مجلس الحكومة يصادق على تعيينات جديدة في مناصب عليا    البرلمان الأوروبي يدين الجزائر ويطالب بالإفراج عن بوعلام صنصال    المغرب وموريتانيا يوقعان اتفاقية للربط الكهربائي بينهما    طنجة المتوسط يعزز ريادته في المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    مؤجل الدورة 17.. الرجاء الرياضي يتعادل مع ضيفه اتحاد طنجة (1-1)    شركة "باليراريا" تطلق أول خط بحري كهربائي بين إسبانيا والمغرب    الحسيمة.. حملة للتبرع بالدم دعما للمخزون الاقليمي    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    توقيف شرطي بسبب شبهة تحرش    نقابة موخاريق تهدد بالكشف عن "جهات" تفرض عليها "ضغوطا" خلال مناقشة قانون الإضراب في البرلمان    ترويج مؤهلات جهة طنجة في معرض "فيتور 2025" بمدريد    حادثة سير مروعة تسفر عن وفاة 3 أشخاص (صور)    النهضة التنموية للصحراء تستأثر باهتمام برلمان مجموعة وسط إفريقيا    الحكومة تطمئن المغاربة: وضعية تموين الأسواق ستكون جيدة في رمضان    الحكومة تكشف حصيلة "مخالفات السوق" وتطمئن المغاربة بشأن التموين في رمضان    بايتاس : الشائعات حول التلقيح تزيد من تفشي داء الحصبة    أمن فاس يُطيح بمحامي مزور    إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب.. وزارة الصحة تواصل تنفيذ التزاماتها بخصوص تثمين وتحفيز الموارد البشرية    فيلم "إميليا بيريز" يتصدر السباق نحو الأوسكار ب13 ترشيحا    مجلس النواب يعقد جلسته العمومية    المغرب يستعد لاستضافة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025 وسط أجواء احتفالية    الجزائر تسلم 36 مغربيا عبر معبر "زوج بغال" بينهم شباب من الناظور    حركة "حماس" تنشر أهم النقاط التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يتألق في اليونسكو خلال مشاركته باليوم العالمي للثقافة الإفريقية    الجديدة…زوج يق.تل زوجته بعد رفضها الموافقة على التعدّد    هناء الإدريسي تطرح "مكملة بالنية" من ألحان رضوان الديري -فيديو-    مصرع طفل مغربي في هجوم نفذه أفغاني بألمانيا    الدوحة..انطلاق النسخة الرابعة لمهرجان (كتارا) لآلة العود بمشاركة مغربية    لحجمري: عطاء الراحل عباس الجراري واضح في العلم والتأصيل الثقافي    تفشي فيروس الحصبة يطلق مطالبة بإعلان "الطوارئ الصحية" في المغرب    هل فبركت المخابرات الجزائرية عملية اختطاف السائح الإسباني؟    مانشستر سيتي يتعاقد مع المصري عمر مرموش حتى 2029    أغلبها بالشمال.. السلطات تنشر حصيلة إحباط عمليات الهجرة نحو أوروبا    مدارس طنجة تتعافى من بوحمرون وسط دعوات بالإقبال على التلقيح    المغرب يلغي الساعة الإضافية في هذا التاريخ    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    أبطال أوروبا.. فوز مثير ل"PSG" واستعراض الريال وانهيار البايرن وعبور الإنتر    دوري لبنان لكرة القدم يحاول التخلص من مخلفات الحرب    ريال مدريد يجني 1,5 ملايير يورو    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    إوجين يُونيسكُو ومسرح اللاّمَعقُول هل كان كاتباً عبثيّاً حقّاً ؟    بوروسيا دورتموند يتخلى عن خدمات مدربه نوري شاهين    مشروع الميناء الجاف "Agadir Atlantic Hub" بجماعة الدراركة يعزز التنمية الاقتصادية في جهة سوس ماسة    مؤسسة بلجيكية تطالب السلطات الإسبانية باعتقال ضابط إسرائيلي متهم بارتكاب جرائم حرب    احتجاجات تحجب التواصل الاجتماعي في جنوب السودان    إسرائيل تقتل فلسطينيين غرب جنين    باريس سان جيرمان ينعش آماله في أبطال أوروبا بعد ريمونتدا مثيرة في شباك مانشستر سيتي    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دوريس ليسينج في حوارها الأخير: أعرف أشخاصاً حصلوا على نوبل ولم يفعلوا شيئاً
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 29 - 11 - 2013


ترجمة : نيجيل فارنيجيل
قبل أيام تم إعلان وفاة الكاتبة البريطانية وصاحبة نوبل دوريس ليسينج. حازت ليسينج علي نوبل في العام 2007، لتصبح المرأة رقم 11 التي تحصل علي هذه الجائزة. من أعمالها «الشعب يغني» و»الإرهابية الطيبة». ننشر هنا مقتطفات من حوارها الأخير مع صحيفة التليغراف
عندما قابل نيجيل فارنديل دوريس ليسينج في أبريل 2008، وهي في عمر الثامنة والثمانين، وجدها ما تزال غاضبة؛ من الشيوعيين، والسيدة تاتشر، و»السويديين الملعونين» الذين قدموا لها جائزة نوبل.
