توفيت الروائية البريطانية الشهيرة «دوريس ليسينغ»، مساء الأحد، عن سن تناهز 94 عاما، حسب ما أوردته جريدة «دو غارديان» البريطانية. إذ اشتهرت هذه الروائية، التي توجت بجائزة نوبل للأدب سنة 2007، بروايتها «المفكرة الذهبية» التي صدرت سنة 1962، كما ألفت أكثر من خمسين عملا تراوح بين الرواية والعمل الفكري. كما عرفت بدفاعها المستميت عن قضايا المرأة.
كانت انطلاقة الأديبة البريطانية «دوريس ليسينغ» إلى الشهرة والنجومية العالمية من داخل الحزب الاشتراكي البريطاني. لكنها مالبثت أن غادرته سنة 1956 بعد سحق الثورة الهنغارية. وبعد هذه البداية السياسية القصيرة، التي يعتبرها البعض أنها كانت فاشلة في حياة «ليسينغ»، انتقلت هذه الأخيرة إلى عالم التعبير الفني والرمزي، فاقتحمت المجال بقوة ونجاح باهرين، حتى صار الفرنسيون يقارنونها بأيقونتهم في مجال النسائيات «سيمون دو بوفوار». بينما لم يحبذ البريطانيون هذه المقارنة، ليتوجوها خير خليفة لأيقونتهم الشهيرة «فرجينيا وولف». لكن الروائية عرفت أيضا بتجربة فريدة في أفريقيا قلما سلطت عليها أضواء وسائل الإعلام. فهذه الروائية، التي رأت النور يوم 22 أكتوبر 1919 في إيران، عندما كان والدها «دوريس ماي تايلر» قائدا في الجيش البريطاني، عاشت الجزء الأول من حياتها بأفريقيا، فيما كان يعرف باسم «روديسيا الجنوبية» ( الموزمبيق اليوم). إذ صدرت مذكرات هذه التجربة في كتاب بعنوان «في بشرتي»، حيث تروي تجربة امرأة إنجليزية صارمة بيضاء اللون داخل مجتمع أسود. وفي هذه الكتاب، لا تبدو «ليسينغ» متمنطقة بمظاهر البورجوازية، ولا متسلحة ببلاغات النزعة الغرائبية التي طغت على مؤلفات أبناء جلدتها الذين زاروا أفريقيا من قبلها، بل ستظهر ميالة إلى التحرر من كل الصور النمطية، وإلى تبني نزعة إنسانية رومانسية تقوم أحيانا على الدفاع عن حق الإنسان في تقرير مصيره. إذ ستغذي هذه الفترة أعمالها الغزيرة التي ستأتي فيما بعد. يقسم النقاد أدب «دوريس ليسينغ» إلى ثلاث مراحل أساسية، بحسب التيمات التي عالجتها: المرحلة الاشتراكية (1944- 1956)، وفيها انخرطت في الكتابة عن قضايا ذات بعد اجتماعي (إذ ستعود إلى هذا التوجه في كتابها «الإرهابي الطيب» الصادر سنة 1985)؛ والمرحلة النفسية (1956- 1969)، حيث ألّفت في هذه المرحلة كتابين مهمين هما: «العودة إلى البراءة» (1956) و»المفكرة الذهبية» (1962)؛ وأخيرا المرحلة الصوفية، وهي مرحلة تطلق عليها الكاتبة نفسها اسم «خيال الفضاء». لكن الملحوظ أن هؤلاء النقاد أهملوا تصنيف كتاباتها حول قضايا النساء ضمن تصنيف نقدي أو مرحلي معين. ورغم أن الروائية البريطانية عرفت أكثر برواية «المفكرة الذهبية»، إلا أن القراء، خاصة الفرنسيين، عادة ما يربطونها بشخصية «مارثا كويست»، الشخصية الرئيسية في خماسيتها (مارثا كويست، زواج مناسب، هدير من العاصفة، البَرّ، مدينة الأبواب الأربعة) الموجهة للأطفال. إذ تعتبر هذه الخماسية ملحمة أدبية كتبت خلال الفترة الممتدة من 1950 إلى 1969، وتتناول قضايا متعددة تتراوح بين الحب، والسياسة، والاستعباد، والتمييز العنصري، والخيانة، والمخدرات؛ أي كل مصادر العنف التي قد تشكل درسا مفيدا يستقى من حكمة امرأة أفلتت من براثن عنف الطفولة. أخيرا، ففيما يتعلق بالالتزام بالقضية النسائية، تبدو الكاتبة صارمة أيضا، لأنها لا تريد أن تبدو سطحية، مثلما هو شأن المتغنيات بالدفاع عن حقوق المرأة. إذ تكتب في مقالة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية سنة 1982، قائلة إن «ما تريده الناشطات النسائيات مني هو أمر لم يعالجنه لأنه صدر عن الدين. إنهن يردنني أن أحمل شهادة. فما يردن مني قوله في الواقع هو: «أيتها الأخوات، أنا أقف بجانبكن في كفاحكن من أجل فجر ذهبي يندثر فيه كل أولئك الرجال المتوحشين». هل يردن فعلا من الناس أن يصرحوا تصريحات مبسطة جدا حول الرجال والنساء؟ في الواقع، نعم. لقد توصلت إلى هذه الخلاصة بأسف شديد..»