إحباط محاولة تهريب حوالي 26 كيلوغراما من مخدر "الشيرا"    شاهدوا.. الحلقة الأولى من المسلسل الأمازيغي "بويذونان"    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    النصيري يواصل التألق ويقود فنربخشة لانتصار جديد    أصيلة .. تشييع جثمان الوزير الأسبق ورجل الثقافة الراحل محمد بن عيسى    السعودية تتهم إسرائيل ب"ابتزاز غزة"    برقية تهنئة إلى جلالة الملك من المدير العام لمنظمة الإيسيسكو بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك    أمطار وثلوج منتظرة بالريف والمنطقة الشرقية    رئيسة المفوضية الأوروبية تؤكد على ضرورة إعادة تسليح أوروبا "بشكل عاجل"    أسعار اللحوم تتراجع في عدد من المدن المغربية باستثناء الناظور    برشلونة يسحق سوسييداد وينفرد بالصدارة    قبل أن يتعطل تمامًا.. 7 إشارات تخبرك أن هاتفك يقترب من نهايته    وكالة بيت مال القدس تطلق كرسي الدراسات المغربية في جامعة القدس    سيدة تضع حدًا لحياتها شنقًا بجماعة شقران نواحي الحسيمة    نشرة انذارية : تساقطات ثلجية مرتقبة على المرتفعات التي تتجاوز 1800 متر    بسبب رفضها التعاون في مجال الهجرة.. السلطات الفرنسية تمنع دخول بعض المسؤولين الجزائريين    إبنة الحسيمة أمينة لبحر تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة "مشرف جدًا"    بالفيديو: جزائري يفضح مقر الذباب الإلكتروني الذي يحركه تبون    الهمهمات اللغوية.. أكثر من مجرد أصوات عشوائية    المغرب.. تأسيس شركة عسكرية رائدة جديدة لتصنيع وتطوير المعدات الدفاعية    المغرب يشهد "ماراثون السينما"    وكالة بيت مال القدس تطلق كرسي الدراسات المغربية في جامعة المدينة    أسعار مرتفعة للأسماك بالسوق المركزي لشفشاون في أول أيام رمضان    الخبير الاقتصادي محمد الشرقي: المغرب يعتمد على نفسه في تمويل المونديال -فيديو-    التنسيق النقابي الصحي يدق ناقوس الخطر ويحذر من شل القطاع    مسلسل "رحمة".. رحلة في أعماق الدراما المغربية على MBC5 في رمضان    بوريطة: العلاقات المغربية الألبانية متينة وتاريخية لكنها بحاجة إلى تنشيط آلياتها    سوق الجملة للهراويين يستقبل 720 طناً من الأسماك في أول أيام رمضان    "خليه عندك".. حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة المنتجات ذات الأسعار المرتفعة    القضاء المغربي يدين "راقيا شرعيا" تسبب في وفاة سيدة    أبرز الترشيحات لجوائز الأوسكار بنسختها السابعة والتسعين    هبوط ناجح لمركبة فضائية أمريكية تابعة لشركة خاصة على سطح القمر    شاب يضع حدا لحياته بطنجة في أول أيام رمضان    غلال الفلاحة المغربية تبهر باريس    90 ثانية لكسر اللاعبين المسلمين صيامهم بالدوري الأسترالي    حجب الثقة يقيل وزير مالية إيران    إحباط محاولة تهريب 26 كيلوغراما من "الشيرا" بميناء الناظور    رافينيا على رادار الهلال.. الشرط الجزائي قد يسهل الصفقة    حلول شهر رمضان يرفع أسعار الخضر والفواكه في أسواق "جهة الشمال"    استطلاع: الألمان يمتنعون عن شراء السيارات الكهربائية    فليك يراهن على هذه الخطة للحفاظ على صدارة برشلونة    المغرب يراهن على تحقيق 52% من الطاقة المتجددة بحلول 2030 والتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 42%    اتفاق نهائي بين المغرب الفاسي