في مثل هذا اليوم ، منذ ثلاث وخمسين سنة، ترأس محمد الخامس بالقصر الملكي مراسم تنصيب حكومة عبد الله إبراهيم رحمهما الله، لم تعمر حكومة عبد الله إبراهيم سوى عام وخمسة أشهر، إذ تم تنصيبها يوم الأربعاء 24 دجنبر1958، وتمت إقالتها يوم الخميس 19 ماي 1960 . ويمكن القول بأنه في عهد حكومة عبد الله إبراهيم عاشت بلادنا عدة أحداث وتحولات سياسية ويكفي أن نعلم بأن أزمة وزارية طويلة عاشتها بلادنا إثر استقالة الفقيد العزيز عبد الرحيم بوعبيد من حكومة الحاج أحمد بلا فريج رحمهما الله، استقالة كتبها المرحوم المهدي بن بركة بخط يده بهدف إخراج المغرب من حالة الجمود السياسي واللامبالاة تجاه ما كان يجري في منطقة الريف، عصيان خطير ساهم الخطيب وأحرضان في إشعال ناره وأصبح تمردا يهدد الوحدة الترابية للمملكة. حاول محمد الخامس ، طيب الله ثراه ، أن يعجل بحل الأزمة الوزارية فاستدعى زعيم التحرير علال الفاسي وكلفه بمهمة داخل الحزب، حزب الاستقلال بطبيعة الحال، وفي الحقيقة كان السي علال مكلفاً بتشكيل حكومة وهذا ما فعله رحمه الله عندما أعد لائحة وزراء حكومة وكانت حقيبة التربية الوطنية ستسند للمهدي بن بركة. وبينما كان زعيم التحرير يتهيأ لتحمل المسؤولية في المنصب الذي كان ينتظره إذا بأناس من الحزب قالوا للملك أو بالأحرى كلفوا بأن يقولوا للملك بأن «حكومة علال لا يوافق عليها كل الاستقلاليين». ومن السهل أن يتخيل القارئ من الذي كان وراء عملية عرقلة قيام حكومة يرأسها زعيم التحرير. غضب زعيم التحرير واختار الاستقرار في طنجة فعهد محمد الخامس إلى شيخ الإسلام بمهمة الاتصال بالمرحوم عبد الله إبراهيم، الفقيه البصري والمحجوب بن الصديق في الدارالبيضاء وتولى نفس المهمة كل من الفقيه عواد وعبد الرحمن بن عبد العالي كسلاويين رحمهما الله، لإقناع السي عبد الرحيم، أما الأمير مولاي الحسن بن إدريس صهر محمد الخامس فقد تكلف بنفس المهمة لدى المهدي بن بركة . هكذا كان الملك رحمه الله يوالي المساعي للخروج من أخطر أزمة وزارية عاشها المغرب بعد مرور ثلاث سنوات على عودته المظفرة إلى عرشه. وفي الأخير تم تنصيب حكومة عبد الله إبراهيم بعد ظهر الأربعاء 24 دجنبر 1958 ، وكان من المفروض أن يتولى المهدي بن بركة آنذاك حقيبة التربية الوطنية ولكن في آخر ساعة عبر الأمير مولاي الحسن عن معارضته إسناد وزارة التعليم العمومي إلى من كان أستاذه في الرياضيات، ومن المحقق أن الحسن الثاني ، رحمه الله، استحضر، كلما احتدت أزمات التعليم، كونه اعترض على دخول المهدي بن بركة حكومة عبد الله إبراهيم وخاصة يوم عبر التلاميذ والآباء عن غضبهم فيما عرف بالأحداث الدموية بالدارالبيضاء يوم 23 مارس 1965 . في آخر ساعة قبل المرحوم عبد الكريم بن جلون، الرجل الفاضل، أن يتولى وزارة التعليم. كان عبد الكريم بن جلون يتولى وزارة العدل منذ السابع من دجنبر في حكومة المرحوم مبارك البكاي الأولى والثانية وظل في نفس المنصب في حكومة بلافريج إلا أنه رفض البقاء في وزارة العدل مع حكومة عبد الله إبراهيم لسبب رئيسي هو أن السي عبد الكريم اعتبر أن تعلقه بقيم حقوق الإنسان ودولة المؤسسات وفصل السلطات سيجعله في مواجهة مع إدريس المحمدي العائد إلى وزارة الداخلية ، ورفض المجاهد عبد الرحمن اليوسفي حقيبة وزارة العدل فأسندت إلى الحاج امحمد باحنيني مع احتفاظه بمنصب أمين عام للحكومة. من جهة أخرى أصيب كاتب الدولة في المالية عبد الله الشفشاوني بسكتة قلبية فتوفي