في مقال بعنوان : «لغة العلم ولغة الحياة»، نشرته جريدة الاتحاد الاشتراكي في عددها 10.558 بتاريخ السبت والأحد 23 و24 نونبر 2013، كتب الأستاذ أحمد عصيد مدللا على أن اللغة العربية غير مؤهلة لتكون لغة علم ولا لغة تدريس للعلوم، ممهدا لذلك بنفي أي أثر للسياسة والتدخل العمومي في إكساب أي لغة مكانتها أو الحد من هذه المكانة؛ ومستدلا على ذلك بوضعية الدارجتين المغربية والمصرية، اللتين استطاعتا، في غياب أي نوع من السند الرسمي، أن تنتشرا وتتبوءا مكان الصدارة في الأنساق اللغوية التي يستعملها الشعبان، ويرد ذلك إلى تلقائيتهما وحيويتهما وبساطتهما. في الواقع، أحزنني الوضع الذي وصل إليه الصديق أحمد عصيد، في تسفيهه للغة العربية بشكل يكاد يقترب مما كان يقوله عنها عتاة منظري النزعات الاستعمارية في المشرق والمغرب. ومرد حزني إلى أنني أعرف مؤهلات الرجل الفكرية، وأعرف أنها لا تنسجم مع هذا المنحى من النقاش الذي انجر إليه، في غمرة حماسه المتجدد مع ارتفاع الأصوات الداعية إلى تقليص موقع اللغة العربية في التعليم لفائدة الدارجة المغربية. وبانضمامه إلى معسكر دعاة التدريج، على الأقل من زاوية الدفاع عن الحداثة ومناهضة التقليد والمحافظة(كما يقول)، اقتنص الرجل الفرصة للعودة إلى حسابات قديمة ظل يحتفظ بها ضد العربية، لغة وثقافة، منذ فترة السجالات التي رافقت بدايات الحركة الثقافية الأمازيغية، والمواجهات التي كان روادها يجدون أنفسهم مجبرين على خوضها مع أنماط التفكير التي كانت سائدة في ذلك الوقت. وعلى الرغم من أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر خلال العقود الأربعة المنصرمة، تغيرت فيها الرؤى والمقاربات، وتلاشت أفكار وانبثقت أخرى ولم تعد هناك معسكرات مع الاعتراف بجدارة اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وأخرى ضدها، ها هو الصديق عصيد - الذي حمل لواء العقلانية والواقعية، بين مناضلي الحركة، وأسهم بشكل فعال في تدقيق النقاش حول قضايا الهوية، وتخليصه من النزوع الإيديولوجي الفج - يرتمي في هذا النقاش حول لغة التعليم برداء إيديولوجي سميك. وهذا نعت مهذب جدا لما ورد في مقاله. كتب عصيد أن اللغة العربية عاجزة عن أن تكون لغة إنتاج علمي، فأحرى أن تكون لغة تلقين ناجعة للعلوم. ومثل هذه النظرة إلى اللغة - أي لغة - لا يليق أن تصدر من رجل ينتصب كمفكر حداثي، منحدر من الدرس الفلسفي. ذلك أن في صلب هذه النظرة يقع التصور التوقيفي نفسه الذي ينتقده عصيد في نقاشاته مع المحافظين، وذلك حين يقرر للغة خصائص ذاتية ملازمة (تكاد تكون جزءا من طبيعتها) ، كما لو أن اللغة كائن قائم بذاته مستقل عن مستعمليه وعن ظروف استعماله. كان على عصيد أن يتذكر أن مناهضة هذه النظرة القيمية إلى اللغة تقع في صلب الحداثة كما أسسها القرن الثامن عشر، وهي التي أدت إلى فك الارتباط بين المعنى والحقيقة، الذي ظل لاهوت القرون الوسطى يجعل منه العمود الفقري لفعالية النص المقدس. جميعنا اليوم يعلم أن اللغات أنساق تواصلية، وأن الحقيقة لا توجد في المعنى، وأن المعاني لا توجد في الكلمات بل