والألماني توميسلاف لقيادة الفريق خلال الفترة المقبلة    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي الكزاز يقود مباراة بوروندي وكوت ديفوار    "فيفا" يمنح القنوات التليفزيونية حق استغلال الكاميرات الخاصة بالحكام في مونديال الأندية    صدور عدد جديد من مجلة "القوات المسلحة الملكية"    المغرب والعرش العلوي .. بيعة راسخة ودعاء موصول    "دكاترة العدل" يكرمون الوزير وهبي    كلية الحقوق بطنجة تحتضن يوماً دراسياً حول المنهجية القانونية وأخلاقيات البحث العلمي    النائب البرلماني محمد لامين حرمة الله يشيد بهذا القرار الملكي    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    شبكة صحية تدعو إلى تكثيف الحملات التطعيمية ضد "بوحمرون"    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    









هل فشل اتفاق التبادل الحر بين المغرب وأمريكا ؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 25 - 11 - 2013

ليس من قبيل الصدف أن تمتاز العلاقات المغربية الأمريكية بكل هذه الحميمية والاستمرارية، فالمغرب كان أول بلد بادر إلى الاعتراف بأمريكا بعد استقلالها سنة 1776، عقب حرب الست سنوات ضد بريطانيا، في وقت لم يجرؤ أي بلد آخر قبله على الإطلاق، حتى من جيرانها القريبين منها على اتخاذ موقف مماثل. وبذلك تعتبر هذه المبادرة من قبل المغرب بداية رسمية للعلاقات السياسية بين البلدين.
لقد وقف المغرب إلى جانب أمريكا في حروبها الأهلية، عندما أراد بعض الأمريكيين الانفصال عنها، حيث ظل المغرب متشبثا بموقفه الرافض لمحاولات تشطير أمريكا ، ومؤكدا على وحدة ترابها وتماسك جميع أطرافها ،عندما استجابت السلطة المغربية آنذاك لطلب الأمريكيين بشأن متابعة الانفصاليين الذين حطوا بمدينة طنجة، كما لم تسمح لهم برسو سفنهم بمراسي البلاد حين وصولهم. موقف المغرب هذا تجاه بلد بعيد عنه كأمريكا يمكن اعتباره إرثا دبلوماسيا وتراثا سياسيا و نموذجا للتعاون الثنائي المشترك عز نظيره، يجب تثمينه وإحياؤه والتعريف به في العالم، بل واستثماره لصالح قضايانا العادلة، كما يمكن اعتباره كذلك بمثابة دين ثقيل لدى الأمريكان تجاه المغرب، دين دائم ومتواصل عبر الأجيال، من المفروض أن يمنعهم من اتخاذ أي موقف أو مباركة أي قرار، من شأنه أن يضر بمصالح المغرب ويمس بسيادته ووحدة أراضيه.
وبعد تحرير وثيقة المطالبة باستقلال المغرب سنة 1944، أرسلت نسخة إلى الولايات المتحدة الأمريكية للإطلاع عليها. وفي سنة 1956 ،كان الرئيس الأمريكي إيزنهاور أول زعيم يعين سفيرا له بالمغرب. وبذلك تكون أمريكا بدورها أول دولة تعترف عمليا بالمغرب المستقل.
ومنذ ذلك الحين، والاتصال قائم ببين الطرفين، في إطار من الود والتقدير والاحترام المتبادل.
لقد تعددت مجالات التعاون بين المغرب وأمريكا، وذلك من خلال عدة اتفاقيات تم التوقيع عليها بين الجانبين، لعل أبرزها اتفاقية التعاون الثقافي والتربوي، التي تهدف إلى تسهيل التعاون الجامعي والتبادل الثقافي لفائدة رعايا البلدين ، والتي انعقد بموجبها في سنة 1982 أول اجتماع لما سمي مؤسسة مغربية أمريكية للتعاون الثقافي. وفي ما بعد، ولأهمية هذه المؤسسة، قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون رئيسا فخريا لها كما قبل محمد السادس أن يكون رئيسها الشرفي.