لا يستغرق الأمر مع دوريس ليسينج سوي أربع دقائق للتحدث عن شيء غير متوقع إن لم يكن جدليا بشكل كبير. تتحدث عن هتلر وتقول إنها تتفهمه، كعضوة سابقة في الحزب الشيوعي. (تركته عام 1956، العام الذي خطب فيه خروشوف في اجتماع الكونغرس العشرين، وأنكر فيه ستالين). عليّ أن أشرح أننا كنا نتحدث عن إريك ماريا ريمارك، مؤلف كتاب «كل شيء هاديء في الجبهة الغربية» . كانت قد قرأت مؤخرا واحدا من كتبه، عن ثلاثة جنود ألمان عادوا ذ مثل هتلر ذ من الحرب العظمي ليجدوا الفوضي الاقتصادية في جمهورية فايمار. «رأوا الناس ينقلون العديد من الماركات في عربات يدوية، ولأنهم رفاق قدامي وقفوا بجانب بعضهم البعض. وأنت تقرأ هذا تتفهم هتلر فجأة».
هي بالطبع لا تتسامح مع هتلر، هي فقط تشرح شعبيته المبكرة. أذكر هنا تعليقها الذي يظهر شجاعتها المحببة مع اللغة؛ هي لا تهتم بما يمكن أن يفكر فيه الناس، لقد تجاوزت مرحلة الاهتمام، وهناك عظمة في تجاوز الاهتمام بالناس. علي سبيل المثال كم عدد الناس الذين يبلغون الثامنة والثمانين ويصبحون ظاهرة عالمية علي اليوتيوب؟ هي كانت كذلك في العام الماضي، عندما ذهبت الصحافة إلى المنزل الذي عاشت فيه الثلاثين سنة الماضية في ويست هامبستيد، المنزل الذي نجلس فيه الآن، حيث خرجت من تاكسي أسود مع ابنها بيتر، قيل لها إنها فازت بجائزة نوبل للأدب وطلب منها التعليق. كانت هذه أول مرة تسمع الخبر، إلا أنها لم تتأثر بشكل بطولي، قالت وهي تتجاهل الأسئلة: «يا يسوع المسيح»، مضيفة: «أنا لا يمكنني الاهتمام كثيراً.. لقد حصلت على كل الجوائز في أوروبا، كل جائزة لعينة».
كانت أكثر لطفا لاحقا، قالت كل الأشياء الطيبة، ولكن الآن عندما أسألها عن لحظة نوبل تعود وتقول «من هؤلاء الناس؟ إنهما مجموعة من السويديين الملعونين».
يقول بيتر: «إنهم يبيعون كميات كبيرة من الديناميت».
تقول: «بيتر ابني» وكانت إشارتها غير ضرورية.
يضيف بيتر: «ابنها الآخر مات». وهذا أيضا كان غير ضروري. (ابنها الأكبر جون، مزارع في حقول البن في زيمبابوي. مات بأزمة قلبية عام 1992).
تقول: «المسألة كلها نكتة. تدير جائزة نوبل مجموعة ذاتية مستديمة. يصوتون لأنفسهم ويجعلون صناع النشر في العالم يسيرون على نغمتهم. أعرف عدة أشخاص حصلوا علي نوبل ولم يفعلوا شيئا لسنة سوي نوبل. وهذا يجلب لي ضيقات جديدة لي. بالأسفل هناك 500 شيئا عليّ أن أوقعه» .