حولها (أي في السياقات المحيطة باستعمالها)، وبالتالي فإننا لا نتصور لغة مكتفية بذاتها مشتغلة كلغة إلا من خلال استعمالها، ولا نتصور مستعملا للغة مكتفيا بذاته مفعما، جوهرانيا، بقدر ما نتصوره علائقيا مندمجا في الدينامية الاجتماعية التي يشكل التواصل اللغوي أحد وجوهها. وليس من حق عصيد - بمقتضى مسؤوليته الأكاديمية - أن ينسى هذه الخلفيات الفلسفية والعلمية الكبرى أو يتجاهل استعمالها في حجاجه «التنويري». يعرف عصيد أن الأنساق اللغوية هي أنساق رمزية تزداد تعقيدا كلما ازداد استعمالها تعقيدا. وبالتالي فقد كان ينبغي ان يصل في تحليله إلى أن اللغات تعكس مستوى نضج مستعمليها، ولا تعكس قيمة ذاتية لصيقة بها. في هذه كان عصيد رجعيا بشكل لا غبار عليه. لكنه لم يكن رجعيا فقط، بل كاد ينزلق نحو العنصرية وهو يحشد الحجج لإقناعنا بان اللغة العربية ليست قادرة على أن تكون لغة تلقين للعلوم ولا لغة إنتاج علمي. وبالرغم من أنه عاد ليؤكد أن هذا الأمر مرتبط بالمتكلمين بها، إلا أن تحليله اللاتاريخي، أفقد هذه العودة كل مضمون، وجعلها أقرب إلى التبريرية منها إلى الحجة التحليلية الناجعة. لكن السؤال الذي طرح نفسه علي بإلحاح في هذا السياق هو: ما الذي يجعل أحمد عصيد يبدو متحاملا - ضد كل منطق - على اللغة العربية، التي لا يستعمل سواها - على كل حال - في كتاباته السجالية ومناظراته؟ هل كان يسعى إلى إنتاج خطاب علمي حقيقي حول اللغة العربية؟ هل كان يسعى إلى تنوير الرأي العام والقيام بدوره النقدي كمثقف محكوم عليه بالتساؤل المستمر، ومساءلة البداهات، على حد تعبير صديقنا محمد المدلاوي؟ لا أظن أن مقاله هذا يستجيب لأي من المقصدين. فهو لا يبني خطابا علميا، لما ينطوي عليه من رؤية غير علمية بينا ملامحها أعلاه، لا تأخذ بعين الاعتبار أبسط أبجديات علوم اللغة المعاصرة؟ كما أنه لا يبني خطابا مسائلا للبداهات السائدة، بقدر ما يعمد إلى المغالطة والتضليل، بما ينطوي عليه من تأكيدات قطعية لا تصمد أمام أبسط تمحيص. لنفحص بعض هذه المغالطات: - 1 - قال: إن اللغة لا تحتاج إلى قرار سياسي لكي تنتشر بين الناس. وضرب لذلك مثلا بالدارجة التي يتكلمها الجميع دون أن تصرف عليها الدولة درهما واحدا. ومحل المغالطة في هذا المثال هو أن اللغة التي نقصدها عادة بتدخل الدولة ليست اللغة الشفهية التي يستعملها الناس في كل الجماعات البشرية للتواصل بينهم بصفة مباشرة في مواقفهم اليومية، وإنما هي اللغة المكتوبة التي تصبح موضوع تخزين ومراكمة وتوثيق ومعاملات مكتبية (رسمية) تبرهن عن الحقوق والواجبات التي تربط المواطنين ببعضهم وبالدولة. لو كان الأمر كما يقول الأستاذ عصيد، فهل له أن يفسر لنا لماذا ينفق، هو نفسه، واضحة يومه وجهده، في مؤسسة مكلفة بتهيئة اللهجات الأمازيغية لتصير قابلة للكتابة والتوثيق، في أفق ترسيمها، وخلق اللغة المعيارية التي يمكن تعليمها للناطقين بغيرها، وتوحيد قواعد تدريسها. وكل ذلك على نفقة الدولة. يعرف الرجل إذن، أنه يتكلم عن مستويين مختلفين من التحقق اللغوي، مستوى الشفاهة ومستوى الكتابة والترميز التجريدي؛ لكنه فضل السكوت عن الأمر، لأسباب سجالية. هنا تكمن المغالطة الأولى. - 2 - أراد عصيد بمغالطته الأولى أن يمهد الطريق لتقرير مغالطة ثانية: أن اللغة العربية (ويقصد العربية المعيارية)، حتى وإن صرف عليها المال واتخذت بشأنها القرارات السياسية، فإنها عاجزة بطبيعتها عن أن تكون لغة علوم. ومحل المغالطة هنا مزدوج: فهو بهذا القول، الذي يعلم (كما أحسن الظن به) أنه غير سليم، من جهة نظريات العلوم اللسانية، يقدم صك غفران لأصحاب القرار في السياسات التعليمية ببلادنا، عن عبثهم غير المسؤول بمستقبل ومآلات التعليم واستقلالنا العلمي والتكنولوجي. يعرف الرجل أن وقف تعريب العلوم العقلية والتجريبية والتقنية في التعليم العالي، كان بقرار سياسي تعسفي غير دستوري، لم يناقش في أي من المحافل الدستورية، ولم يخضع للنقاش العمومي، ولم يكن نتيجة عجز في اللغة العربية. نريد من الأستاذ عصيد أن يبين لنا كيف توصل إلى حكمه المبرم، بأن اللغة العربية عاجزة عن التفكير العلمي وإنتاج العلم وتلقين العلوم للناطقين بها. أين يكمن العجز في الدروس العلمية المعربة حاليا في التعليم الأساسي والثانوي؟ وما موقع كل تلك الترسانة من اللغة الواصفة والرموز التي يستعملها تعليمنا العلمي قبل الجامعي؟ يبدو الأمر عند عصيد كما يلي: اللغة العربية عاجزة عن العلم والدليل أننا لم نعرب تعليم العلوم؛ ونحن لم نعرب تعليم العلوم لأن العربية غير صالحة للعلم. طوطولوجيا!! هل يجهل عصيد فعلا أن لغة العلم هي عبارة عن مفاهيم تعبر عنها المصطلحات التي يتفق أهل العلم على مدلولها، بغض النظر عن اللغات التي يتم التعبير بها عنها؟ وهي، إلى ذلك، لغة واصفة لهذه اللغة (ابستيمولوجيا) وجملة من الرموز العابرة للغات. أما العلم نفسه فهو القوانين التي يتم تجريدها وتثبيتها بواسطة الرموز والمعادلات والقضايا (بالمعنى المنطقي)، وفق المناهج المقررة لكل علم من العلوم. - 3 - هل يجهل عصيد أن لغات كانت ميتة تقريبا، وقع إحياؤها بدافع قومي وبسند من الدولة، فصارت لغات علم لا غبار عليها، وأقربها إلينا هي اللغة العبرية؟ كيف يستقيم وفق منطق عصيد أن تصير هذه لغة علم، بينما تظل العربية بعيدة عن ذلك، وهي قريبتها من حيث البناء والخصائص النسقية؟ والحال أن اللغة العبرية هي أيضا لغة مشروع قومي ديني شديد العنصرية، وغارق في أساطيره وخرافاته ؟ أن يكون من بين مستعملي لغة ما من يعتبرها لغة مقدسة ولغة دين وهوية، فهذا لا ينفي عنها القدرة على أن تكون لغة علم إذا اتخذ القرار السياسي بذلك، كما حصل في إسرائيل. هل يعلم عصيد أن مؤدى كلامه عن استحالة قيام العلم في اللغة العربية، هو استحالة أن تكون عقول مستعملي هذه اللغة عقولا علمية؟ ألا يذكره هذا المؤدى بشيء؟ ألم تكن النازية تقول الشيء نفسه عن الشعوب غير الآرية؟ ماذا يفعل بأهم نتيجة توصل إليها كلود ليفي شتراوس من حصيلة مشروعه العلمي كله: إن العقل البشري، في كل مكان، وفي كل الثقافات، يشتغل بنفس البنية وبنفس القوانين، بغض النظر عن مستوى التقدم الحضاري للشعوب. أما أن يشترط الأستاذ عصيد، لقيام العقل العلمي، حدوث قطيعة مع الفكر الخرافي، فهذه حقيقة نقره عليها. لكن القطيعة، كي تحدث بالشكل الذي يقتضيه الأمر، تحتاج إلى الدولة العقلانية، أي الدولة التي تحتكم في قرارها إلى المؤسسات لا إلى الأفراد، وتتكلم لغة معيارية معقلنة، لا لغة «تلقائية متجددة»، بالرغم من الإيجابية التي توهمنا بها مثل هذه النعوت، وهي تتحدث عن الدارجة (أي اللغة الشفهية الموجودة في كل المجتمعات، وليس في المغرب أو في البلدان التي تستعمل العربية المعيارية وحدها. وهذه هي المغالطة الثالثة التي ينبني عليها مقال الأستاذ عصيد) - 4 - أما المغالطة الرابعة في المقال، فهي تلك التي ظل عصيد يرددها في عدد من المناسبات، وأشار إليها بشكل غير مباشر في مقاله، وهي أن اللغة العربية لم تعرف أي تهيئة لكي تستجيب لمتطلبات العلوم الحديثة، وأن القائمين عليها (ويعني بهم - في الحقيقة - المدافعين عنها) أهملوها ولم يقوموا بأي جهد لتأهيلها لهذا التحدي. ودون أن نسائله - مرة أخرى - حول طبيعة الصعوبات الملموسة التي تواجهها اللغة العربية في علاقتها بالعلم ولا حول طبيعة التهيئة اللغوية التي ينتظرها، فإن الرجل في تأكيداته تلك يصل حد الحنث. فهو يعرف ان في الرباط، على معد بضع مئات من الأمتار من مقر عمله، توجد مؤسستان إحداهما دولية تابعة لمنظمة الأليسكو، هي مكتب تنسيق التعريب، والثانية وطنية هي معهد الدراسات والأبحاث للتعريب. والمؤسستان شغلهما الشاغل هو تلك التهيئة التي يطالب بها، فضلا عن مؤسسات عربية أخرى من بينها مجمع اللغة العربية بالقاهرة ومجمع اللغة العربية بدمشق.. وغيرهما. وقد أصدرت هذه المؤسسات عددا من المعاجم والمسارد المصطلحية التخصصية في عدة مجالات علمية. ذكرنا هذه المؤسسات وجهودها على سبيل الجدل، حتى يتضح حجم الإغراض في تأكيدات الأستاذ عصيد، وإلا فإننا نكتفي بتذكيره بأن لغة العلم تتولد في العلم وخلال الممارسة العلمية، وليست لغة جاهزة أو مهيأة مثل القوالب تصب فيها المعارف العلمية. - 5 - وحين يضرب لنا الأستاذ عصيد مثلا بمن حازوا الجوائز العالمية من العلماء، ومن بينهم بعض العرب، ويستنتج من ذلك أنهم ما كانوا ليحصلوا عليها لو تعلموا باللغة العربية أو بحثوا بها؛ ففي الأمر استهتار بذكاء القراء. ينبغي أن يكون عصيد على علم بأن مراكز البحث العلمي في الدول المتقدمة، مرتبطة بالتمويلات القادمة من القطاع الخاص، وأغلب هذه المراكز تابعة للشركات المنتجة، سواء في مجال الأدوية أو الآلات الطبية أو البيولوجيا أو الكيماويات أو الفيزياء النووية أو الجيولوجيا... أما البحث العلمي عندنا فيعتمد فقط على دعم الدولة الهزيل. وبالتالي فإن أمر التقدم العلمي لا علاقة له بلغة البحث بل بالحركية الاقتصادية المرتبطة به. وتلك هي المغالطة الخامسة التي انبنبى عليها مقال صديقنا عصيد. - 6 - بقي أن نشير إلى أن الخطاب الذي سعى مقال الأستاذ عصيد إلى بلورته، لا يسهم على الإطلاق في النقاش الدائر حول اللغة والحداثة وبناء الدولة العقلانية، بل يقابل التطرف بالتطرف، ولا يزيد عن ترديد أفكار قديمة يغذيها العداء (حتى لا نقول