وقصد تحقيق التوازن في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية و المغرب، تم منذ منتصف السبعينات الشروع في توسيع علاقاتهما الاقتصادية، والتي ظلت لفترة طويلة متأخرة جدا وتعيش تهميشا ملحوظا، ومحرومة من الهياكل والوسائل الكفيلة بإعطائها بعدا نوعيا وطموحا وفي مستوى التعاون السياسي القائم بين البلدين. فجاء التوقيع سنة 1975 على اتفاقية لتفادي الازدواج الضريبي وفي سنة 1985 على اتفاقية لتشجيع الاستثمارات ، كما بدأ المغرب يطبق معايير للتخفيف من العراقيل، من أجل الرفع من الاستثمارات والتجارة ، مما قد يفتح معه المجال واسعا أمام الاستثمارات الأمريكية، وخاصة عقب الزيارة التي قامت بها «بعثة هيئة الاستثمارات في القطاع الخاص لما وراء البحار» للمغرب سنة 1989. وفي سنة 1995، تم إبرام اتفاقية إطار، تنص على خلق مجلس مغربي أمريكي للتجارة والاستثمار، بهدف فتح آفاق جديدة في مجالات تطوير المبادلات التجارية وجلب الاستثمارات. وفي سنة 1998، تم التوقيع على مبادرة «إيزنشتاين» متعددة الأطراف، والتي ركزت على المجال المغاربي، كمنطقة مندمجة وعلى القطاع الخاص كقاطرة للتنمية.
وفور اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة، قام في سنة 2000 بأول زيارة رسمية له لأمريكا، سعى من خلالها إلى تحقيق شراكة استراتيجية، انطلاقا من رغبته الأكيدة في الرفع من مستوى العلاقات الاقتصادية إلى مستوى العلاقات السياسية، حيث تكلم جلالته مخاطبا الأمريكيين «... وإني أثمن في هذا السياق إرادتنا المشتركة في إعطاء علاقات بلدينا الثنائية الممتازة مزيدا من الوضوح والاتساع والازدهار، من خلال تحقيق اتفاقية التبادل الحر التي ستمكن علاقاتنا السياسية من عمق اقتصادي «.
وفي هذا الإطار، واعتبارا لما تسميه الولايات المتحدة الأمريكية « بدائرة التنمية المتسعة»، تم التوقيع بواشنطن في 15 يونيو 2004 على اتفاق للتبادل الحر، وذلك تكريسا وتعميقا للعلاقات المتميزة بين البلدين عبر التاريخ من جهة، واختبارا حقيقيا من جهة أخرى لقياس الرغبة في دعم الشراكة الاقتصادية إلى جانب الشراكة السياسية، التي تتمثل أساسا في تطابق المواقف وتناغم وجهات النظر، تجاه العديد من القضايا في العالم.