عندما توجهت للمنزل، كنت قد مررت بالفعل بالعديد من الكراتين في طريقي إلى السلم. كنت قد رأيت بيتر أيضا في نهاية الممر، يجلس على طاولة المطبخ ببيجامته. وبلا مبالاة ولا كلمات أشار بإبهامه إلى غرفة الجلوس. حيث وجدت أمه، طولها خمس أقدام، وبوجه لطيف ومجعد، محاط بخصلات شعر كانت تتهرب من تسريحتها.
بالمناسبة، كانت الغرفة تشبه كل شيء تأمل أن تراه في غرفة جلوس عملاق أدبي: كانت فوضوية بشكل رائع، كمتجر للسلع الرخيصة. قال أحدهم مرة أن ليسينج تبدو وكأنها تعسكر في منزلها. هناك أكوام من الكتب، بعضها مائلة وغير مستقرة، شكل للكرة الأرضية، صينية للعرض، أقنعة أفريقية، لوحات زيتية، أبسطة مطوية على الأرضية. تعيش هنا الآن، تنام على الكنبة الحمراء بسبب آلام ظهرها إذ تعاني من هشاشة العظام، هذا يجعل من الصعب عليها أن تنام على سرير. يشاركها على الكنبة قط ضخم تسميه يوميوم، الاسم المتخذ من أوبرا ميكادو. تقول وهي تربت على قطها: «يوما ما سأسقط على يوميوم وسيكون عليهم أن يحملوني إلى المستشفي».
الكاتبة الأكثر إنتاجا وغيرالتقليدية كتبت رواية تزعم أنها ستكون الأخيرة (كتبت أكثر من خمسين كتابا وتقول إن «هذا كاف» ) النصف الأول من كتاب «ألفريد وإيميلي» هو رواية قصيرة عن كيف يمكن أن تتغير حياة والديها لو لم تكن الحرب العالمية الأولى قد اندلعت. الجزء الثاني هو سيرة ذاتية عن والديها. كانت أمها ممرضة أثناء الحرب. تقول ليسينج: «كان قلبها دافئا ولكنها لم تكن حساسة. من المحتم أن تمريض المجروحين كان أشبه بالجحيم. يصلون بعربة لوري، وبعضهم مات فعليا. المحتم أن هذا مزقها».
كان أبوها جنديا في معارك الخنادق. كادت الشظايا أن تقتله عام 1917 . كان يرتدي قدما خشبية ويتذكر معركة باشانديل، المعركة التي قتل فيها بقية رفاقه. تقول ليسينج «كان أبي يتحدث عن الرجال الذين عرفهم وماتوا في معركة باشنديل حتي اليوم الذي مات فيه. كان يتساءل دوما إن كان من الأفضل أن يموت معهم، ولكن على الرغم من ذلك لم يجعل الإصابة تعيقه. كان يفعل كل شيء». مات في سن الثانية والستين. «كان من المفترض أن يكتب في شهادة وفاته أن سبب الموت هو الحرب العظمي».
تعتقد أن شخصيتها تربت على الحروب، عن طريق والديها. بدونها ربما لم تكن لتصير كاتبة، ولن يكون لديها ما قال جراهام جرين أنه يجب أن يكون لدى كل الكتاب: قطعة من الثلج في القلب. «حسنا، لقد فكرت كثيرا في هذا. لقد ولدت عقب الحرب العالمية الأول. وغضب أبي من الخنادق سيطر عليّ عندما كنت صغيرة ولم يتركني أبدا. وكأن الحرب القديمة كانت في ذاكرتي وضميري. أعطتني إحساسا رهيبا بالنذير، اعتقادا بأن الأشياء لا يمكن أن تكون عادية ومنظمة، إنها ملعونة دوما. جثمت الحرب العظمي على طفولتي. الخنادق كانت حاضرة
أمامي أكثر من أي شيء أراه. ولم يفوت أبواي فرصة ليجعلوني أشعر بالبؤس من الماضي. أجد أن الحرب تثقل عليّ كلما كبرت. كيف كان من الممكن أن نسمح بهذه الحرب الوحشية؟ لم نظل نسمح بالحروب؟ نحن انزلقنا الآن في العراق في موقف مستحيل. سأكون سعيدة حينما أموت، هذا سيجعلني أتوقف عن القلق من كل هذه الحروب». لا يمكنك أن تخمن من عيني ليسينج الصغيرتين والطيبتين أنها كانت تكره أمها، توضح: «لقد كرهنا بعضنا. كنا نتشاجر من البداية، هي لم تخترني كابنة، لقد سقطت عليها. من المؤكد أنني أغضبتها. فكرت أن كل شيء أفعله هو أنني أضايقها. كان لديها قدرة غير عادية علي التوهم الذاتي».
