سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذ. مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف ل «الاتحادالاشتراكي» .. اخترنا لمؤتمرنا شعارا يروم تقعيد هيكل مؤسساتي لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة
ينظم المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف مؤتمره الوطني في سياق يعج بالتطورات على المستوى الدستوري والحقوقي. وقد شكل المنتدى منذ تأسيسه، إضافة نوعية قوية وفريدة على المستوى الجهوي والإقليمي. حيث اكتسب المنتدى ميزاته هاته بطرحه لرؤية استراتيجية شاملة لمعالجة قضية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب، إذ ربطت هذه الرؤية بين مطالب الضحايا ومطالب المجتمع، متجاوزا في ذلك المقاربة السياسية الاختزالية، والمقاربة الحقوقية التجزيئية. وذلك من خلال تحديد أهدافه في إقرار الحقيقة، ومساءلة مرتكبي الانتهاكات وجبر الأضرار وإعادة الاعتبار للضحايا والمجتمع، وأخيرا الوقاية من تكرار ما جرى عبر إرساء نظام قانوني ومؤسساتي يضمن احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، لأن حماية الحريات الفردية والجماعية داخل المجتمع لا يمكن أن تتم إلا من خلال وضع أسس وقواعد قانونية ودستورية وإدارية لنظام حكم ديمقراطي وإعماله على مستوى الإنسان والسياسة والعلاقة بين الحاكمين والمحكومين. في هذا السياق، أجرت «الاتحاد الاشتراكي» حوار مع ذ. مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف.. { ما هو السياق الذي تحضرون فيه مؤتمركم الوطني ، وما هي دلالة شعار « من أجل الكرامة وضد التكرار» ؟ أولا إذا كان لابد من الحديث عن التحضير، فقد أنهيناه منذ أيام، ذلك أن التحضير انطلق منذ سنة تقريبا، أي منذ تشكلت اللجنة التحضيرية، والسياق العام تغير نسبيا منذ ذلك الوقت. فقد كان مطروحا علينا ضرورة اعتماد المقاربة التشاركية في تقييم مسار معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ضوء تداعيات ما سمي بالربيع العربي، من خلال التفكير في تنظيم النسخة الثانية من المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لكن حدث أن تعثر التحضير لها بسبب انشغال الحلفاء في هيأة المتابعة بمِؤتمرات جمعياتهم ومنظماتهم، رغم أننا قطعنا أشواطا في الاعداد بتنظيم ندوات جهوية، ثم إن السياق الحالي مختلف عن سابقه، إثر التحولات الجارية في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، حيث صار للربيع لون آخر وطعم متباين، مما يستدعي تحيين المعطيات، وعلى الخصوص الأرضية التوجيهية للمنتدى المغربي للحقيقة والانصاف؛ فإذا كانت مرحلة ما بعد الحراك الاجتماعي المجسد في حركة عشرين فبراير قد لعبت دورا مهما في إعادة الملف الحقوقي إلى سكته، عبر إعلان الملك في خطاب 9 مارس 2011 عن ضرورة دسترة توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، وما تلاه من تسريع لوتيرة مسار التسوية من مراجعة شاملة لصك الحقوق في الدستور والمصادقة على العديد من الاتفاقيات الدولية وإعادة هيكلة المجلس الوطني لحقوق الانسان، فإن تسليم مقاليد تدبير الشأن الحكومي لأغلبية يقودها حزب العدالة والتنمية كان مبررا لعودة البطء لوتيرة التنزيل الدستوري، وبالنظر لخفوت وهج ووقع حركة عشرين فبراير، فالسياق الذي نحن بصدده، يتلخص عنوانه في العودة التدريجية إلى المرحلة التي تلت الإعلان عن توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، أي أن المكتسبات المتحصل عليها خلال هذا المسار الطويل، مهددة بالمكوث في الرفوف، فقد مر عقد ونصف تقريبا على تأسيس المنتدى، وهو نفس العمر الذي قضاه لحد الآن عهد محمد السادس، والذي يعيش حالة توتر شديدة مع ملف سنوات الرصاص ويؤرقه سؤال طيه، فإذا كانت إرادة الدولة في طي الملف تروم تكريس شرعية استمرارها، فإنه بالنسبة لنا في المنتدى، فإنه في أصل فكرة تأسيسه يوجد مطلب عدم التكرار، وهو جوهر ما نسميه بالمعالجة السليمة والعادلة والكريمة، لذلك قمنا باختيار شعار»من أجل الكرامة وضد التكرار»، وهو شعار يستغرق في العمق كل القضايا المرهونة بأسباب