وإذا كان هذا الاتفاق يتسم بشموله لمختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحقوقية والعلمية والثقافية، ويمنح إمكانات هائلة للنشاط الاقتصادي، التجاري والمالي والإنتاجي، في كلا البلدين، من دون قيود حمائية، جمركية أو إدارية أو تفضيلية، إلا في حالات استثنائية جدا، تهم أساسا قطاعات الفلاحة والنسيج والملابس وصناعة الأدوية و القطاع المالي وخدمات التأمين في النقل البحري والجوي والطرقي .... فإنه لم تواكبه، في الوقت ذاته ، و بالموازاة معه، أي تعبئة ، من طرف الدولة و المقاولات والمؤسسات العمومية والجمعيات... وذلك من أجل فهم فحواه والوقوف على أهميته ، والفرص التي يتيحها والرهانات التي يفرزها والتحديات التي يطرحه. لأن الجميع هنا معني ، سواء المنتجين أو المستهلكين أو السياسيين أو الحزبيين أو النقابيين أو المفكرين أو الأكاديميين أو العمال أو المأجورين...، كما لم تواكبه منذ البداية أية إجراءات عملية موازية كفيلة بتدبير المرحلة الانتقالية ، قبل الوصول إلى المراحل النهائية . كما جاء هذا الاتفاق في ظل تفاوت اقتصادي وتكنولوجي وتجاري وصناعي وثقافي كبير جدا بين البلدين، وفي غياب تام لأي إصلاحات اقتصادية وسياسية وإدارية وقانونية ومؤسساتية، هيكلية ، تمكن من ضمان الشفافية في تفويت الصفقات العمومية والقضاء على الرشوة وإصلاح منظومة العدالة، كما كان يطالب بذلك دائما الشركاء الأمريكيون ، وفي غياب كذلك لأي دعم مالي مقدر من طرفهم - باستثناء بعض الدعم التقني المحدود جدا- قد يساهم في تأهيل النسيج الاقتصادي وتنويعه وتقويته والرفع من طاقاته الإنتاجية، مما قد ينتج عنه امتلاك المغرب لمقومات ومزايا نسبية وتنافسية معتبرة ، تمكنه أولا من الاستجابة لطلبيات السوق الأمريكية الواسعة، ثم بعد ذلك غزو الأسواق الخارجية، وبالتالي تحقيق ربح اقتصادي أكيد، يتيح له تعزيز موقعه في علاقاته السياسية والدبلوماسية ،الإقليمية و الدولية.
فالأستاذ عبد الله إبراهيم سافر من سحر الشعر والأدب إلى وجع السياسة والنضال، وفر ولع الكلمة ليسقط في وجع الفعل الوطني، ولذلك فعندما تودعه السياسة أو يودعها يعود إلى كنف الكتابة وحضن التدريس وفردوس البحث العلمي الأكاديمي .
وهو كما عبرت عنه برقية التعزية التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله إلى أفراد أسرته الصغيرة، « قيادي حزبي حصيف، ومثقف مخضرم، ومجتهد في المزاوجة الخلاقة بين الجوانب المشرقة في ثقافتنا المغربية، والانفتاح على الفكر العالمي وثقافة العصر، والجمع بين دماثة الخلق والعمل السياسي بمفهومه النبيل، الملتزم بخدمة قضايا الأمة والتشبث بمقدساتها».
والرجل أيضا كما تحدث عنه المرحوم أبو بكر القادري، عَلَمٌ بالأوساط الثقافية وطود في ساحة الوطنية. برزت موهبته النضالية وهو طالب بجامعة بن يوسف حيث استطاع أن يلف حوله جموع الشباب الوطني المراكشي، كما برزت ملامح نبوغه الأدبي وهو يحرر مقالات أدبية ويكتب قَصَصا قصيرة بالإضافة إلى أبحاث ودراسات ذات طبيعة تاريخية وفلسفية تصدر بجرائد ومجلات ثلاثينيات القرن الماضي.