هل تساعدها الكتب على فهم أهلها أكثر، أن تتعاطف معهم؟ «لأن أبي فقد قدما في الحرب، تصرف وكأنه الوحيد الذي له الحق في المعاناة، في حين أن أمي كانت تعاني أيضا؛ زعمت أن حبيبها الحقيقي غرق في سفينة، ولكني لم أكن متأكدة أبدا من ذلك، لأن الصورة الوحيدة التي كانت لديه لها كانت من جريدة، هناك شيء زائف في هذا. لم ليس لديها صورة أفضل؟» بدأت ليسينج في احتقار أمها، نقطة التحول في علاقتهما بدأت عندما زعمت أمها أنها تعاني من أزمة قلبية. «جمعت أولادها وقالت : أمكم بائسة، أمكم بائسة جدا. كنت في السادسة وكرهتها بسبب ذلك. هذه المرأة تئن على سريرها وتشكو مرضها. كيف يمكن للممرضة أن تقول كلاما فارغا عن قلبها؟ من المفترض أن تعرف أنها نوبة قلق وليس أزمة قلبية، لقد اختلقت الأمر. ماتت أمي برضا من جلطة في السبعينيات من عمرها».
ولكنها لم تمت قبل أن تبدأ في إرسال خطابات إلى ابنتها لتتهمها بأنها عاهر. بعد فترة، ستمزق دوريس خطابات أمها لحظة وصولها. في النهاية ستجبر علي زيارة طبيب نفسي لبحث هذه العلاقة العجيبة. تقول ليسينج: «أبي وأمي لم يكن من المفترض أن يتزوجا، كان هو حالما جدا وجنسانيا، بينما كانت هي نشيطة جدا وماهرة وعنيدة. لم يفهما بعضهما أبدا. كانت تسخر دوما من الجنس، لم تكرهه، بقدر ما كانت تعتبره غير موجود. كانت تتحدث عن الجنس وكأن شخصا مزعجاً مصاب بالبرد يضايقها».
ولدت ليسينج في فارس (كما كانت تسمي ساعتها) عام 1919، دوريس ماي تايلر (كما كانت تسمي ساعتها) نشأت في حقل ذرة في روديسيا المستعمرة (زيمبابوي الآن)، هاجر أبواها إلى هناك بعد الحرب. كانت تقرأ بشراهة: كانت تُرسل لها الكلاسيكيات الأدبية من ناد أدبي بلندن. ولكنها لم تكن طفلة سعيدة، وكانت تهرب من آن لآخر. كانت تراودها أيضا توهمات عن وزنها وبدأت حمية من زبدة الفول السوداني والطماطم. لم تأكل شيئا آخر لشهور، ونجح الأمر. تركت المنزل والمدرسة عندما كانت في الخامسة عشر وتزوجت فرانك ويسدام وهي في التاسعة عشر، الذي قابلته وهي تعمل في سنترال في سالزبري. كان موظفا مدنيا أكبر منها بعشر سنوات. أنجبت طفلين وبدأت في القفز على - ما وصفته بشكل قوي - «جبال هيمالايا الضجر» بالنسبة لأم شابة.
عام 1945، في عمر السادسة والعشرين، هجرت أسرتها وتزوجت من جوتفريد ليسينج، شيوعي وكان عنصرا أساسيا في نادي الكتب اليساري. طلقا بعضهما بعد أربع سنوات، عام 1949 . ظلت محتفظة باسم زوجها الثاني، هذا الذي يبدو شيئا غريبا على امرأة نسوية، ولكن ليسينج لم تكن أبدا نسوية تقليدية. لم تكن تقليدية على الإطلاق.