إلى رحمة الله وكان يستعد ليحل محل امحمد الدويري في وزارة الأشغال العمومية، وهي الحقيبة التي أسندت لخال عزيز أخنوش الراحل عبد الرحمن بن عبد العالي. كان الصديق المرحوم عبد الرحمن بن عبد العالي العائد من لندن سيتكلف في حكومة عبد الله إبراهيم بوزارة الأنباء والسياحة، ولكن وفاة عبد الله الشفشاوني فرضت عليه تولي وزارة الأشغال العمومية. في هذه الأجواء تم تنصيب الحكومة التي ترأسها في النهاية عبد الله إبراهيم.... أقول في النهاية لأن ثلاثة من زعماء الجناح اليساري في حزب الاستقلال كانوا مرشحين لتولي رئاسة الحكومة، فإلى جانب مولاي عبد الله إبراهيم، كان السي عبد الرحيم والسي المهدي مرشحين لهذا المنصب. ولكن الأمير مولاي الحسن اتفق مع المحجوب بن الصديق على التعجيل بطرح اسم عبد الله إبراهيم كرئيس للحكومة وهذا ما حصل في النهاية. عامة الناس لا علم لهم بما يجري في دهاليز الحياة السياسية، والمهم أن حكومة عبد الله إبراهيم حلت محل حكومة الحاج أحمد بلا فريج رحمهما الله ، والقاسم المشترك بين الحكومتين هو أن بوعبيد ظل نائبا لرئيس الحكومة ووزير الاقتصاد الوطني والمالية. كانت البداية هي الإعلان عن فصل الفرنك المغربي عن الفرنك الفرنسي وسيتحول البنك المخزني إلى بنك المغرب وسيتم إنشاء صندوق الإيداع والتدبير، البنك المغربي للتجارة الخارجية، البنك الوطني للإنماء الاقتصادي، والمكتب الوطني للري، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومكتب الأبحاث والمساهمات الصناعية والاتفاق مع الإيطاليين لبناء مصنع تكرير البيترول «لاسمير» وغير ذلك من القرارات التي مهدت للإعلان عن إجراءات هدفها التحرير الاقتصادي لبلادنا، إجراءات تُعرف بقرارات 22 اكتوبر1959، وهي قرارات تزامنت مع صدور ظهير شريف أعلن عن تأسيس الدرهم كعملة وطنية غير قابلة للتحويل، أي ممنوع تداولها خارج أرض الوطن. وهذا ما يجهله أحد أساتذة العلوم الاقتصادية واسمه نجيب بوليف نائب طنجة باسم حزب العدالة التنمية. في الحقيقة لا أعرف ما إذا كان لزعيم «الباجدة» بطنجة علم بصدور هذا الظهير أم لا ، وعلى كل حال فبوصفه أستاذا في العلوم الاقتصادية وبرلمانيا يحق له أو يجب عليه أن يكون على علم بظهير تأسيس الدرهم كعملة غير قابلة للتحويل، وإن كان الدرهم قد أصبح فيما بعد عملة قابلة للتحويل جزئيا. فلحد الآن لم يصدر قانون يسمح لنا نحن عامة الناس وكذلك أساتذة العلوم الاقتصادية والبرلمانيين على الخصوص، بأن نحمل معنا مبالغ مالية بالدرهم على أساس أن نصرفها في الخارج. أما السيد نجيب بوليف فقد رأيناه على شاشة التلفزة خلال إحدى جلسات الأسئلة الشفوية، يحتج على وزير المالية السابق فتح الله ولعلو لا لشيء سوى لأن نائب طنجة واجه مشكلا في إحدى دول الخليج عندما رفض أحد الباعة قبول ورقة زرقاء بقيمة 200 درهم خوفا من أن تكون عملة مزورة. ربما كان نجيب بوليف مازال في بطن أمه في أكتوبر1959 ، و بعد ذلك أصبح أستاذا للعلوم الاقتصادية ولا علم له بإجراءات التحرر الاقتصادي، وهذا من علامات تدهور مستوى التعليم عندنا. وكيف ما كان الحال فهذه معلومات أضعها تحت تصرف زعيم «الباجدة» في طنجة. قال السي عبد الرحيم ، رحمه الله، عن قرارات 22 اكتوبر1959 : «إن عهد الاستقلال يتطلب منا أن نتحرر من التبعية وأن لاننساق وراء عجلة نظام كانت قراراته المهتمة باقتصادنا يتم اتخاذها خارج المغرب ودونما مراعاة لظروف المغرب النوعية، ولا يمكن لأي تعاون دولي