وهو كذلك الرجل الذي يتصف « بتواضع لا تكاد تميزه عن الحياء. وإذا رأيته لا تحسبه رئيسا للحكومة، وإنما تخاله نبيلا من النبلاء الصغار، يحسب حساب النبلاء الكبار « كما جاء في شهادة الكاتب روم لاندو. وهو كما قال المناضل السيد أحمد الخراص رجل « ذو بعد في النظر وصفاء في الذهن ووجاهة في التحليل وقوة في الإدراك والملاحظة. هو السياسي المرن والمناضل المتشدد العصامي القاسي حتى على نفسه وذويه في مواطن الحق، وهو المتكلم حتى دون أن ينطق أو كما يقول الشاعر:
حلو الفكاهة مُر الجد قد مَجَجَت / من شدة البأس منه رقة الغزل
تفتقت ملامح الوطنية عند ابن درب الحمام بحي المواسين بمراكش الحمراء منذ ريعان شبابه، فلا هو انتظر حتى يشتد عوده أو يُشَد أزره أو يُقوى عضده، بل ارتمى في حضن النضال ليجرب السجن والاعتقال وهو ابن 16ربيعا من عمره بتهمة توعية الحرفيين وتنظيمهم والدفع بهم إلى تنظيم الاحتجاجات؛ كما سيزج به في غياهب السحن سنة 1936 بعد عودته من اجتماع للكتلة الوطنية بالدار البيضاء؛ وفي سنة 1937 سينفى إلى تارودانت بعد تزعمه لمظاهرة انطلقت من دروب المدينة نحو ساحة جامع الفنا، حيث سيحكم عليه بالأشغال الشاقة أجبر على قضائها في تبليط الطرقات وكنس مجاري المياه العادمة مع ثلة من الوطنيين والعلماء من أبناء مدينة مراكش، وليكون بذلك أصغر مثقف وعالم خلال مرحلة الأربعينيات يتم اعتقاله  ونفيه جنوب  المغرب . لكن النفي والاعتقال لم يحولا دون استمراره في مقاومة الاستعمار، والنضال ضد الظلم والإقصاء الاجتماعي. بعد حصوله على شهادة العالِمية، توجه الفقيد عبد الله إبراهيم إلى أوربا لاستكمال تكوينه الأكاديمي والعلمي عوضا عن المشرق العربي، الوجهة المعتادة للطلبة المغاربة، حيث الأزهر، والقيروان. وهناك بجامعة السوربون اغترف الطالب الموهوب عبد الله إبراهيم من معين الفلسفة الغربية، خصوصا من مكتبتي «هيغل» و»جون بول سارتر» اللتين سيكون لهما تأثير الخيمياء في المعادن على شخصية الرجل. سافر إلى فرنسا ليس فقط طلبا للعلم وللاستزادة منه، لكن أيضا وكما جاء على لسانه كان السفر فرارا من واقع الاضطهاد وفقدان الأمل في سياسة الحكومة الفرنسية تجاه مطالب الشعب المغربي في الاستقلال، وثانيا لتشَوُّش الرؤية لدى الحركة الوطنية بعد الحملة القمعية لسلطات الحماية خلال سنة 1944 وما بعدها على إثر تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي كان فقيدنا من الموقعين عليها.
أحدثت مرحلة الهجرة طفرة خاصة في حياة الفقيد حيث سينغمر وينغمس في لجة النضال العالمي الذي كانت دمائه تسري دافئة دافقة في عروق فرنسا المتحررة توا من الاحتلال النازي والتي أضحت قبلة للكثير من أبناء العالم العربي والغربي والآسيوي على حد سواء ممن يبحثون عن الحرية والانعتاق.
عاد عبد الله إبراهيم إلى المغرب خريف سنة 1949 بعد أربع سنوات من الغياب. عاد، لكن رجلا آخر أو كما قال الحبيب الفرقاني في شهادته « لقد ذهب أستاذنا لفرنسا شخصا معينا، وعاد شخصا آخر في أفكاره وتوجهاته ومنهاجه». عاد ليتقلد عدة مناصب وتُوكل إليه عدة مسؤوليات ومهام، إذ عرض عليه المرحوم الزعيم علال الفاسي أن يكون مساعده في العمل السياسي ليعتذر الرجل بلباقة الحاذق المتمرس المجرب، ليعهد إليه بمهمة تدبير ملف الشؤون النقابية ورئاسة هيأة تحرير جريدة العلم.
سيتعرض الفقيد الأستاذ عبد الله إبراهيم للاعتقال جراء الاحتجاجات العمالية والشعبية التي نظمت عقب اغتيال المناضل النقابي المغاربي فرحات حشاد، ليظل رهنه إلى صيف 1954 رفقة مجموعة من الوطنيين. وكانت التهمة المس بأمن الدولة «المستعمرة « الداخلي و الخارجي.