هاجرت إلى إنجلترا مع بيتر هي ومسودة كتابها الأول «العشب يغني»؛ الذي يدور في روديسيا ويصف مزارعا أبيض فقيرا تدخل زوجته في علاقة مع خادم أفريقي، نُشر عام 1950، عندما كانت في الحادية والثلاثين، وأشار إلى نجمة قادمة، امرأة مستعدة لتحدي التقاليد العنصرية. كشف الكتاب أيضا أنها ستكون روائية ذات مواهب طبيعية كبيرة وسيطرة تقنية. على الرغم من أن الكتاب كثيف بروائح ومناظر المروج، فتقنيته تعتمد بشكل كبير على الروائيين الروس الذين كانت تلتهمهم، خاصة دوستويفسكي وتولستوي. ولكن حياة الكاتب عنت أنه كان عليها أن تصير أنانية. تقول: «لا أتسامح مع العواطف لأنها مشاعر زائفة». للسنوات الخمس التالية كانت تدفع لعائلة في الريف لتأخذ طفلها الصغير لأسبوعين كل مرة حتي تستطيع الكتابة. تقول: «لا يمكن لأحد أن يكتب وهناك طفل موجود، هذا ليس أمرا سليما، هذا سيضايقك».
بدأت تختلط بالمشهد الأدبي الراقي والعظيم في لندن: ضمت دائرتها جون برجر، جون أوزبورن، برتراند راسل، آرنولد ويسكر. وفقا لويسكر: «كانت طباخة جيدة وكانت تقيم حفلات غداء رائعة، إذ كنا نأخذ الطعام من مجموعة من الأطباق ونجلس واضعين ساقا على ساق ونحن نأكلها. كانت مثلها مثل أفضل شخصياتها: مهتمة بالأصدقاء، ذكية بشكل كبير، لا تهتم بالتفاهات. كانت لا تصبر على الكلام الفارغ والتظاهر. إن لم تكن تتصف بهذه الأشياء، يتم الترحيب بك في العائلة».
كتابها الأكثر تأثيرا «المفكرة الذهبية» نشر عام 1962 واعتبر حتى يومنا هذا عملا نسويا كلاسيكيا. هذه الممارسة التي تميل للتجريب في السرد ما بعد الحداثي تدور حول الحياة الداخلية لآنا وولف، يستكشف الكتاب ما الذي يعنيه أن يكون الإنسان ذكيا وغاضبا وامرأة. يبدأ من افتراض أن حيوات النساء متصلة بشكل حميمي بقصص عن أنفسهم يسمح المجتمع لهم أن يقدموها. هذه الرؤية غيرت شكل الرواية نفسها، فقد قسمت حياة آنا إلى مفكرات متعددة الألوان: الأسود للكتابة، الأحمر للسياسة، الأزرق للحياة اليومية، والأصفر للمشاعر. تمثل «المفكرة الذهبية» ما تطمح إليه آنا ذ اللحظة التي ستحضر كل ذواتها المتعددة إلي كل واحد.
تجد المؤلفة الآن أشياء أكثر لتناقشها عن العمل الذي كتبته في شبابها أكثر من النسويات الذي رفعوه إلى مكانة مقدسة. تقول عن الرواية إنها كانت عقبة في طريقها وتأسف لأن النقاد فشلوا في تقدير بنية الرواية، مركزين الاهتمام فقط على رسالتها النسوية، وموضوعها عن الانهيار العقلي كوسيلة للشفاء وتحرير النفس من الأوهام. الغضب الظاهري من الكتاب ربما يتعلق بالمعجبين، خاصة النسويات من أمريكا وألمانيا، الذين اعتادوا على الوقوف عند بوابة منزلها في الصيف. تقول: «لقد أصبح المنزل ملك للنسويات، إلا أن الكتاب في الأصل كان سياسيا، اعتدت أن أضجر من حاجتي للشرح للقراء في السبعينيات ما الذي عناه خطاب خروشوف في اجتماع الكونجرس السوفييتي العشرين بالنسبة للشيوعية العالمية. هذا هو ما يعطي للكتاب طاقته حقا. في هذا الوقت كان الرفاق ينكرون أن خروشوف ألقي هذا الخطاب، قائلين إنه اختلاق من الصحافة الرأسمالية. اختنق الرفاق بعد ذلك من اليأس».