صحيح أن يزدهر ويكتسي مدلوله الحقيقي إلا إذا كان كل من يساهم فيه ، يبذل جهوده بوسائله الخاصة قبل كل شيء، وهذا شرط أساسي لقيام علاقات الاحترام المتبادل بين الدول المستقلة. لهذا نحن الآن في سياق سياسة اقتصادية ونقدية مستقلة». لنعد إلى الأيام الأولى لحكومة عبد الله إبراهيم التي سيقول عنها اكديرة في كتاب «مغرب الحسن الثاني» بأن الأمير مولاي الحسن اعتبر تأسيس حكومة يسار برئاسة عبد الله إبراهيم تولى فيها بوعبيد منصب نائب رئيس الوزراء.... خطرا. في منتصف الثمانينات شرح اكديرة «الخطر الذي يكمن في حكومة عبد الله إبراهيم» على اعتبار أن الأمر يتعلق بحدث من أحداث عالم الخمسينات والستينات الذي كان خاضعا بقوة لتيار اليسار. «وبسرعة أظهرت التدابير الأولى لحكومة اليسار، على الصعيد الاقتصادي وكذا السياسي، نوايا أصحاب هذه التدابير وحوافزهم، مما جعل ولي العهد الأمير مولاي الحسن يشكل مجموعة قوية حوله، تتكون من «الشخصيات الأكثر تمثيلية» وهي عناصر منتمية أو غير منتمية للأحزاب الأخرى. هكذا نظمت معارضة حقيقية أدت إلى سقوط حكومة عبد الله إبراهيم». ما يعتبره اكديرة قرارات خطيرة على مستوى التدبير الاقتصادي والمالي لحكومة عبد الله إبراهيم، قال بشأنه أبو الأمة محمد الخامس طيب الله ثراه في خطاب تدشين بنك المغرب يوم الخميس 2 يوليوز1959 : «ويطيب لنا بهذه المناسبة أن ننوه بوزير اقتصادنا عبد الرحيم بوعبيد الذي ما فتئ يبرهن على كفاءته ومقدرته منذ أن أوليناه ثقتنا وأسندنا إليه تدبير ماليتنا، وتسيير سياستنا الاقتصادية». (1) هذا في ما يخص الشق الاقتصادي لحكومة المرحوم مولاي عبد الله إبراهيم، أما بخصوص الشق السياسي فيقول اكديرة في كتاب «مغرب الحسن الثاني» بأن التيار اليساري بالذات لم يكن إلا شكلا من أشكال رد الفعل ضد الامبريالية.... لذلك لم يختف التيار اليساري بما له من قوة ضاربة وبما كان عليه من تنظيم سياسي وبما له من أنصار جد متمركزين وجد منظمين. انتفاضة «25 يناير» جاءت بعد مرور شهر على تنصيب حكومة عبد الله إبراهيم وصادفت الانتفاضة توقف العمليات العسكرية التي كان مولاي الحسن يشرف عليها لإخماد عصيان منطقة الريف . نقول نحن الاتحاديون عن يوم خروجنا من حزب الاستقلال بأنه انتفاضة لأن الأزمة داخل الحزب كانت قد وصلت إلى الباب المسدود. فعلا جاءت انتفاضة 25 يناير بمثابة عملية جراحية مؤلمة، وأي عملية جراحية تجعل الإنسان يتألم ولكن بعد ذلك يستعيد الجسم الصحة والعافية في حالة ما إذا لم تؤد العملية الجراحية إلى وفاة. وبصعوبة كان هناك في جناحي الحزب من جد و اجتهد لتلافي الكارثة بقدر ما كان هناك في السر أو العلن من يأمل، بل من يسعى إلى جعل حدث 25 يناير 1959 «عقد وفاة» الحركة الوطنية. ويمكن القول بأن الأيام أظهرت، إلى أبعد حد، أحقية الاتحاديين في الخروج من حزب الاستقلال كما سيقول اليوسفي عام 1983 . حركة 25 يناير استجاب لها جزء هام من المجتمع المغربي و الانتفاضة خلقت جوا من الحماس والتعبئة الوطنية، كما سيقول السي عبد الرحيم وهو الذي كان في القمة يخاف من احتمال حدوث ما لا يحمد عقباه ، وكان لفتح الله ولعلو، في القاعدة، نفس الإحساس. في حكومة 24 دجنبر 1958 أصبح مولاي عبد الله يتولى حقيبة الرئاسة والخارجية مثل ما كان سلفه الحاج احمد، وشاءت الأقدار أن يتمكن عبد الله إبراهيم رحمه الله من تحريك الديبلوماسية المغربية على مستوى عدة واجهات: العالم العربي، القارة الإفريقية، العلاقات