سيعين الفقيد الأستاذ عبد الله إبراهيم في أول حكومة مغربية تتشكل سنة 1955 ككاتب للدولة في الأنباء وناطقا رسميا باسم الحكومة، ثم وزيرا للشغل والشؤون الاجتماعية بين سنتي 1956 و 1957 وهي المرحلة التي كان من أولوياته فيها يقول الفقيد « إصدار التشريع الوطني الخاص بالنقابات على عهد الاستقلال». ليتولى رئاسة الحكومة بتكليف من جلالة المغفور له محمد الخامس سنة 1958 و هي المهمة التي ستكون خاتمة عقد قرانه القسري بالسياسة.
وعلى الرغم من أن الحكومة التي ترأسها فقيدنا المرحوم الأستاذ عبد الله إبراهيم لم تعمر سوى 16 شهرا، فإنها ظلت أيقونة في الذاكرة السياسية والوطنية المغربية وبصمة عصية على المحو من تاريخ المغرب المعاصر، باعتبارها تجربة رائدة اتخذت جملة من القرارات الوطنية الجريئة والشجاعة ما زالت ليومنا مفخرة الدولة المغربية والاقتصاد الوطني.
بعد مغادرته لقارب السياسة، ركب الفقيد الأستاذ عبد الله إبراهيم سفينة العلم مساهما بثراء وسخاء وغزارة وتنوع في شتى فروع الفكر من علوم سياسة وعلم الاجتماع والفلسفة والدبلوماسية والتاريخ، إضافة إلى الكثير من المباحث التي أبدع في تلقينها لطلابه الجامعيين على امتداد أكثر من ثلاثة عقود. لقد كان كما عُهد أكاديميا متمرسا وأستاذا صارما، وحريصا على تلقين المعلومة الدقيقة، والسهر على التكوين والتعليم الرصين.
ولقد جمعتني به فترة التدريس التي قضيناها معا لمدة سنوات بالمركز الجهوي للتكوين الإداري لأطر الداخلية بالدار البيضاء، وكذا بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وبجامعة محمد الخامس بالرباط.
ظل الفقيد محل تقدير واحترام وإجلال من طرف جل شرائح المجتمع ومكوناته السياسية والأكاديمية، وقد أنعم عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في 11 يناير 2005 بوسام ملكي سامي.
وإننا لنعتبره في المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، علما من أعلام النضال، رائداً عصامياً مستقيماً ، شجاعاً مقداماً لا يهاب في قول الحق لومة لائم، حظي باحترام وتقدير كل من كان حوله حتى الخصوم منهم، كان مندفعا في تنفيذ المهمات إلى أقصى الحدود، تحمل الصعاب وتجشم المشاق برحابة صدر، وبذل الجهد والتعب والعرق بصمت. فكان بحق مزيجاً من العطاءات، جمعت بين طيبة أهل مراكش وصلابة أهل الجبل المطل عليها وبريق الشمس التي تدفئ نهارها.
وها نحن اليوم نطلق اسمه على واحد من أهم شوارع مدينة الدار البيضاء فطوبى لنا وهنيئا لنا جميعا، لعائلته الصغيرة ومؤسسة عبد الله إبراهيم للثقافة والأبحاث ولعائلته الكبيرة في الحركة الوطنية وفي المقاومة وجيش التحرير ولكافة الحضور الكريم من معايشيه ومجايليه ورفاقه على درب الكفاح الوطني والتحريري وكل محبيه ومقدري أفضاله وشمائله.
ولن أجد قولا أحسن من قول الفقيد نفسه مسك الختام لهذه الكلمة وهو قوله رحمه الله: « المغرب يتحرك ليسمو. إن الذين ظنوا أنالمغرب قد خمد مخطئون. إن نهضات الأمم ليست فورات ولا مظاهر، ولكنها ثقافة تتجلى وحياة تنشأ».
رحم الله فقيدنا العزيز مولاي عبد الله إبراهيم وتغمده بواسع رحمته وعميم رضوانه.
و السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.