تبدو هذه الأيام رافضة تماما لحركة التحرر النسائية، تقول: «لقد تم الانتصار في كل المعارك، باستثناء المقابل المتساوي للعمل المتساوي». ويبدو أن هذا عزل بعض تلاميذها السابقين. تبدو ليسينج أنها تستمتع بالثقل الأكبر الذي تمثله آراءها بعدما أصبحت فائزة بنوبل. تصريحها بعد فوزها بنوبل لجريدة إل باييس الإسبانية كانت إحدي الحالات، قالت : «11 سبتمبر كان حدثا بشعا، ولكنا إن عدت بالتاريخ إلي الجيش الجمهوري الأيرلندي، فالأمر ليس بهذه البشاعة». هذا أحدث غضبا في أمريكا، بدت ملتذة بذلك. ولكونها لا تساوم وذات عقل منفرد، فهي تعتبر نفسها مخالفة محترفة.
في كتابها الأخير عادت ليسينج إلى الأصل، إلي روديسيا حيث طفولتها. هناك فصل مؤثر تصف فيه العودة كامرأة عجوز للبلد الذي أحبته من قبل، لتجده ممزقا بسبب حكم موجابي الطاغي. تقابل شخصا أسود بغيضا سكيرا لا يسمح لها برؤية مزرعة أبيها القديمة. كانت مدافعة كبيرة عن حكم السود. سألتها إن كان هذا اللقاء قد غير رأيها؟ «هل كنت سأهاجم السود لو كنت أعرف ما الذي سيحدث؟ الإجابة هي لا. ومجددا فلم يكن المجتمع الذي نشأت فيه جذابا. كان قبيحا في الحقيقة. لكن إن كان من الممكن قول شيء عن الأمر فهو أنني سأدعمك فقط إن تصرفت بشكل سليم حينما تحصل على السلطة، بدلا من التحول إلى وحش دموي مثل موجابي. على كل حال، نحن مخطئون بشكل جزئي لأننا تصورنا أنه حين يحصل السود على السلطة سيتصرفون مثل فيليب توينبي مثلا. لم افترضنا هذا؟ بدلا من ذلك أصبح لدينا موجابي؛ رجل كريه. أنا لا أفهم ما الذي حدث له، كل من عرفه قاله إنه كان ذكيا. كم هو منافق حين يلقي بالبيض خارجا رغم قوله إنه لن يفعل. والآن أنظر إلى المكان، مجاعة، مرض، فساد، مستوي أقل من الحياة، شيء بشع».
هل لديها أي مشاعر عنصرية؟ «بالطبع لديّ، لقد نشأت محاطة بعنصريين بطريقة لا أحد يتوقع الآن إنها كانت موجودة، ولكنها ليست مسألة عنصرية. إنه أمر يشبه وجود الرومان في بريطانيا، لقد وجدونا همج وتركونا همج، ولكن بعد بضعة قرون نحن متحضرون الآن».
بالطبع كانت تختلف سياسيا مع زوجها الثاني. تقول: «لم يكن يعامل كتابتي بجدية، لأنه كان شيوعيا ويعتقد أنني برجوازية وفرويدية وكل هذه الأوصاف. أجد أنه من المستحيل تصديق أن ظل شيوعيا طوال حياته. لقد قتل في كمبالا، في كمين. كان في سيارة مع زوجته الثانية وساقها نحو تنزانيا، هذا كان أمرا مجنونا، ألقوا عليه النيران، وكان موتا بشعا، وهذا أثر على ابنه، بيتر ممزق بسبب هذا. نعتقد أن الشيوعيين هم من فعلوا هذا لأنهم سموا شارعا باسمه. هذه هي الطريقة التي يتصرفون بها». هي تؤمن الآن أن الشيوعيين «قتلة بضمير مستريح». ولكنها أخذت وقتا طويلا لتصل لهذا الاعتقاد. «نعم لقد وصفت الشيوعية بأنها أجمل الأحلام في أحد كتبي. ثم اكتشفت أنها أشبه بكمية من الجوارب القديمة. أنا لا أصدق الان أنه هناك أناس أذكياء يؤمنون بها».
كنت أعرف عقلها القلق وعدم قدرتها على مقاومة فرصة لتصدمك. سألتها إن كانت تعتبر مارجريت تاتشر بطلة لأنها واجهت الاتحاد السوفييتي وأنهت الحرب الباردة. لم يكن حظ تاتشر حسنا، قالت: «هل انتهت الحرب الباردة؟ هذا أمر جيد، أنا لم أكن أطيقها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.