الكراهية) للغة والثقافة العربيتين، سبق بالفعل أن تمت صياغتهما في الخطابات المبررة لقرارات الإدارة الاستعمارية. وهذه وقائع لا غبار عليها. ولا ألوم الذين يرون اليوم في إحياء هذا النوع من الخطاب إحياء لنزعة استعمارية قديمة. ولا يكفي أن ننكر الانتساب إلى هذه النزعة كي نمحو الخطيئة المتمثلة في تبني خطابها التبريري دون نقد أو تمحيص. إن ترديد مثل هذه الأحكام المبرمة ضد اللغة العربية، في سياقنا السياسي والثقافي الحالي، يغذي خطاب الكراهية غير المبررة لثروة لغوية مشتركة هي غنيمة تاريخنا الطويل؛ خاصة عندما يتم ربطه بالحديث عن تيار قومي عروبي في المغرب. والحال أن مثل هذا التيار لم يسبق أن وجد على الإطلاق، لا في تاريخ تنظيماتنا السياسية ولا في تاريخنا الثقافي. وهذه أيضا من مغالطات المقال، ومغالطات خطاب الحركة الأمازيغية ضد باقي مكونات الحقل الثقافي والسياسي المغربي. لنتكلم الآن خطابا عقلانيا، بعيدا الاندفاع الإيديولوجي، وعن العاطفية الواهمة التي نغلف بها حديثنا عن الدارجة. نعم، العربية ثروتنا اللغوية المشتركة وهي حصيلة استثمارنا في التعليم العمومي لأكثر من نصف قرن (ثلاثة أجيال من المتعلمين)، وغنيمة تاريخنا الطويل. نستعمل نعت الغنيمة هنا قياسا على العبارة الشهيرة التي يبرر بها مناصرو الفرانكوفونية عندنا موقفهم: «إن اللغة الفرنسية هي غنيمة حرب»، وهي العبارة العائدة للكاتب الجزائري كاتب ياسين. والحق أن هذه القولة إن صدقت في الجزائر التي عمر فيها الاستعمار 132 سنة واحتاجت إلى سبع سنوات من الحرب الضارية كي تطرده، فإنها لا تصدق عندنا نحن الذين لم يكن يتكلم الفرنسية من أهلنا إلا بضعة آلاف عندما فسخ عقد الحماية، والذين لم تتربع الفرنسية على عرش اقتصادنا وإداراتنا وقمة لغاتنا وتعليمنا إلا بعد الاستقلال. ولو نفعتنا الفرنسية في شيء منذئذ لكانت نفعتنا في جهودنا التنموية ولقضت على جهلنا وفقرنا وأصلحت إدارتنا وقوت اقتصادنا. والحال ان لا شيء من ذلك حصل. كل ما كسبناه في الموضوع هو استمرار تبعيتنا غير المشروطة للسوق اللغوية الفرنسية. لقد حان الوقت لجميع الحركات والحساسيات الثقافية والسياسية بالمغرب، أن تشكل جبهة لغوية وطنية تكون فيها العربية المعيارية - كما كانت على مر التاريخ - سندا ودعامة للغات الأخرى وخبرة لغوية نستعملها سويا من أجل تأهيل بقية ثرواتنا اللغوية وتثمينها. ليست العربية عدوا للأمازيغية؛ ولا ينبغي ان يتصور أحد أن تأهيل الأمازيغية وترسيمها عليه أن يمر عبر خنق العربية المعيارية أو إخراجها من حلبة السباق اللغوي المغربي، أو التحالف مع لغات أجنبية لتقليص مكانتها. فمثل هذا السيناريو لن يكون سوى تفريط سفيه في مقدراتنا ومقومات تفاعلنا الإيجابي مع بعضنا، ولن يخدم الديمقراطية ولا المواطنة؛ فضلا عن أنه ينتهي حتما إلى التفريط في استقلال القرار السياسي والاقتصادي لبلادنا. * أستاذ التعليم العالي، باحث في الثقافات المحلية - يقوم التصور أو النظرية التوقيفية في اللغة على القول إن لغة بذاتها، هي التي علمها الله لآدم عندما خلقه، مما ينتج عنه أنها أكثر