مع اسبانيا خرجت من حالة الجمود آنذاك في 1959 وتميزت الحالة في المشرق العربي بصراع بين الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) مع العراق، بقدر ما كان على رأس الجمهورية العربية المتحدة زعيم حقيقي هو الرئيس جمال عبد الناصر، شاءت الأقدار أن يكون العراق آنذاك تحت رحمة جنرال لا يقل دموية عن القذافي أو صدام حسين، يتعلق الأمر باللواء عبد الكريم قاسم. النزاع المصري العراقي كان موضوعا مسجلا في جدول أعمال الجامعة العربية التي عقدت اجتماعا خاصا في بيروت ولهذا سافر مولاي عبد الله إلى العاصمة اللبنانية بوصفه وزيرا للخارجية وكان الوحيد في اجتماع بيروت رئيسا لحكومة عربية. (2) في طريق العودة إلى الوطن عرج رحمه الله على مدريد لإخراج ملفات العلاقات المغربية الاسبانية من الثلاجة السياسية. ولو كان ادريس المحمدي الذي سيحل محل عبد الله إبراهيم في الخارجية كعضو في حكومة سيرأسها الملك وولي عهده في 23 ماي 1960، (لو كان) في المستوى لكانت بلادنا قد تمكنت من جني ثمار ما زرعته الديبلوماسية المغربية في عهد حكومة عبد الله إبراهيم. ملفات العلاقات المغربية الاسبانية عادت إلى الثلاجة السياسية مما أدى إلى تأخر حل القضايا الترابية ومنها على الخصوص ملف الصحراء المغربية. أما بخصوص الجلاء عن القواعد العسكرية الأمريكية...فقد سافر مولاي عبد الله إلى الولاياتالمتحدة، ويقول المرحوم عبد الوهاب بن منصور في كتابه عن الحسن الثاني (الصفحة 234) : «بعد الرحلة الموفقة التي قام بها الرئيس عبد الله إبراهيم إلى واشنطن، قبل الأمريكيون مبدأ الجلاء عن قواعدهم بالمغرب». رحلة رئيس الوزراء ووزير الخارجية إلى أمريكا تمت في اكتوبر1959 لما كان بوعبيد يعلن في ندوة صحفية حضرتها إلى جانب المرحوم عابد الجابري كمراسلين لجريدة التحرير. آنذاك كان مولاي عبد الله يجتمع في البيت الأبيض مع الرئيس إيزنهاور الذي سيحل ضيفا على ملكنا المحبوب محمد الخامس بالدارالبيضاء يوم الثلاثاء 22 دجنبر1959 لتحديد مواعيد الجلاء. هذه هي حكومة عبد الله إبراهيم التي أشرف على تنصيبها أبو الأمة محمد الخامس ، رحمه الله، في مثل هذا اليوم منذ ثلاث وخمسين سنة يوم الأربعاء 24 دجنبر1958 . أما عن أجواء إقالتها يوم الخميس19 ماي 1960 فأحسن من يصفها لنا نحن عامة الناس، هو المرحوم الأستاذ عبد الوهاب بن منصور الذي يقول في الصفحة 238 من كتابه عن الحسن الثاني: «ترأس الملك عشية الأحد 22 ماي جلسة عمل بقاعة الأكل الكبرى، وبعد غروب الشمس بقليل بينما نحن غارقون في المناقشات استأذن على جلالة الملك مدير ديوانه السيد احمد الحمياني فأذن له، فلما دخل قال للملك إنه جاء يبلغه رسالة من خدام أوفياء، مخلصين، أذكر منهم السيد محمد لغزاوي، أمحمد الزغاري، السيد عبد الكريم بن جلون والسيد عبد الرحمن بن عبد العالي، وبدأ يشرح له موضوع الرسالة الذي هو التماس من جلالته بأن يبقى هو وولي العهد بعيدين عن مباشرة الحكم والسلطة اجتنابا للانتقادات التي توجه عادة بحق أو بباطل إلى كل من يمارس الحكم. وفجأة رأينا قوى الملك تنهار ولونه يتغير، وقد كان يومئذ يرهق نفسه في العمل إرهاقا كبيرا فسحب إلى قاعة الاستقبال المجاورة حتى سكت غضبه وسري عنه، فلما عاد إلى الجلسة كان التعب لا يزال باديا على محياه، ولكن مولاي أحمد العلوي أطلق كعادته نكتة لاشعورية وهو يعلق على الرسالة التي جاء يبلغها مدير الديوان الملكي، محت العبوس والتجهم من وجه الملك