي تؤطره رؤية للعمل المسرحي، ويتميز بالانتظام في الإنتاجية والعرض، والانفتاح على الجمهور الواسع، والمشاركة في المهرجانات الدولية والعربية. وكانت هذه التجربة (مسرح اليوم) بمثابة مختبر للمسرح المغربي. وكان يمكن، لو توفرت لها شروط وظروف أخرى، أن تتحول إلى مدرسة في المسرح المغربي، لها رؤيتها وأسلوبها. بعد تجربة «مسرح اليوم»، لن نقرأ نصا مسرحيا لبهجاجي أو نشاهد عرضا لمسرحية كتب نصها. سينشغل بهجاجي بعمله الصحافي بجريدة «الاتحاد الاشتراكي» رئيسا للقسم الثقافي. وفي سنة 2007، سيغادر الجريدة، بعد أن انتقل إلى العمل في وزارة الثقافة مستشارا بديوان وزيرة الثقافة، التي لم تكن سوى الفنانة المسرحية ثريا جبران، رئيسة «مسرح اليوم» . هذه التجربة «الجديدة» لم تدم أكثر من عامين، حيث توقفت سنة 2009، حين غادرت ثريا جبران الوزارة، بعد الوعكة الصحية التي كانت ألمت بها. بعدها، سينادي مسؤولو جريدة «الاتحاد الاشتراكي» على محمد بهجاجي، حيث سيشتغل مستشارا للتحرير، في سياق إعادة هيكلة الجريدة. وابتداء من سنة 2012، سيسجل محمد بهجاجي عودة إلى النشر. فقد نشر كتابين: كتاب «بلاغة الالتباس : قراءات في المسرح المغربي(« (2012 . وكتاب «ثريا جبران: دينامية المصادفة والاختيار(« (2013، وهو مصنف جماعي أشرف بهجاجي على إعداده وتحريره. (*) العرض الذي ألقاه محمد حفيظ في اللقاء المفتوح مع الكاتب المسرحي والإعلامي محمد بهجاجي، الذي نظمته المديرية الجهوية للثقافة لجهة تادلا- ازيلال، في إطار الدورة الخامسة للمعرض الجهوي للكتاب ببني ملال، يوم الأربعاء 06 نونبر 2013 .