قداسة من غيرها وأكثر أهلية للاضطلاع بكل ما يلزم الناطق بها. وغني عن البيان أن هذا التصور لم يعد معترفا به في أي من النظريات اللسانية المعاصرة. -نستعمل عادة كلمة «رسمي» في مقابل الكلمة الفرنسية officiel . وترجمتها الحرفية هي «المكتبي» نسبة إلى مكاتب إدارات الدولة ودواليبها، التي لا يعتد فيها بالشفهي بل بالوثائق المكتوبة، سواء كانت مراسلات أو أوامر أو عقودا أو أوراقا مالية ومحاسبية.. وهذا يعرفه كل الذين يتعاملون مع الإدارة أو القضاء.. ندوة دولية حول «الفنون في الجامعات والمعاهد العليا المتخصصة تنظم المدرسة العليا للأساتذة بمكناس ندوة دولية في موضوع «الفنون في الجامعات والمعاهد العليا المتخصصة: رهانات التكوين والتنشيط»، وذلك يومي 28 و 29 نونبر 2013 بقاعة الندوات بمقر المدرسة بتولال بمكناس. سيشارك في هذه الندوة حوالي ثلاثين باحثا من مختلف الجامعات والمعاهد الفنية المغربية والأجنبية، من الجزائر وتونس ومصر ولبنان والإمارات العربية المتحدة، تتوزع الندوة على ست جلسات علمية تتناول بالدرس والتحليل مختلف المحاور بما فيها: - الفنون بين الاعتبار الاجتماعي والوضعية الأكاديمية - التعليم الفني الجامعي : تجارب عربية - المسالك الفنية الجامعية : حصيلة وآفاق - الفنون في الجامعة : إشكالات التكوين .. إكراهات التنشيط - المعاهد الفنية المتخصصة بالمغرب : الأوضاع البيداغوجية والأكاديمية - التعليم الفني الجامعي : رؤى مستقبلية سينظم على هامش الندوة معرض لمنشورات المدرسة العليا للأساتذة بمكناس ولإصدارات الأساتذة الباحثين العاملين بها. كما تخصص الجلسة السابعة لتقديم وتوقيع آخر إصدارات «المركز الدولي لدراسات الفرجة» الذي ينظم معرضا لمنشوراته موازاة مع فعاليات الندوة، وذلك تفعيلا للشراكة التي تربطه بمسلك الماستر المتخصص في «التعليم الفني والتربية الجمالية»، المعتمد بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس ، حيث سيتم تقديم وتوقيع مسرحيتين للكاتب المسرحي محمد قاوتي. وتندرج الندوة في سياق الإسهام العلمي للمدرسة العليا للأساتذة بمكناس في فتح أوراش للتفكير في أوضاع التكوين بالجامعات والمعاهد المغربية، ومنها مجال التعليم الفني الجامعي. ويأتي هذا بموازاة مع المبادرة التي قامت بها شعبة اللغة العربية بالمدرسة منذ الموسم الجامعي الماضي بفتح مسلك جديد في مستوى الماستر المتخصص في «التعليم الفني والتربية الجمالية». وهو المسلك الذي يستقطب طلبة من مختلف الجامعات المغربية من الإجازات في الآداب والفلسفة ومن الإجازات المهنية في مجالات الفنون والجماليات والتنشيط السوسيو ثقافي، وكذا من المعاهد الفنية التابعة لوزارة الثقافة ك «المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي» و « المعهد الوطني للفنون الجميلة». ويستهدف بالأساس تكوين وتأهيل الطلبة في مجال التعليم الفني، بما يسمح لهم بولوج مجالات العمل في مؤسسات تتصل بتخصصهم سواء في قطاع التربية والتكوين أو الثقافة أو الشباب والرياضة أو في القطاع الخاص داخل المقاولات الفنية والإعلامية والصناعية.