وأحلت محلها البسمة والإشراق، واستؤنفت المناقشات بعدها فوقع الاتفاق على أن يستبدل بعبارة (والحكومة التي سنرأسها) عبارة (والحكومة التي سنرأسها ويكون ولي عهدنا نائبا عنا في تسييرها). ويذكر الأستاذ عبد الوهاب بن منصور أسماء من كانوا حول الملك في تلك اللحظة وهم الأمير مولاي الحسن بن إدريس، محمد عواد، مولاي احمد العلوي ومؤرخ المملكة عبد الوهاب بن منصور. هذه إذن هي أجواء ما بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم الذي التحق بالرفيق الأعلى في شهر شتنبر2005، إن لم تكن قد خانتني الذاكرة، ولكن الذاكرة لم تخني بخصوص العناية التي تفضل صاحب الجلالة محمد السادس فأحاط بها رئيس حكومة اليسار عندما علم بمرض الرئيس عبد الله إبراهيم. آنذاك أمر جلالته بوجوب الاهتمام بالحالة الصحية لمولاي عبد الله وأعطى تعليمات دقيقة وواضحة في الموضوع وكلف بذلك أحد خدامه، هو محمد منير المجيدي، الذي خرج من حضرة صاحب الجلالة ليطرح سؤالا على أحد المراكشيين هو السيد رشدي الشرايبي: «من هو عبد الله إبراهيم؟» هذا ما حكاه لي آنذاك كمال لحلو عندما التقيت به في فندق المنصور بالدارالبيضاء بعد مرور أيام قليلة على وفاة رئيس حكومة اليسار : «تصور سيدنا كلف المجيدي بالتكفل بعبد الله إبراهيم فخرج يسأل : من هو عبد الله إبراهيم». فقلت لكمال لحلو: «ليس هذا أمرا غريبا ، فلا تنسى أن عبد الله إبراهيم ظل منذ إقالة حكومته في خانة المهمشين حتى أن البوليس طارده ذات يوم في خريف عام 1960 لا لشيء إلا ليسحبوا منه جواز السفر الدبلوماسي على اعتبار أن هذه الوثيقة لا يستحقها من أقيلت حكومته». وعشنا ورأينا فيما بعد أن أناسا تافهين في المجتمع السياسي أو المجتمع «المدني» يطوفون العالم بجواز سفر دبلوماسي مغربي مع أن لا علاقة لهم بالدبلوماسية أو السياسة. رحم الله عبد الله إبراهيم وشكرا لصاحب الجلالة الذي يعرف كيف يحترم ويقدر رجال الوطن الأحرار. عبد اللطيف جبرو ******************* *********** (1) يوم الخميس 2 يوليوز 1959 وأثناء ترؤس الملك محمد الخامس ، رحمه الله، للحفل الذي احتضنه بنك المغرب بمناسبة الإعلان عن نهاية عهد البنك المخزني، كان استقلاليون متحالفون مع المرحوم أحمد رضى كديرة يوزعون على الحاضرين في الحفل من مغاربة وأجانب، منشورا يتهم عبد الرحيم بوعبيد بالخيانة بدعوى انه قدم لفرنسا بعض التنازلات أثناء المفاوضات مع وزير المالية الفرنسي أنطوان بيني، وكان فاليري جيسكار ديستانغ مدير ديوانه. (2) بعد حضوره دورة الجامعة العربية الاستثنائية في شهر ابريل 1959 بالعاصمة اللبنانية، وجه الرئيس عبد الله ابراهيم دعوة الى الجامعة العربية لعقد الاجتماع السنوي العادي في الدارالبيضاء. وهكذا ترأس الملك وولي عهده رحمهما الله، أول اجتماع للجامعة العربية بالدارالبيضاء في عهد المرحوم الأمين العام للجامعة عبد الخالق حسونة. والجدير بالذكر أن البناية الحالية لولاية الدارالبيضاء هي التي احتضنت أول لقاء عربي بالمغرب في الأسبوع الأول من شتنبر 1959 . وعلى هامش الدورة العادية للجامعة العربية بالدارالبيضاء، استقبل الرئيس عبد الله إبراهيم القائد الثوري تشي غيفارا الذي كان على ظهر باخرة تائهة في المحيط الأطلسي فاضطر إلى التوقف بميناء الدارالبيضاء واعتقلتهم شرطة المرحوم محمد الغزاوي وتدخل الرئيس عبد الله إبراهيم لحل مشكل التوقف الاضطراري بأن أصبح تشي غيفارا وأصحابه ضيوفا لرئيس الحكومة ووزير الخارجية.