تكرار ما جرى، فقضايا الحقيقة وجبر الضرر الفردي والجماعي وحفظ الذاكرة ومساءلة مقترفي الانتهاكات، هي حقوق ثابتة لذويها وللمجتمع، وهي بهذه الصفة غير قابلة للمساومة والمقايضة، غير أنها لا تشكل أهدافا نهائية لمسلسل طي ملف الماضي الأليم، ففي المؤتمر السابق اخترنا لهذا السبب شعار «مامفاكينش»، لكن هذه المحطة اخترنا شعارايروم تقعيد هيكل مؤسساتي يمنع تكرار الانتهاكات الجسيمة كهدف أسمى ونهائي لهذه المعالجة، لأن عدم التكرار يعني نقل الوطن والمجتمع إلى الدمقراطية، أي إلى وضع تدبر فيه النزاعات الاجتماعية والسياسية على أسس سلمية ودمقراطية، مما يستدعي تفعيل مطلب الأمن القضائي والحكامة الأمنية. { يبدو أن المنتدى يحمل مشروعا مهيكلا ومؤسسا لدولة الحق والقانون، أليست هذه الاستراتيجية أكبر من طاقة الإطار وألا يتطلب الأمر تطوير الشكل التنظيمي لكي يستوعب كافة المطالب ومكونات المجتمع ؟ صحيح ما أشرت إليه من ملاحظة نقدية ثاقبة، ذلك أنه بالرغم من كون المنتدى ينتمي إلى الصف الوطني الديمقراطي، وأن مبرر وجوده مرتبط بتحقيق الدمقراطية، بحكم احتضانه لقدماء المعتقلين السياسيين، وهم أطر ومناضلون تقدميون، لكن بالنظر إلى وضعهم كضحايا عانوا من التنكيل والتعذيب، وأنهك أغلبهم جسديا ونفسيا، فإن هذه الهوية بين مزدوجتين غير كافية لمواصلة حمل المشعل لوحدهم، فالأمر يقتضي انخراط كافة مكونات المجتمع ونخبه المتنورة، مما يستدعي استقطاب الفاعل السياسي، ليلعب دوره المؤسساتي والنضالي، بحكم العلاقة مع صناعة القرار السياسي والأمني والتشريعي، فهو المناط بتفعيل توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، وعلى الخصوص الشق السياسي منها، فالضحايا عاجزون، في ظل غياب المسافة الضرورية مع مطالبهم الشخصية، عن إبداع الإجراءات والتدابير القمينة بحمل هذا المشروع وخلق شروط نجاح استمراره، وقد لاحظنا كيف أن الطيف الحقوقي تقدم بمذكرات لتعديل الدستور، في حين ظل الفاعل السياسي دون متطلبات المرحلة، حيث كانت السقوف أدنى مما هو منشود في زخم الحراك السياسي والاجتماعي، لذلك علينا جميعا دمقرطة الملف لكي يصير شأنا مجتمعيا وليتحمل الفاعل السياسي دوره الريادي والدستوري . { لكن ما هي آلية تحقيق ذلك في ظل انحسار سياسي وركود المبادرات السياسية؟ أعتقد أن توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة تشكل حد أدنى يمكن أن يشتغل عليها الفاعلون السياسيون من جهة، ومن جهة ثانية، فإن اختيار الشعار وكذا تحيين الأرضية التوجيهية يشترطان ضرورة الانفتاح على غير الضحايا عبر تأسيس آليات لمرافقة الضحايا وعائلاتهم إنسانيا وقانونيا وقضائيا، وخلق آلية لمراقبة ومواكبة الممارسة الاتفاقية للدولة المغربية دوليا، خاصة وأن المغرب قبلت عضويته في مجلس حقوق الإنسان، وهو مضطر لممارسة الرقابة الذاتية والافتحاص الحقوقي التلقائي على نفسه، ثم أظن أن الفاعلين السياسيين لن يختلفوا معنا أن هم شاركوا الطيف الحقوقي في مواكبة وتأطير الصحوة الحقوقية في ضوء تدويل الصراع في الصحراء من بوابة حقوق الإنسان، مما يتطلب معه الأمر، تحويل كل المكتسبات إلى واقع ومؤسسات عبر التنزيل الديمقراطي للدستور، ومراجعة المنظومة القانونية لكي تتضمن التجريم المنصوص عليه في الدستور للاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب؛ فتنزيل مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب ذات مصداقية ومقبولة من طرف مكونات الحركة الحقوقية . مواصلة العمل على تكريس الحق في معرفة الحقيقة وخاصة في ملفات الاختفاء القسري، ثم وضع استراتيجية وطنية للحد من الإفلات من العقاب، بغض النظر عن وضع السياسات الأمنية على أسس من الحكامة، وأن أهم مطلب يؤرقنا في المنتدى، في العلاقة مع مؤشرات التكرار هو ضرورة حماية التظاهر السلمي وجميع أشكال التعبير، وبالمناسبة فسوف نخصص إحدى فقرات الجلسة الافتتاحية للاحتفاء بحركة عشرين فبراير المجيدة من زاوية تكريسها للنضال السلمي والحضاري ضمانا للحق في التظاهر وحتى لا يتكرر ما جرى في الماضي، حيث كانت الكلفة باهظة مقابل تضخيم الانتظارات .